حلول لمواكبة ظروف الحرب: ترقيع يحجب ضرورة إصلاح قوانين الملكية والبناء

المفكرة القانونية , استديو أشغال عامة

12/12/2024

انشر المقال

تعليق مشترك بين استوديو أشغال عامة والمفكرة القانونية

في ظل الحرب الإسرائيلية على لبنان منذ تشرين الأول 2023 وتصاعد وتيرة الاعتداءات ورقعتها الجغرافية منذ أيلول 2024، تفاقم الدّمار ومعه أزمة نزوح مستمرّة على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار. فقد طالت أزمة النزوح أكثر من ربع سكان لبنان، وبحسب لجنة الطوارئ الحكومية، فإنّ 23% من النازحين في مراكز الإيواء اليوم لم يعودوا بعد. ومع هذا المشهد، تفاقمت أيضًا أزمة الدّولة في تقاعسِها عن تحمّل مسؤوليّاتها. بقيت الدولة عاجزة عن التحرّك، رغم امتلاكها موارد كبيرة ومهمة، وكانت الاستجابة للآثار المباشرة وغير المباشرة للحرب على كافة مستويات الحياة محدودة، بدءًا من التهجير والإيواء وخياراته، وصولًا إلى القطاع الزراعي والبيئي، بما ينعكس على سبل العيش وطرق كسب الرزق. 

وعلى الرغم من صدور “خطة الطوارئ الوطنية” في تشرين الثاني 2023، إلّا أنّها بقيت موضع تساؤل، وقد ثبت مع الوقت عدم فعاليتها

أما من ناحية عمل المجلس النيابي في هذا الشأن، فمنذ مطلع العام 2024، بقي العمل التشريعي قاصرًا عن التصدّي لهذه الحرب ومواكبة مفاعيلها والحدّ من نتائجها، بحيث اقتصرت المساعي التشريعية على ثلاثة اقتراحات قوانين سيطرت على مضامينها الحلول المجتزأة مثل الإعفاءات من الضرائب والرسوم والتكاليف المالية. أما مؤخرًا، في تاريخ 19 تشرين الثاني 2024، فقد تقدّم نوّاب الشمال من “كتلة الاعتدال الوطني” باقتراح قانون للتمديد لمدة خمس سنوات وإضافة بنود على القانون 294/2022 الذي يجيز إعفاء بعض رسوم البناء من الرسوم وفقًا لتصاميم نموذجية. وكان قد صدر هذا القانون آنذاك رغم معارضة جهات وازنة عدة منها نقابة المهندسين في بيروت، وتأتي نسخة اقتراح القانون الحالي وبصيغة المعجّل المكرّر تحت حجّة “العدوان الإسرائيلي الواسع على المناطق اللبنانية” وتسبّبه في “تدمير أعداد كبيرة جدًا من المباني والوحدات السكنية”، بحسب أسبابه الموجبة.

نقدّم في هذا النص تعليقًا على القانون المقترح الذي لا يمكن وصفه إلّا أنّه حلّ مجتزأ ومعالجة خجولة وغير كافية لمواكبة الظروف الطارئة وتأثيراتها على المجتمع ككل. 

ثلاثة اقتراحات سابقة بشأن الحرب على لبنان

منذ مطلع العام 2024، وعلى الرغم من تزايد وتيرة الاعتداءات، شهد العمل التشريعي شحّاً في المبادرات المُتعلّقة بمعالجة تداعيات العدوان ودعم السكان المتضرّرين، حيث اقتصرت المساعي على ثلاثة اقتراحات قوانين فحسب. ففي 13 شباط 2024، قدّمت النائبة بولا يعقوبيان اقتراح قانون يُعفِي أصحاب السيارات والآليات المتضرّرة من الرسوم المُترتّبة عليها. كما تضمّن الاقتراح بندًا يقضي بتطبيق أحكام قانون “إعادة إعمار الأبنية المتهدّمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006” على المباني المُدمّرة في العدوان الأخير. وعندما تبيّن لها أنّ أضرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وآثارها تتجاوز بكثير المسائل التي عالجها الاقتراح المذكور، تقدّمت يعقوبيان، في 26 آذار، باقتراح قانونٍ ثانٍ أكثر تفصيلًا، يركّز بشكلٍ أساسي على تعديلات في قانونَي ضريبة الدخل ورسم الانتقال، مع التطرّق إلى إعادة إعمار المباني ذات الطابع التراثي. أمّا اقتراح القانون الثالث، فقدّمه النائب الياس جرادة في تاريخ 4 آذار، ويتمحور حول إعفاءات ضريبية شاملة للمكلّفين في مناطق الجنوب اللبناني.

عند الاطّلاع على الاقتراحات الثلاثة، بدا واضحًا محدوديّتها في إرساء مخيّلة بديلة لكيفية التعافي من هذا العدوان، ونُبيّن غياب الرؤية والإطار المُتكاملين اللذين يُمكن أن يُشكّلا أساسًا لتعافي الناس والمناطق المتضررة.

وكان التوجّه المسيطر على المضامين هو حزمة واسعة من الإعفاءات من الضرائب والرسوم والتكاليف المالية. وقد اعتبر جرادة بأنّه من غير الأخلاقي أن تطلب الدولة من المكلّفين الذين يقدّمون تضحيات أن يدفعوا الضرائب والرسوم، مضيفًا في الأسباب الموجبة لاقتراحه، أنّ الدولة اللبنانية كانت أصدرت إعفاءات مشابهة خلال الحروب السابقة. أمّا يعقوبيان فاعتبرت أنّه في صلب واجبات الدولة الوقوف إلى جانب شعبها، ودعم ثباته في أرضه، والمساهمة في رفع الضرر عنه، من خلال إقرار التشريعات الآيلة إلى هذه النتيجة.

ولكن، رغم الفوائد المرجوّة من الإعفاءات الضريبية المقترحة، إلّا أنّها تعكس توجّهًا تشريعيًا مجتزأً يتمّ اللجوء إليه عند وقوع الكوارث أو الأحداث التي تُلحق الأضرار باللبنانيات\ين أو تُودي بحياتهم، في ظلّ غياب سياسات وخطط طوارئ شاملة للتعامل مع الكوارث تضمن تعويضًا عادلًا عن الخسائر المادية وغيرها. فتلجأ الدولة إلى الإعفاءات الضريبية والإعفاءات من الرسوم كبديل عن الوفاء بالتزامها بتقديم هذا التعويض. وقد تمّ اعتماد نهجٍ مشابه من خلال الإعفاء من ضرائب ورسوم معيّنة عقب حرب تمّوز (2006)، وبعد كارثة الطائرة الأثيوبية (2010)، وكارثة الطائرة الجزائرية (2016)، وتفجير مرفأ بيروت (2020). 

لا تُشكّل الإعفاءات الضريبية أو تأجيل دفع الضرائب، على الرغم من شيوعها كإجراء في الدول المتضرّرة من الكوارث، الحلّ الأمثل، إذ يتوجّب على الدولة اتّباع نهج شامل لإدارة الكوارث يتضمّن توفير تعويضات عادلة للخسائر، ودعمًا مباشرًا للمتضرّرين، وتحفيز النشاط الاقتصادي في المناطق المتضرّرة، بخاصة القطاع الزراعي. 

أما في ما يتعلّق بإعادة الإعمار، اكتفى اقتراح النائب جرادة بإعفاء المكلّفين في محافظتي الجنوب والنبطية من رسوم تراخيص البناء والترميم العائدة للمنازل والأبنية المهدّمة. وهو مجدّدًا إجراء مجتزأ ومؤقّت، غير مقترن برؤية إعادة إعمار شاملة تلتفت إلى لشقّ المادي والاجتماعي والاقتصادي، وقد لا يضمن بشكل فعليّ إعادة الإعمار. فيما ركّز اقتراح بولا يعقوبيان الذي قدّمته في 26 آذار، حصرًا على إعادة إعمار و/أو ترميم الأبنية المهدّمة أو المتضررة ذات الطابع التراثي، أيّ تركيزها بالدرجة الأولى على البعد المادّي والتجميلي، مما يدّل على افتقار المشرّع إلى المقاربات الاجتماعية والاقتصادية الشاملة. 

اقتراح جديد يقدّم إعفاءات على البناء بحجّة النزوح وإعادة الإعمار

أما الآن، وتحديدًا في تشرين الثاني 2024، يأتي اقتراح قانون معجّل مكرّر من عدد من نوّاب الشمال من “كتلة الاعتدال الوطني”، للتمديد لمدة خمس سنوات وتعديل وإضافة على بنود القانون 294/2022، النافذ من تاريخ 21-04-2022، رغم معارضة جهات منها نقابة المهندسين في بيروت. وكان قد تمّ بموجب القانون السابق إعفاء رخص البناء في المناطق غير المنظمة والمناطق المنظمة التي تسمح أنظمتها بالبناء السكني من كافة الرسوم، باستثناء المناطق الموضوعة تحت الدرس ومراكز المحافظات والأقضية وغيرها. يمكن الاستفادة من هذا القانون بشرط الالتزام بأحد التصاميم السكنية النموذجية المعدّة من قبل نقابتي المهندسين والمتوفّرة في فروعها بالمحافظات والأقضية. ويخضع لأحكام هذا القانون الأبنية التي لا تتجاوز مساحتها المبنية 250 مترًا مربعًا والتي لا يزيد عدد طوابقها عن طابقين.

تأتي نسخة اقتراح القانون الحالي وبصيغة المعجّل المكرّر تحت حجّة “العدوان الإسرائيلي الواسع على المناطق اللبنانية” وتسبّبه في “تدمير أعداد كبيرة جدًا من المباني والوحدات السكنية، في مختلف المناطق لاسيما الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية”. وقد اعتبر اقتراح القانون في أسبابه الموجبة أنّ هذه الظروف “تستدعي القيام بكل الجهود من أجل تسريع وتسهيل عملية إعادة الإعمار وتخفيف الأعباء والتكاليف عن أهل هذه المناطق”. 

كما أنّ الاقتراح يعدّل بعض بنود القانون السابق، وذلك على الشكل التالي:

  • يستبدل في مادته الثانية إلزامية “طابع لصالح الخزينة، تعادل قيمته نصف الطابع المتوجب على المساحة عينها في الرخص العادية، وطابع لصالح الصندوق التقاعدي في نقابة المهندسين المعنية بقيمة 50% من الحد الأدنى الرسمي للأجور”، واستبداله بدفع رسوم مقطوعة تبلغ قيمتها 5 ملايين ليرة لبنانية لكلّ من خزينة الدولة وصندوق التقاعد في نقابة المهندسين، تحت حجّة حدّدها في أسبابه الموجبة بـ “منع الالتباس في موضوع احتساب الرسم وتلافيًا لأي معوقات محتملة”. وبالتالي ومع إزالة إلزامية دفع أتعاب تصميم ودراسة للمهندس المسؤول، يزيل هذا التعديل مبالغ إضافية كانت ستذهب لصالح خزينة الدولة وصندوق التقاعد في نقابة المهندسين. 
  • كما يطال التعديل المادة الخامسة من القانون السابق ليحوّل الإعفاء على رسم بناء المرآب في حال وجود عائق ينص عليه قانون البناء والمرسوم التطبيقي المتعلق به (إحاطة، طريق أقل من 2.5 م..) من خصم 50% إلى رسم مقطوع حدّدت قيمته بـ 15 مليون ليرة لبنانية عن كلّ سيارة لصالح البلدية المعنية، أو القائمقامية أو المحافظة بالنسبة للأبنية المنوي تشييدها خارج النطاق البلدي. ويقرّ التعديل إعفاء شاملًا من “رسوم رخصة البناء والبلدية والطابع المالي” ومن “ضريبة الأملاك المبنية لمدة 5 سنوات إذا كان ثلثا جدران البناء الخارجية من الحجر الطبيعي أو إذا كانت مساحة ثلثي سقفه على الأقلّ من القرميد الأحمر، أو إذا كان هناك اعتماد لتركيب الطاقة الشمسية”. وذلك بعد أن كان القانون السابق يعفي المستفيدين من 50% من قيمة هذه الرسوم بالشروط نفسها. ويبرّر المقترح هذا الإعفاء والاقتطاع الإضافي في أسبابه الموجبة بحجّة “أنّ احتساب قيمة رسم المرآب أو رسوم رخصة البناء يتطلّب ضمّ محضر تخمين لسعر المتر البيعي”.
  • وأخيرًا يسترسل اقتراح القانون في تسهيل الاستفادة وتوسيع إطارها عبر إجراء إضافات على نسخة القانون السابق تحدّد أنّه “خلافًا لأي نص آخر، يستفيد من أحكام هذا القانون من يشترك في ملكية أسهم شائعة في عقار ولم يرتكب مخالفة في حصته، حتى ولو كان هناك مخالفة في العقار من شركائه الآخرين. على ألّا تتجاوز المساحة المطلوبة للبناء المساحة المسموح بها ضمن حصته وفقًا لنظام المنطقة وشرط عدم تجاوز الاستثمارين السطحي والعام للعقار”. ويأتي هذا البند بالتحديد لتسهيل البناء في المحافظات حيث يكثر الشيوع ونزاعات الأراضي كمحافظة الشمال مثالًا بغية تكريس منافع مناطقية وخدمات زبائنية. 

إشكاليّات الاقتراح

كنّا قد سلّطنا الضوء في تعليقٍ سابقٍ على إشكاليات أساسية للقانون السابق قبل إقراره في العام 2022 وهي إشكاليات ما زالت قائمة، نذكر البعض منها: 

– إنّ القانون في مضمونه “يُشرعن” البناء، ويسرّعه، ويزيده في المناطق غير المنظّمة على اختلافاتها، ما قد يؤدّي حتمًا إلى تحريك ونموّ القطاعات المرتبطة بالبناء من جهة، وأبرزها المقالع والكسّارات المرخّصة وغير المرخّصة، ومن جهة أخرى تدمير الطابع المميّز للمناطق عبر السماح بتمدّد البناء، وبشكل عام تسريع تدهور سبل العيش والمعالم البيئية الطبيعية، في وقت تحتاج فيه هذه المناطق أوّلّا إلى التنظيم عبر إصدار مراسيم وتصاميم توجيهية وتفصيلية تحافظ على مقوّمات المناطق الطبيعية والاجتماعية – الاقتصادية، وتحقّق التنمية فيها عبر العودة إلى الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية وبالتالي الحدّ من النزوح من المناطق الريفية.

إنّ النماذج المعتمدة للتصميم، مهما تنوّعت، ستحدّ قدرة مستخدم المسكن على اختيار الطريقة التي يريد العيش بها،- وستجبره على التكيّف مع تصميم قد لا يلائمه. كما أنّه يتمّ تقديم هذه النماذج كحلّ لعشوائية البناء في هذه المناطق، ويحمّل القانون الأهالي مسؤولية ما آلت إليه الأمور وعدم الحصول على رخص قانونية، مع العلم أنّ العشوائية المذكورة ما هي إلّا نتاج إجراءات وتشريعات السلطة نفسها، سواء عبر التأخّر في تنظيم المناطق غير المنظّمة، أو عبر قانون البناء الذي لا يراعي عوامل البيئة والطبيعة والمجتمع، أو عبر القرارات العبثية كإصدار تعاميم جعلت من عملية البناء وتأمين السكن عملية عرضية وظرفية، لا سياسة شاملة.

يُطرح تساؤل حول إمكانية استفادة بعض المستثمرين و/أو النافذين الذين يملكون أو قد يشترون عقارات عديدة في- هذه المناطق من الإعفاء إذا التزموا بالشروط، ما قد يحرم الدولة من مردود مهمّ، فالآلية المطروحة في هذا الإطار مبهمة وقد تجعل الإعفاءات تزيد وتتكاثر.

يأتي القانون في إطار “الخدمة” التي تكرّسها سياسة الإعفاءات، كونه  يسري بشكل أساسيّ في المناطق غير المنظمة،- التي تشكّل 85% من الأراضي اللبنانية، وهي في غالبيتها ريفية، تعاني أساسًا من افتقار التنمية. بذا، إنّ الاقتراح الدائم لاستثناءات وإعفاءات من قبل نوّاب من هذه المناطق، يصبح بمثابة تقديم مساعدة آنية، لمشكلة حلّها يتمثّل بتنظيم هذه المناطق وإرساء رؤية إنمائية لها.

يشكّل الاقتراح الحالي إذًا استكمالًا متعمّدًا لاستقالة الدولة من مسؤوليّاتها الاجتماعية عبر طرح حلول جزئية لمشكلة أنتجتها وتستمرّ في مفاقمتها. إلّا أنّ توقيته اليوم وأسبابه الموجبة والتعديلات عليه تشير إلى إشكاليات إضافية مرتبطة بالحرب ومقاربة المشرع لها. يتعاطى الاقتراح مع إعادة الإعمار وكأنّها عملية مجتزأة عالج بإجراءات وإعفاءات فردية من دون خطط شاملة تضمن التعافي الاقتصادي والاجتماعي والعودة الكريمة للنازحين. ويركز في أسبابه الموجبة على أنّ “تشجيع أهالي وسكان القرى والبلدات على البناء في قراهم وبلداتهم يسهم الى حدّ كبير في تحفيز الحركة الاقتصادية وتنشيطها ويساعد على تحقيق الانماء المتوازن، نظرًا لكون قطاع البناء المحرّك الأساسي للعديد من المهن الحرّة مؤثرًا إيجابيًا في تنشيط الحركة الاقتصادية”. غير أنّ مقاربة إعادة الإعمار لا يجب أن تقتصر على إعادة بناء الأبنية وتصوير عملية البناء كفرصة إضافية لمصلحة الريع العقاري، بل يجب أن تكون عملية شاملة تأخذ بعين الاعتبار حالة المناطق والقرى المدمّرة وطابعها قبل تدميرها بفعل الاعتداءات الإسرائيلية وأحوال سكانها وعاداتهم وطرق عيشهن/م ونشاطاتهن/م الاقتصادية وذلك حرصًا على عودةٍ كريمة لجميع العائلات النازحة وعلى تعافٍ حقيقي يطال الاقتصاد والاجتماع والبيئة ويحقق إنماءً متوازنًا ومُستدامًا لهذه المناطق من ضمن خطة تكاملية تطال كافة الأراضي اللبنانية. 

أمّا أن يضاف بند استفادة من يشترك في ملكية أسهم شائعة في عقار من أحكام هذا القانون، في واقع الأمر، يصعّب قانون البناء عمليات البناء في هكذا عقارات إلى حدٍّ كبيرٍ، حيث تقاسم الوَرَثة تاريخيًا العقار حبّيًا من دون معاملات انتقال ونقل الملكية. وبما أنّ الرخصة القانونية للبناء تتطلّب موافقة جميع الشركاء في العقار وهو أمر صار إتمامه مكلفًا ماديًا ومتعذّرًا بفعل الاغتراب والشيوع المتراكم والمتوارث على مدى أجيال، لجأت غالبية الناس إلى البناء من دون رخص رسمية، بعدما حدّدوا مساحاتهم وفق تفاهمات شعبية اجتماعية ولجأوا في كثير من اﻷحيان إلى ما بات يُعرف بتحديد اﻷرض لدى كاتب العدل وليس في الدوائر العقارية، أو أدت تناقضات قانون البناء الى منعهم من البناء والسكن. 

هنا جاء الحل من خلال الإعفاء من الحصول على موافقة جميع المالكين. لكن تمّ تكريس العُرف الذي يتحدّث عن الحصص وهو عرف يبدو مناقضًا للقانون من حيث المبدأ طالما أنّ الملكية في الشيوع تعني بالمبدأ شيوعًا في ملكية في كل العقار وليس ملكية لجزء من العقار بحسب الحصّة. لكن البارز أنّ الأمر يحصل بالترقيع في كل مرة كما حصل مع القانون الخاص بالمهجّرين بعد الحرب الأهلية، فيما أنّ الضروري حصوله هو إعادة التفكير في نظام جديد يعالج إشكالية الشيوع بصورة دائمة تتناسب مع حجمه وحجم الاغتراب وتجزئة ملكية العقارات.

خاتمة

تتطلّب معالجة تداعيات الحروب والكوارث استراتيجية وطنية ورؤية شاملة تتجاوز الإجراءات المؤقتة، وتُرسّخ نهجًا مستدامًا يُعزّز قدرة المجتمعات على الصمود والتعافي. فالحلول قصيرة المدى مثل الإعفاءات على الرسوم لا تُساهم في بناء مجتمع قادر على مواجهة الأزمات المستقبلية، بينما يُساهم النهج الشامل في بناء مجتمع مُحصّن.