اقتراح لبنان القوي لاستعادة الجنسية: محاولة لإزالة العوائق أمام استعادة أجيال المغتربين
09/07/2025
يتبعه حوار قصير مع أحد مقدمي الاقتراح النائب سيزار أبي خليل.
تقدّم نوّاب ينتمون إلى تكتّل لبنان القوي وهم ادكار طرابلسي وجبران باسيل وجورج عطالله وسليم عون وسيزار أبي خليل ونقولا صحناوي وندى البستاني وغسان عطالله وشربل مارون وسامر التوم وجيمي جبور بتاريخ 9 نيسان 2025 باقتراح قانون يرمي إلى تعديل قانون تحديد شروط استعادة الجنسية الذي يحمل الرقم 41 الصادر في 24 تشرين الثاني 2015. وكان هذا القانون قد حظي سابقًا باهتمام النواب إذ تقدّم عدد منهم في أيّار 2023 باقتراح أوّل يرمي إلى إلغاء مهلة العشر سنوات التي يسري فيها قانون استعادة الجنسية وبالتالي جعل هذه المهلة مفتوحة.
وتبيّن أن الاقتراح الجديد يدخل تعديلات أوسع على القانون من الاقتراح الأوّل، إذ يرمي إلى توسيع شروط استعادة الجنسيّة من خلال الإفساح في المجال أمام الأشخاص المدرجة أسماؤهم أو إسم أبيهم أو أقاربهم الذكور لأبيهم حتّى الدرجة الرابعة بدلًا من الدرجة الثانية كما ينص القانون الحالي، للتقدم بطلب استعادة الجنسية. وقد وسّع الاقتراح أيضا طبيعة سجلات الإحصاء التي يتمّ الاستناد عليها في استعادة الجنسيّة، فبالإضافة إلى سجلات 1921-1924 مقيمين ومهاجرين وسجلات 1932 مهاجرين كما في القانون الحالي، أضاف الاقتراح سجلات 1932 للمقيمين.
فضلًا عن ذلك، هدف الاقتراح إلى تقصير بعض المهل الواردة في القانون لا سيّما تلك التي ترسل فيها المديريّة العامّة للأحوال الشخصية الطلبات الواردة إليها إلى المديرية العامة للأمن العام للتدقيق بها، فخفّضها من شهرين إلى شهر واحد، كما المهلة التي للأمن العام أن يتحقق فيها من الطلب المرسل إليه فخفّضها من أربعة أشهر إلى شهرين.
وقد فتح هذا الاقتراح المجال للاستعانة بموظفين من وزارة الخارجيّة عند الاقتضاء لمساندة اللجنة التي ينصّ عليها القانون والتي تنشأ لدى وزارة الداخلية وتتولى دراسة ملفات طلبات استعادة الجنيسة التي يحيلها إليها وزير الداخلية. وينصّ الاقتراح على أن يتم تحديد رواتب أعضاء اللجنة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء ويشترك في اقتراح المرسوم على المجلس وزيرا الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين. كما ينص الاقتراح على أن تشكّل هذه اللجنة بقرار مشترك بين الوزيرين المذكورين.
بالإضافة إلى ذلك، قلّص الاقتراح من دور وزير الداخليّة في الإجراءات التي ترافق دراسة ملف طالب الجنسيّة حتى الموافقة. إذ ينص التعديل أنّ الملفات التي بحوزة اللجنة المذكورة آنفًا لا تحوّل بعد الانتهاء من دراستها إلى وزير الداخليّة، بل باتت تحال مباشرة "إلى المديريّة العامة للأحوال الشخصيّة لدى وزارة الداخليّة والبلديّات وبالتسلسل الإداري إلى دوائر النفوس حيث تقوم الدوائر المعنيّة بتنفيذ الوقوعات على لوائح الشطب وجداول النفوس خلال مهلة شهر من تاريخ إحالة اللجنة الملف إليها وتبلغه إلى صاحب العلاقة".
كما حصر الاقتراح حقّ استئناف قرارات اللجنة بصاحب العلاقة فقط ملغيًّا بالتالي حقّ وزير الداخلية بالاستئناف. وقد رفع الاقتراح مهلة استئناف قرارات اللجنة من شهر إلى شهرين من تاريخ تبليغها إلى صاحب العلاقة بالإضافة إلى بعض المهل الأخرى.
وفي الاجراءات اللاحقة لقبول الطلب باستعادة الجنسيّة وبعد انتهاء مهلة الشهرين للاستئناف، أو بعد صدور قرار محكمة الاستئناف بقبول الطلب، استبدل الاقتراح أيضًا دور رئيس الجمهوريّة في إصدار مرسوم باعتبار صاحب العلاقة لبنانيًّا بإحالة الطلب مباشرة إلى المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة ثمّ إلى دوائر النفوس حيث يتمّ تنفيذ الوقوعات على لوائح الشطب.
أمّا الأسباب الموجبة للقانون فنصّت على أنّ عددًا كبيرًا من "المسجلين على سجلات الإحصاء سنوات 1921-1924 و1932 قد هاجروا وأغفلوا تسجيل وقوعاتهم الشخصيّة على مرّ السنين"، كما أنّ عددًا كبيرًا من الذين اختاروا الجنسيّة اللبنانيّة بين الأعوام 1924 و1958 "لكن الدولة اللبنانيّة تقاعست عن تبليغ معظمهم بحصولهم على الجنسيّة اللبنانيّة" ما أدّى ويؤدّي إلى صعوبات كبيرة للمتحدرين من هؤلاء لاستعادة الجنسيّة اللبنانيّة. وقد برّرت الأسباب الموجبة من خلال "تراكم الأجيال" مسألة توسيع الاقتراح لإمكانيّة طلب الجنسيّة للمتحدّرين من الدرجة الرابعة بدلًا من الثانية كما كما ينصّ القانون وسجلّات المقيمين لسنة 1932 وليس فقط المهاجرين بحيث لا يحصر الأمر ب "أبناء الإخوة المسجلين في هذه السجلات". وتضيف الأسباب أنّ "إدراج المقيمين من شأنه إنصاف من لم يرد إسم أحد أصوله في سجلات المهاجرين، إمّا لكونه قد هاجر إلى خارج لبنان بعد بلوغه سنّ الرشد، فيما بقي له أشقّاء لم يهاجروا وتمّ قيدهم في سجلات المقيمين" ما يوجب تعديل القانون صونًا ل "مبدأي الإنصاف والمساواة معًا"
وقدّ فسّرت الأسباب الموجبة إيلاءها دورًا لوزارة الخارجيّة والمغتربين في موضوع منح الجنسيّة باعتبارها "المرجع الصالح وفق اختصاصاتها وصلاحياتها" ،هي "معنيّة أيضًا بتأمين التواصل مع اللبنانيين المنتشرين وحثّهم للعودة إلى ربوع الوطن".
وقد انتهتْ هذه الأسباب بالقول أنّ "الجنسيّة اللبنانيّة غير مُقيّدة بالزمن، لأنّ لبنان تخطّى الأزمان، ولبنان وجد قبل وجود الحضارات، فهو الأصل والمواطن اللبناني هو الفرع، والفرع يبقى قائمًا طالما الأصل لا زال قائمًا، وبالتالي لا يمكن تقييد استعادة جنسيّته أو حيازتها بقيد زمني، كون الجنسيّة حقّ دستوري يتمتع به الأفراد الذين من أجلهم منح هذا الحقّ".
انطلاقًا ممّا تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية على الاقتراح :
اقتراح يخالف النظام الداخلي
تجدر الإشارة في بداية الأمر أنّ الاقتراح يخالف المادة 101 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على أنّه : "لا يجوز أن يوقع إقتراح القانون أكثر من عشرة نواب" بينما من الملاحظ أنّ الاقتراح الحالي جرى توقيعه من قبل 11 نائبًا.
توسيع البحث عمّن يريد الجنسيّة اللبنانيّة
مع اقتراب انتهاء مهلة العشر سنوات الممنوحة لاستعادة الجنسيّة للمتحدّرين من أصل لبنانيّ في تشرين الثاني 2025، أتى هذا الاقتراح ليزيل هذه المهلة من القانون ومعها أيّ عائقٍ زمنيّ أمام الراغبين باستعادة الجنسيّة اللبنانيّة للتقدّم بطلباتهم. وبالإضافة إلى إزالة هذا الحاجز الزمنيّ، عمد الاقتراح إلى توسيع الحالات التي تسمح باستعادة الجنسية وذلك في اتّجاهين:
- أوّلًا، بات الأشخاص المذكور اسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتّى الدرجة الرابعة في سجلات الإحصاء مؤهّلًا للحصول على الجنسيّة اللبنانيّة، بينما القانون ينصّ حاليًّا على ذكر الأصول "حتّى الدرجة الثانية" فقط.
- ثانيًا، بالإضافة إلى سجلّات الإحصاء التي تؤخذ بعين الاعتبار لدرس طلبات الجنسيّة والتأكد من ورود أسماء الأصول فيها، وهي بحسب القانون سجلات 1921-1924 مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين، أضاف الاقتراح سجلّ 1932 مقيمين.
ولا شك أن الاقتراح يعطي لهذا التوسيع تبريراته، إن لناحية تراكم الأجيال وتعددها وضرورة عدم حصر استعادة الجنسيّة بأبناء الأخوة فقط، وإن لناحية عدم قيام الدولة في فترات معيّنة بتبليغ أصحاب الجنسيّة اللبنانيّة باكتسابهم لها ما حرم المتحدرين منهم من الحصول عليها، أو بهجرة أعداد من اللبنانيين على مرّ الزمن كانوا مسجلين في سجلات إحصاء 1932 للمقيمين. لكن تطبيق القانون رقم 41 منذ صدوره سنة 2015 وحتى اليوم لا يشي بنجاح كبير له ولا بحماسة اللبنانيين في استعادة جنسياتهم، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى توسيع القانون وحقيقة النتائج المرجوّة من هذا التوسيع في زيادة عدد المستفيدين منه.
فمن خلال الرجوع إلى مقال أقامتها المفكّرة القانونيّة، تبيّن أنّه في السنوات العشر المنصرمة بلغ عدد طالبي استعادة الجنسية 2108، وقارب تاليا متوسط طالبيها سنويا حوالي 200 شخصا، وهو رقم منخفض جدا إن بالنسبة للضجة الإعلاميّة التي أثيرت حول القانون والانتظارات منه، أو بالمقارنة مع أعداد الجاليات اللبنانيّة الكبيرة الموجودة في بلاد الاغتراب والتي تبلغ كما يشاع ملايين الأشخاص.
وفي هذا الإطار لا بدّ من التذكير بالملابسات السياسيّة التي أوصلت إلى إقرار القانون رقم 41 إذ أنّه تم التصويت على قانون استعادة الجنسية بموازاة التصويت على توصية بالعمل على إقرار قانون يعطي الحق للأم اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بمنح الجنسية لأولادها في جلسة تشريعية واحدة في 13 تشرين الثاني 2015. وقد أتى ذلك في إطار توافق قامت به السلطة السياسية آنذاك حاولت من خلاله خلق توازن بين استعادة الجنسية التي اعتُبرت أنها تصبّ في مصلحة المسيحيين وبين حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها وهو أمر ترجح القوى المسيحية أنه سيؤدي إلى تعميق اللاتوازن الديمغرافي لصالح المسلمين.
بالتالي، فإنّ هذا الاتفاق لم يأتِ بثماره لناحيتين: أوّلًا لأنّ عدد مستعيدي الجنسية من الجاليات اللبنانيّة ضئيل جدًا بشكل أنّه لا يؤثّر على التوازنات الديمغرافيّة في لبنان. وإذ بيّن مقال آخر للمفكّرة أنّ أكثريّة من استعادوا الجنسيّة هم من أمريكا اللاتينيّة، أي أبناء من هاجروا في أوائل القرن العشرين وأكثريتهم من المسيحيين، فإنّ الأعداد غير كافية للتأثير على المعادلة الديمغرافيّة. وثانيًا، فإنّ العمل على إقرار قانون لتمكين المرأة اللبنانيّة من إعطاء الجنسيّة لأولادها بقي حبرًا على ورق، في مخالفة واضحة لمبدأ المساواة بين اللبنانيين المنصوص عليها دستوريًا. ولا شكّ أنّ الاقتراح المقدّم يمعن في التمييز بين اللبنانيين واللبنانيات فهو لا يأتي على ذكر حقّ المتحدّرين من نساء في استعادة الجنسيّة. ولا شكّ أيضًا أنّ حرمان المرأة اللبنانيّة من إعطاء الجنسيّة لأولادها دفع بالعديد من النساء المتحدرات من أصول لبنانيّة إلى عدم طلب الجنسيّة نظرًا لعدم إمكانيّة إعطائها لأولادهنّ فيما بعد.
إلغاء الحاجة إلى مرسوم كوسيلة لمنع العرقلة السياسية
من التعديلات البارزة التي يدخلها الاقتراح على قانون استعادة الجنسيّة تحويله استعادة الجنسية إلى آلية إدارية من دون تدخل السلطة السياسية وذلك عبر إلغاء الحاجة إلى صدور مرسوم باستعادة الجنسيّة عن رئيس الجمهوريّة بناءً على اقتراح وزير الداخليّة كما تنصّ الفقرة "ز" من القانون والاستعاضة عنه بإحالة طلبات استعادة الجنسيّة المقبولة "إلى المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة لدى وزارة الداخليّة والبلديات وبالتسلسل الإداريّ إلى دوائر النفوس حيث تقوم الدوائر المعنيّة بتنفيذ الوقوعات على لوائح الشطب وجداول النفوس باعتبار صاحب العلاقة لبنانيًّا". بالتالي، باتت استعادة الجنسيّة تمرّ بالقنوات الإداريّة، بدءًا باللجنة المخوّلة درس الطلبات وصولًا مباشرة إلى تنفيذ الوقوعات من قبل الدوائر المعنيّة من دون الحاجة إلى استصدار مرسوم بذلك أي من دون الحاجة إلى الحصول على توقيع وزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء ومن ثم توقيع رئيس الجمهورية، ما يحرّر هذه الآلية من التجاذبات السياسيّة التي قد تعرقل هذا المسار.
ولا شكّ أنّ ما تبيّن في تحقيقات المفكّرة القانونيّة من وجود 666 مشروع مرسوم عائد لقرارات القبول باستعادة الجنسيّة يمتدّ تاريخها من شهر أيلول 2021 إلى شهر كانون الثاني 2025 لم تصدر مراسيمها بعد، يشي بعرقلة قد يكون مرادها نيّة سياسيّة في تعطيل مسار استعادة الجنسيّة. وبالتالي فإنّ حصر مسار استعادة الجنسيّة بالإدارات المعنيّة قد يساهم في الحد من تسييس هذا الموضوع وإخراجه من الصراع بين أركان السلطة التنفيذية التي تستخدمه للتحريض أو للإبتزاز تحقيقا لمصالح سلطوية.
وفي هذا الإطار، كان الملفت أنّ تكتّل لبنان القويّ قد وجّه سؤالًا لرئاسة الحكومة في 19 كانون الثاني 2022 أشار فيه إلى أنّ مراسيم استعادة الجنسيّة قد صدرت بشكل منتظم منذ أيّار 2017 حتّى نيسان 2021، وطالب بتبرير عدم صدور 432 مشروع مرسوم متعلّق باستعادة الجنسيّة قد أحيلوا إليها (من دون تحديد تاريخ الإحالة) ولم يتم إصدارها ضمن مهل معقولة. ولا شك أنّ ذلك يشي بوجود خلاف سياسي حول مراسيم استعادة الجنسيّة بين رئاسة الجمهوريّة (وقد كان الرئيس ميشال عون لا يزال في منصبه حين طرح السؤال) ومعها تكتّل لبنان القوي الذي يعتبر نفسه عرّاب هذا القانون، ورئاسة مجلس الوزراء التي كان يتولّاها الرئيس نجيب ميقاتي في حينها، ما يفسّر نيّة الاقتراح بإزالة كلّ تدخّل من قبل السلطات الدستوريّة في قضيّة استعادة الجنسيّة وحصرها بالقنوات الإداريّة. وقد تفاقم هذا الخلاف مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وانتقال صلاحيّات رئيس الجمهوريّة إلى مجلس الوزراء بسبب الشغور الرئاسي كون مجلس الوزراء بات الجهة المخولة بإصدار مراسيم استعادة الجنسية الأمر الذي كان يعارضه تكتل لبنان القوي بذريعة عدم جواز ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل مجلس الوزراء ما يفسر إصرار الاقتراح على إلغاء الحاجة إلى صدور مرسوم استعادة الجنسية كليًّا.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ الاقتراح يلغي دور وزير الداخليّة في استئناف قرارات اللجنة المكلّفة درس ملفات طلب الجنسيّة وتحصرها بصاحب العلاقة. وفي ذلك أيضًا إشارة إلى حجب دور السلطة السياسيّة في مسار استعادة الجنسيّة.
وبغضّ النظر عن الدوافع السياسيّة التي تقف خلف هذا الأمر، إلا أنّ إلغاء الحاجة إلى مرسوم هو أمر جائز كون الأحكام التي تنظّم الجنسية يحدّدها القانون العادي ولا موجب دستوري يفرض صدور مراسيم لمنح الجنسية أو استعادتها.
الفكر الأسطوري لتبرير الحدّ من سيادة الدولة التشريعية
لم تخلُ الأسباب الموجبة للقانون من أجل جعل استعادة الجنسيّة غير مقيدة بمهلة زمنية من تبريرات أسطورية لا علاقة لها بالمنطق القانوني. إذ هي نصّت على أنّ لبنان "تخطى الأزمان" وأنّه "وجد قبل وجود الحضارات" ما يؤكّد أنّ الجنسيّة اللبنانيّة غير مقيّدة بالزمن. وقد اعتبرت الأسباب الموجبة أيضًا أنّ لبنان هو "الأصل والمواطن اللبناني هو الفرع، والفرع يبقى قائمًا طالما الأصل لا زال قائمًا، وبالتالي لا يمكن تقييد استعادة جنسيته أو حيازتها بقيد زمني". وأشارت الأسباب الموجبة إلى أنّ الجنسيّة حقّ دستوري يتمتّع به الأفراد وأنّ "حق استرداد أو استعادة الجنسيّة هو حقّ مصان بشرعة حقوق الإنسان ولا قيد زمني أو مكاني يحدّ من الحقوق الدستوريّة أو تلك المكتسبة بموجب الشرائع الدوليّة".
ولا شكّ أنّ هذا التوصيف الذي يعتمده الاقتراح من أجل تبرير استعادة الجنسيّة يتّسم بطابعِه الخطابي القائم على المبالغة العاطفية ولا قيمة قانونية حقيقية له، لأنه يخلط بين مسألة تشكّل لبنان والقوميّة اللبنانيّة عبر التاريخ، والوجود القانوني للدولة اللبنانية والجنسيّة اللبنانيّة الخاضعة للدستور والقوانين وسيادة الدولة اللبنانيّة وليس العكس. فلا وجود لمبررات حضاريّة وتاريخيّة تفرض نفسها على المشرّع اللبناني في تقرير كيفيّة منح الجنسيّة اللبنانيّة أو استعادتها. وبالتالي فإنّ وضع مهلة قانونيّة لاستعادة الجنسيّة اللبنانيّة لا يمسّ بالحقوق الدستوريّة للبنانيين أو بالحقوق المكرسة في المعاهدات الدولية بل هو في الحقيقة تعبير عن ممارسة الدولة اللبنانيّة لسيادتها في سنّ القوانين المتعلّقة بالجنسيّة ما يعني حقّ المجلس النيابي بمناقشتها وتحديد شروطها انطلاقا من تقديره الخاص لهذه المسألة.
أما الكلام عن كون لبنان هو الأصل واللبناني هو الفرع، فهو أيضا لا يستقيم من الناحية القانونية بل هو أقرب إلى نظرة ميتافيزيقية للوجود علمًا أن هذه النظرة هي أيضا خطيرة لأنها تنفي قيمة الفرد وتجعله مجرّد تابع لجماعة متخيلة لديها ماهية أزلية لا تعرف الصيرورة التاريخية. فكل هذه التبريرات يمكن استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية لكنها عديمة النفع من الناحية القانونية ولا تصلح لتبرير الاقتراح.
حوار قصير مع النائب سيزار أبي خليل
تواصل المرصد البرلماني مع النائب سيزار أبي خليل بشأن اقتراح القانون الذي تقدمت به الكتلة، وقد شدد النائب أبي خليل في بداية الحديث على أحقيّة استعادة الجنسيّة وعلى عدم سقوط هذا الحقّ بمرور الزمن، واعتبر أنّه لا يجوز حرمان اللبنانيين من استعادة جنسيّتهم التي قد يكونون خسروها بسبب ظروف قاهرة، ما يحتّم حفظ حقّ استعادتها لهم وعدم حصرها بمهلة زمنيّة كما نصّ القانون رقم 41. وقد أشار أبي خليل في هذا الصّدد أنّ هذه المهلة في القانون أتتْ نتيجة التوازنات التي كانت سائدة في مجلس النواب عند إقرار القانون، لكن من الضروري إزالتها.
وفي معرض التّشديد على أحقيّة استعادة الجنسيّة، برّر أبي خليل تحويل استعادة الجنسية إلى آلية إدارية من دون تدخّل السلطة السياسيّة عبر إلغاء الحاجة إلى صدور مرسوم باستعادة الجنسيّة بضرورة عدم إخضاع هذا الموضوع للمناكفات السياسيّة والطائفيّة، مشيرًا إلى التعسّف الذي مارسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم توقيعه مراسيم استعادة الجنسيّة في عهد الرئيس ميشال عون وفي الشغور الرئاسي لأسباب طائفيّة محضة، قائلًا بأن الرئيس ميقاتي قد برر بنفسه عدم توقيعه على المراسيم نظرًا للعدد الكبير من المسيحيين مقارنة بالمسلمين الطالبين استعادة الجنسيّة. وفي معرض السؤال عن المراسيم التي وقّعها الرئيس ميقاتي في ظلّ الشغور الرئاسي وسبب عدم نشرها في الجريدة الرسميّة، أعاد النائب أبي خليل التشديد على انتقائيّة ميقاتي في التوقيع والنشر، موضحًا في الوقت عينه أنّه وكتلته لم يطّلعوا على هذه المراسيم بسبب عدم مشاركتهم في الحكومة في ظلّ الفراغ الرئاسي وبالتالي عدم معرفتهم بهويّة المستفيدين من هذه المراسيم.
وقد برّر النائب أبي خليل جوابًا على سؤال المرصد حول العدد القليل نسبيًّا لمستعيدي الجنسيّة خلال فترة العشرة سنوات بأنّ انطلاقة القانون كانت جيّدة جدًا وكان عدد الطلبات في البداية كبيرا، إلّا أنّ التأخير المتعمّد من قبل رؤساء الحكومات في التوقيع على المراسيم وما نتج عن ذلك من تأخير في إعطاء الجنسيّة قد خفّف بشكل كبير من حماسة طالبي الجنسيّة، معتبرًا أنّ هذا التأخير يأتي أيضًا في سياق المناكفات التي تأخذ طابعًا طائفيًّا.