هكذا انقسمت مواقف النواب حول المعايدة "الإسرائيلية"

رازي أيوب

11/06/2025

انشر المقال

يوم وقفة عيد الأضحى في 5 حزيران، شنّت المسيّرات والطائرات الإسرائيلية  23 غارة على مبانٍ في مناطق الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، عقب إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء للأماكن المستهدفة. وعلاوة على الهلع الذي أحدثه التحذير، لوحّت وسائل إعلام إسرائيلية إن الضربة على ضاحية بيروت ستكون الأكبر منذ وقف إطلاق النار، بل لمّحت إلى أن الجيش الإسرائيلي على استعداد لتصعيد الحرب في لبنان مجدداً. 

وكانت أفادت مصادر عسكرية أن الجيش حاول الكشف على الأماكن التي شملها التهديد في إطار الترتيبات الأمنية.  لكن إزاء تعنّت الجيش الإسرائيليّ، اضطر الجيش اللبنانيّ على الانسحاب من المواقع المهددة. وعقب الغارات الإسرائيلية، تلاقت الرئاسات الثلاث على إدانة "الاستباحة السافرة لاتفاقٍ دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية، عشية مناسبة دينية مقدسة". كما أكّد بيان الجيش اللبنانيّ أنّ العدو غير مكترث لآلية وقف إطلاق النار وجهود لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية Mechanism، محذّراً من أن إمعان العدو الإسرائيلي في خرق الاتفاقية قد يدفع إلى تجميد التعاون مع اللجنة في ما خص الكشف على المواقع. 

وإزاء العدوان، أعرب النواب عن مواقف عدة يمكن أن نقسمها ضمن 4 فئات: مواقف نيابيّة تؤدي إلى تبرير العدوان، ومواقف أخرى ركزت على وجوب تسليم حزب الله سلاحه ضمن أقصر وقت، سحبا للذرائع. وفيما تماهت مجموعة نيابيّة ثالثة مع بيانات الجيش والرئاسات الثلاث، ذهبت مجموعة رابعة أبعد من الإدانة، إلى مطالبة الحكومة باتّخاذ موقفٍ إيجابيّ، يتمثّل في رفع الشكاوى أو التوجّه إلى المحافل الدوليّة لطلب المساعدة في إيقاف الاعتداءات المستمرّة.

تبرير العدوان

ذهب بعض نوّاب كتلة الجمهورية القوية إلى حدّ تبرير العدوان، وقد أعلن بعضهم عن اختلاف واضح مع بيان الجيش.

أبرز المواقف في هذا الخصوص، موقف الياس اصطفان، النائب في التكتل نفسه. فقد أعلن خلافا لبيان الجيش اللبناني خلال إحدى المقابلات التلفزيونية، أن السلاح موجود فعليا في الأماكن التي استهدفتها إسرائيل بالغارات. قال "ولو! أنظر كيف تحوم (المسيرات) اليوم فوق الضاحية، حيث يوجد معمل مسيّرات". ويسجّل أنّ النائب عماد الحوت ردّ عليه خلال البرنامج نفسه، ليقول أن الأخير نقل الرواية الإسرائيلية كاملة دون التحقّق منها. فردّ اصطفان بمزاعم أخرى مدعياً أنه "لم تضرب إسرائيل مكانًا قط إلا وتبيّن أنه هناك ترسانة أسلحة".

من جهته، أمل زميله في الكتلة شوقي الدكاش أن "تكون اعتداءات الأمس آخر معاناتنا فيساهم حزب الله في إراحة اللبنانيين من سلاحٍ يثبت يومًا تلو الآخر أنّ لا جدوى منه ولا يستدعي إلا الموت والدمار". وكانت تغريدة لغياث يزبك تحدّث فيها عن "الاستدعاء الدائم للموت لتبرير الاحتفاظ بالسلاح"، فقال أنّه "إذا حزب الله رضي، فعلى الحكومة والعهد أن يرفضا هذا الواقع وأن يعملا سريعاً على فرض تطبيق تسليم كل سلاح غير شرعي ضمن رزنامة زمنية قصيرة الأجل". 

وقد بدا موقف بيار بو عاصي الأكثر اعتدالا ضمن هذه الكتلة، بحيث ذهب حتى إلى مناقضة سردية زملائه. فقد رأى في مقابلة إذاعيّة أنّ "الوقت ليس لربط الضربات الإسرائيلية بوجود سلاح حزب الله، علينا أن نوقف هذه الضربات أولاًٰ"، مضيفًا أنّ "الضربة الأخيرة سياسيّة وليست أمنيّة أو عسكريّة ربما تأتي عقب زيارة وزير الخارجية الإيرانية", وإذ أبدى تحفّظه على بيان الجيش اللبناني على خلفية أن "الموقف القائل إنّنا على قاب قوسين من الانسحاب من اللجنة الأمنية من مسؤولية السلطة السياسية أن تأخذه لا الجيش"، تساءل عن البديل إذا انكسرت العلاقة مع اللجنة والمجتمع الدولي. وقد عاد موقفه للتصلب بقوله أنّ "أداء حزب الله وممارساته، دفعت الناس إلى تمني أن تقضي عليه إسرائيل وعليه أن يدرك خطورة ذلك". 

ربط العدوان بضرورة سحب ذريعة السلاح: "ما حدا يلوم إلا نفسه" 

الاتجاه الثاني أي التفاعل مع العدوان بالتأكيد على ضرورة سحب السلاح، فقد مثّله بشكل خاصّ نواب كتلة تحالف التغيير الثلاثة. 

فقد رأى مارك ضو في تغريدة أنّ هناك من ينكر الحقيقة ويعيش على أشلاء الأحياء. وقال: "يلي عم يسأل أين احترام إسرائيل للسيادة اللبنانيّة، عليهم أن يبدأوا باحترامها داخل لبنان وتسليم السلاح خارج الشرعيّة"، مردفًا أنّ "إسرائيل مُدانة بعد انتهاكها للسيادة اللبنانية ومن يتمسك بسلاح بعكس السيادة اللبنانية لا يلوم الا نفسه". ميشال دويهي رأى أنّ الموازين تغيّرت وأنه بالتالي "على الحزب التنازل لمصلحة اللبنانيّين ومشروع بناء الدولة"، ودعا الرئاستين الأولى والثالثة إلى "خطوات عملية ووضع جدولة زمنية واضحة لحصر السلاح…" واعتبر وضاح الصادق في مقابلة تلفزيونية، أنّ "الحزب يربك الحكومة والدولة" وأنه "يعطي الإسرائيلي ذريعة لاستمرار عدوانه على لبنان". أمّا بخصوص توقيت سحب السلاح، طالب الصادق الحكومة في تغريدة في أن يكون "ضمن توقيت وآلية محدّدين، تحفظ سيادة الدولة وتحمي المدنيين من دفع ثمن المغامرات".

بعض نواب التغيير التقت مواقفهم مع هذا الاتجاه أيضًا. فرغم تأكيد بولا يعقوبيان أنّ "لا خطوط حمراء أمام عدوّ يضرب بعرض الحائط كل القيم: القانون والإنسانية والحقّ بالحياة"، دعتْ إلى "إسقاط كلّ الذرائع التي تستخدمها إسرائيل، والاعتراف بأنّ تسليم السلاح بات ضرورة لا تحتمل التأجيل". نجاة عون صليبا، ورغم دعوتها في بيان المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري للضغط على إسرائيل لوقف جميع أعمالها العدائية ضد لبنان، فهي رأت وفي الوقت نفسه "أن الطريق الوحيد للخروج من دوّامة الاعتداءات المتكررة هو في تسليم حزب الله سلاحه إلى الدولة اللبنانية". وأنّ هذا السلاح "يوفّر الذرائع لإسرائيل لمواصلة عدوانها".

ومن المستقلين، فؤاد مخزومي دعا الدولة إلى "العمل لبسط سلطتها على كامل أراضيها،  واحتكار قرار الحرب والسلم، وحصر السلاح بيد مؤسساتها الأمنية وجيشها فقط"، وأردف "نريد للبنان أن يستظلّ بالشرعية الدولية، وأن يستعيد الدعم العربي والدولي، الذي يشكل مظلّة حماية في وجه الاعتداءات، ونراهن على استمرار لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار بعملها".  بالمقابل، دعا أديب عبد المسيح عبر ـLBCI: "من يندّد من الشعب بتسليم سلاحه" إلى أن "يأتِ بماله ويعيد الإعمار على نفقته". واعتبر أنّ "الوقت آن لحزب الله لتسليم السلاح بعد الدمار كله الذي ألحقه بلبنان على الصعد كافة"، داعياَ الحكومة لتضع "مسارًا لتفكيك سلاح حزب الله أو بيعه أو تصديره".

التنديد تماهيا مع مواقف الجيش والرؤساء الثلاثة

مجموعة أخرى من النواب ذهبت إلى التماهي مع بيان الجيش اللبناني. ولفتت بعض هذه المواقف إلى أنّ الجيش هو من يتحكّم بتوقيت الإجراءات التي يتخذها، وفق قراءة واقعيّة للأمور.

وصبّ في هذا الاتّجاه النائب في كتلة الكتائب سليم الصايغ، مُعتبراً العدوان "ضربة لنهج يعتمده الرئيس جوزاف عون"، ورأى أنّ "الجيش لم يعط الوقت الكافي لمعرفة مكان السلاح لنزعه". وهو وإنّ شدّد أنه "على حزب الله احترام الاتفاقات الدولية"، وأنّه "على الدولة اللبنانية ضبط الحدود والسلاح غير الشرعي وعليها إبلاغ الرأي العام المحلي والدولي بأنها تقوم بواجباتها إنفاذاً للاتفاقات الدولية"، إلّا أنه رأى من ناحية أخرى أنّ "خيارات رئيس الجمهورية محصورة إما بإنزال الجيش ونزع السلاح بالقوة أو المسار الاستيعابي الذي يعتمده والارتكاز على روزنامة عمل وهدوء محافظا على سلم البلاد". 

وصبّ عماد الحوت في هذا الاتجاه إذ لم يتبن سرديّة تقديم الذرائع، بل صرّح في برنامج تلفزيوني أنه "من واجب الجيش اللبناني أن يقول لنا إن كان ما ستقصفه إسرائيل مباني تحتوي على أسلحةـ، إذ لا يجب تصديق الرواية الإسرائيليّة واستعمالها لتبرير العدوان الإسرائيلي على لبنان".

ومثله فيصل كرامي الذي حيّا قيادة الجيش، وأثنى على بيانها "الذي أعلنت فيه بوضوح أن العدو الإسرائيلي رفض مقترحها بالدخول إلى الأماكن الذي جرى تهديدها، وذلك عبر التنسيق مع اللجنة الخاصّة المتعلقة بمراقبة الأعمال العدائية". وأردف أن البيان تميّز بالدقّة والرصانة والحزم "لكن العدو الاسرائيلي لا يؤْمَنُ جانبه وليس لديه أي التزام والدليل ما يحصل في تطبيق القرار الدولي 1701". واعتبر كرامي العدوان بمثابة "إهانة للدول المشاركة في الاتفاق الدولي وفي لجنة المراقبة".

كمّا عبّرت عناية عزالدين عن موقفها بنقل موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي علّق بموقف "متطابق ومتبنٍ لموقف فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون بكل المضامين الوطنية والسيادية".

التنديد لا يكفي

وتمايزت مواقف مجموعة أخرى من النواب، وأغلبهم نواب تغييريين، في دعوة الحكومة والنوّاب للتحرّك قانونياً وسياسياً نحو المجتمع الدولي لمطالبته بوضع حد للعدوان الإسرائيلي ومحاسبته على تجاوزاته.

ملحم خلف وضع العدوان في خانة "الجريمة الموصوفة" و"الاستهتار بالشرعية الدولية وبقراراتها وإسقاط لاتفاق وقف إطلاق النار". وأردف في تغريدة، "نحن كنواب، معنيّون في اتخاذ موقف فعّال خلال الساعات المقبلة، وندعو الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية والتاريخية، عبر تحرّك عاجل في كل الاتجاهات: دبلوماسيًا وأمنيًا وقانونيًا، والتوجّه فورًا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة والقوى العظمى، لوضع حدّ لهذا الإجرام المكشوف، ومساءلة العدو عن انتهاكات اتفاقيات جنيف". بدوره ياسين ياسين دعا المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤوليّاته في لجم هذه الخروقات المتكررة، التي تُشكّل انتهاكًا فاضحًا للقرار 1701، ولأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني". ثمّ أكّد بدوره على "ضرورة تحرّك رسميّ سريع من قبل الدولة اللبنانية، عبر القنوات الدبلوماسيّة، وتكثيف التنسيق مع الأمم المتحدة والجهات المعنية، لتوثيق هذا الاعتداء ومحاسبة من يقف خلفه". كما غرّد إبراهيم منيمنة واضعاً الاعتداءات الاسرائيلية في خانة الاستمرار في "نهج إسرائيل الاستعلائي الإجرامي" فضلا عن كونها "ضربا صارخا لاتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا مع التزام لبنان وحكومته بموجبات هذا الاتفاق والعمل الحثيث على تطبيقه كاملا". ثم دعا بدوره الحكومة للضغط على الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار.

أمّا حليمة القعقور فكان موقفها متميزاً إذ رفضت "تقاعس الحكومة (السابقة والحالية) باتخاذ تدابير لإدانة جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة من جانب العدو"، لكنها ذكرت بورقة سبق وناقشتها ووافقت عليها لجنة الإدارة والعدل بخصوص الوسائل القانونية لادانة انتهاكات العدو، وذلك عبر "طلب قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (بند 3 من المادة 12 من نظام روما)"، كما من خلال "تحرك دبلوماسي لبناني من أجل إنشاء لجنة تحقيق أو بعثة لتقصي الحقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في لبنان، من أجل توثيق كافة الانتهاكات".

بدوره اعتبر عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” علي عمار أن الغارات الإسرائيلية تُعدّ “جريمة حرب موصوفة”، معتبراً أن هدفها هو ضرب الاستقرار الداخلي وتعطيل فرص التعافي الاقتصادي. ثم دعا القوى إلى ترجمة مواقف الإدانة بخطوات عملية، عبر رفع الصوت في وجه الانتهاكات وتفعيل الدبلوماسية اللبنانية عبر تقديم شكوى إلى مجلس الأمن واستدعاء سفراء الدول المعنية.

حسن مراد قال في تغريدة أنّ "كلّ الكلام الرسمي الديبلوماسي يردّ عليه العدو باللغة الوحيدة التي يفهمها وهي لغة القتل والقوة". ورأى أنه "على الدولة أن تتحرّك بزيارات ضغط لمختلف عواصم القرار وليتخلّى وزير الخارجية عن حزبيته من أجل لبنان كل لبنان".  وتساءل جميل السيّد "لماذا حتى الآن لم يجرؤ أيّ مسؤول في الدولة على تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن؟!" واعتبر ذلك خوفا وخيانة، في تغريدة أخرى قال أنّه "إذلال أن تنظر إسرائيل للجيشَ اللبناني كأداةً لتنفيذ أوامرها عندما تشتبه بالمقاومة هنا أو هناك!" وأكّد أنّ إتفاق وقف النار واضح "هي تنسحب أوّلاً وجيشنا سيقوم بواجبه السيادي، لا هي تحتل ويكون هو خادمها كما في الضفة الغربيّة!".