اقتراح لتفضيل الأدوية المنتجة محلّيا في الشراء العام: دعم للقطاع على حساب مصلحة الخزينة؟
09/09/2024
تقدّم النائبان بلال عبد الله وجورج بوشكيان (وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال) باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادة 16 من قانون الشراء العام بحيث تُمنح الأدوية المصنّعة محلّيا أفضلية بنسبة 50% إذا قدّمت عروضا للشراء العام عن تلك الأدوية المصنّعة خارج لبنان. وقد برّر النائبان اقتراحهما بأهمّية صناعة الأدوية المحلّية وتأثيرها على القطاع الصحي والاقتصاد الوطني وضرورة دعم هذه الصناعة التي تتعرّض لمنافسة أجنبية قوية نتيجة الحوافز الممنوحة للصناعات الأجنبية في بلادها والمفقودة في لبنان.
بالمقابل، يُتيح النصّ الحالي للمادة 16 من قانون الشراء العام المطلوب تعديلها إمكانية إعطاء العروض الـمتضمنة سلعاً أو خدمات ذات منشأ وطني أفضلية بنسبة 10%، بالإضافة إلى اعتماد القانون المذكور لمبدأ تشجيع التنمية الاقتصادية الـمحلية والعمالة الوطنيّة والإنتاج الوطني على أساس القيمة الفضلى من إنفاق الـمال العام، من دون الإخلال بالفعالية.
ويُعدّ هذا الاقتراح هو الثاني بعد الاقتراح الذي كان قدّمه النائبان في 31/1/2024 الرامي إلى استفادة المؤسسات التي تمارس صناعة الأدوية من حسم ضريبي يعادل 90% من الضريبة المتوجّبة على أرباحها الناتجة عن صناعة الأدوية المرخّصة من وزارة الصحّة العامة، سواء كانت هذه الأرباح ناتجة عن عمليات بيع هذه الأدوية في الداخل أو عن عمليات تصديرها إلى الخارج.
إنّ هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية:
دعم غير متناسب يطيح بمبادئ الشراء العام
من البيّن أنّ النص الحالي لقانون الشراء العام يُتيح أصلا إمكانية تفضيل المنتجات المصنوعة محليا ضمن عمليات الشراء العام بنسبة 10%، وذلك تطبيقا لمبدأ تشجيع الإنتاج الوطني المنصوص عنه في المادة الأولى من القانون نفسه. إلّا أنّ هذا الاقتراح والنسبة التفضيلية المرتفعة الممنوحة من خلاله (50%) تُطيح بالجزء الثاني للمبدأ والشرط الجوهري لتطبيقه، وهو الحفاظ على القيمة الفضلى من إنفاق المال العام، من دون الإخلال بالفعالية.
وعليه، يظهر جليّا أنّ منح أفضلية بنسبة 50% للأدوية المصنّعة محلّيا، سيؤدّي إلى فوز بعض هذه الشركات بصفقات معيّنة، إمّا بأسعار أعلى من عروض خارجية أخرى وهو ما يضرّ بمصلحة الخزينة، وإمّا بمواصفات أقل من تلك العروض الخارجية وهو ما يضر بمبدأ فعالية الشراء العام. وما يزيد من خطورة ذلك هو عدم تفعيل المختبر المركزي للدواء وذلك لوضع الصناعة الوطنية تحت الرقابة العلمية والتسعيريّة، ما قد ينسف الهدف الرئيسي من قانون الشراء العام وهو تأمين أفضل الخدمات بأفضل الأسعار.
ويُخشى في حال إقرار هذا الاقتراح، أن يتم تحفيز قطاعات صناعية وزراعية وخدماتية أخرى من المطالبة بنفس النسب التفضيلية الممنوحة لقطاع صناعة الأدوية، ما سينسف عمليا قانون الشراء العام برمّته لمصلحة دعم قطاعات وطنية. ولربما يكون من الأنسب أن تقترح نسبة أكثر اعتدالا كأن يتم اعتماد نسبة 20% أو 25% كحد أقصى.
دعم من دون ضوابط
في هذا الصدد، وبغض النظر عن النسبة التفضيلية المرتفعة، وعلى الرغم من وجوب دعم القطاعات الإنتاجية لجهة انعكاسها المباشر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ هذا الدعم يجب أن يكون ضمن الحدود المعقولة ومن دون أن يؤثر على مصلحة الخزينة العامة وعلى مبادئ الشراء العام. لا بل يجب أن يتم ضبطه ضمن حدود وشروط تُفيد الغاية من القانون المقترح وأسبابه الموجبة بخاصة إذا ما أقرّت النسبة التفضيلية المرتفعة.
فلا يوجد في الاقتراح ما يُلزم من يفوز من المصانع المحلّية بصفقة شراء عام بإعادة استثمار أموال هذه الصفقات في لبنان وبخاصة في القطاع نفسه أو زيادة رواتب الأجراء بسببها، ولا ما يُلزمه بتخفيض أسعار الدواء بنسب معينة تبعا لفوزه في الصفقة العمومية وزيادة أرباحه حكما. وعليه، يُخشى أن تعود أرباح هذه الصفقات وتذهب إلى أصحاب هذه المصانع حصرا كأرباح فتكون نتيجة القانون المقترح حصرا هي زيادة أرباح المصانع وأصحابها والشركات المشرفة عليه من دون أي فائدة فعلية للقطاع والاقتصاد الوطني أو المجتمع ككل.
ختاما، نفيد بأنّنا حاولنا التواصل مع وزير الصناعة جورج بوشكيان للحصول على تعليقه حول ملاحظاتنا المذكورة أعلاه من دون أن نحصل على جواب منه.