قانونا الإيجارات والمدارس الخاصّة لن يُنشرا قريبًا: 3 أخطاء صنعت فوضى غير مسبوقة
28/05/2025
أكثر من أسبوع انقضى على موقف المجلس الدستوري في تاريخ 20 أيار 2025 والقاضي باعتبار القانون المتعلّق بالإيجارات للأماكن غير السكنية غير نافذ وكذلك الأمر بالنسبة للقانون المتعلّق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصّة وتنظيم الموازنة العامة. وفيما كان من المتوقّع أن تبادر المديرية العامة لمجلس الوزراء إلى اتخاذ خطوة ما في هذه القضية كالطلب من الجريدة الرسمية نشر تلك القوانين مجدّدًا، لكن هذا الأمر لم يحدث والظاهر أنه لن يحدث وفقًا للمعلومات التي استقتها "المفكرة القانونية" من مصدر مقرّب من الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، ومفادها أنّ تلك القوانين لا تزال معلّقة في انتظار القرار النهائي لمجلس شورى الدولة بخصوص الطعن في مراسيم الرد.
ويستغرب هذا المصدر قرار المجلس الدستوري لأنّه يمنع مصلحة الجريدة الرسمية من استخلاص النّتائج القانونيّة المنطقيّة للقرار الصادر عن مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ مرسوم رد القانونين المطعون فيهما، الأمر الذي يوجب انتظار القرار النهائي لهذا الأخير أو تحرك رئاسة الجمهورية كي تبادر إلى إصدار هذين القانونين مجدّدًا.
وتضيف مصادر "المفكرة" أنّ قرار مجلس شورى الدولة النهائي إما سيؤدي إلى رد الطعن بمراسيم الردّ ما يعني إعادة تلك القوانين إلى مجلس النواب كي يعيد النظر بها أو إبطال مراسيم الردّ ما يعني أن مهلة إصدار القوانين التي انطلقت في 18 كانون الأول 2023 قد انتهت ما يوجب اعتبار القوانين نافذة حكما ونشرها في الجريدة الرسمية.
وهكذا يتبيّن أنّ قرار المجلس الدستوري كما فهمتْه الأمانة العامّة لمجلس الوزراء لم يساهم في حلّ هذه القضية العالقة منذ أكثر من سنة، لا بل هو أدّى إلى مفاقمة حالة الضياع الدستوري المحيط بها. والحقيقة أن اعتبار المجلس الدستوري أن "مهلة الشهر المنصوص عليها لا تكون قد انقضت في ظل قرار وقف تنفيذ قرار ومرسوم إعادة القانون" يؤدي إلى إفقاد قرار وقف التنفيذ معناه القانونيّ لأن السلطات الدستورية والإدارية لن تتمكن من استخلاص أيّ نتائج قانونية منه تسمح لها بتحديد المصير الدستوري لتلك القوانين. وكانت المفكرة القانونية قد أشارت إلى هذا الاحتمال عندما علقت على قرارات المجلس الدستوري ونبهت إلى غموض موقف هذا الأخير الذي عالج هذه المسألة الشائكة بطريقة مبهمة. والأغرب من ذلك أن المجلس الدستوري كان بإمكانه حسم كل تلك النقاط من دون انتظار القرار النهائي لمجلس شورى الدولة ولا سيما أن هذه المسألة تدخل في صميم اختصاصه.
فمن الناحية العملية يصبح جليا أن المجلس الدستوري استنكف عن القيام بدوره مفضّلا انتظار القرار النهائي لمجلس شورى الدولة معتبرا أنّ مهلة الإصدار تظل معلقة طالما أن قرار الشورى لم يصدر. ولا شكّ أن هذا الموقف مستغربٌ إذ هو يؤدّي إلى مخالفة نصّ دستوريّ صريح يقول بأنّ مهلة الإصدار تنطلق من تاريخ إحالة القوانين إلى الحكومة. إذ أنّ مرسوم الرد لا يقطع المهلة بل هو يلغيها بالكامل كون القانون عند إقراره مجددا في مجلس النواب يحال مرة ثانية إلى رئيس الجمهورية الذي يتوجب عليه أن يصدره خلال شهر أيضا، ما يعني أن المهلة الدستوريّة تنطلق من جديد وهي لا تعلّق بأي حال من الأحوال. فإذا كانت مهلة الإصدار لم تنقضِ كما يقول المجلس الدستوريّ، فإن ذلك يفترض أن رئيس الجمهورية يحق له إصدار القانون، لكن المجلس الدستوري لم يقل متى تنتهي هذه المهلة إذ كيف يعقل إلزام رئيس الجمهورية بإصدار قانون لا مهلة زمنية لإصداره؟ كذلك، إذا كانت مهلة الاصدار لا تزال قائمة، هل يحق لرئيس الجمهورية طلب إعادة النظر بتلك القوانين كون مراسيم الردّ التي أصدرتها حكومة الرئيس ميقاتي جرى وقف تنفيذها أو أن رئيس الجمهورية فقد هذا الحق اليوم وهو أمر مستغرب لأن الدستور يمنحه هذا الحق لا بل هو يشدد على عدم جواز رفض طلب رئيس الجمهورية.
فقرار المجلس الدستوري باعتباره أنّ مهلة الإصدار لم تنقضِ إنما يؤدي إلى خلق حالة دستورية غير مسبوقة بحيث توجد قوانين غير صادرة، ولا مهلة لإصدارها، ولا الجهة المخولة بإصدارها معلومة لأن أيّ موقف سيتخذه رئيس الجمهورية قد يصبح باطلا على ضوء قرار مجلس شورى الدولة النهائي. ففي حال قرر هذا الأخير قبول الطعن، فإنّ ذلك يعني أن مهلة الإصدار انتهت والقوانين باتت نافذة ما يوجب نشرها. أما إذا ذهب القرار إلى ردّ الطعن، فإنّ ذلك يعني أنّ القوانين لا تزال في عهدة مجلس النواب الذي يتوجب عليه إقراراها من جديد.
في النهاية، لا بد من التشديد أن هذه الفوضى الدستورية باتت اليوم نتيجة تضافر ثلاثة عوامل: أولًا، موقف الرئيس نجيب ميقاتي الاعتباطي بالتمنّع عن نشر القوانين بعد صدور قرار الحكومة بإصدارها وكالة عن رئيس الجمهورية، ثانيًا، قرار مجلس شورى الدولة بقبول اختصاصه للنظر بمراسيم الرد بينما هي أعمال حكومية غير قابلة للطعن، ثالثًا، موقف المجلس الدستوري الذي هو في الحقيقة أقرب إلى اللاموقف كونه تهرب من معالجة كل الإشكاليات الدستورية ورمى بالكرة مجددا لدى مجلس شورى الدولة.