اقتراح لتأبيد العلاقة بين شركات الأموال ومفوّضي المراقبة: التراجع عن أحد أهم إصلاحات قانون التجارة
23/04/2025
يوم غد الخميس، تنعقد الهيئة العامة لمجلس النواب للنظر في عدد من مقترحات القوانين، منها اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي بشكل رئيسيّ إلى تخويل شركات الأموال تعيين مفوّضي المراقبة للتدقيق في حساباتهم لسنوات متتالية من دون أي سقف زمني. ويهدف الاقتراح عمليا إلى تعديل المادة 172 من قانون التجارة البرّية التي فرضت أن لا يتجاوز تعيين مفوضي الرقابة خمس سنوات كحدّ أقصى، وتاليا إلى الإصلاح الذي طرأ على هذه المادة في 2019 ضمن تعديل قانون التجارة العامة. وقد تقدم بهذا الاقتراح النائب ملحم رياشي.
وقد برّر هذا الأخير اقتراحه وفق ما جاء في أسبابه الموجبة بوجود “ضرر” على “شريحة واسعة من خبراء المحاسبة المجازين”، وأنّ العلاقة بين الشركات ومفوّضي المراقبة هي علاقة ثقة، وأنّ تحديد مهلة زمنية تولّد حالة عدم استقرار على المستوى العملي لمفوضي المراقبة ومكاتب التدقيق، وأنّ مفوضي المراقبة المتخرّجين حديثا لا تتكوّن لديهم رؤية مستقبلية بحيث منحهم المشرّع 5 سنوات فقط قبل أن يعودوا إلى نقطة الصفر بحسب رياشي. وقد ختم رياشي أسبابه الموجبة باعتبار أنّ هذا الحدّ الزمني يجب أن ينطبق حصرا على الكيانات ذات الصالح العام بهدف تفعيل مبادئ الحوكمة لجهة المداورة، وهذا ما لا ينطبق على شركات الأموال.
وإذ ورد هذا الاقتراح على جدول أعمال جلسة 24/4/2025 التشريعية، فإنّنا نورد الملاحظات السريعة التالية عليه:
تراجع عن إصلاح العام 2019
للتذكير، فإنّ تعديل قانون التجارة في العام 2019 قد عدّل المادة 172 بحيث نص على عدم جواز تعيين مفوض مراقبة أساسي من قبل الشركات لأكثر من خمس سنوات، وذلك ضمانا لجودة التدقيق وتحسبا للمحاباة. وعليه، يرمي الاقتراح من خلال إلغاء المدة القصوى للتعيين إلى التراجع عن هذا الإصلاح وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء بما يتناقض مع المعايير والممارسات الدولية في هذا الخصوص.
مخاطر تأبيد العلاقة بين الشركة ومفوّض المراقبة
لهذا الاقتراح العديد من المخاطر المحتملة. إذ أن إبقاء نفس مفوّض المراقبة لمدّة غير محدودة سيزيد من احتمالية توطّد العلاقة بينه وبين إدارة الشركة المعنيّة familiarity threat مما قد يُضعف حيادية التقارير الرقابية مع مرور الوقت. أكثر من ذلك، فإنّ إطالة أمد الرقابة من المراقب نفسه سيؤدّي إلى غياب منظور نقدي جديد يقدّمه مراقب جديد، وبالتالي احتمال غضّ الطرف عن عوامل خلل عدة.
وهذا ما تؤكده مراجعة سريعة للمعايير والتوجهات العالمية في هذا الخصوص. وبالفعل، نلحظ أنّ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سجلت في دراستها حول الحوكمة التجارية حول العالم في العام 2022 OECD CORPORATE GOVERNANCE FACTBOOK 2023، أنّ 45 من أصل 49 نظاما تشريعيا (من أهم اقتصادات العالم) تفرض المداورة في مدقٌي الحسابات في الشركات الخاصّة بعد فترة معيّنة (صفحة 142 من الدراسة). وفي العام 2014، أدخلت لائحة التدقيق الأوروبية قواعد تطلب فيها من الكيانات العامة تدوير مقدمي خدمات التدقيق لديها كل عشر سنوات على الأقلّ. في سنغافورة مثلا، وُضع حدّ أقصى للتعيين لمدّة 5 سنوات، على أن تعود إمكانية التعيين بعد انقضاء سنتيْن على السنوات الخمسة للتعيين الأول.
مكافحة الفساد تستوجب مكافحة الفساد في القطاع الخاص أيضا
إذ أكّدت الأسباب الموجبة للاقتراح على أهمّية المداورة بين المدقّقين في الكيانات العامّة بهدف تعزيز مبادئ الحوكمة، فإنّ الاقتراح خلص إلى إلغاء موجب المداورة بالنسبة إلى كل شركات الأموال، وضمنا شركات الأموال المملوكة كليا أو جزئيا من الدولة والمرفق العام أو التي تتولى إدارة مرفق عام.
فضلا عن ذلك، ثمة ضرورة في إلزام الشركات الخاصة بهذه الضوابط التي تسهم في الحدّ من عمليات الفساد. وما يؤكد ذلك هو أنّ تقديم هذا الاقتراح وعرضه على الهيئة العامة يأتي بالتزامن مع فتح ورشة تشريعيّة بشأن مكافحة الفساد في القطاع الخاصّ في لجنة الإدارة والعدل، والتي ذهب خلالها غالبية النواب إلى ضرورة دمج مكافحة الفساد في القطاع العام بمكافحته بالقطاع الخاص، نظرا لترابُطهما. وهذا ما يتأكد أيضا في دليل مكافحة الفساد والنزاهة في الكيانات المملوكة من قبل الدولة الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والذي نصّ في الفقرة الثانية من الفصل الرابع منه (الصفحة 30 منه) على التالي:
“يجب أن يخضع المدققون الخارجيون للشركات المملوكة للدولة لنفس معايير الاستقلالية المُطبقة على المدققين الخارجيين لشركات القطاع الخاص. ويتطلب هذا اهتمامًا وثيقًا من لجنة التدقيق أو مجلس الإدارة، ويتضمن عادةً قصر تقديم الخدمات غير المتعلقة بالتدقيق على الشركة المملوكة للدولة الخاضعة للتدقيق، بالإضافة إلى التناوب الدوري للمدققين أو طرح مهمة التدقيق الخارجي.”
وعليه، من البيّن أنّ اقتراح القانون يتنافى مع أهداف الإصلاح ومكافحة الفساد وأنه في أقل تقدير يحتاج إلى دراسة أوسع قبل إقراره. وعليه، يجدر إسقاط صفة العجلة عنه وإحالته إلى اللجنة النيابية المختصة، ولا سيما أن النائب رياشي لم يبيّن في مذكّرته أسباب الاستعجال في مخالفة النظام الداخلي للمجلس النيابي.
للاطّلاع على اقتراح القانون ومساره: