"السلطة" مصرّة على "الكابيتال كونترول": لا قانون أم جلسة الثلاثاء المقبل؟

إيلي الفرزلي

20/04/2022

انشر المقال

مرّة جديدة يطير قانون الكابيتال كونترول من اللجان المشتركة، وللسبب نفسه. في كانون الأول الماضي طارت الجلسة ولم تُعقد مجدداً، بعدما ربط النواب إقرار الكابيتال كونترول بوجود خطة اقتصادية "تظهر فيها أرقام مقنّعة [U1] تأتي إلى المجلس ونتأكد من صحتها وسلامتها للحفاظ على حقوق المودعين"، كما أعلن نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي حينها. لكن هذا الموقف لم يصمد، تحت ضغط الأحكام التي بدأت تصدر ضد المصارف وتلزمها تسليم ودائع إلى أصحابها، إذ سارعت الحكومة إلى تبنّي مشروع قانون جديد، يؤكد على المنطق نفسه: إعطاء براءة ذمّة للمصارف ووضع قيود على المودعين، من دون وجود أي رؤية للخروج من الأزمة. وبعدما حوّل رئيس المجلس المشروع إلى اللجان المشتركة، تمكّنت الأخيرة من عقد جلستيْن لمناقشته، قبل أن يطير في الجلسة الثالثة.

أمس، تحقق ما فشل نواب التيار الوطني الحر والقوات في تحقيقه في الجلستين السابقتين، حيث اضطروا إلى الموافقة على المضي قدماً في درسه مادة مادة، بعدما حصلت "متابعة النقاش" على تصويت الأغلبية. لكن بدا واضحاً أن لا مصلحة للطرفين في إقرار قانون إشكالي ومرفوض شعبياً قبل الانتخابات النيابية، التي يخوضان خلالها معركة طاحنة للظفر بالكتلة النيابية الأكبر. ولذلك كان الخيار اعتماد المماطلة في النقاش، والتوقف عند كل تفصيل. لكن اليوم، انقلبتْ المُعطيات لصالحهما، إن كان في الشارع أو داخل المجلس. فالحركة الشعبية والاعتراضات القطاعية، ولاسيما من اتحاد نقابات المهن الحرة وجمعية المودعين، التي تلت جلسة أمس، واستمرّت اليوم مع محاولة منع النواب من الدخول إلى المجلس، ساهمتْ في قلب وجهة الجلسة. لكن الحجة المباشرة كانت انتشار مسودة الخطة الحكومية، التي أشارتْ إلى تحميل خسائر المصرف المركزي والمصارف للمودعين. حينها، طالب النواب، وفي مقدمتهم كنعان وعدوان وألان عون بالإطلاع رسمياً على الخطة، قبل الشروع بمناقشة قانون يضع قيوداً على السحوبات والتحويلات. إذ لا يُعقل أن يُشرّع المجلس قيوداً على المودعين، من دون معرفة حقيقة تحميلهم مسؤولية الخسائر، حيث تشير الخطة المسربة إلى أن أصحاب الودائع التي تزيد عن 100 ألف دولار سيتحمّلون خسائر القطاع المصرفي المقدرة ب60 مليار ليرة.

محتجّة تعترض سيارة النائب رولا الطبش

تلك الحالة المُستجّدة، جعلت نواباً إضافيين ينضمّون إلى قافلة معارضي المشروع، ومنهم اشتراكيون ومستقبليون. وحده حزب الله ظل مصرّاً على موقفه بضرورة استكمال النقاش، وإعطاء الأولوية لتعديلات جذرية تطال المشروع وتضمن استعادة أموال المودعين، كما حصل في المادة المتعلقة بإنشاء اللجنة. وقد أكد النائب حسن فضل الله أن الحزب سيحضر أي جلسة يدعو إليها رئيس المجلس، معتبراً أنه لا يمكن ترك مصرف لبنان يتحكّم بالاستيراد أو بالأموال المتبقية في الاحتياطي.

من جهته، رأى النائب سمير الجسر إلى أن الشعبوية ستخرّب البلد، فاعتبر أن المتضرر الأول من عدم إقرار القانون هم الناس والمودعون الذين يعترضون عليه. فهذا القانون هو اللبنة الأولى في الاتفاق مع صندوق النقد، ولا يمكن تطييره وبالتالي الاستمرار في تبديد الأموال المتبقية في مصرف لبنان من دون أي قيود. كما أبدى خشيته من أن الانتظار إلى ما بعد الانتخابات يعني زيادة المخاطر، ربطاً باحتمال تصريف الأعمال لأمد طويل.

اللافت أن البلبلة التي شهدتها مداخل المجلس، انتقلت إلى داخله أيضاً. فتحوّلت المعركة إلى معركة نصاب، تمكّن الفرزلي من استيعابها، من خلال الموافقة على عدم استكمال النقاش في المواد، والعودة إلى مناقشة الأصل: هل يجوز إقرار كابيتال كونترول من دون وجود خطة واضحة للخروج من الأزمة؟

في موعد الجلسة لم يكن النصاب مؤمّناً (النصف زائد واحد). لكن بعد نصف ساعة اكتمل النصاب (بحسب النظام الداخلي للمجلس يصبح النصاب الثلث زائد واحد). لكن مع ذلك أدى انسحاب النائبين جورج عدوان وألان عون إلى فقدان نصاب الثلث، من دون أن يكون ذلك سبباً مباشراً في إعلان رفع الجلسة، كون اللجنة لم تكن تُناقش مواد القانون، إنما كانت تناقش في المبدأ مسألة حقوق المودعين وحمايتها. وبعدما رُصد خروج الفرزلي أكثر من مرة من الجلسة للتواصل مع الرئيس نبيه بري ومع نجيب ميقاتي، تقرّر على الأثر رفعها من دون تحديد موعد جديد.

في هذا الصدد، بدا جلياً بالنسبة لعدد النواب، أن انتهاء الجلسة بهذه الطريقة يعني أن القانون رُحل إلى ما بعد الانتخابات، إذ لا يعقل أن يستمر المجلس بالتشريع قبل أسبوعين من نهاية ولايته (يمكنه دستورياً العمل حتى تاريخ 21 أيار المقبل) إلا أن ذلك لم يكن موقف نقولا نحاس الذي أكد أن الفرزلي سيدعو إلى استكمال البحث بالمشروع الثلاثاء المقبل.

محتجون يعترضون سيارة النائب قاسم هاشم

في المقابل، أوضحت مصادر مطلعة أن انعقاد الجلسة سيكون مرهوناً بعرض الخطة الحكومية ومناقشتها. علماً أن ميقاتي أكد في بيان له أنه وجّه رسالة في هذا الصدد إلى مجلس النواب مرفقة بنسخة عن الخطة المبدئية التي عرضتها الحكومة لوضع الملاحظات على مضمونها" (سبق أن طلب من من الوزراء في الجلسة الأخيرة وضع ملاحظاتهم على المشروع قبل إنجازه وإحالته بموجب عدة مشاريع قوانين إلى مجلس النواب لدرسها وإقرارها). كما أوضح ميقاتي أن"مشروع القانون الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة، لا يتعلق بحقوق المودعين بل يشكّل أرضية يشترطها صندوق النقد الدولي في سبيل عرض خطة التعافي المنشودة على مجلس إدارته".

كذلك، استكمالاً لمساعي استيعاب ما حصل، زار الفرزلي ميقاتي وأكد أن الأخير سيُعلن تفاصيل الخطة قريباً. كما أوضح أن تعيين موعد جديد للجان مرتبط بدراسة الخطة الحكومية التي سربت مسودتها.

في المقابل، أكد ممثل جمعية المودعين حسن مغنية أنهم يرفضون أي قانون كابيتال كونترول، قبل تحقيق أربعة أمور: إصدار الحكومة بياناً رسمياً تشرح فيه أسباب الأزمة، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، توحيد سعر الصرف، وتوضيح مسألة كيفية التعامل مع الأموال التي هُرّبت بعد 17 تشرين. أما عن الخطة التي سُربت، فالرد الأولي للمودعين هو رفضها تماماً لما فيها من غموض. فإذا كانت تشير إلى إعادة الودائع إلى حد 100 ألف دولار على سعر صيرفة، فما الذي سيحل بالمبالغ التي تزيد، ومن سيُحدد سعر صيرفة؟ ومن يضمن أن لا يضخّ مصرف لبنان بالتعاون مع الحكومة دولارات في السوق لتخفيض سعر صيرفة، ثم يعاد رفع سعر الدولار بعد حصول المودعين على أموالهم؟ لذلك، حتى لو عُدّل قانون الكابيتال كونترول، بما يؤدي إلى إلغاء المادة 12 التي تحمي المصارف من أي أحكام قضائية غير مبرمة، أو يؤدي إلى زيادة السحوبات، أو تمت الإشارة بوضوح في القانون إلى إلزام المصارف على رد أموال المودعين (اقترحها حزب الله داخل اللجان ورُفضت)، فإن ذلك لا يعني استعادة المودعين لأموالهم.