"الدولار الطالبي" يصطدم بعجز التشريع
28/01/2022
طلب رئيس الجمهورية ميشال عون في 7/1/2022 من مجلس النواب إعادة النظر باقتراح القانون المتصل بالدولار الطالبي. وكان المجلس النيابي أقرّ في جلسته التشريعية المنعقدة في 7/12/2021 الاقتراح المذكور وهو يرمي إلى إلزام المصارف العاملة في لبنان بصرف مبلغ 10,000 دولار أميركي، وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، للطلاب اللبنانيين الجامعيين الذين يدرسون في الخارج قبل العام 2020–2021. وهو يأتي ليضمن لهؤلاء الحصول على العملة الصعبة وفق سعر الصرف الرسميّ للسنة الثانية على التوالي ولحين تخرّجهم، وذلك في الاتّجاه نفسه الذي كان حدّده القانون رقم 193 الصادر في 16/10/2020 القاضي بإلزام المصارف العاملة في لبنان بصرف مبلغ مماثل وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، عن العام الدراسي 2020-2021 ولمرة واحدة فقط. وقد أتى هذا الاقتراح كمحاولة للتعويض عن عجز السلطات العامة عن إقرار قانون كابيتال كونترول كان يفترض أن يكون الأداة المناسبة لتحديد الأولويات الاجتماعية التي تتطلب أن تخصّص لها موارد بالعملة الصعبة.
وعليه، سنعرض في القسم الأول من هذه المقالة أهم أحكام الاقتراح الذي تمّ إقراره قبل أن نتناول في القسم الثاني أسباب ردّه من قبل رئاسة الجمهورية لنُبدي ملاحظاتنا في الخاتمة بشأن العجز التشريعي عن بلورة المجالات التي يجدر إعطاءها أولوية في تحويل العملة الصعبة إلى الخارج.
ماذا تضمّن الاقتراح الذي تم رده؟
أضاف الاقتراح الذي أقرّه البرلمان فقرتين إلى المادة الأولى من القانون 193/2020. ومن أهمّ ما تضمّنه أنه جعل الاستفادة من قانون الدولار الطالبي 193/2020 سنوية لحين تخرّج الطالب بحيث يسمح إما بتحويل حتى 10 آلاف دولار وفق سعر الصرف الرسمي للدولار من حساب الطالب أو أولياء أمره أو ممن لم يكن لديهم حسابات في المصارف بالعملة الأجنبية أو العملة الوطنية اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار.
إلّا أنه لم يشمل إلّا الطلاب الذين يدرسون في الخارج قبل العام 2020-2021 بمعنى أنّ الطلاب الذين بدأوا دراستهم خلال العامين الدراسيين 2020-2021 و2021-2022 غير مشمولين بأحكامه.
أما معيار التخرّج فقد ربطه بشرط ألّا يتجاوز عدد سنوات الاستفادة من هذه المبالغ عدد السنوات المقرّرة للاختصاص الواحد على أن يفهم بسنوات الاختصاص الواحد، السنوات الدراسية المقرّرة لمراحل الاختصاص المحدّدة بالاستناد إلى أنظمة كل من مؤسسات التعليم العالي والمعاهد الفنيّة.
كما فرض عقوبة المادة 670 من قانون العقوبات على المصارف الممتنعة عن تنفيذ هذا القانون وتالياً ممثليها والتي تصل إلى سنتين حبس وهي العقوبة المفروضة على جرائم إساءة الأمانة. وقد أُضيفت العقوبة الجزائيّة من باب ردع المصارف عن المُماطلة في قبول الطّلبات، بحيث لا يضطر ذوو الطلاب إلى إقامة دعاوى قد تستغرق أشهراً عدة وربما السنة الدراسية بأكملها للاستفادة من أحكام القانون.
أسباب ردّ القانون
بنى رئيس الجمهوريّة ردّه للقانون على ثلاث نقاط أساسية:
أولاً، المسّ بمبدأ المساواة الدستوري المنصوص عنه صراحةً في البند "ج" من مقدّمة الدستور كما في المادة 7 منه، معتبراً أنّ على القانون أن يشمل الطلاب اللبنانيين الجامعيين الذين درسوا ويدرسون في الخارج خلال العامين 2020 – 2021 و2021 – 2022 والمسجلين في الجامعات والمعاهد التقنيّة العليا قبل إقرار القانون وليس فقط الطلاب الذين يدرسون في الخارج قبل العام 2020-2021.
وفي حين أنّ هذه الحجّة ترتكز إلى أسباب جدية، تجدر الاشارة إلى أنّ القانون لا يفرّق فقط بين الطلاب اللبنانيين في الخارج المسجّلين قبل العام 2020-2021 وبعده بل أيضاً بين الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج والذين يدرسون في لبنان في حين أن القطاع التعليمي الرسمي والخاص الوطني يعاني من مشاكل مالية تهدّده بالانهيار وهو الذي يشمل العدد الأكبر من الطلاب اللبنانيين. هذا بالاضافة إلى التفرقة بين الطلاب اللبنانيين في الخارج وباقي المواطنين من غير الطلاب خاصة المودعين منهم (مع التذكير أنّ بعض الطلاب المستفيدين من القانون ليسوا أصلا بالضرورة مودعين كما يتحصل من الاقتراح موضوع الرد وهذا ما سنعود إليه). ونلحظ أنّ الاقتراح الذي تمّ إقراره لم يتضمّن أيّ دراسة واقع اقتصادي لتبرير أحقّية استخدام العملات الصعبة لغرض إكمال اللبنانيين الذين بدأوا دراستهم في الخارج ما قبل 2020-2021 مسارهم التعليمي (وهم بالطبع فئة متضرّرة) بالأولوية على فئات واسعة من اللبنانيين لحقوق أخرى أساسية، وعلى ما قد يقتضيه الأمن الطاقوي والغذائي والصحي للبلاد. ويتأتى هذا الأمر في موازاة استمرار تغييب أي تشريع فعّال يضع قيوداً عادلة ومنطقية على حركة الرساميل، ويرشّد استخدام الاحتياطي المتبقي، بعد قرابة العامين على تبلور ملامح الانهيار المالي والاقتصادي.
ثانياً، عطف القانون الذي جدّد العمل به 193/2020 الصريح على سعر صرف رسمي للدولار الأميركي 1515 وهو بحسب الرئيس "ما من شأنه أن يطرح أسئلة محورية لجهة تحديد القيمة الرسميّة للدولار الأميركي بالليرة اللبنانيّة ومرجعيّة التحديد، فيما لو كانت المشترع أو مصرف لبنان، خاصّة على ضوء تزاحم القيم المتداولة في مختلف النصوص التنظيميّة من قرارات وتعاميم وسواها أو المعمول بها في المنصّات المستحدثة بموجب هذه النصوص، وهو الذي من شأنه تشتيت السعر المرجعي للدولار الأميركي بالنسبة لليرة اللبنانيّة". بالفعل يشكّل سعر الصرف مع تعدّده إحدى أهم الإشكاليات التي تؤدي إلى تدهور قيمة العملة الوطنية مع ازدهار سوق المضاربة على العملة الوطنية. ويأتي هنا اعتراض الرئيس بمثابة اعتراض رسمي قد يكون الأول من نوعه على طريقة تحديد سعر (الأصح أسعار) صرف العملات الأجنبية بصورة اعتباطية من مصرف لبنان.
ثالثاً، تطبيق المادة 670 من قانون العقوبات عند امتناع المصرف عن تنفيذ أحكام هذا القانون ، ما يعني "توصيف الامتناع جرميّاً بإساءة الأمانة واختلاس الوديعة".هنا تجدر الإشارة إلى حالتين متعلقتين بتطبيق المادة 670 أشار الرئيس إلى إحداها فقط فيما لم يتطرق إلى الأخرى.
فلم يتطرّق إلى الحالة الأهم والتي كانت سببا رئيسيا لوضع هذا القانون والمتمثّلة برفض المصارف تحويل أموال للطلاب أصحاب الودائع بالدولار الأميركي المقيمين في الخارج وانطباق فعل المصارف على جريمة إساءة الأمانة واختلاس الوديعة وهو ما لا تأخذ به المحاكم وحاول تصحيحه القانون والدفع به.
إلا أنه أصاب في إشارته إلى الحالة الثانية المتمثلة بعدم إمكانية معاقبة المصارف لعدم تحويل أموال بجرم إساءة الأمانة في حالة عدم امتلاك الطلاب أو أولياء أمرهم حسابات أي ودائع في المصارف لعدم توفّر الركن المادي للجريمة.
عجز تشريعي
لا يشكّل طلب رئيس الجمهورية بإعادة النظر بقانون الدولار الطالبي حالة استثنائية في التشريع اللبناني خاصة خلال آخر سنتين بل يندرج ضمن مسار تشريعي غالبا ما ينتهي إلى العجز عن التشريع مع الحفاظ بطريقة أو بأخرى على ماء وجه مجمل الأطراف المتخاصمة في مجلس النواب.
فإقرار قوانين بصيغ مشوّهة ولأسباب ديماغوجية في الغالب، إنما يمهد في الغالب لرئيس الجمهورية ردها لأسباب مبررة. ومن شأن هذا الأمر أن يثير تساؤلات حول مدى توفّر نية المشرعين الذين صوتوا لصالح هذه القوانين، لإقرارها جديا وإذا ما كان التصويت عليها يأتي من باب الشعبوية فقط أم أنه يرمي إلى تحقيق نتيجة فعلية. وما يزيد من قابلية هذه الفرضية هي عدم جديّة سعي القوى الداعمة لهذا القانون لإقرار قوانين تؤدي إلى إيجاد حلول مستدامة وعادلة لكلّ الأطراف مثل قانون الكابيتال كونترول (الذي عادة يشمل استثناءات التعليم، السكن والطبابة ويحدد الأولويات بطريقة مدروسة)، وخطة تعافي اقتصادي توزع الخسائر بعدالة وتضع خطة نهوض بدل وضع أولياء الطلاب والطلاب بوجه المودعين.
أمّا بالنسبة للطرف الآخر الذي يرد القوانين، فإن إعادة القانون لا تعكس دوما حرصا كافيا على تحقيق المصلحة العامة، بحيث تأتي في الغالب كردة فعل من دون أن تترافق مع إرادة سياسية قوية لدفع التشريع في اتجاه أو آخر. فكما أن رئاسة الجمهورية بدت عاجزة عن إعطاء الزخم لقانون الكابيتال كونترول، فإنها أظهرت العجز نفسه عن فرض رفع السرية المصرفية لصالح النيابات العامة وفق ما عبرت عنه في ردها لاقتراح رفع السرية المصرفية منذ قرابة سنتين.
وبذلك، يكاد يصبح رد القوانين آلية جديدة لتظهير عجز النظام السياسي عن وضع قوانين تعكس مقتضيات المصلحة العامة، وهو عجز يتيح للقوى المسيطرة فعليا (من مصارف، محتكرين، أحزاب ونافذين) الاستمرار في فرض الأمر الواقع من دون رادع وكل ذلك على حساب المجتمع برمّته.
1 عملا بالصلاحية الدستورية الممنوحة له في المادة 57 من الدستور،
2 هو عبارة عن دمج لاقتراحين أحدهما مقدّم من كتلتي الوفاء للمقاومة واللقاء الديمقراطي والثاني من كتلة التنمية والتحرير وقد جرى تقديم الاقتراح المدمج من قبل النواب بهية الحريري، فادي علامة، ابراهيم عازار وبلال عبد الله.