لجنة كنعان الفرعية تعتدي على النظام البرلماني: كاد المريب أن يقول خذوني
15/05/2025
في تطوّر مريب، عقدت في تاريخ 13 أيار 2025 اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة اجتماعًا يجوز وصفه بالسرّي برئاسة النائب إبراهيم كنعان من أجل متابعة دراسة مشروع القانون الذي أحالته الحكومة حول إصلاح أوضاع المصارف.
ولم يتمكّن باقي النوّاب من المشاركة في هذا الاجتماع كونهم لم يكونوا على علم بحصوله أصلًا، ما دفع بالنوّاب حليمة القعقور وبولا يعقوبيان ونجاة صليبا وياسين وياسين إلى توجيه كتاب إلى رئيس مجلس النواب يعترضون بموجبه على هذه الممارسة كون أعضاء هذه اللجنة الفرعية بمن فيهم رئيسها "أعلنوا بشكل علني أن هذه اللجنة ستجتمع متى شاءت وأينما شاءت، من دون الالتزام بإبلاغ النواب أو الأمانة العامة للمجلس بتوقيت ومكان انعقادها ما يعدّ خرقا واضحا للنظام الداخلي وتحديدا لمبدأ الشفافية البرلمانية ومحاولة غير مقبولة لعزل النواب". وهكذا اقتصر اجتماع اللجنة الفرعية السري على نواب من توجه واحد مع إقصاء كلّ رأي مخالف.
ولا شك أنّ تصرّف اللجنة الفرعية لا يمكن تبريره إطلاقًا. فإذا كانت المادة 24 من النظام الداخلي تنص على حق اللجان الدائمة بأن "تنتخب من أعضائها لجنة فرعية لدرس مواضيع معينة، وعلى اللجنة الفرعية أن تقدم تقريراً بنتيجة أعمالها إلى اللجنة الأصلية"، فإن~ هذا النص لا يمكن فهمه إلّا على ضوء المادة 33 التي تعلن صراحة أنّ "لكل نائب حق حضور جلسات اللجان ولو لم يكن عضواً فيها وله أن يناقش المواضيع المطروحة على البحث وأن يبدي رأيه وأن يتقدم باقتراحات وبتعديلات كسائر أعضاء اللجنة غير أنه لا يحق له الاشتراك في التصويت". وهذا ما أشار إليه كتاب الاعتراض لجهة أن "ما يسري على الهيئة العامة واللجان الدائمة يجب أن يسري حكما على اللجان الفرعية المنبثقة عنها".
وما يفاقم من خطورة تصرف اللجنة الفرعية هو مخالفتها لممارسة مستقرة لم يعترض عليها أحد من قبل كون العديد من النواب كانوا يشاركون في اجتماعات للجان فرعية ليسوا أعضاء فيها، ما يعني أن لجنة كنعان الفرعية تعمّدت السرية وهي مدركة جيدًا أن هذا الإجراء لا يمكن تبريره لا بنص صريح من النظام الداخلي، ولا بأيّ سابقة شهدتها الحياة البرلمانية في لبنان.
وإذا كان عدم الإعلان عن موعد الاجتماع يشكل انتهاكًا لوكالة سائر النواب وحرمانهم من حقهم الدستوري في مناقشة القوانين ومراقبة عمل السلطة التنفيذية عندما يكون مشروع القانون صادرًا عن الحكومة كما في الحالة الراهنة، لكن الأخطر من هذا كله يظهر في الخلفية الذهنية التي انطلقت منها اللجنة الفرعية بغية الاجتماع خلسة بهذه الطريقة المريبة والتي يمكن استنتاجها من هكذا تصرف.
فاللجان الفرعية ما هي في الحقيقة إلا تدبير مؤقت توافق عليه اللجنة الأصلية من أجل الإسراع في دراسة الموضوع، لا سيما إذا كان هذا الأخير يتعلق بأحكام قانونية معقدة. لذلك كل القرارات التي تتوصل إليها اللجنة الفرعية هي غير نهائية لأن اللجنة الدائمة هي صاحبة الصلاحية الأصلية، ما يعني أنه يحق لها عدم الموافقة على بعض أو جميع توصيات اللجنة الفرعية، كما يحق لها إعادة درس الموضوع وتبني توصيات جديدة. وعليه، فإن الإصرار على عقد اجتماعات سرية لا يمكن فهمه إلا إذا كانت ضمن مخطط لفرض ما قد ينتج عنها لاحقا من دون مناقشة في اللجنة الدائمة، الأمر الذي يشكل ضربا لطبيعة النظام البرلماني القائمة على التشاركية وجماعية اتخاذ القرارات. فكأنما النائب كنعان ولجنته الفرعية "السرية" يهدفان إلى وضع النواب أمام الأمر الواقع وفرض تعديلات عليهم تؤدي ربما إلى إفراغ مشروع الحكومة من مضمونه من أجل عرقلة المساعي الإصلاحية والسماح لأصحاب الودائع غير المشروعة من الاستمرار في الإفلات من العقاب.
وهكذا يتبيّن أنّ حق النائب في المشاركة في عمل أي لجنة حتى لو لم يكن عضوًا فيها يتفرّع من حقّه الدستوري في المناقشة والتصويت على القانون في الهيئة العامة كون القرار النهائي يعود دائمًا إلى مجلس النوّاب كهيئة جماعية، ما يعني أنّ الحدّ من حقّ النائب في المشاركة في اللجان مهما كانت هو اعتداء على اختصاصه الدستوري ومسّ بوكالته الشعبية وانتهاك خطير للطبيعة الديمقراطية لمجلس النوّاب.
لذلك يمكن القول بأن لجنة كنعان الفرعية قامت بالاعتداء على النظام البرلماني القائم في لبنان من أجل الدفاع عن مصالح معينة ما دفعها للتعتيم على مشروع قانون إصلاح وضع المصارف ومنع الرأي العام من معرفة المواقف الحقيقية لمختلف الكتل النيابية. فهكذا تصرف مريب يعزز الشكوك في مزاعم الإصلاح التي يرددها النائب كنعان لا بل هي تضعه ولجنته الفرعية في موقع المتهم إذ بات يجوز فيهما القول المأثور: كاد المريب أن يقول خذوني.