تعديلات لجنة المال على موازنة 2024: هل صار مشروع الحكومة أقلّ سوءاً؟
24/01/2024
كما تمكّن التمديد لقائد الجيش من كسر مقاطعة عدد من الكتل لتأمين نصاب الجلسة التشريعية، كذلك يُتوقع أن تكسر الموازنة جزءاً من المقاطعة النيابية، بما يسمح بتأمين نصاب الجلسة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يوم غد وبعد غد. وإذا كانت حجّة الحضور في الجلسة الأولى الخوف على الأمن وحماية المؤسسة العسكرية، فإن الحجّة اليوم هي حماية الانتظام المالي، والأهم منع الحكومة من إقرار الموازنة بمرسوم، والتخلي، بالتالي، عن التعديلات التي أنجزت في لجنة المال والموازنة، بعد 26 جلسة عقدتها بين بين 9 تشرين الأول 2023 و15 كانون الثاني 2024. مع ذلك، فإن عدداً من النواب اعتبروا أن الموازنة، حتى بنسختها المعدّلة، هي "مجرّد أوراق"، كما قال النائب جورج عدوان و"مؤذية ومليئة بالألغام وخالية من الإصلاح"، كما قال النائب وضّاح الصّادق و"تدميرية تؤدّي إلى ضرب الاقتصاد الشرعي"، على ما ذكر النائب أشرف ريفي. لذلك، هم يهدفون من خلال المشاركة في الجلسة "لمحاولة إزالة الألغام منها"، وفي الوقت نفسه التصويت ضدها، خاصة أنها غير مقترنة بقطع الحساب وتغيب عنها الرؤية الاقتصادية. وهو ما أعلنته كتلة القوات وعدد من التغييريّين.
وإذ أعادت اللجنة في تقريرها التأكيد على وجوب عدم إدراج التعديلات الضريبية ضمن الموازنة لما يشكله ذلك من مخالفة للدستور في المواد 81 و82 و83، إلا أن تلك الإشارة بدت نظرية، أسوة بالملاحظات التي تضعها اللجنة في تقاريرها منذ العام 2010، والتي تكرر فيها وجوب إبعاد فرسان الموازنة عنها، لاسيما منها التعديلات الضريبية وقوانين البرامج، إضافة إلى تأكيدها على المخالفة المستمرة للدستور بسبب عدم إرفاق مشروع الموازنة بقطوع الحسابات. لكن ما يتضمنه التقرير لم ينعكس يوماً إصراراً على إسقاط "الفرسان" أو رفضاً لإقرار الموازنة في غياب قطع الحساب، مكتفية بالإشارة في المادة الأخيرة إلى حصول ذلك على سبيل الاستثناء ولضرورات الانتظام العام.
عملياً، اللجنة هي التي أعدّت موازنة 2024. فخلال 3 أشهر من الدرس، تناولت التعديلات 87 مادة من أصل 133 مادة كان تضمنها مشروع الحكومة، حيث ألغتْ 46 مادة وعدّلت 73 مادة وأضافت 8 مواد، فيما تركت 14 مادة فقط من دون تعديل، على ما جاء في تقريرها. وهي إذ تُفاخر بأنّها تمكّنت من توحيد سعر الصرف، حيث كانت الحكومة تعتمد سعر 1500 ليرة بالنسبة للرواتب والأجور، و89 ألف ليرة بالنسبة للضرائب، و50 ألف ليرة في مواد أخرى، فإنها لم تحدد سعراً محدداً بل اعتمدت عبارة "السعر الذي يحدده مصرف لبنان"، وهو ما يعني بالنسبة لنواب في اللجنة سعر 89 ألف ليرة الذي يعتمده مصرف لبنان في تقاريره. علماً أن اللجنة نفسها حدّدت سعر 15000 ليرة للدولار في ما يتعلق باحتساب تعويضات نهاية الخدمة للمضمونين، تاركة إمكانية تطبيقه في مسائل أخرى وبخاصة عند احتساب قيمة الرواتب والأجور الخاضعة للضريبة.
أما على صعيد الأرقام، فقد طلبت اللجنة تعديل تلك المتعلقة بالإيرادات والنفقات، بما يوحي بعدم وجود عجز، وهو ما يصفه النقيب السابق للمحاسبين أمين صالح بغير الواقعي، مشككاً بكل الأرقام المتعلقة بالإيرادات والنفقات، وهو موقف عبّر عنه أكثر من نائب أثناء دخولهم إلى المجلس.
وبالرغم من إلغاء اللجنة عدداً كبيراً من الرسوم والضرائب التي كان مجلس الوزراء قد فرضها تحت شعار حماية المواطنين من المزيد من الضرائب، إلا أنه بدا لافتاً أن هذا الإلغاء شمل ضرائب تطال رأس المال، مثل "الرسم على الأرباح المحققة من منصة صيرفة". مع ذلك، ينبّه صالح إلى أن الحاصل النهائي لهذه التعديلات، بالرغم من إلغاء عدد من الضرائب، هو زيادة العائدات الضريبية لا تخفيضها، بحيث ارتفع مجموعة إيرادات الموازنة من 259 ألف مليار إلى 295 ألف مليار، من بينها 230 ألف مليار ليرة عائدات ضريبية، كما ارتفعت عائدات الضريبة على القيمة المضافة من 90 إلى 95 ألف مليار ليرة، وهو ما يتناقض مع عنوان التخفيف عن كاهل المواطنين، خاصة أن الضرائب في أغلبها غير مباشرة وتطال الاستهلاك.
يسأل صالح: كيف تصل الضريبة على الدخل إلى 25% في حين لا تزيد الضرائب على أرباح شركات الأموال عن 17%؟ وإلى متى تتغاضى اللجنة والحكومة عن استرداد أرباح الهندسات المالية وإيرادات الأملاك البحرية وفوائد الدين العام التي دفعت زيادة عن المعدلات الطبيعي؟ ويضيف: إذا لم تطل الضرائب المرتشين والذين تربّحوا على حساب الناس فلا أهمية للموازنة ولا أهمية لما يسمّى تسيير عجلة الدولة إذا كانت ستسير على جثث الناس.
حتى تعديلات شرائح الدخل فيما يتعلق بضريبة الدخل التي يعتبرها صالح إيجابية لأنها تعيد التوازن إلى الضريبة على الرواتب، يشير إلى أنها قد تصبح بلا جدوى إذا زيدت علاوة الإنتاج، إذ حينها ستزيد الضرائب مجدداً. والملاحظة نفسها يعطيها على مسألة تعديل سقف الخضوع للضريبة على القيمة المضافة من 100 مليون ليرة إلى 3 مليار ليرة، إذ لا يعتبرها كافية. فبالرغم من أن التعديل يعالج خطأ ارتكب في موازنة العام 2022، إلا أنه لا يزال بعيداً عن المعدل الذي كان سائداً، فقبل الأزمة كانت ال100 مليون ليرة تساوي 66 ألف دولار في حين لا تساوي ال3 مليار حالياً 35 ألف دولار، ما يعني الاستمرار في تكليف الشركات المتوسطة والصغيرة الضريبة، وزيادة الأعباء عليها.
اعتبار صالح الموازنة "كارثة وطنية" يرفضه المحامي كريم ضاهر، معتبراً أنه لا يجوز الحكم بالمطلق على الموازنة سلباً أم إيجاباً، فهي حكماً تتضمن أموراً إيجابية كما تتضمن أخرى سلبية في الوقت نفسه. يؤكد ضاهر على إيجابية ما أنجزه النواب لناحية استدراكهم أموراً خطيرة كان تضمنها النص المرسل من الحكومة، كما تمكنوا من فكفكة القطب المخفية إلى حد كبير، إضافة إلى فضحهم وزارة المالية التي أعدّت أرقاماً عشوائية كما ضخّمت احتياطي الموازنة حتى لا تكون ملزمة باعتمادات محددة. لذلك، إضافة إلى إجبارها الوزارة على تعديل مقاربتها، أعادت اللجنة النظر بكثير من فرسان الموازنة مثل استحداث ضرائب تتعارض مع ضرائب موجودة كضريبة المعاملات الإلكترونية الخاصة بالشركات غير المقيمة والتي تتعارض مع ضريبة غير المقيمين. كما أن ضريبة صيرفة ألغيت أيضاً لأن من استفاد من المنصة خاضع حكماً لضريبة الأرباح. لذلك، المطلوب من "المالية" هو تحفيز عمليات الالتزام الضريبي بدلاً من زيادة الضرائب.
كذلك يشيد ضاهر بإلغاء المادة رقم 5 التي ألغت الاستدانة وأعادت الضوابط المتعلقة بسلفات الخزينة وبنقل الاعتمادات وترشيد النفقات. أما ما يتعلق بضريبة الدخل فاعتبر أنها وضعت شطوراً وتنزيلات أكثر عدلاً، تؤدي عملياً إلى عدم تكليف ذوي الرواتب المتدنية ولاسيما موظفي القطاع العام بأي ضريبة.
مسألة احتساب تعويضات نهاية الخدمة على سعر 15 ألف ليرة بدلاً من 1500 ليرة، أخذت الكثير من الجدال، بين من يعتبر أنها تؤدي إلى إفلاس شركات عديدة ومن يعتبر أنها لا تنصف المضمونين. ولذلك، يعتبر ضاهر أن الأمر لا يفترض أن يكون مطلقاً، فربما يوجد شركات غير قادرة فعلاً على دفع هذا الفارق فيما أخرى تقبض وتحاسب بالدولار. ولذلك يجب درس وضع كل مؤسسة وكل شركة على حدة، على أن يجرى حوار شامل يشارك فيه كل المختصين والمعنيين، فهذا أمر يتعلق بمستقبل البلد ولا يمكن حصره بفقرة في الموازنة. والأمر نفسه يسري على البيوعات العقارية فلا يعقل تخفيضها من 88 ألف مليار إلى 15 ألف مليار فقط، على أن تستمر حتى 2026، فهذا سيؤدى إلى أرباح كبيرة لتجار العقارات. لذلك الأولى معالجة موضوع التقييم وليس الضريبة نفسها.
لا ينسى ضاهر الإشارة إلى عدم وجود رؤية اقتصادية لدى الحكومة والمجلس على السواء، لكنه يعتبر أن المقارنة بين المشروع الذي خرج من لجنة المال وبين مشروع الحكومة هو مفاضلة بين السيء والأسوأ، إذا أن المشروع الصادر عن اللجنة بالرغم من الملاحظات عليه، ومنها ما يتعلق بإلغاء كل التدابير المتعلقة بالالتزام الضريبي وردع المتهربين من الضريبة، أفضل بكثير من مشروع الحكومة الذي يُخشى أن يمر بمشروع قانون في حال لم يقر المجلس الموازنة.