هل يسقط البرلمان السرّية المصرفيّة؟ "المرصد" ينشر مشروع القانون كما عدّلته اللجان المشتركة
22/04/2025
يوم الخميس المُقبل، تنعقد الهيئة العامة لمجلس النواب للنظر في عدد من مقترحات القانون، أهمها مشروع القانون المتعلق بالسرية المصرفية والذي كانت اللجان المشتركة قد أقرّته في جلستها المنعقدة في تاريخ 16/4/2025.
وعملًا بدوره في تزويد الرأي العام بالنصوص المقترحة والتعليق على مضمونها، ينشر المرصد البرلمانيّ مشروع القانون المذكور مع تقرير اللجان المُشتركة، مع التذكير بأبرز ما تضمّنه:
أولًا، منح الهيئات الرقابية إمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء
إنه خوّل الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع المطالبة بـ "معلومات محميّة بالسرية المصرفية دون تحديد حساب معيّن أو عميل معيّن، بما في ذلك إصدار طلب عامّ بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء". وقد هدف التعديل المقترح بشكل خاصّ إلى تصحيح قانون 2022 الذي كان جرّد صراحة هذه الهيئات من إمكانيّة الحصول على معلومات بشأن هويّة أصحاب الحسابات المصرفيّة، وذلك بناءً على مُداخلات نوّاب عدّة، أبرزهم النائبيْن جورج عدوان وميشال معوض. ومن شأن هذا الأمر أن يسهل التقصي عن الهندسات المالية ومدى مشروعية الودائع وإخضاع المصارف في علاقتها مع عملائها للرقابة الفعلية. وهذا ما شددت عليه رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا الدباغ التي عرضت الصعوبات التي واجهتها وتواجهها لعدم رفع السرية الكامل.
ويُلحظ أنّ اللجان المشتركة وافقت على مشروع القانون كما ورد في هذا الخصوص، وإن أدخلت عليه تعديلات ثلاثة. التعديل الأبرز تمثل في حذف إمكانية تفويض صلاحية الحصول على المعلومات المذكورة من قبل مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف إلى أي طرف آخر (شركة تدقيق أو ما شابه). وقد تمّ تبرير عدم الأخذ بمشروع الحكومة لهذه الجهة بأنّ ثمة خطورة في إعطاء جهة خاصّة خارجيّة غير مُحلفة حقّ الدخول إلى الحسابات من دون قيّد أو ضوابط من جهة، وبما يرتبه هذا الموضوع من آثار سلبية على المودعين والقطاع المصرفي.
فضلا عن ذلك، أدخلت اللجان المُشتركة تعديلين آخرين أقلّ أهمية: الأول تمثل في التأكيد على وجوب ممارسة هذه الصلاحية "مع مراعاة أحكام القانون 306/2022". ويفهم من ذلك إخضاع طلبات هذه الهيئات لأصول الاعتراض المنظمة في هذا القانون أمام قاضي الأمور المستعجلة؟
أما الثاني، فهو شكلي. فمع التسليم بصلاحية وزير الماليّة في إصدار القرارات اللازمة لتنظيم كيفية الحصول على هذه المعلومات عند الاقتضاء، حصرت اللجان المشتركة هذه الصلاحية بما يوجبه تنفيذ المادة الناظمة لهذه الصلاحية وليس القانون كلّه كما كان ورد في مشروع القانون الحكومي.
ثانيًا: التأكيد على حقّ الهيئات في الاستعلام عن الماضي
إنه كرس أحقية الجهات الرقابية بالاستعلام مع تطبيق بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون. وقد أقرت اللجان المشتركة النص الحكومي في هذا الخصوص كما ورد، رغم تدوين بعض النواب تساؤلات حول مدة المفعول الرجعي.
ونذكّر في هذا المجال أن المفعول الرجعي ارتبط في هذا التعديل بممارسة صلاحيات الهيئات الرقابية حصرا، فيما يبقى من دون أثر بشأن المفعول الرجعي المنصوص عنه في قانون 2022 لجهة إسقاط السرية المصرفية عن فئات الموظفين العامين والمصرفيين والإعلاميين والجمعيات غير الحكومية. كما أنه يبقى من دون أثر على أحقية القضاء والمراجع الأخرى المخولة قانونا (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والإدارة الضريبية وهيئة التحقيق الخاصة) في المطالبة بمعلومات مصرفية من دون أي حدود زمنية.
تعديل الأسباب الموجبة
أخيرًا، يلحظ أنّ اللجان المشتركة عدّلت الأسباب الموجبة للمشروع، بعد أن تخلّل النقاشات العديد من الاعتراضات بشأنها، أبرزها رفض ما ورد في مضمون الأسباب الموجبة لجهة التشريع بناء لطلب جهة أجنبيّة (أي صندوق النقد الدولي) كونه أمرًا يتعلّق بالسيادة، إضافة إلى عدم صحة ورود تعبير وجود التباس في تطبيق القانون وفقا للصيغة الواردة من الحكومة. وعليه، انتهت اللجان المشتركة إلى تعديل الأسباب الموجبة لتصبح "بما أن القانون الحالي بحاجة إلى استكمال لجهة دور مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، لجهة السرية المصرفية ولتحسين الالتزام بالمعايير الدولية في المحاسبة والرقابة دون قيد أو شرط".
ثغرات ما تزال مقلقة
وكانت "المفكرة القانونية" قد أبدت ملاحظات بشأن مضمون المشروع الحكومي، أبرزها: (1) وجوب تمكين الإدارة الضريبية من ممارسة حقها بالولوج إلى الحسابات المصرفية من خلال إلزام الحكومة بإصدار المرسوم التطبيقي المنصوص عليه في قانون 2022 خلال مهلة قصيرة، (2) وجوب توسيع صلاحيات القضاء المختصّ بما فيه النيابات العامة في طلب معلومات مصرفية ولو من باب الاستقصاء ومن دون اشتراط وجود دعوى محددة.
كما من الضروري لضمان نفاذ القانون من دون عراقيل إجرائية، أن يتمّ إلغاء إمكانية الاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة على طلبات المعلومات المصرفية المقدّمة من قبل الهيئات الرقابية وبخاصّة أنّ حقّ الاطلاع لهذه الهيئات هو صلاحية إدارية لا تنتقص من أيّ حقّ فردي.