قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

المرصد البرلماني

13/11/2021

انشر المقال

صدّق مجلس النواب في 2019/6/26[1] اقتراح قانون مكافحة الفساد في القطاع العام، ولكن عاد وردّه رئيس الجمهورية بموجب المرسوم رقم 5272/19 في 25/7/2019. ثمّ صدّق القانون المعاد إلى المجلس مع بعض التعديلات في 8/5/2020 [2]ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14/5/2020.

ملاحظات: مما لا شك فيه أن قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (قانون مكافحة الفساد) يعتبر القانون الملك في استراتيجية مكافحة الفساد، ذلك لأنه يشكّل شرطا لنفاذ عدد من القوانين كقانون حماية كاشفي الفساد، وقانون حق الوصول للمعلومات وقانون الشفافية في القطاع النفطي وقانون الإثراء غير المشروع المعدّل وقانون رفع السرية المصرفية عن العاملين في القطاع العام والمتعاملين معه - بعد ردّه من قبل رئيس الجمهورية - واسترداد الأموال المتأتية عن الفساد الذي صدر عام 2021. ونسارع إلى القول أنه وعلى أهميّة القانون الذي طال انتظاره، تكمن أبرز إشكالياته أنّه يكتفي في معظم مواده (المادة 5 وما يليها) بذكر كيفية تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (الهيئة) ومهامها وآليات عملها، فيما يتجنب توضيح آليات التعاون بين لبنان وباقي الدول أو توضيح عمل الهيئات التي تتولى شؤون هذا التعاون، في حين أن تنظيم التعاون الدولي وبخاصة في مجال الملاحقة واسترداد الأموال المنهوبة يشكّل أحد أهم بنود وأهداف اتفاقية مكافحة الفساد، التي انحدر وضع القانون منها.

أخيرا، يتطرّق هذا القانون إلى مكافحة الفساد في القطاع العام فقط ولا يشمل نطاقه القطاع الخاص وهو ما شكل أحد أسباب ردّ رئيس الجمهورية لهذا القانون على اعتبار أن القطاعين مرتبطان ببعضهما ويقتضي مقاربة الفساد من نظرة شاملة لا مجتزأة.

وعليه، فإن أي مناقشة لمدى فعالية هذا القانون في مكافحة الفساد ووفقا للملاحظات التي أبديناها، إنّما هي فقط مناقشة لمدى فعالية الهيئة المنشأة بموجبه بحكم استقلاليتها وتكوينها وصلاحيتها في مكافحة الفساد في القطاع العام.

أ-تكوين هيئة مكافحة الفساد: إشكالات جدية حول استقلاليتها وفعاليتها

في حين يمنح المقترح الهيئة استقلالية تامة عن أي سلطة أخرى، تبعا لمنحها الاستقلالية الإدارية والمالية، إلا أن هذه الاستقلالية تبقى شكلية ما لم يتمّ تعيين أعضائها الستة على نحو يضمن استقلاليتهم وهو ما لا يتحقّق.

فينص القانون على تعيين قاضيين متقاعدين بالانتخاب من قبل الهيئات العامة للقضاة العدليين والإداريين والماليين مجتمعة. ومن شأن آلية الانتخاب هذه أن تعزز استقلالية هذين العضوين وتحررهما من آلية المحاصصة، حيث أنه يصعب التنبؤ بما قد ينتج عن انتخابهما من القضاة كافة. وقد أبقي على هذا التعديل رغم اعتراض رئيس الجمهورية عليه بردّه بحجّة تعذر تطبيقه، بعدما شكّك في إمكانية جمع هيئة ناخبة مؤلفة من 800 قاضيا. ولكن التأم القضاة كافة (من القضاء العدلي والإداري والمالي) في جمعية عمومية في حزيران 2021 وانتخبوا عضوي الهيئة[3].

إلا أن المشكلة الفعلية تكمن في وجوب اختيار قاضيين متقاعدين، علما أن سن التقاعد في السلك القضائي هو 68 وليس 64 عاما كما في سائر الوظائف. فكان من الأفضل مع "إعلان" مكافحة الفساد كأولوية اجتماعية وسط إجماع حول انتشار الفساد بشكل واسع، تعيين أعضاء يتميزون بنشاطهم المهني وقدرتهم على معالجة مئات الملفات وتحمّل ضغوط العمل.

أما العضوان المهنيان وفق القانون هما محام وخبير محاسبة. يعيّن العضوان المذكوران من ضمن مجموعة أسماء تقترحها مجالس نقابات المحامين وخبراء المحاسبة على مجلس الوزراء. وهذا الأمر يهدد استقلاليتهما من زاويتين: الأول، ترك خيار واسع لمجلس الوزراء لاصطفاء الأعضاء فيما يكون من الأفضل تمكين النقابات من تعيين ممثليها مباشرة، والثاني، امكانية التأثير على أعضاء المجالس النقابية، وهو أمر من الممكن معالجته من خلال انتخابهما مباشرة من قبل الهيئات العامة للنقابات المكونة من جميع أعضائها. كما أن للمحامين وخبراء المحاسبة دور أساسي في أداء مهام الهيئة. ومن هنا، جاز التساؤل حول مدى ملاءمة الاكتفاء بمحام وخبير واحد، في ظل التوقعات بوضع الهيئة يدها على عدد هائل من الملفات.

وتجدر الإشارة إلى أنه ألحق بالهيئة المكونة من ستة أعضاء جهاز إداري متفرغ على رأسه أمين عام، يتمّ تعيينه من قبل الهيئة بعد مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنيّة. والإشكال يتأتى هنا من عدم تضمين القانون إنشاء ملاك يسمح للهيئة التصدي لمهامها بشكل فعّال.

ينطبق الانتقاد نفسه بخصوص تعيين عضو آخر من بين 3 أشخاص يسميهم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية. وهذا الأمر إنما يشكل خرقا واضحا لمبدأ فصل السلطات.

أخيرا يتولى مجلس الوزراء تعيين عضو من بين 3 أشخاص تسميهم “هيئة الرقابة على المصارف”. اللافت أنه لا وجود لأي هيئة بهذا الاسم بل هناك لجنة الرقابة على المصارف. وإذا كان المقصود بذلك هذه اللجنة، فإن ذلك يشكل إشكالية بالنظر إلى اشتراك جمعية المصارف في تعيين أجد أعضاء هذه اللجنة، مما يجعلها شريكا غير مباشر في تعيين أحد أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وهذا الاختيار مفاجئ جدا، وغير مبرر لا من الناحية المهنية ولا من الناحية السياسية أو الاجتماعية فضلا عن وجود تضارب مصالح تبعا لاحتمال تورط بعض المصارف في أعمال الفساد التي يفترض بالهيئة أن تكافحها.

ب-في ضمان استقلالية الهيئة وحيادها

من أهم الضوابط الضامنة للاستقلالية التي تمّ المسّ بها في القانون الذي أقرّ حجب عضوية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن الأعضاء الحاليين والسابقين في الأحزاب اللبنانية. ويعتبر سابقا لغاية تطبيق هذا القانون من كان كذلك قبل خمس سنوات من مدة تعيينه، وذلك تبعا لملاحظات رئيس الجمهورية التي كانت انتقدت إقصاء الأعضاء الحاليين أو السابقين في الأحزاب بصورة مطلقة. وكان الاقتراح تضمّن موادّ من شأنها تعريض استقلالية الهيئة للخطر بحيث أناط الاقتراح بمجلس الوزراء إمكانية وقف عمل الهيئة عند “امتناع(ها) الجسيم عن القيام بمهامها قانونا أو الإخلال الفادح بها” دون تحديد المعنى المقصود بهذه العبارة. وكان من شأن إبهام هذه العبارة فيما لو أبقيت أن يفتح باب الاستنساب لمجلس الوزراء بإيقاف عمل الهيئة على نحو يخلّ بفصل السلطات ويعرّض كل جهود مكافحة الفساد للخطر. وقد تم حذف هذا البند تبعا لملاحظات رئيس الجمهورية.

كما تجدر الإشارة إلى التناقض الوارد في القانون لجهة التأكيد على عدم جواز تجديد ولاية الأعضاء (المحددة بست سنوات وهي من ضمانات استقلالية الأعضاء) في موازاة فتح باب خلفيّ للتمديد للأعضاء عبر السماح لهم بالاستمرار بممارسة مهامهم بعد انقضاء ولايتهم لأي سبب كان إلى حين تعيين بدائل عنهم. فمن شأن هذا الأمر أن يؤدي عمليا إلى تمديد ولاية أعضاء الهيئة في مناصبهم بما يهدد استقلاليتهم واستقلالية الهيئة.

 

ج- صلاحيات الهيئة

قد يكون أحد أهم بنود هذا القانون منح الهيئة شخصية معنوية وصفة ومصلحة فهي تتمتع بكل الصلاحيات المعطاة للدولة والمدعي الشخصي من أجل محاسبة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.

وفيما أعطيت الهيئة ظاهريا صلاحيات عدة تسمح لها بأداء مهامها وتمكنها من طلب إجراء الملاحقات والاستقصاءات والتحقيقات الجزائية في جرائم الفساد من دون الحاجة للاستحصال على الأذونات والتراخيص المسبقة الملحوظة في القانون، فإن التدقيق في سائر مواد القانون تبيّن كثرة المجالات التي يتحتّم عليها العودة فيها إلى مراجع أخرى لاتخاذ اجراءات وقائية. وهذا ما نتبيّنه مثلا بما يتصل في ما خصّ الحجز على أموال المشتبه به وتجميد الحسابات ورفع السرية المصرفية، حيث لا يتمّ لها ذلك إلا بعد الاستحصال على موافقة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان. كما نتبينه بما يتصل بقرارات منع السفر وضبط أموال المشتبه به، بحيث يتعين عليها للحصول على تدبير بهذا الخصوص اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة، والذي يكون له إصدار قرار بمنع المشكو منه من السفر لمدة 3 أشهر، يمكن تجديدها مرة واحدة.


[1] عماد صائغ، مغامرات قانون مكافحة الفساد في القطاع العامّ بين المجلس والقصر: طريق وعرة لا بد من عبورها، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية، 2019/12/6

[2] المرجع نفسه.

[3] وهما القاضيان المتقاعدان في منصب الشرف كلود كرم وتيريز علاوي.