اقتراح إنشاء ضريبة على الثروة: ضريبة بحاجة لدراسة جدوى اقتصادي

عماد صائغ

11/04/2022

انشر المقال

هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.
تقدّم النائب تيمور جنبلاط في 14/4/2021 باقتراح قانون ينشئ ضريبة على الثروة. 

وقد استند الاقتراح في أسبابه الموجبة إلى ضرورة مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وضعف الموارد المتوفّرة لدى الدولة، بوسائل من بينها فرض ضريبة على الثروات عملا بمبدأيْ التكافل والتضامن الاجتماعيين كما حسن توزيع الثروة وحسن استثمارها.

وبالفعل تظهر هذه الضريبة كإحدى الوسائل الفُضلى لإعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة في العالم وهي مشكلة متجذّرة في لبنان، حيث يعاني من عدم مساواة حاد في توزّع الثروات التي تتركز 70% منها في أيدي 10% من الشعب. وقد صُنّف لبنان من بين أكثر 20 بلدا يعاني من عدم مساواة في توزيع الثروات. إلا أنه يقتضي النظر في ما إذا كانت هذه الثروة قادرة على أن تُساهم في تعافي لبنان الاقتصادي والاجتماعي في ظل الأزمة الحاليّة.

يطرح الاقتراح فرض ضريبة بصيغة تصاعديّة بحسب مجموع قيمة الثروة، على أشخاص القانون الخاص بما فيهم الطوائف، التي يقيّم مجموع ثروتهم بما يعادل المليون دولار أو ما فوق. وتحدّد نسبة الضريبة هذه ضمن 8 شطور وفقاً للآتي:

1- ضريبة 0.5% على الثروة بين مليون وخمسة ملايين دولار.

2- ضريبة 1% على الثروة بين 5 و10 ملايين دولار.

3- ضريبة 2% على الثروة بين 10 و25 ملايين دولار .

4- ضريبة 3% على الثروة بين 25 و50 ملايين دولار.

5- ضريبة 4% على الثروة بين 50 و100 ملايين دولار.

6- ضريبة 5% على الثروة بين 100 و500 ملايين دولار .

7- ضريبة 6% على الثروة بين 500 مليون ومليار دولار .

8- ضريبة 7% على الثروة فوق المليار دولار.

يعاني هذا الاقتراح من إشكاليات عديدة، أبرزها:

أوّلا، يغيب عن الاقتراح أي تعريف لهذه الثروة وما تشمله وأي توضيح لآليات احتسابها ما عدا لناحية متعلقة بسعر الصرف، حيث تصدى الاقتراح لاشكالية احتساب الضرائب إلى اليوم على سعر صرف 1515 ل.ل. للدولار (ما عدا بعض الاستثناءات)، مما يفقدها أكثر من 80% من قيمتها. فيُحتسب وفق الاقتراح مجموع الثروة ويقيّم بالدولار الأميركي أو ما يعادله، بحسب "السعر الرائج بتاريخ استحقاق الضريبة". ومن الجائز اعتبار أن "السعر الرائج" يشير إلى السعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة في السوق، وليس إلى أسعار الصرف (المتعدّدة) التي يعتمدها مصرف لبنان.

بالعودة إلى غياب تعريف الثروة المشمولة بالضريبة في الاقتراح، من المفيد الإشارة إلى أنّ هذه الضريبة تتخذ أشكالاً مختلفة حول العالم. فتُفرض على كافة الأصول (كما هي الحال في إسبانيا، والنرويج، وسويسرا) أو على بعض أنواع الأصول (العقارية في فرنسا، الاستثمارية في إيطاليا). بالمقابل، يعطي الاقتراح انطباعاً من خلال عنوانه على أنّه يفرض ضريبة على مجموع الثروة، ليتّضح من التمعّن فيه أنه يستثني بشكل صريح أصولا عديدة وهي العقارات غير المبنيّة المستثمرة زراعيّا، والعقارات المبنيّة المستخدمة فعليّا لسكن أصحابها، والعقارات المبنيّة المخصّصة للبيع أو التأجير من الغير كوحدات سكنيّة، والمصانع والمواد الأوليّة المخصّصة للاستخدام في هذه المصانع ومنتجاتها المعدّة للبيع، وأخيرا الأموال المنقولة وغير المنقولة المملوكة من المؤسسات التربويّة والتعليميّة المستخدمة عمليّا في التعليم. وبالتالي يتبيّن أن الضريبة على الثروة تُفرض فعليا على بعض الأصول وليس على كامل الثروة وتستثني أجزاء هامة من الثروة المتعلّقة بالقطاع العقاري، رغم تركّز الثروة فيه بشكل كبير في لبنان، وازدياد هذا التركّز تحديداً في العقود الثلاثة الأخيرة (ويقدّر أن 93% من التحويلات إلى لبنان منذ  1993 إلى 2018 المقدّرة ب230 مليار دولار وظّفت في القطاع العقاري). وقد تلقّفت بعض الدول مثل فرنسا إلى أهمية هذا القطاع كمصدر دخل للدولة والتي رغم إلغائها الضريبة على كامل الثروة، أبقتها على الأصول العقاريّة (Impôt sur la fortune Immobilière ISF). كما من الواضح أن هذه الاستثناءات ستعود بالنفع خصوصاً على الطوائف بحيث تؤدي إلى تعريف محدود جداً لثرواتها.

ثانيا لناحية فرض هذه الضريبة في السياق العالمي، يشكّل هذا النوع من الضرائب على الثروات إحدى أدوات إرساء مزيد من العدالة الاجتماعيّة من خلال إعادة توزيع الثروات بما يسمح بزيادة إنفاق الدولة على خدماتها الاجتماعية. ولكنها عادة ما تفرض في ظروف اقتصادية أقل حدة من تلك التي يشهدها لبنان. أما على الصعيد اللبناني في ظلّ ضعف موارد الدولة والانهيار الاجتماعي الاقتصادي الحاصل يتضارب رأيان لناحية فعالية فرضها في الوقت الحالي.

ففي دراسة للباحثة ليديا الأسود  تقترح "فرض ضريبة 10% على الثروة تُجبى لمرة واحدة من المواطنين الأكثر ثراءً من أجل تمويل عمليات الإغاثة الضرورية جدًاً" حيث أن القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين قد انهارت ووحدها فئة ال10% لا تزال تتمتّع بالموارد . وتحدّد الدراسة أن "من شأن فرض ضريبة استثنائية قدرها 10% على أصحاب المليارات أن يؤمّن ما نسبته 2 إلى 3 في المئة من الدخل الوطني، وهو رقمٌ أعلى من مجموع المَبالغ التي تُجبى راهنًا من ضريبة الدخل التصاعدية التي يسدّدها كل اللبنانيين مجتمعين". ويكتسب ذلك أهمية قصوى في ظل انهيار الناتج المحلّي منذ 2019 إلى النصف، وفي ظل الحديث عن احتياج لبنان - إن بقي التعاطي و"معالجة" الأزمة على حاله - إلى أكثر من 25 عاماً للعودة إلى قيمة الناتج المحلّي ما قبل الانهيار. كما تشير هذه الدراسة إلى ضرورة القيام بإصلاح ضريبي شامل عبر "فرض ضريبة عامة وتصاعدية على الدخل، من خلال فرض ضرائب على جميع مصادر الدخل مجتمعةً، بدلًا من كل مصدر على حدة. ويجب أن يشمل ذلك مختلف أنواع مداخيل رأس المال". كما تقترح "رفع معدلات الضريبة على الشطور العليا، والتي تُفرَض على المداخيل الأعلى، ولا سيما أن هذه المعدّلات منخفضة جدًّا وفقًا للمعايير الدولية والتاريخية".

من ناحية أخرى، يرى الخبير الضريبي المحامي كريم ضاهر (رئيس جمعية حقوق المكلّفين في لبنان) أنّ فرض ضريبة على الثروة اليوم خلال الأزمة قد يأتي بنتيجة معاكسة حيث أنه كان من المفترض فرضها خلال فترة أفضل اقتصاديا بما يُفعّل الخدمات الاجتماعيّة. أما اليوم ومع خروج الرساميل يقتضي تشجيعها على العودة للنهوض الاقتصادي حيث أنه يمكن لأصحاب الثروات إما إخراج الرساميل أو تغيير مكان سكنهم لدولة تتمتع باتفاقية عدم ازدواج ضريبي مع لبنان لتجنّب دفعها، وهو ما يُفقد لبنان رساميل أكبر. واعتبر أن الحلّ قد يكمن برفع الضريبة على الدخل والأرباح مع تعزيز ثقافة الالتزام الضريبي وتشجيع الاستثمار عبر منح تحفيزات ضريبية كما إرساء محاسبة جديّة. كما من الضروري إيجاد الأطر الكفيلة بمحاربة الممارسات التي تسمح بتركّز الثروات كالاحتكارات. وقد شدّد على ضرورة القيام بدراسة جدوى اقتصادي لأي ضريبة قبل فرضها بما يؤمن العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية لأن الهدف النهائي والعملي هو تأمين موارد للدولة بما يؤمن شبكة أمان اجتماعيّ.

ختاما، يجدر التشديد على أن أيّ ضريبة جديدة لن تلعب دورها الاجتماعي المفروض، إلا في حال اقترنت بسياسات اقتصادية وطنية وإصلاحيّة عادلة، تمنع تركّز الثروات بشكل كبير، وتشجّع المنافسة وتحول دون نشوء الاحتكارات والامتيازات وهو ما يعاني منه لبنان. كما من الواضح أن فعالية هذه الضريبة ترتبط بتفعيل موجب التصريح على المكلفين، والالتزام الضريبي وبإلغاء السرية المصرفية بما يسمح بمراقبة جدية للحسابات في المصارف خاصة لكون معظم أصحاب الثروات إما مساهمين أو مدراء في المصارف أو على علاقات وثيقة بها. 

لتحميل الاقتراح