اقتراح تحالف التغيير: تقسيم بيروت إلى جزر مولّدات كهربائية
05/07/2024
قدّم النائب وضّاح الصادق، عضو كتلة "تحالف التغيير"، في تاريخ 2/7/2024 اقتراح قانون يجيز لبلدية بيروت الترخيص بإنتاج الطاقة. وأبرز ما تضمنه الاقتراح هو إعطاء بلدية بيروت صلاحية منح أذونات وتراخيص إنتاج الكهرباء وتوزيعها، على أن تشتري الشركات المرخّص لها كامل إنتاج شركة كهرباء لبنان المخصص لبيروت وأن تغطّي الحاجات المتبقيّة من خلال إنتاجها الخاصّ. ونص الاقتراح على أن الترخيص للشركات يعطى تبعا لمناقصات واستدراج عروض تقوم بها مؤسسة كهرباء لبنان على أساس دفاتر شروط نموذجية، وفق قانون الشراء العام، ومن دون رقابة وزارة الطاقة. كما يقترح تنظيم هذه العقود وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر عام 2017.
وقد برر النائب الصادق اقتراحه بأن لبنان يعاني من أزمة كهرباء حادّة، مما يرغم المواطن "البيروتيّ" على دفع تكاليف باهظة للاشتراك بالمولّدات الخاصة، بينما الكهرباء سلعة أساسية واستراتيجية لحياة كل مواطن وكلّ القطاعات وهي ضرورية لضمان حياة المجتمعات المعاصرة. بالإضافة الى أن قانون البلديات يولي البلدية صلاحيات إنشاء وإدارة المرافق العامة محلياً، وبما في ذلك من توجه نحو اللامركزية، ونظراً لقدرة بلدية بيروت على تأمين نسبة مهمة من حاجات المقيمين في نطاقها وقدرتها على ضبط الهدر والتعليق غير الشرعي بفعالية أعلى من الرقابة المركزية. كما أشار الاقتراح إلى أنّ قانون تنظيم قطاع الكهرباء قد أنهى احتكار "مصلحة كهرباء لبنان" لقطاعي إنتاج وتوزيع الكهرباء وأولى الهيئة الناظمة صلاحية إعطاء تراخيص وأذونات الإنتاج في مختلف المناطق، إلا أنه لم يتم تعيين هذه الهيئة. فضلا عن ذلك، استمدّ النائب صادق حجة إضافيّة لتبرير اقتراحه قوامها وجوب ضمان "العدالة والمساواة بين اللبنانيين في حقوقهم وواجباتهم كما نص الدستور" وعدم التمييز فيما بينهم أو بين المناطق، بمعنى أن تمنح امتيازات إنتاج الكهرباء وتوزيعها لشركات في بيروت تماما كما حصل في زحلة بموجب القانون رقم 107/2018.
بناء على ما تقدم، يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات التالية:
مخالفة المادة 89 من الدستور
ينص هذا الاقتراح على تفويض بلدية بيروت بصلاحية منح تراخيص لشركات خاصة بإنتاج وتوزيع الكهرباء ضمن الإطار الجغرافي لبيروت بموجب قرار يصدر عن مجلسها. إلا أن ذلك يتعارض مع القاعدة الدستورية المنصوص عنها صراحة في المادة 89 من الدستور اللبناني التي تمنع منح أيّ التزام أو امتياز إلا بموجب قانون. وعليه، يكون نص الاقتراح مخالفا للدستور طالما أنه نقل صلاحية الامتياز من المشرع إلى بلدية بيروت.
وما يزيد من قابلية هذا الأمر للانتقاد هو أن الاقتراح انطلق من ضرورة مساواة بيروت بزحلة كما بسائر المناطق، لينتهي في منح بلدية بيروت صلاحيّة غير دستوريّة بمنح الامتيازات من دون العودة إلى المشرّع، الذي له وحده هذه الصلاحية بمنح امتيازات انطلاقا من تمثيله الإرادة العامة.
تراخيص بإنتاج الكهرباء من خلال موتيرات ضخمة؟
لم يتطرق الاقتراح إلى كيفية إنتاج الكهرباء من قبل الشركات المزمع الترخيص لها. فلا نجد فيه أي إشارة إلى وجوب إنتاج الكهرباء عبر وسائل مستدامة صديقة للبيئة (الطاقة الشمسيّة مثلا). ويفهم من ذلك أنّ إنتاج الكهرباء الذي ستقوم فيه هذه الشركات هو الإنتاج الحاصل حاليا في بيروت بواسطة مولدات (موتيرات) ضخمة منتشرة بين الأحياء والبيوت. وما يعزز ذلك هو ضيق المساحات غير المبنية في بيروت أو المساحات التي يمكن الاستفادة منها لوضع ألواح الطاقة الشمسية.
وبذلك، رشح الاقتراح عن تجاهل تام للفاتورة الصحية والبيئية الضخمة التي يتكبدها سكان لبنان وبخاصة بيروت. وتجدر الإشارة هنا بشكل خاص إلى دراسة أجريت في الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2021 بإشراف أستاذة مادة الكيمياء المتخصصة بالتلوث الهوائي والنائبة د. نجاة صليبا، بعنوان "تحديد النقاط الساخنة لتلوث الهواء في المناطق الحضرية من خلال نمذجة التشتت عندما تكون البيانات ناقصة: التطبيق على مولدات الديزل في بيروت، لبنان"، تبيّن أنّ المولدات العاملة على الديزل هي من الملوّثات الرئيسية للغلاف الجوي في لبنان. كما تشير الدراسة إلى أنّ بيروت تعاني من مستوى عالٍ لتركّز الجزئيات الدقيقة يتجاوز بـ 150% المعدّل الذي وضعته منظمة الصحة العالمية. وهذا ما عادت النائبة صليبا وذكرت به في 4 آذار الماضي، وقد أشارت في حديث إعلامي إلى وجود 469 مولدا في شارعين في منطقة الحمرا و9000 مولد في العاصمة بيروت.
وكان من الممكن فعليّا الاستفادة من آلية التشريع لوضع تصور متكامل يتيح ربما الاستفادة من مجرى نهر بيروت لإقامة محطة طاقة شمسية.
تقاسم احتكارات الأحياء في بيروت؟
أمر آخر ملفت في الاقتراح هو استخدام التراخيص والأذونات بالجمع دائما وليس بالمفرد، على نحو ينسف احتمال منح ترخيص لشركة واحدة كما هو الأمر في زحلة ويؤكد النية بمنح تراخيص لشركات عدة. وأكثر ما يخشى هنا هو أن تنتهي المناقصات واستدراجات العروض إلى حصر التراخيص بالشركات وأصحاب المولدات الناشطة حاليا في أحياء بيروت. وما يزيد من هذه الخشية هو طبيعة الإنتاج المطلوب والذي قد يفرض اشتراط المؤهلات الآتية عند تقديم أيّ عرض وهي (1) تمتع الشركة المعنية بالخبرة و(2) بمساحات غير مبنية لوضع مولدات كهرباء ضخمة، فضلا (3) عن امتلاكها هذه المولّدات. وكلها مؤهلات تتوفر بشكل خاص لدى أصحاب المولدات العاملين حاليا في بيروت فيما يصعب على أي كان توفيرها ضمن مهل قصيرة. وأغلب الظن أن مؤدى هذا الاقتراح في حال إقراره هو توزيع تراخيص هي أشبه باحتكارات على أحياء بيروت بما يعكس الواقع الاحتكاري الحاصل حاليا ويشرّعه. كما يرجّح أن يأخذ هذا التوزيع طابعا طائفيا بحيث تحدّد دوائر الاحتكارات على أساس دوائر النفوذ السياسي والطائفي السائدة حاليا، فتتحول بيروت رسميا إلى ما يشبه جزر مولدات كهربائية، كل منها تابعة لطائفة تجمع بين الشركة والسكان.
ناخبو بيروت يقررون شروط حياة سكانها
أخيرا يجدر التذكير إلى أنه نتيجة حرمان العدد الأكبر من سكان بيروت من المشاركة في انتخاب مجلسها البلدي تبعا لحصر الهيئة الناخبة بالمسجّلين رسميا في نفوسها، فإن منح البلدية الصلاحية المقترحة في حال حصوله سيؤدي إلى تمكين عدد قليل من سكان العاصمة من تحديد شروط حياتية بالغة الأهمية لكل المقيمين فيها، سواء من ناحية حق الوصول إلى الكهرباء أو كلفته المالية أو البيئية.
في الخلاصة، يتماشى هذا الاقتراح مع فقدان سياسة عامة في لبنان ترعى تقديم الخدمات الأساسية بشكل لائق، لتحل مكانها أنصاف الحلول المحليّة التي يطغى عليها الطابع الشعبوي وتدفعنا إلى البحث عن المصالح المراد حمايتها وتعزيزها.
للاطّلاع على اقتراح قانون الذي يجيز لبلدية بيروت الترخيص بإنتاج الطاقة