الدولة تتخلى عن أملاكها ومواردها

المرصد البرلماني

25/11/2021

انشر المقال

يبيّن التمعّن بالقوانين والاقتراحات المتعلّقة بالضرائب والإنفاق والأملاك العامة، خصوصاً بالنظر إلى موازنتي 2019 و2020، انعدام أي رؤية اقتصادية أو حتى معالم أي خطة لدى مختلف أحزاب السلطة لعبور الأزمة الاقتصادية. وعدا عن أن السلطات العامة تخلّت وما زالت تتخلّى عن أملاكها العامّة وبدت عاجزة عن اتّخاذ أيّ مبادرة لأقلمة سياستها الضريبية مع الأزمة في اتجاه ضمان مواردها، فإنها وجدت نفسها عاجزة عن ضمان استمرارية المرافق العامة أو ضمان الدور الحمائي للدولة للفئات الأكثر فقرا وهشاشة.

وقد صدّق البرلمان في هذا المجال 4 قوانين يغلب عليها انكفاء الدولة عن تحصيل إيرادات على أي إرادة لتحصيل ضرائب تمكنها من مواجهة الأعباء العامة المتزايدة.

 

1- تفسير بعض أحكام المادة 67 من قانون الرسوم القضائيّة

صدّق في 28/5/2020[1] اقتراح القانون الرامي إلى تفسير بعض أحكام المادة 67 من قانون الرسوم القضائيّة.

يفسر هذا القانون عبارة "المبلغ المطلوب تحصيله" الواردة في الفقرة الأولى من المادة 67 من قانون الرسوم العقاريّة الصادر بتاريخ 10/10/1950، على أنها تعني، في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة في الدعاوى العقارية، القيمة الرائجة للعقار المدعى به بتاريخ تقديم الدعوى أمام المحكمة المختصة.

وقد جاء هذا القانون ليحسم الالتباس حول معنى العبارة حيث أن بعض دوائر التنفيذ كانت تعتمد أحد إجرائين لاحتساب الرسم النسبي على طلبات تنفيذ أحكام صادرة في دعوى عقارية: إما اعتماد قيمة العقار المحدّدة لدى تقديم الدعوى أو تعيين خبير لتحديد قيمة العقار بتاريخ تقديم طلب التنفيذ بحيث يعتمد هذا التخمين أساساً لاحتساب الرسم النسبي. ومن شأن هذا التعديل عمليا أن يخفض من إيرادات الدولة طالما أنه يفترض أن يكون ثمن العقار عند تنفيذ الحكم أعلى من ثمنه المخمّن عند تقديم الدعوى، وبخاصة بعد انهيار قيمة العملة الوطنية.

 

2- قانون معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك البحرية

صدّق في 7/3/2019 [2] اقتراح قانون معجّل مكرّر مقدّم من النواب محمد الحجار، نزيه نجم، جوزف اسحاق في 15/11/2018  يهدف إلى تعديل الفقرة 5 من المادة 11 من القانون رقم 45 تاريخ 21/8/2017 (معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية). حددت هذه الفقرة بنسختها الأساسية مهلة ثلاثة أشهر للمخالفين لتقديم ملفات "معالجة المخالفات ومهلة أخرى لتسديد الرسوم والغرامات المتوجبة عليهم" تحت طائلة إنهاء إشغالهم غير المشروع. هدف القانون إلى تمديد هذه الفترة فمدّد مهلة إجراء تسوية حتى 30/10/2019 بعد أن كانت قد انتهت في 20/1/2018.

ملاحظات: أدّى هذا القانون إلى منح الجهات المخالفة والمعتدية على الملك العام منذ عقود مزيدا من التنازل والتسامح غير المبررين. وكانت قد نبّهت المفكرة في عدد من المقالات المنشورة [3] أن المهلة الممنوحة والممدّدة لمعالجة التعدّيات على الأملاك البحرية الحاصلة قبل 1994 كان من المفترض أن تنتهي في آخر تشرين الأول 2019، مما يوجب على السلطات الرسمية وضع حدٍّ لأيّ تعدٍّ لم يُقدّم ملف معالجة بشأنه، وذلك في موازاة دراسة الملفات المقدّمة تمهيدا لتحديد الموجبات المترتّبة عليها على أساس القانون رقم 64/2017. وإذ نشرت وزارة الأشغال العامة والنقل أن عدد الذين تقدّموا فعليّا بطلبات معالجة قبل ذلك التاريخ بلغوا 386 فيما أن ما يقارب 700 معتدٍ لم يقوموا بأيّ إجراء، طالبت "المفكّرة" النيابة العامة التمييزية ووزارة الداخلية بالتحرّك لوضع اليد على الأملاك المعتدى عليها من قبل هؤلاء. هذا مع العلم أنّ التعديات الحاصلة ابتداء من 1994 لا تقبل أي معالجة ويقتضي إخلاؤها وفق القانون فوراً.

إلا أن النيابة العامة ووزارة الداخلية لم يتّخذا أيّ خطوة فعلية لتمكين الدولة من استرداد أملاكها أو على الأقل أي مساحاتٍ تُمكِّنها من مواجهة أزمة الكورونا من خلال تأمين أماكن حجر. ولم تنقضِ فترة قصيرة حتى توقفت مجمل الاجراءات بعدما تذرّعت الجهات المعتدية على الأملاك العامة (وأقرّت النيابة العامة بذلك) بأنها تستفيد بصورة رجعيّة من قانون تعليق المهل الصادر في شهر أيار 2020 والذي اعتبر المهل على اختلافها معلقة ابتداء من 18/10/2019 وحتى 31/10/2020، وذلك بهدف حفظ الحقوق. وقد برّر هؤلاء مواقفهم بأن قانون تعليق المهل شاملٌ لا يخرج عنه إلا بعض المهل المحدّدة صراحة وبصورة استثنائية فيه، وأن المهلة لتقديم ملفات معالجة للتعديات ليست من ضمن هذه الاستثناءات. وبمعزل عن مدى سدادة هذا الرأي، فإن المجلس النيابي عاد ليمدّد العمل بقانون تعليق المهل في شهر آب حتى آخر سنة 2020 من دون أن ينصّ صراحة على استثناء مهلة معالجة التعديات، على نحو حال دون تدارك الخطأ الأصلي في هذا المجال. وقد انتهت هذه الذريعة اليوم بعدما عدل قانون تعليق المهل 199/2020 والذي أقره المجلس النيابي في 21/12/2020 عن استخدام مبدأ التعليق الشامل للمهل، وخصّص التعليق بمهل محدّدة. 

وتبعا لذلك، وفي حين كان وضع حدٍّ لهذه التعدّيات مطلوبا بشدّة في إطار السّعي لاسترداد الأملاك المنهوبة لمواجهة انهيار الدولة، فإنّه بات بالتأكيد أكثر إلحاحاً منذ تراكم الأزمات، وما تفترضه التّعبئة العامّة المعلنة من حشدٍ للطاقات والموارد الداخلية.

 

3- قانون تعديل رسم الطابع المالي على رخص استثمار المياه العموميّة

صدّق في جلسة 21/4/2020[4] اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من النواب علي فياض، فادي سعد، إدي أبي اللمع وبلال عبد الله في 17/12/2019.

يعدل القانون رسم الطابع المالي على رخص استثمار المياه العمومية مفرقا بين الحائزين عليها بحيث يصنفهم إلى خمس فئات ممتازة وأولى وثانية وثالثة ورابعة بحسب عدد الأجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي ووفقا للتصاريح الدوريّة المقدمة لمديرية الضريبة على القيمة المضافة.

 بالإضافة إلى ما سبق يحدّد قيمة هذا الطابع بحسب النشاط المتوخّى من الاستثمار حيث يكون الأعلى في حال كان ناتج عن رخصة استثمار عمومية لأغراض تعبئة المياه وبيعها من الغير، لينخفض في حال كان لأغراض صناعية ويصل إلى حدّه الأدنى في حال كان عن رخصة تعبئة الماء وبيعها.

ملاحظات: بحسب الأسباب الموجبة لهذا القانون فإن موازنة 2017 التي توازي بين أفراد ومؤسسات غير متساوين في حالتهم تؤدي إلى اختلال التوازن في العدالة التي نصت عليها مقدمة الدستور والمادة 7 منه مع تشديد النواب على مبدأ العدالة الضريبيّة.

غير أنّ أهم الانتقادات لهذا القانون تتمثّل في أنه مثال ساطع عن كيفية تعاطي السلطة مع  الثروة المائية[5] كمجرّد "سلعة" مدرّة للأموال دون أي رؤية شاملة للثروة المائية وكيفية استثمارها بشكل مستدام بشكل يحفظ حقوق الأجيال القادمة.

كما أنّه يصنف المؤسسات التي تستثمر المياه العمومية بحسب عدد الأجراء المسجلين في صندوق الضمان في حين أن العديد من أصحاب العمل لا يسجّلون أجرائهم في صندوق الضمان الاجتماعي. 

وقد برز اقتراح قانون لتعديله إلا أنه يمضي في مخالفة مقتضيات المصلحة العامة. فقد تقدم النواب علي فياض وأمين شري باقتراح قانون معجّل مكرّر في 15/12/2020  لتعديل القانون رقم 166 تاريخ 8/5/ 2017 الذي يعدّل المادة 35 من القانون 66 تاريخ 3/11/2017[6]، وضع على جدول أعمال جلسة 21/12/2020[7] لكنّه لم يدرس.

فيعمد الاقتراح إلى جعل هذا الرسم بمعدّل 1% من قيمة البدل السنوي لرخصة إشغال الأملاك العمومية على ألا تقل قيمة الرسم عن مليون وخمسمائة ألف ل.ل ولا تزيد عن 50 مليون ل.ل. ويخفّض الاقتراح قيمة الرسم إلى النصف إذا كانت الرخصة تتناول مرور خطوط جر مياه الشرب والري أو خطوط تصريف المياه المبتذلة في الأملاك العمومية التي تمرّ فيها خطوط سكك الحديد (شرط ألا يقل الرسم عن الحدّ الأدنى المذكور أعلاه).

كذلك يعمد الاقتراح إلى تخفيض رسوم رخص استثمار أو تعبئة المياه. فيلغي من جهة أولى التصنيف المستحدث في نيسان بين 5 فئات من المؤسسات. كما يلغي من جهة أخرى التصنيف الذي كان قد اعتمده قانون الموازنة عام 2017 بين رخص استثمار مياه عمومية لأغراض صناعية، ورخص استثمار مياه عمومية لأغراض تعبئة المياه وبيعها، ورخص تعبئة المياه وبيعها (دون استثمار المياه العمومية). ويستحدث الاقتراح تصنيفاً جديداً بين 3 رخص لاستثمار المياه العمومية يصبح الرسم مقطوعاً بشأنها. كما يخفض الاقتراح رسم رخصة تعبئة المياه وبيعها (دون استثمار) بالنسبة إلى قانون موازنة 2017 .

بالإضافة إلى ذلك يعطي مفعولاً رجعياً لجميع هذه النسب الجديدة بحيث تطبّق من تاريخ صدور قانون الموازنة عام 2017 (القانون 66)، حيث يتضمّن مادة لتسوية أوضاع المتخلّفين عن دفع هذه الرسوم منذ 2017، بحيث ينص على أنه “لا يتمّ فرض غرامات على الأشخاص الذين يقومون بتسديد الرسوم المتوجبة عليهم عن سنوات 2017 وما بعد” خلال مهلة معيّنة من تاريخ نشر القانون (6 لرسوم التراخيص السنوية و3 لرخص استثمار المياه العمومية).

يندرج هذا الاقتراح ضمن الإطار نفسه للقانون الذي يعدّله، والذي يفرّط بأملاك الدولة تحت حجة الوضع الاقتصادي دون أخذ بعين الإعتبار انهيار العملة حيث اعتبرت الأسباب الموجبة أن رسم الطابع المالي على الترخيص بإشغال الأملاك العمومية ببدلات رمزية والبالغ 10 مليون ل.ل. “أصبح كبيراً جداً خاصة أن هذه التراخيص تمنح غالباً للبلديات والمؤسسات العامة”.

 


[1] المرصد البرلماني-المفكرة القانونية، كامل نتائج الجلسة التشريعية أيار 2020، موقع المفكرة، 30/5/2020

[2] المرصد البرلماني-المفكرة القانونية،  أبرز ما أقرّه المجلس النيابي اللبناني في دورته الإستثنائية: (+) اتفاقية للحد من تغيير المناخ (-) القاعدة الإثني عشرية، الإقتراض بالعملات الأجنبية، تمديد المهلة لتسوية الأملاك البحرية، موقع المفكرة القانونية، 8/3/2019

[3] نزار صاغية، لارا مداح، استرداد الأملاك البحرية المنهوبةيعود إلى الواجهة: لا مهل إضافية للاعتداء على الملك العام، موقع المفكرة القانونية، 11/1/2021

[4]المرصد البرلماني-المفكرة القانونية، كامل نتائج الجلسة التشريعية نيسان 2020 (5): آلدورادو القنب وطريق البقاع السريع،  موقع المفكرة القانونية، 26/4/2020

[5] ميريم مهنا، لور أيوب، ملاحظات حول قانون المياه اللبناني الجديد، موقع المفكرة القانونية، 10/5/2019

[6] كامل نتائج الجلسة التشريعية نيسان 2020 (5): آلدورادو القنب وطريق البقاع السريع، 26/4/2020، املفكرة القانونية المرصد البرلماني

[7]  لمرصد البرلماني-المفكرة القانونية، ملاحظات حول اقتراحات قوانين لمواجهة أزمات لبنان: من تُسعف الدّولة في ظلّ ندرة الموارد؟، موقع المفكرة القانونية ، 21/12/2020