تباين مواقف الكتل بشأن الكابيتال كونترول: صراع انتخابي - مصرفي
20/04/2022
المعركة اليوم ليست على بنود قانون الكابيتال كونترول (وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية) فحسب، بل على مبدأ إقراره قبل الانتخابات النيابية.
مواقف ومصالح متباينة للكتل النيابية
ثمة من يريد تسريع النقاشات تمهيداً لتحويل المشروع
إلى الهيئة العامة، وفي مقدمة هؤلاء الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، وكتلتاهما، إضافة إلى كتلتيْ المستقبل والاشتراكي، بدعم من كتلة حزب الله، التي تربط إقرار القانون بإجراء تعديلات أساسية عليه.
في المقابل، يُفضّل كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تأجيله إلى ما بعد الانتخابات، أو، على ما يؤكدان عليه، إلى ما بعد إقرار خطة التعافي المالي والنقدي. فهذا القانون إذا لم يأت في سياق الخطة، لا يكون وفقهما سوى براءة ذمة لمصرف لبنان وللمصارف التي بددت أموال المودعين. إضافة إلى كونه يعطي ضمانة للمصارف ضد أي مودع يُفكّر في تقديم دعوى ضد المصرف الذي احتجز أمواله. لكن الرفض "التقني" للقانون لا يلغي حقيقة أن الدافع خلف موقفهما ليس سوى الخشية من تأثير إقراره على معركتهما الانتخابية، في ظل الصراع الشرس بينهما، ما يُصعّب عليهما السير بقانون يؤدّي إلى تكريس الإجراءات المصرفية التعسّفية بحقّ المودعين، كما تضع عليهم قيوداً قاسية، وتُحرّر المصارف من أي تداعيات لجرائمها. وفيما رأى نواب آخرون في هذه المواقف شعبوية تتحكم بها الحسابات الانتخابية ومماطلة تهدف إلى منع إقرار القانون، فقد دعوا إلى التعامل معه كنقطة انطلاق لخطة التعافي، مع التأكيد على حماية حقوق المودعين في ودائعهم.
لكن بعيداً عن السياسة، فإنّ الاعتراض القطاعي على المشروع لم يتراجع. وبالتوازي مع الوقفة الاحتجاجية التي نفّذتها نقابة المحامين، في بيت المحامي في بيروت، للتعبير عن "رفضهما للقانون بصيغته الحالية والمزمع إقرارها، بمعزل عن رزمة القوانين الأخرى الملازمة"، على ما أعلن النقيب توفيق كسبار، كان ممثلون عن اتحاد نقابات المهن الحرة يشاركون في اجتماع اللجان. وقد أبلغوا النواب ملاحظاتهم على المشروع الذي قد يزيد من الانكماش الاقتصادي ويبدّد أموال المودعين، من دون محاسبة المتسببين بالانهيار. كما نفّذت جمعيات الدفاع عن المودعين عددا من الوقفات اعتراضا على الاقتراح.
في الجلسة الأولى للجان التي عُقدت الثلاثاء الماضي، نجح النائبان ابراهيم كنعان وجورج عدوان في فرض تأجيل الجلسة إلى اليوم، بعدما كان نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي يُفضّل عقد جلسات يومية. في جلسة أمس، تمكّن الفرزلي من فرض جلسات يومية، بحيث ستعقد اللجان جلسة اليوم وكذلك يوم غد، على أن تُتابع عملها بعد عطلة عيد الفصح. مصادر المعترضين على القانون تؤكد أنهم سيعمدون إلى مناقشة كل تفصيل في المواد المقبلة، بما يضمن أمرين: ضمان حقوق المودعين وعدم إعطاء المصارف صكّ براءة على جرائمها. علماً أنهما حاولا أمس إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى مرحلة المناقشة العامة للقانون، لكن اتهامات على شكل "رغبة البعض بانهيار البلد"، التي ردّدها أكثر من نائب، دفعتْ إلى تكريس مناقشة المواد مجدداً. إذ كان الكل مدفوعاً بالتأكيد على حفظ حقوق المودعين، وعدم الموافقة على حماية المصارف على حساب هؤلاء. وبالرغم من تثبيت عملية السير بمناقشة مواد القانون، إلا أن ذلك لم يحلْ دون الإسهاب في إبداء الملاحظات على كل مادة، حتى كانت النتيجة إقرار ثلاث مواد من أصل 14 مادة خلال جلستين.
المواد التي تناولتها النقاشات
في جلسة الثلثاء الماضي، لم تقر اللجان سوى المادة الأولى، التي اعتُبرت "مطمئنة" للحريصين على أموال المودعين، إذ تم التوافق على اقتراح النائب علي فياض (سبق أن أكد أن حزب الله لن يوافق على أي صيغة لا تضمن حماية حقوق المودعين) الإشارة إلى أن مواد القانون لا تُشكّل مساساً بحقوق المودعين وبأصول ودائعهم. وبالفعل، تمّ التوافق على أن الهدف من القانون هو "وضع ضوابط على عمليات التحويل إلى العملات الأجنبية بشكل شفّاف لمنع المزيد من تهريب رؤوس الأموال وتدهور سعر الصرف، وحماية للمودعين من خلال الحفاظ بقدر الإمكان على الأصول بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي". وأثناء النقاش، تمّ التأكيد على أن حقوق المودعين مكرّسة دستورياً. علماً أنه كان لافتاً أن الإشارة إلى حقوق المودعين، إنما ترافقت مع التأكيد على حقوقهم في أصول ودائعهم "بقدر الإمكان"، وهو ما يخفي تمهيداً أو استعداداً لمرحلة الهيركات، والتأكيد أن الفوائد ليست حقوقاً مكتسبة، مع الإشارة إلى أن الحقوق في الأصول لن يكون كاملاً.
بعد ذلك انتقل النقاش إلى المادة الثانية، أي التعريفات، وقد أخذت عبارة "الأموال الجديدة" نقاشاً كبيراً لم ينته عملياً، وأُجّل البحث به إلى جلسة أمس.
وفيما اتفق على إبقاء التعريف كما ورد في مشروع القانون، أي اعتبار الأموال الجديد هي تلك الأموال التي دخلت إلى المصارف بعد 17 تشرين الأول 2019، لكن الإشكالية طرأت في تتمة التعريف، أي استثناء المبالغ المحوّلة المنصوص عنها بقرار مصرف لبنان رقم 13262 تاريخ 27/8/2020 (الطلب من المصارف حثّ عملائها الذين حوّلوا ما يفوق 500 ألف دولار إلى الخارج من 1 تموز 2017 حتى تاريخ صدور هذا القرار، على أن يودعوا في حساب خاص مُجمّد لمدّة خمس سنوات، مبلغاً يوازي 15% من القيمة المُحوّلة". والتعميم نفسه يرفع هذه النسبة إلى 30٪ بالنسبة لرؤساء وأعضاء مجالس إدارة وكبار مُساهمي المصارف والإدارات العُليا التنفيذية للمصارف والأشخاص المُعرضون سياسياً PEPs).
وبعد رفض عدد من النواب الإشارة إلى التعميم في القانون، تقرر الطلب من مصرف لبنان إعداد صيغة قانونية تعالج هذه المسألة. وبالفعل، تمّ اقتراح أمس صيغة جديدة للفقرة 17 من المادة الثانية، لا تختلف عن مضمون التعميم، لكن من دون أن تسميه، فعُرّفت الأموال الجديدة بالتالي:
"تُعتبر أموالاً جديدة تدفقات العملات الاجنبية كافة إلى حسابات مصرفية في لبنان التي تمت بعد 17 تشرين 2019 عن طريق تحاويل من الخارج و/ أو إيداعات نقدية.
يُستثنى منها الأموال المحولة من الخارج وذلك:
- بنسبة 15% من قيمة الأموال المحولة الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1/7/2017 حتى تاريخ 27/8/2020، من العملاء الذين قام أيّ منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية الأخرى.
- بنسبة 15% من قيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة في أي واحدة من السنوات الثلاث التالية: 2017 أو 2018 أو 2019.
- بنسبة 30% من قيمة الأموال المحولة الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1/7/2017 حتى تاريخ 27/8/2020، من رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات وكبار مساهمي المصارف ومن الادارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الأشخاص المعرضين سياسياً PEPs وذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة شركات يمتلكها أيّ منهم، والذين قام أيّ منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية".
لكن لأن هذه الصيغة وُزّعت في جلسة أمس، فقد طلب النواب تأجيل البحث فيها إلى حين درسها، حيث يُتوقع مناقشتها اليوم.
بعد ذلك، انتقل النقاش إلى المادة الثالثة، التي تنصّ على إنشاء لجنة مهمتها العمل على تنفيذ القانون. وفيما كانت الصيغة الحكومية تشير إلى تشكيل لجنة تضمّ وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاضيا من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء ويمكن لها أن تستعين بمن تراه مناسباً، عُدّلت، أمس، بما يعطي رئاسة اللجنة إلى رئيس الحكومة، ويضيف إلى عضويتها وزيري العدل والاقتصاد. كما أقر التعديل نقل بعض صلاحيات اللجنة إلى مجلس الوزراء، انطلاقاً من أنّ اللجنة لا يمكن أن تكون مسؤولة أمام مجلس النواب، الذي عليه أن يراقب تطبيق القوانين، بل السلطة التنفيذية. وعليه، تقرّر أن تكون المادّة على الشكل التالي:
1- تُنشأ لجنة خاصة برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد والتجارة والعدل وحاكم مصرف لبنان (اقترح البعض ضم المجلس المركزي إلى عضوية اللجنة). وعند غياب الرئيس تكون اللجنة برئاسة وزير المالية.
2- في حال الحاجة للاستعانة بقضاة أو بخبراء ماليين واقتصاديين، يتم تعيينهم بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء.
3- تقوم اللجنة بإعداد النصوص التطبيقية التي تصدر بمرسوم بناء على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء. وتتولى اللجنة الإجراءات التنفيذية.
اليوم، ستُعاد الكرّة. التيار والقوّات يراهنون على استنزاف الوقت بالنقاشات التفصيلية. وفي المقابل، ستكون أبرز مهامّ رئاسة اللجان هي حصر النقاشات قدر الإمكان بما يؤدّي إلى إقرار القانون بأسرع وقت، تمهيداً، كما هو متوقع، للبدء بدراسة مشروع قانون السرية المصرفية، على أن يكون القانونان أساسيين على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة.