كيف أصبح قانون الموازنة بعد قرار "الدستوري"؟ ضريبة "صيرفة" تبقى وضريبة "الدعم" تطير
06/04/2024
قد يكون المجلس الدستوريّ محقّاً في إشارته إلى أنّ الفوضى الشديدة التي شهدتْها جلسة مناقشة الموازنة العامة في 26/1/2024، قد أثّرت في نتيجة بعض النصوص والموادّ وليس بقانون الموازنة برمّته. وهذا لم يكن مبرراً كافياً، بالنسبة له، لإبطال القانون برمّته، معلناً أنه سيدرس تأثير هذه الفوضى على كل حالة بشكل مستقلّ. لكن مع ذلك، فإنّ اعتماده لتقييم هذه الحالات على محضر الجلسة فقط، لا يمكن أن يُوضح فعليّاً حجم تأثير هذه الفوضى على مجرياتها. خاصة أن المحضر يُسجّل فيه فقط ما يُتلى عبر الميكروفون، وهو ما يمكن أن يخفي خلفه الكثير من الفوضى التي ساهمت في زيادة الالتباس والغموض في النصوص. حيث كان الصراخ يعلو على أيّ نقاش رسمي في مختلف أنحاء القاعة من دون أن يتمّ تسجيله. وهذا ما بدا جليّاً من خلال مشاهدات "المرصد البرلماني للمفكرة القانونية" لتلك الجلسة، والتي وثقتها في أكثر من مقال. وهو ما بدا تأثيره واضحاً من خلال عدم معرفة أكثرية النوّاب للصياغة النهائية لعدد من المواد وانتظارهم النسخة الرسميّة للاطّلاع على ما أقرّوه بأنفسهم، وإن نظرياً طالما أنّ التصويت كان جزءاً من هذه الفوضى. وبدا جليّاً أن المجلس ردّ الطعون المبنية على وجود مخالفات بالشكل، مثل مسألة عدم وضوح المناقشات أو عدم وضوح طريقة التصويت.
كما أن المجلس نفسه أقرّ أن العودة إلى المحضر لم تكن كافية لتبيان النص الذي تمّت تلاوته في ما يتعلق بالمادة 94، على سبيل المثال. وهو ما ساهم في إبطال المجلس لمادة كان يمكن أن تعوّض بعضاً من حقوق الخزينة التي استولى عليها من استفاد من سياسة الدعم. علماً أنّ إلغاء مواد كهذه تعني، بما يمكن أن تدرّه من عائدات، أن العجز الفعلي سيزيد عن العجز الذي كان مقدّراً.
بالنتيجة، يتبين من القرار المتّخذ أنّ تلك الفوضى لم تكنْ بحدّ ذاتها محلّ رقابة خاصة من قبل أعضائه الذين اكتفوا بالنظر في المواد كلا على حدة. وإذ ورد في الفقرة الحكمية أنه تمّ إبطال المواد 40، 41، 56، 83، 87، 92، 94 و95 كلياً، وإبطال المواد 7، 10، 69، 86 و93 جزئياً (حذف عبارات أو تعديلها)، فإن التدقيق في كامل القرار يظهر أن ثمة تناقضا بين الحجج الواردة في متنه والحوصلة المعلن عنها في خاتمته. وقوام هذا التناقض أن حيثيات القرار تحدثت عن وجوب ردّ طلب إبطال هذه المواد أو خلت من أي مناقشة لها، لتعود الفقرة الحكمية وتعلن إبطالها. ويرجّح أن يكون هذا التناقض قد حصل بنتيجة ضغط الوقت حيث يتعيّن عليه إنهاء النظر في الطعون الخمسة في قانون كبير الحجم ومعقد كقانون الموازنة العامة، كل ذلك ضمن مهلة قصيرة (شهر) من تعيين مقرر للنظر فيها. وعليه، يؤمل أن يعود المجلس الدستوري ليصحح هذه الأخطاء المادية منعا للالتباس، بخاصة أن لبعضها مفاعيل سلبية جدا على الموازنة العامة والعدالة الضريبية.
وتفصيليا، ينطبق هذا الأمر بشكل خاص على المواد 41 (الأرباح التي حققها مقيمون في الخارج) و92 (ضرورة الربط بين صندوق الضمان الاجتماعي والمالية منعا للتهرب الضريبي) و95 (تكليف الحكومة إنجاز قطوعات الحساب). فبالنسبة للمادة 41، خلص المجلس إلى وجوب رد الطعن بخصوصها، فإذ به يشملها بالمواد التي أبطلها. أما المادة 92، فقد جاء في الفقرة الحكمية أنه تمّ إبطالها كليّا، إلا أنه يتبين عدم حصول أي مناقشة لها وعدم وجود حيثيات في القرار تظهر سبب إبطالها، علماً أن هذه المادة تحقق مطلباً قديماً لإنهاء التهرب الضريبي كما تمنع أصحاب العمل من التحايل على الضمان الاجتماعي لتخفيض قيمة اشتراكاتهم. وتبقى المادة 95 التي تنص على إلزام مجلس الوزراء إعداد قطوعات الحسابات خلال مهلة عام، فقد اعتبر "الدستوري" أنها لزوم ما لا يلزم، وأن "لا جدوى من الطعن في دستوريتها"، من دون أن يوضح في متن الحكم إذا كان تقرر ردّ طلب إبطالها أم قبوله. واللافت أن الفقرة الحكمية انتهت إلى القول الشيء وعكسها بشأنها بحيث ورد فيها أنه تم ردّ طلب إبطالها ليقال بعد سطور أنه تمّ إبطالها كليا.
تثبيت الضريبة على المستفيدين من "صيرفة"
فيما يلي، نتناول مضمون هذه المواد ومبرّرات إبطالها كلياً أو جزئياً، على أن يتم التركيز بداية على المادتين 93 و94 اللتين شهدتا نقاشاً حامياً في الجلسة العامة لمجلس النواب تحوّل في فترات عديدة إلي فوضى عارمة تاهت معها النقاشات ونتائجها. المادة 93 تتعلق بفرض ضريبة على المستفيدين من منصة صيرفة، وقد أبطلها المجلس الدستوري جزئياً. وهي كانت تنص على أنه "خلافاً لأي نص آخر تخضع الأرباح التي حقّقها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة العمليات التي نفذوها على منصة صيرفة، استناداً إلى تعميم مصرف لبنان الصادر بهذا الشأن والتي تفوق 15 ألف دولار أميركي، لضريبة استثنائية إضافية نسبتها 17٪، وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي".
العودة إلى المحضر أظهرت للمجلس الدستوري أن الخلاف لم يكن على مبدأ فرض الضريبة بل على تسمية هذه الضريبة، فهل هي غرامة أو ضريبة أم ضريبة استثنائية أم غرامة استثنائية؟ وبناءً عليه، تبيّن للمجلس أنّ قانون ضريبة الدخل خلص إلى إخضاع كل دخل أو ربح مهما كانت طبيعته للضريبة ما لم يكن هناك استثناء أو إعفاء صريحان. وخلص المجلس إلى أنّه لا يمكن تفسير عبارة "غرامة" الواردة في النص الذي جرت تلاوته على الهيئة العامّة إلا وفق العبارة التي تلتْها، أي أنها ضريبة استثنائية فرضها المشرّع على أرباح جنيت بدون سبب وشكلت "إثراءً غير مشروع"، ولا يجوز أن تعتبر هذه الأرباح غير المسندة إلى أسباب قانونية سليمة من الأعباء القابلة للتنزيل التي تطبّق على غيرها من الأرباح، لمخالفتها مبدأ المساواة أمام الفرائض العامة، فأبطل هذه العبارة.
يذكر أن هذه المادة كانت وردت في مشروع الحكومة، إلا أن لجنة المال عادت وأسقطتْها قبل أن يعود ويطالب بها كلّ من النائبين وائل أبو فاعور وحسن فضل الله في جلسة مناقشة الموازنة في الهيئة العامة.
والإبقاء عليها من قبل المجلس الدستوري جاء ليشكل ضربة للمنتفعين من صيرفة وأغلبهم من المصارف التي كانت أول المعترضين على توقّف المنصة، علماً أن النائبين أبو فاعور وجورج عدوان كانا أشارا إلى أن المنصة كلفت الخزينة ما بين مليارين و2.5 مليار دولار.
… وإسقاط الضريبة على المستفيدين من الدعم
لم يعتمد المجلس الدستوري التوجه نفسه فيما يتصل بالطعن في المادة 94 التي تنص على إخضاع المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر صرف الدولار لضريبة استثنائية إضافية مقدارها 10% على المبلغ الذي يفوق 10 آلاف دولار على أن تُحدّد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية.
وفيما تكرر النقاش هنا أيضاً بشأن تسمية الضريبة، فقد أضيف إليه ما ورد في نهايتها حول ربط تطبيقها بقرار من وزير المالية، وهو ما لم يكن قد ورد في الجلسة. وبالعودة إلى المحضر لم يتبيّن للمجلس الدستوري ما هو النص الذي تمت تلاوته على الهيئة العامة ومن ثم التصديق عليه بالأكثرية. فضلاً عن ذلك، رأى المجلس أن النصّ يتّسم بالغموض لناحية وعاء الضريبة المفروضة إذ أن عبارة "على المبلغ الذي يفوق 10 آلاف دولار" التي تلي نسبة الضريبة المحددة ب10% هي مبهمة وغير دقيقة وغير واضح ما إذا كان المبلغ هو الأرباح المحققة أم مجمل إيرادات الشركات الخاضعة للضريبة، أضف إلى أن "هذا الغموض يترك هامشاً من الاستنسابية لوزير المالية في تطبيق النص، ما يتعارض مع مبدأ فقه القانون ووضوحه"، فكان الخيار بالنسبة للمجلس هو إبطال المادة برمّتها.
هذه المادة تُظهر مجدداً الخلل الذي نشأ من خلال اعتماد المحضر فقط. فلو حصل المجلس الدستوري على تسجيلات الفيديو الخاصة بالجلسة لكان أمكن له أن يتبيّن حقيقة النقاش.
هذه النتيجة كان قد مهّد لها الخلاف الذى دار بُعيد إقرار الموازنة بشأن ما إذا كانت الضريبة فُرضت على مجمل الاستفادة من الدعم أم على الأرباح. وفيما كان إلغاء الضريبة مطلباً للمتضررين، تحوّل الخلاف بعد إقرارها إلى خلاف على المبلغ المشمول بالضريبة: هل هو على الأرباح أم على الإيرادات؟ وقد توالتْ سريعا الاعتراضات التي بدأها تجمّع مستوردي النفط بالتهديد بالتوقف عن تسليم المحروقات للمحطات، إضافة إلى محاولات قطع الطريق على فرض الضريبة على رقم الأعمال.
وعلى ما تبين لاحقاً، قضى الاتفاق، الذي شارك فيه الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، بتقديم اقتراح قانون معجّل يرمي إلى التوضيح أن الضريبة لا تطال مجمل رقم الأعمال أو حجم الاستفادة من الدعم بل الأرباح فقط. وبالفعل قدّم النائب بلال عبد الله اقتراحاً في 6 شباط الماضي أشار، في مادته الأولى، إلى أنّ "الضريبة تستوفى على الأرباح التي حقّقتها الشركات والمؤسسات التجارية بشكل مباشر وحصريّ نتيجة استيراد وبيع سلع ومواد كانت مدعومة خلال 2020، 2021، 2022". فبدت هذه الخطوة أقرب إلى قانون تسوية مهمّته إقفال الملف مقابل القليل من الأموال التي يدفعها المستفيدون من الدعم. علماً أنه في العام 2020 وحده، وصلت كلفة الدّعم إلى 8.2 مليار دولار، نحو 36% منها ذهب لدعم المحروقات، و20% لدعم الأدوية.
وعليه، فإن دفع 10% من الأرباح وهي بطبيعة الحال الأرباح المصرّح عنها، أي المحدّدة رسمياً، لن تتضمّن الأرباح المحقّقة من الدعم كونه ربحا غير منظور بخاصة أن فترة الدعم شهدت استيراداً غير مسبوق للمواد المدعومة يفوق الحاجة الفعلية للسوق اللبناني. وهو ما يقود ببساطة إلى الاستنتاج أن هذه الكمّيات إما تم تهريبها أو تخزينها، فعن أي ربح سيدفع المستفيدون نسبة ال10%؟
إلغاء المادة يعني عملياً إعادة إحياء اقتراح القانون المقدم من عبد الله، والذي يحسم مسألة حصر الضريبة بالأرباح لا برقم الأعمال، لكنه يعني أيضاً إمكانية إعادة فتح الملفّ بشكل علمي، أي عبر إجراء تحقيقات قضائية للتأكد من مخالفة القانون واحتجاز مواد الدعم، تمهيداً لمحاسبة المخالف أو فرض غرامات رادعة ومتناسبة مع حجم المخالفة. وهذا أصلا ما أقرّه المجلس النيابي في قانون أصدره في 2021 وأخضع جميع الشركات التي استفادتْ من الدعم للتدقيق الجنائي من دون أن يطبق هذا القانون حتى اليوم.
أما القول بإخضاع كلّ الشركات المُستفيدة لضريبةٍ مقطوعة تبلغ 10%، فلا يستوي مع عدالة التكليف، على افتراض أن بعض الشركات قد لا تكون استولتْ على الدعم بل أوصلتْه للناس، فيما يمكن أن تكون أخرى قد استولت على كامل الدعم وحققت أرباحاً هائلة وغير قانونية، ما يجعل ضريبة الـ10% هزيلة أمام حجم المخالفة، التي تستدعي محاكمة جزائية قوامها الإثراء غير المشروع قبل البحث بحجم التعويض والذي يمكن نظريا أن يتحدد بنتيجة صلح جزائي على تسديد نسبة من قيمة الدعم، وهو ما ذهبت إليه بعض دول المنطقة في فترة ما بعد 2011.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ النائب وائل أبو فاعور كان اقترح أن "تعمد الدوائر الضريبية المختصة إلى تدقيق أعمال المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم وإصدار التكاليف الضريبية خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر. وفي حال تبيّن أن السلع المدعومة لم يتمّ بيعها بأسعار مدعومة في لبنان توجّب عليها إحالة المؤسسات والشركات المعنية إلى النيابة العامة المالية…". لم يتبنّ أحد الاقتراح، كما بدا أن كتلة اللقاء الديموقراطي نفسها تراجعتْ عنه، إذ لم يردْ في اقتراح القانون المقدّم من عبدالله أيّ إشارة إليه.
ما هي المواد التي أبطلها "الدستوري" كلياً؟
- المادة 40: تتعلق بتعديل المادة 4 من قانون طابع المختار رقم 273/2001، وقد اعتبر المجلس الدستوري أنها، على عكس المادة 39 التي تتولى أيضاً تعديل المادة 3 من القانون نفسه وتعتبر ذات طبيعة ماليّة بحتة ولا تخرج بالتالي عن مفهوم الموازنة إنّما تكتفي بتعديل رسم تمّ إقراره سابقاً، فإن المادة 40 هي ذات طابع تنظيميّ تأديبيّ تتناول شروط إلصاق الطابع وبيعه وتبعات عدم إلصاقه على المخالف. وبالتالي، فإنّها لا تمتّ إلى الموازنة بصلة وتعتبر من فرسان الموازنة، ما يوجب إبطالها لمخالفتها المادة 83 من الدستور (أكد المجلس في قراره أن المواد 36، 39 و91 المطعون بها ليست من فرسان الموازنة لأنها تتناول أموراً مالية ولها تأثير على واردات ونفقات الخزينة العامة).
- المادة 56: ترمي إلى تعديل المادة 60 من القانون الصادر في 25/5/1926 (إدارة وبيع أملاك الدولة الخصوصية) والتي ترعى أصول تأجير أملاك الدولة الخاصّة. إذ اعتبر المجلس أنّها لا ترتبط بنفقات وإيرادات الموازنة بل تتعلق بشكل أساسي بإجراءات لها طابع إداري وتنظيمي، فتكون بالتالي من فرسان الموازنة ويقتضي إبطالها لمخالفتها للدستور، لاسيما المادتين 81 و83 منه.
- المادة 83: تنص على فرض رسم على الشاحنات الأجنبية، بسبب إدخال مجلس الوزراء تعديلاً على نص المادة خلافاً للمادة 51 من الدستور، أضف إلى أن التعديل يخالف المادتين 81 و82 من الدستور (فرض الرسوم والضرائب لا يتم إلا بقانون). إذ ينصّ على أن تُحدّد قيمة كل رسم بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. أما العودة إلى محضر الجلسة التشريعية فلا يُظهر أن التصويت على المادة 83 قد حصل فعلاً، ما يُشكّل مخالفة للمادة 83 من الدستور التي تنص على أن يقترع على الموازنة بنداً بنداً. وعليه اعتبر المجلس أن المادة 83 من الموازنة عديمة الوجود لعدم إقرارها في الهيئة العامة وفق الأصول.
- المادة 87: تتعلق بإجراء تسوية على التكاليف غير المسدّدة المتعلقة بضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة المقدمة أمام لجان الاعتراض. وقد أبطلها المجلس لأنها تستبق قرارات هذه اللجان وتفرض تسوية على نزاعات عالقة أمامها قبل البتّ بها، في مخالفة لمبدأيْ استقلالية القضاء وفصل السلطات. وقد أكد المجلس أن هذه المادة تشكل مخالفة لقراريْن سابقين له (2/2018 و1/2023) كانا أبطلا مادّتين سمحَتا بإجراء تسويات مماثلة، مذكرا بأن إعادة إدراج أحكام قانونية مماثلة لتلك التي تمّ إبطالها يشكل مخالفة لقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميتها تجاه جميع السلطات العامة والمراجع القضائية والإدارية. كما اعتبر أن التسوية تلك تتعارض مع مفهوم العدالة الاجتماعية لأنها لم تساو بين المواطنين في استيفاء الضرائب والرسوم فضلاً عن أن من شأنها تشجيع المواطنين على التخلّف عن السداد على أمل صدور إعفاء ضريبي.
… ومواد أبطلها جزئياً
- المادة 7: تتعلق بتحديد أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية. وبعدما كان النص في مشروع القانون قبل إقراره في الهيئة العامة يشير، في الفقرة الأولى، إلى أنه "باستثناء البلديات واتحادات البلديات تقبل، وفق أحكام المادة 52 من القانون المحاسبة العمومية والمادة 88 من الدستور، الهبات والقروض الخارجية المقدّمة إلى كل من الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة على أنواعها وإلى المجالس والهيئات والصناديق على اختلاف تسمياتها وإلى البلديات واتحادات البلديات… صدر القانون وقد سحبت منه عبارة "وإلى البلديات واتحادات البلديات". وقد تبين أن التعديل جاء على خلفية إرسال الأمانة العامة لمجلس النواب كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تشير فيه إلى تصحيح خطأ مادي حيث "وردت عبارة البلديات واتحادات البلديات في متن المادة المرسلة بالرغم من أنه تقرر حذفها في جلسة الهيئة العامة". لكن العودة إلى محضر الجلسة أظهر للمجلس الدستوري أن نقاشاً دار حول استثناء البلديات ووجوب حذف العبارة، إلا أن الجلسة انتهت بعدم الأخذ باقتراح التعديل، وطرحت للتصويت كما هي، ما يدل على أنه لم يتم التصويت على حذف العبارة. وهو ما يزيل عن حذف العبارة طبيعة الخطأ المادي ويمنع التصحيح خارج إطار الجلسة. لكن رأى المجلس أن إعادة العبارة المحذوفة إلى متن الفقرة الأولى يخلق تناقضاً بينها وبين عبارة "باستثناء البديلات واتحادات البلديات" الواردة في مستهل الفقرة ما يحول دون إمكان تطبيقها ويوجب حذف هذه العبارة أيضاً. وهكذا يكون المجلس قد أعاد عبارة ثم حذف غيرها لأنه لا يتطابق معها.
- المادة 10: تحظر إعطاء سلفات خزينة خلافاً لأحكام المواد 203 إلى 2012 من قانون المحاسبة العمومية. وتنص في البند الثاني منها على أن "يتحمل كل من يخالف هذه الأحكام بأمواله الخاصة تسديد سلفات الخزينة المعطاة خلافاً للأصول وسيلاحق أمام القضاء المختص". وقد اعتبر المجلس أن البند الثاني يطغى عليه الطابع العقابي على الطابع المالي، فاعتبره من فرسان الموازنة وأبطله، لتبقى المادة. علماً أن البند الأول هو بمثابة تذكير بقانون، وكان يمكن إبطاله بدوره كما حصل مع المادة 87، إلا أن المجلس ارتأى إلغاء العقوبة فقط، فصارت المادة غير رادعة للحكومة التي تمعن في إعطاء سلف خزينة خلافاً للقانون، حيث أعطت في العام 2023 وحده نحو 83 ألف مليار ليرة بدون أي سند قانوني.
- المادة 69: تعفي السيارات الكهربائية والهجينة من رسوم عديدة لمدة خمس سنوات. وقد وجد فيها المجلس مخالفة لسنوية الموازنة وألغى عبارة التي يتم استيرادها خلال خمس سنوات. وبالرغم من أن المادة تعفي جزئياً السيارات الهجينة (Hybrid وMild-Hybrid وHybrid plug in) من الرسوم، كونها ليست كهربائية بالكامل بل تحتوي على محرك وقود إلى جانب البطاريات، فقد ارتأى المجلس إبطال عبارة Mild-Hybrid وحدها، معتبراً أن هذه الفئة ليست هجينة بل شبه هجينة ولا تعمل كهربائياً بصورة مستقلة عن محرك الوقود، في حين أبقى على الإعفاء الذي يطال النوعين الآخرين بالرغم من أنهما يعتمدان أيضاً على محرك الوقود. لكنه مع ذلك وجد في الإعفاء الذي يطال فئة واحدة منها خرقاً لمبدأ المساواة بين مالكيها ومالكي السيارات العادية، ولم يجد ذلك في الإعفاء الذي طال سيارات مشابهة، علماً أن تغيير التسمية لا يلغي حقيقة أن هذه السيارات تعمل على محركات وقود وكهرباء معاً.
- المادة 86: تنص على تخفيض معدّل الضريبة على أرباح التفرغ العقاري إلى 1% حتى نهاية العام 2026. وكان الطاعنون قد اعتبروا أنها تشبه الإعفاء الكامل من الضريبة من دون سبب واضح ما يتعارض مع مفهوم العدالة الاجتماعية، إذ أنها تفيد فئة معينة، كما تخالف مبدأ سنوية الموازنة. إلا أن المجلس الدستوري لم يجد فيها ما يستدعي الابطال انطلاقاً من أن "تخفيض قيمة التفرغ العقاري يدخل ضمن اختصاص المشرّع الذي يقدّره وفقاً لما يراه مناسباً، وبالتالي لا رقابة للمجلس الدستوري على مدى الملاءمة. كما اعتبر أن ذلك لا يخلّ بمبدأ المساواة طالما أن التخفيض يطال كل المواطنين الذين يجنون ارباحاً من تفرغهم العقاري. أما بالنسبة لمخالفة سنوية الموازنة، فقد أكد المجلس عليه، وقرر حذف عبارة لمدة تنتهي في 31/12/2026. لكنه لم يكترث لكون المادة التي اعتبر أنها لا تخلّ بمبدأ المساواة، إنما تهدف مباشرة إلى تخفيف الأعباء فئة محددة من المواطنين هم أصحاب الرساميل وبشكل غير مبرر.
تفسير تحفظي بشأن كيفية تحديد سعر الصرف
أخيرا، تطرّق القرار لطلب التفسير الذي ورد في أحد الطعون لتكليف حاكم مصرف لبنان تحديد سعر الصرف والذي ورد في المواد 15، 18، و45 على نحو يجعلها مطابقة للعدالة الضريبية ومبدأ قانونية الضريبة. وعليه، وبعدما أكد المجلس على أن المادة الضريبية هي مادة محجوزة للقانون بحسب المادتين 81 و82 من الدستور ولا يجوز للسلطة التشريعية تفويضها إلى غيرها من السلطات، فقد رأى وجوب تحصين عبارة تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان، فتُفسّر على أنها تكليف للمصرف بإفادة الإدارة الضريبية بسعر الصرف الوسطي في السوق الحرة، ليتم الاستناد إليه من أجل احتساب الضريبة أو الرسم. وبذلك، يكون المجلس الدستوري أقرّ توحيد سعر الصرف مانعا حاكم مصرف لبنان من ممارسة الصلاحية الممنوحة له بصورة استنسابية.