"هيئة التحقيق الخاصة" بحلة جديدة: التشديد على الاستقلالية من دون ضمانات
02/03/2023
تقدم النواب الياس جرادة وعبد الرحمن البزري في تاريخ 15/10/2022 باقتراح قانون يرمي إلى تعديل الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون 44/2015 "مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتعديلاته" والتي تنظم وضع هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان. ويجدر الذكر أنها ليست المرّة الأولى التي يقدم فيها اقتراح يرمي إلى تعديل تكوين هيئة التحقيق الخاصة، حيث كان النوّاب أمين شرّي وحسن فضل الله وعلي فيّاض تقدّموا باقتراحٍ مشابه عام 2021.
يرمي هذا الاقتراح إلى تحقيق أمرين إثنين:
- تعديل تعريف الهيئة بشكلٍ يُعزّز استقلاليتها، بخاصّة الماليّة والإدارية، ويجعلها غير خاضعة في ممارسة جميع أعمالها لسلطة المصرف المركزي أو أيٍّ من هيئاته كافّةً. وقد أضيف بموجب الاقتراح بندٌ ثانٍ إلى الفقرة الأولى من المادة 6 يُشدّد على استقلالية الهيئة في "ممارسة صلاحيّاتها ومهامها وفقاً للمبادئ المحدّدة في الاتفاقيات الدولية التي انضمّ لبنان، ووفقاً للمعايير التفسيريّة والتنفيذيّة لتوصيات العمل المالي الدوليّة ال FATF أو ال GAFFI."
- تعديل كيفية تكوين هذه الهيئة، في اتجاه تغيير مواصفات رئيسها وعدد من أعضائها، فضلا عن رفع عدد هؤلاء من 4 إلى 5. ويلحظ هنا أن الاقتراح عمد بهدف تعزيز استقلالية الهيئة عن مصرف لبنان إلى إخراج حاكم مصرف لبنان منها وتجريده من رئاستها، وأيضا إلى إخراج القاضي المعين في الهيئة المصرفية العليا، التي هي هيئة أخرى تخضع لمصرف لبنان. بالمقابل، أبقى على رئيس لجنة الرقابة على المصارف والخبير المعين من مجلس الوزراء مضيفا إليهما: رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان و"قاضٍ متقاعد بمنصب الشرف برتبة رئيس أوّل لمحكمة التمييز"، يُنتخب من قبل مجمل القضاة الأصيلين في القضاء العدلي والإداري والمالي، وذلك تيمنا بانتخابات القاضيين العضوين في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وقد ورد في الاقتراح منح رئاسة الهيئة إلى هذا الأخير.
وقد أسهب مقدمو الاقتراح في الأسباب الموجبة عن ضرورة ضمان استقلالية هيئة التحقيق، والدور الوقائي التي كان يجب أن تلعبه فيما يخصّ جرائم تهريب الأموال. كما استند التعديل بحسب ما ورد في الأسباب الموجبة على ضرورة تحييد أعضاء اللجنة عن أصحاب المصارف والوقاية من تضارب المصالح ونأي الأعضاء عن التجاذبات السياسية.
وقبل المضي في إبداء الملاحظات على الاقتراح، يجدر التذكير بأن الهيئة كانت إلى تاريخ تقديم هذا الاقتراح تحتكر رفع السرية المصرفيّة في قضايا تبييض الأموال، وهو أمر تغيّر إلى حدّ كبير تبعا لإقرار مجلس النواب قانون السريّة المصرفيّة الذي يسمح للقضاء والمراجع المخولة طلب معلومات مصرفية القيام بذلك من دون الحاجة للمرور بأيّ مرجع قضائيّ أو إداريّ آخر.
1.بالنسبة لضمان الاستقلالية المالية للهيئة
ينصّ الاقتراح على "استقلالية الهيئة المالية والإدارية" وعلى استقلاليتها التامة عن المصرف المركزي في ممارسة جميع مهامها وصلاحياتها. إلاّ أنه لا يكفي الإقرار باستقلاليتها، وإعطاؤها هذه الصلاحيات من دون اعتماد آليات واضحة لضمان هذه الاستقلالية. ويطرح السؤال بشكل خاص بشأن الاستقلالية المالية للهيئة، حيث يفهم من المادة 6 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أن مصرف لبنان يتحمل نفقات "الهيئة" والأجهزة التابعة لها من ضمن الموازنة التي تضعها على أن تحظى بموافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان. واللافت أن التعديلات المقترحة لم تتناول قط هذه الأحكام.
2.الإبقاء على الطابع السياسي للتعيينات في الهيئة
كما أشرنا أعلاه، إن استقلاليّة الهيئة يصعب تحقيقها من دون وضع أحكام ضامنة لاستقلاليّة أعضائها. وفي حين يسجل إيجابا تجريد حاكم مصرف لبنان من رئاستها، إلا أن كيفية تعيين الرئيس الجديد تبقى غير مرضية. ففيما يفترض برئيس هيئة كهذه أن يتمتع بطاقة كبيرة، يفرض الاقتراح تعيينه من بين القضاة المتقاعدين. وفيما يشكل انتخاب الرئيس من قبل مجموع القضاة العاملين ضمانة من حيث المبدأ، فإنه تم تذويب هذه الضمانة من خلال حصر حق الترشح بأشخاص لا يتجاوز عددهم حاليا 2، طالما أنه ينحصر بالرؤساء السابقين لمحكمة التمييز وعمليا مجلس القضاء الأعلى والذين صدر مرسوم بتعيينهم قضاة شرف. ومن شأن هذا الأمر أن يجرد عمليا ضمانة الانتخابات من معناها، بالنظر إلى محدودية الخيارات للناخبين.
فضلا عن ذلك، يسجّل أن 3 من أعضاء الهيئة يعينون من قبل السلطة التنفيذية وفق ما نفصله أدناه:
- العضو الخبير يعيّن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري العدل والماليّة. وعليه، فإن تعيينه يخضع للمساومات والفيتوات السياسية، مما يقلل من حظوظ تعيين خبير مستقل. وعليه، يبدو أن الاقتراح سعى إلى ضمان استقلاليّته عن الحاكم من خلال تجريده من حق اقتراح إسمه، من دون أن يحتوي على أي ضمانات لاستقلاليته إزاء السلطة السياسية،
- وكذلك الأمر بخصوص رئيس لجنة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة، اللذين يعينان من قبل الحكومة.
أما العضو الأخير وهو رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والذي يجري تعيينه وفق آلية ضامنة للاستقلاليّة (انتخابه من قبل جميع القضاة العاملين)، فإنه ينتخب هو الآخر من ضمن قضاة الشرف الذين لا يتجاوز سنهم 74 سنة، أي من ضمن عدد قليل من المرشحين المحتملين.
خلاصة:
وعليه، أمكن القول إنه رغم تأكيد الاقتراح على استقلالية الهيئة، إلّا أنه يخلو من ضمانات لاستقلاليّتها المالية تجاه مصرف لبنان، كما يخلو من ضمانات لاستقلالية أعضائها عن السلطة السياسية.