اقتراح لتعزيز شفافية العمل البرلماني: العلنية للجان والتغطية الإعلامية للهيئة العامة

نيقولا غصن

05/11/2025

انشر المقال

تقدمت النائبة بولا يعقوبيان بتاريخ 16 تشرين الأول 2025 باقتراح لتعديل المادتين 34 و51 من النظام الداخلي لمجلس النواب. ويرمي تعديل المادة 34 من النظام الداخلي إلى تكريس علنيّة اجتماعات اللجان وأعمالها ومحاضرها ووقائع المناقشات والتصويت فيها، مع الإبقاء على إمكانيّة جعل هذه الأمور سريّة إذا ما قررت اللجنة ذلك. 

كذلك ينص الاقتراح على إضافة فقرة جديدة على المادة 51 المتعلقة بعلنية جلسات الهيئة العامة بحيث يتم "نقل سائر جلسات المجلس العلنيّة بوقائعها كافّة، بما فيها الجلسات التشريعيّة، مباشرة عبر وسائل الإعلام ولا سيّما عبر البثّ التلفزيوني والإذاعي".

أمّا الأسباب الموجبة للاقتراح، فهي تستند أوّلًا على المادة 35 من الدستور التي تكرّس علنيّة جلسات المجلس النيابي إلا في حال قرّر المجلس خلاف ذلك ضمن آليّة تحددها المادّة عينها، فتعتبر أنّ مبدأ العلنيّة هذا يجب أن ينسحب على سائر أعمال المجلس "وذلك إعمالًا لمبدأ الشفافيّة والديمقراطيّة التي يقوم عليها نظامنا البرلماني وفق ما نصّت عليه الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور وبما يسمح للمواطن بمراقبة ما يقوم به ممثلوه في البرلمان تمكينًا له من محاسبتهم وتقييم أدائهم عند الانتخاب فلا يجوز أن تكون السريّة هي المبدأ في أيّ من أعمالهم". 

واعتبرت الأسباب الموجبة أنّ المادة 34 من النظام الداخلي التي تكرّس سريّة جلسات اللجان قد خالفت المبدأ الدستوري المنصوص عليها في المادة 35، "فيما المسلّم أنّ الفرع يتبع الأصل بحيث يسري على جلسات اللجان ما يسري على جلسات الهيئة العامّة لناحية العلنيّة خاصّة أنّ المادة 35 من الدستور جاءت على إطلاقها في هذا المجال ومن المعلوم أنّ المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد نصّ صريح يقيّده". 

وأضافت الأسباب الموجبة معتبرة أنّ الاكتفاء بنقل أحداث جلسات الثقة للحكومة ومناقشة الموازنة والمناقشة العامة على وسائل الإعلام لا يفي بالمطلوب إذ إنّ "تأمين الرقابة الواجبة للرأي العام توجب نقل جميع جلسات وأعمال الهيئة العامة العلنيّة بصورة مباشرة عبر وسائل الإعلام" ما يعني ضرورة تعديل النظام الداخلي لهذه الناحية.

جراء ما تقدّم، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية على الاقتراح : 

تعطيل اقتراحات تعديل النظام الداخلي

لا بدّ من الملاحظة أوّلاً أنّ هذا الاقتراح قد قدّمته النائبة بولا بعقوبيان من قبل سنة 2020 بصفة المعجل المكرر، من دون أن يتمّ طرحه على جدول أعمال أي جلسة للهيئة العامة. كما تجدر الإشارة إلى أنّ النائبين نجاة عون والياس جراده كانا قد تقدما في تموز 2022 باقتراح معجل مكرر يرمي أيضًا إلى تعديل المادة 34 من النظام الداخلي بهدف جعل مداولات اللجان علنيّة ووضعها على جدول أعمال جلسة 26 تموز 2022 التشريعيّة من دون أن يتلى ويصوّت عليه وبقي معلّقًا لدى الهيئة العامة منذ ذلك الحين. كما كان النائب جورج عقيص قدم اقتراحًا مماثلا خلال الولاية السابقة.  

ويدخل هذا الأمر في النهج التعطيلي السائد تجاه جميع الاقتراحات المتعلّقة بالنظام الداخلي الذي بات يتم تقدميه بوصفه حكرا على رئيس مجلس النواب نبيه بري والفريق السياسي الذي يتبع له. ولا بد من التذكير أن هذا المسار التعطيلي بدأ بإلغاء لجنة النظام الداخلي عام 2000 التي كان ينصّ عليها النظام الداخلي ومن ثمّ إهمال جميع الاقتراحات التي تتعلق بالنظام الداخلي. وما من أمر يشي بأن مصير هذا الاقتراح المقدّم للمرّة الثانية سيختلف عن سابقه ما دام رئيس المجلس يسير في النهج عينه.

علانيّة أعمال المجلس النيابي منقوصة بسبب سريّة اللجان

إنّ اكتفاء النظام الداخلي للمجلس النيابي بتطبيق مبدأ العلنيّة الذي ينصّ عليه الدستور على جلسات الهيئة العامّة فقط من دون توسيعه إلى اللجان لا يؤمّن للمواطنين الإمكانيّة الفعليّة لمراقبة أداء النوّاب ومحاسبتهم لسببين :  

أوّلاً، إنّ نقاشات اللجان النيابيّة التي لا تزال سريّة تطبيقًا للمادة 34 من النظام الداخلي باتت توازي في أهميّتها نقاشات الهيئة العامة، إذ تنصّ الدارسة التي أعدّتها المفكّرة القانونيّة حول النظام الداخلي أنّ علنيّة جلسات الهيئة العامّة كانت كافية قديمًا لأنها تسمح بالتطرّق إلى كافة جوانب النصوص المطروحة للنقاش، إلّا أنّ "تطوّر وظائف الدولة والصعوبة المتزايدة للمشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي على القوانين مواجهتها جعلا النقاش البرلماني ينتقل بشكل رئيسي إلى اللجان النيابيّة المختصة". ولا شك أن الحجم الأصغر للجان يجعل النقاش فيها أسهل، بالإضافة إلى إمكانية دعوة خبراء ووزراء لحضورها من أجل إبداء الرأي والتباحث بعمق في مختلف المواضيع المطروحة، ما يعني أن النقاش التفصيلي في القوانين بات يتم فعليا في اللجان النيابية ما يوجب تمكين الجميع من الاطلاع عليها في كل الأوقات، وعدم حصر الأمر في الحالة الاستثنائية التي يعتمدها مجلس النواب اليوم بحيث تصبح محاضر اللجان علنية فقط في حال إقرار القانون بمادة وحيدة. 

ثانيًّا، إنّ اللجان النيابيّة في المجلس النيابي اللبناني اليوم باتت المكان الذي تصنع فيه فعليًّا التسويات والاتفاقات على نصوص القوانين، وذلك بهدف اختصار النقاش في الهيئة العامّة إلى الحدّ الأدنى وصولًا إلى إلغائه كليًّا إذا أمكن، والتصويت على النصوص دون مناقشتها وتعديلها، بالإضافة إلى استبعاد بعض النواب عن صياغة النصوص وحصر ذلك بالكتل المهيمنة على اللجان النيابيّة.

وقد تمكن المرصد البرلماني من خلال مراقبات عديدة من تأكيد هذا التوجه في كيفية إقرار القوانين في الهيئة العامة إذ يتبين في كثير من الأحيان أن النواب يطلبون عدم النقاش في النصّ المطروح على بساط البحث بحجّة الاستفاضة في مناقشته في اللجان وإبداء الجميع رأيهم هنالك ووصولهم إلى اتفاق لا يجدر الإطاحة به من خلال فتح باب النقاش في الهيئة العامة، وسط اعتراض متكرر من مجموعة أخرى من النواب الذين لم يحضروا جلسات اللجان ولم يتمكنوا من معرفة فحوى تلك الاتفاقات. 

ولا شكّ في أنّ استبعاد النواب المعارضين والمستقلين من أهمّ اللجان النيابيّة كالمال والموازنة والإدارة والعدل (ما عدا عضويّة أسامة سعد في الإدارة والعدل)، أدّى إلى جعلها المكان الأنسب للاتفاقات والتسويات بين الكتل الكبرى التي تمثّل الاحزاب المهيمنة. من جهة ثانية، إن جواز حضور النواب من غير أعضاء اللجنة الاجتماعات من دون إعطائهم حقّ التصويت بحسب المادة 33 من النظام الداخلي لا يشكّل رادعًا لهذه الممارسات التي تتجلّى في نهاية المطاف داخل الهيئة العامّة حيث يُختصر النقاش إلى حدّه الأدنى، وفي كثير من الأحيان لا يؤخذ بعين الاعتبار ما أدلى به النوّاب من تعديلات في معرض كلامهم في الهيئة العامّة ولا يتمّ التصويت عليها، ويكتفى بالتصويت على النصّ كما ورد من اللجان أو عبر تعديلات ارتجالية تكون عرضت بشكل عشوائي في الهيئة العامة في ظلّ غياب أصول تقديم التعديلات عن النظام الداخلي. 

بالتالي، فإنّ طبيعة التشريعات الحديثة بالإضافة إلى خصوصيّات المجلس النيابي اللبناني حيث يتركّز العمل فيه على اللجان ويترك الهيئة العامّة التصديق على ما تمّ الاتفاق عليه يحتّم فتح اللجان أمام الرأي العام، وتمكين المواطنين من معرفة ما يدور فيها من نقاشات. ولا شكّ أنّ اعتماد نظام بثّ مباشر لوقائع اللجان على غرار ما يحصل في فرنسا هو الحلّ الأمثل لإرساء شفافيّة تامّة وعلانيّة تامّة للعمل البرلماني.

جلسات الهيئة العامّة تحت نظر المواطنين

يهدف الاقتراح المقدّم إلى إرساء مبدأ نقل وقائع جميع جلسات الهيئة العامّة عبر البث التلفزيوني والإذاعي وليس فقط جلسات مناقشة الموازنة العامّة والمناقشة العامّة وإعطاء الثقة للحكومة. ولا شكّ أنّ مراقبة المرصد البرلماني لوقائع الجلسات التشريعيّة التي يمنع فيها التصوير تفيد بضرورة فتح هذه الجلسات على العلن وبثّ وقائعها بجميع الوسائل المتاحة نظرًا لفداحة ما يحصل فيها لجهة إعطاء الكلام للنواب بشكل غير منتظم ومقاطعتهم من قبل الرئاسة أو من قبل زملائهم وتدوين التعديلات المطروحة من النواب والتصويت عليها بشكل عشوائي، بالإضافة إلى التصويت على الاقتراحات والمشاريع بشكل لا يعير أيّ اهتمام للنظام الداخلي والدستور، هذا فضلا عن تصديق خلاصة محضر الجلسة بطريقة اعتباطية ما يضرب بعرض الحائط كافة أسس إدارة المجالس النيابيّة. 

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ممارسة المجلس النيابي كانت تقضي بالإشارة في محاضر المجلس إلى النواب الدين يصوّتون ضدّ القانون المطروح أو يمتنعون عن التصويت. إلّا أنّ دراسة المفكرة القانونيّة المشار إليها آنفًا تبيّن تراجع هذه الممارسة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث لم تعد المحاضر تذكر أسماء النواب المخالفين بل تتم الإشارة فقط إلى إقرار القانون بالأكثريّة إلّا إذا طلب النائب المخالف تدوين معارضته بشكل صريح في المحضر. وتضيف الدراسة إلى أنّه "عدم وجود جداول في نهاية كلّ محضر تذكر من صوّت مع القانون أو ضدّه يشكّل مسًّا بمبدأ العلنيّة ويحول دون تمكّن المواطن من مراقبة النائب ومجاسبته بشكل جدّي". ويؤدّي ذلك إلى فقدان مبدأ التصويت بالمناداة على كلّ نائب بإسمه جدواه إذا ما تمّ تدوين أسماء النواب المعترضين، ما يمكن أن يتمّ معالجته وإن بشكل جزئي من خلال عرض وقائع التصويت عبر التلفزيون، على شرط أنّ يلتزم رئيس المجلس بمبدأ التصويت بالمناداة وهو ما يقوم به نادرًا. 

بالتالي، فإنّ نقل وقائع الجلسات والممارسات التي تحصل فيها أمام أعين المواطنين والمراقبين سيشكّل حافزًا لرئاسة المجلس من أجل احترام الحد الأدنى من المعايير في النقاش والتصويت من أجل إضفاء وجه ديمقراطيّ على عمل المجلس ما سينعكس إيجابًا على نوعيّة التشريع.

ولا بد من التذكير أيضا أن المجلس الدستوري بات يواجه دائما إشكالية عدم احترام الأصول الدستورية خلال الجلسات التشريعية ما يفرض عليه التثبت من حصول القانون على الأكثرية المطلوبة وحصول التصويت بطريقة المناداة بالأسماء وهي تفاصيل يمكن التأكد منها بسهولة وسرعة في حال كانت جلسات المجلس منقولة مباشرة على الهواء. وتجدر الإشارة إلى أنّ المجلس الدستوري في قراره رقم 1 تاريخ 7 كانون الثاني 2025 قد استند على التسجيلات الصوتية التي طلبها من الأمانة العامة مجلس النواب لمقارنتها مع المحاضر المكتوبة ما مكنه من كشف عدم صحة هذه المحاضر وبالتالي إبطال القانون لعدم التصويت عليه وفقا الأصول الدستورية. إلا أن طلب المجلس لهذه التسجيلات لم يحصل إلا في قضية واحدة وبصورة انتقائية. ولذلك، فإن وجود تسجيل علني عبر البث المباشر يسهّل أوّلًا على المجلس الدستوري التأكّد من وقائع الجلسة وطبيعة المداولات والكيفية التي جرى بها التصويت، كما يمنح النواب إمكانية إرفاق هذه التسجيلات بمراجعات الطعن ما يجعل منها أوفر حظًا بالنجاح أمام المجلس. 

وتجدر الإشارة إلى أن أهمية نقل وقائع المجالس النيابية مباشرة على الهواء دفعت بالعديد من الدول إلى إنشاء قنوات تلفزيونية مخصصة فقط لتلك المهمة وهي تؤدي خدمة عامة هدفها تزويد المواطنين بكل المعلومات حول نشاط المجالس التمثيلية. 

في الخلاصة، إن تكريس علنية أعمال اللجان وبث الجلسات التشريعية أمام الرأي العام من شأنه إعطاء مبدأ العلنية الدستوري مفاعيله كاملة، لذلك يعتبر هذا الاقتراح خطوة مهمة لتطوير الحياة البرلمانية نحو مزيد من الشفافية وتعزيز للعمل السليم للمؤسسات.