اقتراح حول تنفيذ قرارات بلديّة بيروت: عندما يختبئ شبح المناصفة خلف اللامركزيّة

نيقولا غصن

24/04/2025

انشر المقال

تقدّم النائبان نبيل بدر وعماد الحوت بتاريخ 8 نيسان 2025 ب اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى "ضمان تنفيذ القرارات البلدية في بلديّة بيروت". وإذ يُبقي الاقتراح على السلطة التنفيذيّة في بلديّة بيروت بيد محافظ بيروت كما تنصّ عليه المادة 67 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 الصادر سنة 1977 (قانون البلديات)، إلّا أنّه يضيف آليّة تقوم على منح المحافظ 15 يومًا من أجل تنفيذ قرار المجلس البلدي، ويتوجّب عليه في حال اعتراضه على التنفيذ أنّ يوجّه "ردّا خطّيا إلى المجلس البلدي مرفقًا بأسباب قانونيّة واضحة ومعلّلة لعدم التنفيذ". عندها، يمكن للمجلس البلدي "الطلب من وزير الداخلية النظر في الاعتراض خلال مهلة عشرة أيّام، وفي حال عدم الردّ يعتبر القرار نافذًا حكمًا". كما ينصّ الاقتراح أنّه عند نظر الوزير بشكاوى المجلس البلدي بعدم تنفيذ قراراته يمكنه أن يحيل الملف إلى التفتيش المركزي. 

من ناحية أخرى، تعتبر الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ الوضع القائم في بلديّة بيروت لناحية امتلاك المحافظ السلطة التنفيذيّة يؤدّي إلى "تداخل غير صحي بين السلطات". كما أنّه "أسفر في حالات عدّة عن شلل في العمل البلدي أو تعطيل متكرّر لقرارات المجلس البلديّ المنتخب". وتشير الأسباب الموجبة إلى أنّ الوضع السّائد أدّى إلى "إضعاف فعاليّة المجلس البلدي" و"خرق مبدأ المحاسبة الشعبية في الإدارة المحلية" كما تعطيل مشاريع حيويّة  للبلديّة. وبالتالي، يأتي الاقتراح من أجل توضيح صلاحيات كلّ من المجلس البلدي والمحافظ، مع "اعتماد مهل تنفيذيّة واضحة وفرض التزام السلطة التنفيذية بتنفيذ قرارات السلطة المنتخبة". 

انطلاقًا ممّا تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية على الاقتراح : 

  • تنطلق الأسباب الموجبة للاقتراح من "مبدأ فصل السلطات وتوازنها" فتصفها بأنّها "الركن الأساسي في النظام الديمقراطي" وتعتبر أنّ الحكم المحلي يستند على هذا المبدأ لتمكين البلديات من ممارسة سلطتها بشكل فعّال. إلّا أنّ الاقتراح يخلط بين مفهوم فصل السلطات الذي يتعلّق بالسلطات الدستوريّة، أي التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، ومبدأ اللامركزيّة الذي يشكّل السند الفعلي لعمل البلديّات، بصفتها سلطات تتمتع باستقلال ذاتيّ وبشخصيّة معنوية منفصلة عن الدولة المركزيّة. وبالتالي، فإن إبقاء الاقتراح على السلطة التنفيذيّة بيد المحافظ، بالرغم من وضع آليّةٍ لإلزامه بتنفيذ القرارات، يُشكلّ استمرارًا في إفراغ البلديّة من سلطتها وبالتالي إفراغ اللامركزيّة من مضمونها وفعاليّتها. 
  • إن العلاقة بين المحافظ وبلدية بيروت لا يمكن فصلها عن اعتبارات لها علاقة بالتوزيع الطائفي للمناصب في كيفية إدارة العاصمة. من هنا، يمكن فهم تعدّد اقتراحات القوانين التي تريد تكريس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في بلدية بيروت بنصّ قانوني على أن يتم في المقابل الحدّ من صلاحيات المحافظ، ما يعني أن منطق المقايضة هو السائد في كيفية تنظيم العلاقة بين المحافظ المجلس البلدي.
     
  • إنّ الاقتراح بنصّه المبهم لا يوضح ما إذا كان لوزير الداخليّة أن يحلّ محلّ المحافظ في تنفيذ قرارات المجلس البلدي كونه يتوجّب عليه الفصل في الاعتراض. فهل يعمد وزير الداخلية إلى تنفيذ القرار البلدي مباشرةً أو انه يوعز إلى المحافظ بالتنفيذ؟ كذلك لا يحدّد الاقتراح الجهة التي ستتولى تنفيذ القرار عندما يصبح نافذًا حكمًا، هل هو رئيس البلدية أم أنّ المحافظ يصبح ملزمًا بتنفيذ القرار؟
     
  • كان بالإمكان النص على آلية مختلفة تماما تعزز مبدأ اللامركزية الذي يطالب به العديد من النواب في هذه الفترة عبر منح القضاء الإداري صلاحية البتّ في النزاع القائم بين المحافظ والبلدية على أن يتمّ ذلك من ضمن سلطة الوصاية التي يمارسها المحافظ ما يفترض نزع السلطة التنفيذية من هذا الأخير ونقلها إلى رئيس بلدية بيروت مثل باقي البلديات في لبنان مع منح المحافظ الحقّ بإحالة قرارات البلدية ضمن مهل معينة إلى القضاء الإداري للبتّ في مشروعيتها وهي الآلية المتبعة في فرنسا (déféré préfectoral). 

في الخلاصة، يتبيّن أنّ الاقتراح الحالي بحصره حقّ المحافظ بالاعتراض على القرارات البلدية لاعتبارات قانونية يريد في الحقيقة أن يقول أن المحافظ لم يعد يحقّ له تقدير مدى مناسبة القرار بل فقط مدى قانونيته، وهي خاصية تدخل في ماهية سلطة الوصاية المحدودة. وبالتالي، يريد الاقتراح فعليا تعديل الطبيعة القانونية للعلاقة بين المحافظ والبلدية كي تصبح سلطة وصاية لكنه في المقابل يحتفظ للمحافظ بوظيفته كسلطة تنفيذية لبلدية بيروت ويعزز من جهة أخرى من صلاحيات وزير الداخلية. وهكذا يتبين أن هذا الاقتراح لا يهدف فعلا إلى تعزيز اللامركزية بل إلى إيجاد تسوية تعيد النظر في التوازن بين المحافظ والمجلس البلدي انطلاقا من اعتبارات طائفية بحتة.