تقرير حول أعمال المجلس النيابي 2022-2024: "تغيير" يحجبه الفراغ والتعطيل
21/05/2025
شهدت انتخابات المجلس النيابي في أيّار 2022 دخول مجموعة من النوّاب التغييريّين والمستقلّين إلى الحلبة البرلمانية، مقابل زوال كتل نيابية تقليديّة أو تقلّص حجم كتلٍ أخرى. إلّا أنّ ضخّ هذا التغيير في مجلس النوّاب سرعان ما حجبهُ تعطيل تأليف حكومة جديدة خلال الأشهر المتبقيّة من ولاية رئيس الجمهوريّة ميشال عون، ومن ثمّ تعطيل انتخاب رئيس جمهورية جديد بعد انتهاء هذه الولاية. وهكذا، فإنّ "التغيير" النيابيّ اصطدم بثبات الحكومة التي تحوّلت إلى إحدى أطول حكومات تصريف الأعمال مع ما استتبع ذلك من محدودية في المساءلة. كما اصطدم بالفراغ الرئاسي مع ما استتبع ذلك من انحسار للتشريع. وقد فاقم من كل ذلك، الأعمال الحربية التي انطلقت في 7 أكتوبر 2023 لتلقي ظلالًا كثيفة على هذه الولاية أيضًا. فكيف انعكس هذا التغيير وهذه الكوابح على أداء البرلمان؟ هذا ما سنحاول تبيانه في هذا التقرير الذي نخصّصه للولاية الجديدة الممتدّة من أيار 2022 وحتى نهاية 2024.
وقبل المضي في استعراض نتائج الرصد البرلماني، نسارع هنا إلى إبداء بعض الخلاصات العامة:
أوّلًا، انعكس التغيير الحاصل على تركيبة المجلس وهيكليّة المشهد البرلمانيّ على أدوات المساءلة وآليّات الرقابة، على الرغم من أنّ الحكومة بقيت طوال الفترة التي شملها التقرير حكومة تصريف أعمال. ومن المؤشّرات الكمّية على هذا التحوّل، بلوغ عدد الأسئلة المطروحة على الحكومة 205 أسئلة، في حين لم تتجاوز 152 سؤالًا عن كامل الولاية السابقة. كما ارتفعت البنود غير التشريعية التي تناقشها اللجان من 452 (9.4 شهريًا) إلى 485 (15.6 شهريًا) وقد بلغ عدد الطعون على دستورية القوانين 19 فيما لم يتعدّ مجموع هذه الطعون عن الولاية السابقة 10 وما يزيد من دلالة ارتفاع عدد الطعون، هو الانخفاض الكبير في الإنتاجية التشريعية. وهذا ما يسمح لنا الانتقال إلى الخلاصة الثانية.
ثانيًا، شكّل الفراغ الرئاسيّ، الذي تبعه إعلان بعض الكتل وعشرات النّواب مقاطعتهم أعمال الهيئة العامّة إلى حين حصول انتخاب رئيس جديد، عاملًا مهمًّا في تراجع الإنتاج التشريعي. وعليه، لجأ مكتب المجلس إلى تخفيف محتوى جداول أعمال الجلسات التشريعية في اتجاه حصرها بما قد يشكل تشريعًا ضروريًّا. ولئن أصدر بعدئذ المجلس الدستوري أكثر من قرار تأكيدًا على جواز التشريع في غياب رئيس الجمهورية، تراجعت المقاطعة تدريجيًا وإن بتحفّظ وبصورة انتقائية. وقد تسبّبت الحرب في تعطيل جلسات المجلس لأكثر من ثلاثة أشهر في الفصل الأخير من سنة 2024.
في هذا السياق المعقّد، يسعى التقرير إلى استقصاء أثر هذه التحولات المتشابكة على أداء المجلس النيابي اللبناني، مستعرضًا عمل الهيئة العامة واللجان والكتل والنواب، ومحاولة استخلاص الخلاصات النوعية والكمية التي تعكس واقعًا برلمانيًا متغيّرًا في خضمّ أزمات سياسية واقتصادية وأمنية متعددة. كما يتناول التقرير التباينات في السلوكيات والآليات المتبعة في ظلّ هذه التحوّلات، في محاولة لفهم كيف تسعى المؤسسات البرلمانية إلى التكيّف مع الظروف المتغيرة ومواجهة التحديات الجديدة التي تفرضها مرحلة ما بعد الحرب.
وقبل المضيّ في عرض نتائج الرصد التي توصّلنا إليها، يقتضي التذكير بالصعوبات التي تواجه أيّ عمل رصدي أو بحثي في هذا المجال، في ظلّ سواد ثقافة غير صديقة للشفافية. ولعلّ أكبر هذه التحديات يتمثّل في سرّية المداولات في جلسات اللجان التي لا يعرف عنها إلّا ما ينشر في محاضرها المقتضبة وغياب نشر محاضر الهيئة العامة والغموض الذي يكتنف تصويت النواب في الهيئة العامة وأخيرًا، وهذا هو الأهمّ، الإخلال المُنتظم لقواعد النظام الداخلي للمجلس. يضاف إلى ذلك تراجع وتيرة النقاشات ومستواها في الهيئة العامة في ظلّ إدارة تميل إلى تسفيه النقاشات الجدية أو إلى القفز فوقها من خلال تعجيل التصويت والحسم.
وقد حاولنا تجاوز هذه الصعوبات، عبر اعتماد طرق منهجية تكلّلت بإطلاق موقع المرصد البرلماني في لبنان lapoleb.com الذي يحتوي على جميع الأعمال النيابية من اجتماعات ومقترحات ومقرّرات ورصد لنشاط جميع النواب والكتل واللجان والهيئة العامة وهيئة مكتب المجلس النيابي، وهو الموقع الوحيد الفاعل في هذا المجال في المنطقة العربية.