ملاحظات حول اقتراح قانون لاستعادة صلاحيات أجهزة الجامعة اللبنانية
03/07/2025
ورد على جدول أعمال لجنة التربية والتعليم العالي اليوم اقتراح قانون معجّل مكرّر مقدّم من النوّاب علي فياض وابراهيم الموسوي وحسن فضل الله وحسن عزالدين في تاريخ 14/7/2022 ويرمي إلى استعادة صلاحيات رئيس الجامعة اللبنانية ومجلسها. وينشر المرصد البرلماني هنا التعليق الذي زوّدنا به د. عدنان الأمين، وذلك في سياق متابعته للمبادرات التشريعية.
وقد نصّ الاقتراح "على أنّه خلافًا لأيّ مرسوم مخالف، تُعاد صلاحيات رئيس ومجلس الجامعة اللبنانية كاملة وفقًا للقوانين المنصوص عليها ولاسيّما القانون رقم 75/1967 والقانون 6/1970". وقد جاء في الأسباب الموجبة أن المرسوم الذي وصف على أنه مرسوم "مصادرة الصلاحيات" هو المرسوم رقم 1997/42 المتّخذ من مجلس الوزراء، مع الإشارة إلى أنّه "مخالف لقانون الجامعة اللبنانية رقم رقم 1967/75" إذ إنّه "لا يحق لمجلس الوزراء مخالفة القانون بمرسوم وهذا بالأصل ليس من صلاحياته". كما أن الأسباب الموجبة اعتبرت أن من شأن مصادرة الصلاحيات على هذا الوجه أن يؤدي إلى "تسلّل السيّاسة إلى البنية الأكاديميّة للجامعة" وسيطرة "المحسوبيّات والتوصيات السياسيّة والمناطقية والطائفية في الجامعة" و"تعطيل عمليات التفرّغ وفق المعايير الأكاديمية وظهور أزمات في بنية الأقسام الأكاديمية" وازدياد "الحاجة إلى أساتذة متفرغين وكفوئين ويؤدّون كلّ ما تكلفهم الجامعة من مهامّ لا بدّ منها لاستقامة أمورها ونهوضها".
ومن أهم ما نصّ عليه التعليق الذي ننشره كاملا، الأمور الآتية:
- يبدو الاقتراح وكما ورد "عامًا" إذ لم يُحدّد أي صلاحيات يُريد استرجاعها،
- أنّ اكتفاء الاقتراح بالقول "خلافًا لأي مرسوم" أغفل أنّ هناك قانونًا نزَعَ الصلاحية من الجامعة أيضًا؛ وهو القانون رقم 66 تاريخ 4/3/2009، الذي نص على "اقتراح عقود التفرغ والترشيحات للتعيين...وفقا للألية المنصوص عليها بالمرسوم رقم 9084 تاريخ 13/11/2002 واقتراح عقود التدريس والتدريب بالساعة الواحدة"، وهو المرسوم الذي نصّ على أن تعرض "لائحة العقود المقترحة على مجلس الوزراء للموافقة عليها" ما يعني أنّ مجلس الوزراء يُقرّر أسماء المتعاقدين بالساعة أيضا.
- أنّ "مرسوم مصادرة الصلاحيات" الذي ذكر في الأسباب الموجبة ليس كذلك. والواقع، أنّ ما يسمّى مرسوما لا يعدو كونه قرارُا اتخذه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 19/3/1997 ونص على "وقف التعاقد للتدريس في الجامعة اللبنانية إلا بموافقة مجلس الوزراء"، أي أنّه مجرّد بند في محضر وكان يمكن لأي حكومة لاحقة أن تلغيه بقرار وهو لا يحتاج إلى قانون. (المرصد)
موجبات اقتراح القانون
يقيم القانون حجته في الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح على أساس وجود "مرسوم مصادرة الصلاحيات الذي اتخذه مجلس الوزراء تحت الرقم 42/1997". في الواقع لا يوجد شيء اسمه مرسوم 42/1997. والبناء على خطأ يبطل الاستنتاج والهدف من القانون. فما يُسمى مرسوم 42/1997 هو قرار اتخذه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 19/3/1997 ونصّ على "وقف التعاقد للتدريس في الجامعة اللبنانية إلا بموافقة مجلس الوزراء". أي أنّه مجرّد بند في محضر وكان يمكن لأي حكومة لاحقة أن تلغيه بقرار أيضا، وهو لا يحتاج إلى قانون لإلغائه. كما أنّ أيا من المراسيم التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة للتعاقد للتفرغ مع عشرات أو المئات أو الآلاف من الأساتذة، وآخرها في العام 2014، لم يرد في بناءاتها أي ذكر لا لمرسوم اسمه 42/1979 ولا لقرار بهذا الاسم. وينطبق ذلك على مشاريع التفرغ التي رفعت لاحقا ولم تقرّ لأسباب تتعلق بالتوازن الطائفي، وآخرها المشروع الذي رفع في العام 2022، واشتمل على 1520 إسمًا.
في الممارسة، آثرت الحكومات المتعاقبة العمل على هدي القرار المذكور (42/1997) طوال السنين ال28 الماضية لأن مثل هذا القرار يوفر الشروط المثلى للمحاصصة السياسية في عقود التعاقد بالتفرغ في الجامعة اللبنانية. وقد ترافق ذلك مع صمت نيابيّ تام طوال تلك الفترة. وهو أمر يعزى إلى أن تلك الحكومات كانت صورة مصغرة عن المجالس النيابية المتعاقبة. مع العلم أن القرار المذكور مخالف نصًا وروحًا لقانون تنظيم الجامعة اللبنانية رقم 75 لعام 1967، ولقانون التفرغ رقم 6/70 تاريخ 23/2/1970، وينزع عن الجامعة إحدى صلاحياتها.
مفهوم صلاحيات رئيس ومجلس الجامعة كما يتناولها اقتراح القانون
ينصّ اقتراح القانون على أنه يستهدف إعادة الصلاحيات الى رئيس الجامعة اللبنانية ومجلسها. وهذا كلام عامّ وغامض. القضية الحقيقية هي صلاحيات الرئيس والمجلس في موضوع محدد هو التعاقد بالتفرغ (التي أخذها مجلس الوزراء في العام 1997) وفي موضوع التعاقد بالساعة التي أخذها مجلس الوزراء في العام 2002. لذلك فإن نص الاقتراح القانون كما ورد يضيّع الموضوع من جهة ويفضي من جهة ثانية إلى التباس لأن هناك قانونًا ثانيًا نزَعَ الصلاحية أيضا.
فقد صدر في العام 2002 مرسوم ينزع صلاحية الرئيس والمجلس في موضوع التعاقد بالساعة. وهو المرسوم رقم 9084 تاريخ 13/11/2002. وهو ينص في مادته الثانية على أن "تعرض...لائحة العقود المقترحة على مجلس الوزراء للموافقة عليها". أي أنه بحسب هذا المرسوم يجب أن يقرر مجلس الوزراء أسماء المتعاقدين بالساعة أيضًا. والملفت في هذا المرسوم أنه بني "على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي" وبعد "موافقة مجلس الجامعة اللبنانية بتاريخ 16/4/2002"، أي أن نزع صلاحية مجلس الجامعة جاء بناء على طلب مجلس الجامعة نفسه.
ثم قام المشترع بإعطاء هذا المرسوم (رقم 9084) قوة القانون، وقد حدث ذلك مع إقرار القانون رقم 66 تاريخ 4/3/2009، الذي نصّ على "اقتراح عقود التفرغ والترشيحات للتعيين...وفقا للألية المنصوص عليها بالمرسوم رقم 9084 تاريخ 13/11/2002 واقتراح عقود التدريس والتدريب بالساعة الواحدة".
ومؤدّى ذلك المرسوم وهذا القانون وخيمة على الجامعة. فقد فقدت الجامعة قدرتها على إجراء العقود بالساعة فاستبدلت الأمر بتدبير لا يعتمد به إلا في الحالات الخلافية يسمى "عقود المصالحة". فالمادة 1035 من قانون الموجبات والعقود تنص على أنّ عقد المصالحة هو عقد يحسم النزاع بين فريقين. فهو تسوية معتمدة لدفع المستحقّات نظراً لتعذّر اتّباع الأصول القانونية لتنفيذ النفقة المنصوص عليها في قانون المحاسبة. وفي حين أصبحت عقود المصالحة ذات الطبيعة الاستثنائية هي القاعدة، لم يطالب أحد لا في الجامعة ولا في السلطتين التنفيذية والتشريعية بحلّ هذه المشكلة. وفجأة تمّ حلها بتدبيرٍ شخصيّ، بعد التوافق بين رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي، بناء على طلب رئيس الجامعة، من خلال قرار حكومي بتفويض وزير التعليم العالي بتوقيع العقود بالوكالة عن مجلس الوزراء. وبهذه الطريقة جرى تحويل جميع العقود بالساعة حتى العام 2022 (تاريخ هذه التسوية) إلى عقود نظامية. ولما لم يسعَ أحدٌ إلى حلّ مشكلة المرسوم 9084 من أساسها، فإن عقود الساعة بعد هذا التاريخ (2022) عادت لتتمّ في باب "عقود المصالحة".
انطلاقًا ممّا تقدّم، نعم يجب أن تستعيد الجامعة اللبنانية صلاحياتها، ليس بلغة عامّة وإنما في موضوع محدد هو التعاقد بالتفرغ والتعاقد بالساعة. ولذلك يجب على مستوى مجلس الوزراء أن يصدر مرسومًا يحدد أصول التعاقد بالتفرغ ويعيدها إلى مجلس الجامعة. وهذا ما تعمل عليه وزيرة التربية والتعليم العالي اليوم وذلك لأول مرة في تاريخ الحكومات اللبنانية منذ العام 1997. أمّا على مستوى التشريع فيجب تعديل المادة 32 من القانون 66 للعام 2009 بحيث يزال ذكر المرسوم 9084 فيه، والاستعاضة عن ذلك بذكر الآليات المطلوبة، هذا فضلًا عن إعادة النظر بالمرسوم 9084 نفسه كليًا أو جزئيًا.