المرصد البرلماني من أجل "الدولة"
28/05/2024
كلمة المفكرة القانونية في مؤتمر إطلاق المرصد البرلماني في لبنان
بدأ العمل على تأسيس المرصد البرلمانيّ منذ 2018، وذلك ضمن مخطّط المفكرة في تشريح المؤسّسات العامّة كافة وفهم أدوارها وتقييم أدائها. ولهذه الغاية، كان يتعيّن أن نحصل على البيانات والمعلومات اللازمة بصورةٍ منتظمة. أن ننشئ فريقًا متخصّصًا ومدرّبًا. أن ننجز موقعًا تفاعليًّا يسمح لنا بأرشفة المعلومات وتحليلها سنة بعد سنة وولاية بعد ولاية، والأهمّ نشرها لكي تكون في متناول أيّ مواطن والأهم كأداة تحفيزية لإشراكه في الشأن العامّ. وكان يتعيّن علينا أيضًا أن نستمرّ رغم الانهيار وما طرحهُ من أسئلة بشأن الدّولة وقابليّة مؤسّساتها ومرافقها العامّة للاستمرار، والأهمّ ما كشف عنه من تخلّ من غالبية القوى الممثلة في المجلس النيابي عن مسؤولياتها ووظائفها في معالجة تداعيات الأزمة التي تبدو وكأنها مؤبّدة، وبشكل أعمّ في إعلاء الصالح العامّ وحمايته. وعليه، قرّرنا الاستمرار في إنجاز المرصد في أحلك الظروف، انطلاقًا من قاعدة اعتمدْناها على طول سنيّ عملنا كمؤسّسة وهو أنّ اللادولة تعالج بالدولة وليس بالتطبيع مع اللادولة، أنّ النقص في الديمقراطيّة يعالج بالديمقراطيّة وليس بمزيد منها وأنّ التعطيل وفقدان معنى الأشياء (وهنا أعني التشريع والمساءلة) يُكافحان بإعادة المعنى لهذه الأشياء، وليس هجرها أو الابتعاد عنها. وحين بدأنا هذا العمل، كنّا نستلهم من تجربة “بوصلة” التي كانت رائدة في المنطقة العربية في مراقبة برلمانات تونس ما بعد ثورة 2011 إلّا أنّ عملها الرصدي توقّف بعد تجميد البرلمان في 2021. وبذلك، أصبح هذا المرصد الذي أخذ الكثير من التجربة التونسيّة، المرصد البرلمانيّ الوحيد في هذه المنطقة. وهذا طبعًا يشعرنا بشيء من الفخر وإن لم نبلغ بعد مستوى الرصد الذي نطمح إليه، ولكن أكثر من ذلك بحجم المسؤوليّة.
وإذ سيتحدّث زملائي في المرصد عن تفاصيل عمله، أكتفي هنا بالإشارة إلى أهمّ أهدافه. فهو يهدف أولًا إلى توثيق أداء النواب في التشريع والمساءلة وتحليله بصورة منتظمة وشاملة. فلا يقيّم نائب أو حزب انطلاقًا من البيانات أو الومضات التي يرغب في إبرازها من باب الترويج الدعائي أو تسجيل المواقف، بل على ضوء مجموع ما فعله أو لم يفعله. والتحدّي هنا ألّا يكتفي المرصد بإنتاج إحصاءات كمّية نوفّرها بكثرة على الموقع، لكن أن يطوّر آليّات تحليليّة للممارسات المعتمدة في تنظيم العمل البرلماني ومضامينه وتوجهاته وجودته والمصالح التي يرمي إلى الدفاع عنها أو تحقيقها. وهو هدف مؤداه أن يبقى محدودًا ومتواضعًا في حال اكتفى المرصد باستخدام موارده الخاصّة، وأن يتوسّع في المقابل ويحقق غاياته بقدر ما ينجح المرصد في تحفيز المواطنين كافة على مزيد من البحث والتحليل والتخاطب العام بشأن أعمال مؤسسة انوجدت لتمثلهم، انطلاقًا من البيانات والإحصاءات والتحليلات التي يوفّرها.
وهنا، لا بدّ أن نلتزم، باسمي وباسم زملائي في المفكرة القانونية، أن نتعامل مع المرصد اليوم وغدًا على أنه مورد وطني، وأن نعمل دائمًا على هدي مبادئ خمسة، هي تباعًا: (1) الحياديّة في نقل الخبر ونشر الوثائق، و(2) الشمولية في التوثيق كلّما كان ذلك متاحًا وممكنًا، و(3) الصّرامة العلميّة في التحليل والتقييم وإبراز الأولويات، و(4) المبدئية في المواقف بناء على معايير واضحة من دون أي تحيّز أو انتقائيّة أو تمييز، وأخيرا (5) الالتزام بمواصلة الرّصد والتحليل والنشر والتنبيه ودقّ ناقوس الخطر عند الاقتضاء.
بقي أن أوجه الشكر لمجموعة واسعة من الزملاء الذين اشتركُوا طوال السنوات الماضية في بناء المرصد لإغنائه ليصل إلى ما وصل إليه. أخصّ بالذكر منهم بالنظر إلى الجهود الكبيرة التي بذلوها لهذه الغاية جيسيكا شمالي وميريم مهنا والزملاء الحاضرين هنا حلا نجار وفادي إبراهيم وجميل معوض ووسام اللحام، وأيضًا منظمة انكفاضة التونسية على جهدها لإنجاز الموقع الإلكتروني. كما أشكر دولة النرويج على دعمها المالي والمستمرّ لهذه المبادرة.
أخيرا، أشكر معهد عصام فارس والصديق جوزيف باحوط لاستضافة هذا الحدث في أول شراكة من نوعها. كما أشكر جميع الإعلاميين الحاضرين هنا أو الذين رغبوا في الحضور ولم يتمكّنوا منه بسبب أية عوائق قد تكون وضعتْها إدارة الجامعة لأسباب أخذنا علمًا بها أمس ونرفضها بشكل مطلق احترامًا منّا لحرية التعبير لمن نحبه أو لا نحبه ولدور الإعلام المحايد كما الملتزم، وبخاصة في هذه الظروف العصيبة التي شهدنا فيها قتل عشرات الإعلاميين في لبنان وغزة من قبل إسرائيل، حجبًا للحقيقة. نعتذر مجددًا من هؤلاء متعهّدين أن يخصّص فريق المرصد مقابلات خاصّة مع أيّ صحافي أو صحافية ترغب بذلك من هذه الوسائل، التزامًا منّا بدور الإعلام الذي نعدّه الشريك الدائم والضروري لإنجاح عمل هذا المرصد.