تساؤلات مشروعة حول توقيت دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي
11/06/2025
في الخامس من حزيران المنصرم، أصدر رئيس الجمهورية جوزاف عون بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء المرسوم رقم 411 القاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي يفتتح "بتاريخ صدور المرسوم ويختتم بتاريخ 20 تشرين الأول 2025". وقد صدر هذا المرسوم عقب زيارة قام بها رئيس الحكومة نواف سلام إلى قصر بعبدا ونص في مادته الثانية على تحديد جدول أعمال العقد الاستثنائي بمجموعة مواضيع من بينها "مشاريع القوانين الطارئة والمستعجلة والضرورية المتعلقة بالأوضاع المعيشية الملحة والإصلاحات اللازمة والضرورية" المتعلقة بإصلاح وضع المصارف.
ولا شكّ أنّ تفعيل دور مجلس النواب بعد سنوات من التعطيل وشلل المؤسسات الدستورية هو من الأمور الإيجابية لا سيما من أجل مواكبة الخطوات الإصلاحية في شتّى المجالات وإقرار التشريعات الملحّة من دون إبطاء، لكن دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي جرت في سياق يؤدي إلى طرح تساؤلات جدية حول توقيتها.
ففي الاجتماع الشهري لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في 4 حزيران، أعرب هؤلاء عن خشيتهم من دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي قبل 13 حزيران 2025 موعد الجلسة المحدّدة من قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار لاستجواب المدعى عليه النائب غازي زعيتر كون المادة 40 من الدستور تمنح حصانة للنائب بحيث يمنع اتخاذ أي إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه "أثناء دور الانعقاد".
وبما أن العقد العادي الأول انتهى وفقا للمادة 32 من الدستور في 31 أيار الماضي، وبما أن الحياة الدستورية في لبنان عادت لانتظامها بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومنح الحكومة الجديدة الثقة ما يعني انتهاء العقد الاستثنائي الحكمي الذي يفتتح عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة (وهو الوضع الذي كان قائما منذ بدء ولاية مجلس النواب الحالي في نهاية أيار 2022)، فإن ذلك بات يعني أن الحصانة التي يتمتع بها النواب بمن فيهم المدعى عليهم بقضية انفجار المرفأ لم تعد قائمة كون البرلمان بات خارج دورات الانعقاد، ما يسمح للمحقق العدلي باستئناف عمله ويسقط جميع الذرائع القانونية التي يتحجج بها النواب المدعى عليهم.
من هنا يتبين أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لم يكترثا بمطالب أهالي الضحايا إذ أصرا على فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب في الخامس من حزيران علما أنه كان بالإمكان فتحها بعد 13 حزيران لا سيما وأن اللجان النيابية يمكن لها الاجتماع لدراسة مشاريع القوانين خارج دورات الانعقاد وهي لم تنجز عملها بعد، أي أن لا وجود فعليا لأي ظروف مستعجلة في الأيام القليلة المقبلة تفرض انعقاد مجلس النواب لإقرار تلك القوانين.
فمع بدء العقد الاستثنائي سيتمكن المدعى عليهم من التذرع بعودة حصانتهم النيابية ولا سيما مع التأويل المستغرب الذي بات يتم الترويج له اليوم والذي يعتبر أن مجرد وجود البرلمان في دورة عادية أو استثنائية يمنع اتخاذ أي اجراءات جزائية بحق النواب حتى لو كانت ملاحقتهم قد انطلقت خارج دورات الانعقاد.
وما يعزز الشكوك حول توقيت دعوة المجلس إلى عقد استثنائي هو أن هذه الإشكالية سبق وأن طرحت سنة 2022 عندما أصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي بعد انتهاء العقد العادي الثاني في 31 كانون الأول 2021، لا بل هو هدد حينها بتوقيع عريضة نيابية تطالب بفتح الدورة الاستثنائية عملا بالمادة 33 من الدستور التي تلزم رئيس الجمهورية بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي في حال طالبت بذلك الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النواب. وبالفعل أصدر رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم رقم 8662 بتاريخ 6 كانون الثاني 2022 القاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي يستمر حتى 21 آذار 2022 أي تاريخ بداية العقد العادي الأول.
وقد تكرر هذا الأمر اليوم إذ لم يتم فقط الاكتفاء بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي منذ الخامس من حزيران لكن اختتام العقد جرى تحديده في 20 تشرين الأول المقبل أي تاريخ افتتاح العقد الثاني العادي، ما يعني أن مجلس النواب سيستمر منعقدا حتى نهاية السنة الحالية وبالتالي تمكين المدعى عليهم من الاستفادة من حصانتهم النيابية للاستمرار في عرقلة التحقيق. ولا بدّ من التذكير هنا أنّ رئيس مجلس النواب كان سبق وأن زار رئيس الجمهورية في قصر بعبدا في 30 أيار وجرى التداول بينهما بشأن إمكانية فتح دورة استثنائية للبرلمان وفقا لما نقلته وسائل الإعلام ما يؤكد أن صدور المرسوم جاء نتيجة تسوية سياسية تمت على حساب العدالة في قضية انفجار المرفأ.
وهكذا يتبين أن هدف مرسوم الدعوة ليس فقط تمكين مجلس النواب من إقرار القوانين الضرورية لكن أيضا تحوير الغاية من الدستور عبر تعزيز فرص الإفلات من العقاب لنواب تعسفوا بكل الوسائل الممكنة من أجل عرقلة التحقيق ومنع السلطة القضائية من القيام بعملها. والحل لهذه الإشكالية يكمن في صدور مرسوم جديد بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة يقضي بتعديل مرسوم الدعوة إما بتأخير موعد افتتاح العقد العادي إلى ما بعد 13 حزيران (وهو أمر مستبعد) أو تحديد موعد لاختتام الدورة العادية قبل افتتاح العقد العادي الثاني ما يسمح المحقق العدلي بمتابعة عمله في الفترة الفاصلة من دون قدرة المدعى عليهم على التذرع بحصانتهم النيابية.