اقتراح لمنح النواب جوازات سفر دبلوماسية: تكريس امتيازات غير مبررة
11/12/2025
تقدم النائب بلال عبد الله بتاريخ الرابع من تشرين الثاني 2025 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى إعطاء النواب جوازات سفر دبلوماسيّة. ينص البند الأوّل من الاقتراح على أن يعطى "النواب الحاليون والسابقون" جوازات سفر دبلوماسيّة، فيما ينص البند الثاني أنّ على وزير الخارجيّة إعطاء هذا الجواز وتجديده على أن يَذكُر فيه إذا كان صاحبه نائبا حاليا أو سابقا. وينص البند الثالث على أن يُجدد الجواز عند بداية كل ولاية للمجلس.
على نحو منفصل، يبرر النائب عبد الله في الأسباب الموجبة الاقتراح بأنّ "المجلس النيابي يشكل السلطة الأمّ في لبنان"، وأن أعضاء هذا المجلس هم أشخاص اختارهم اللبنانيون ليكونوا ممثلين عنهم على أساس أنّ الشعب هو مصدر السلطات. وبالتالي فإنّ هذه الصفة التمثيليّة ترتّب على النواب "مهام ومسؤوليات كبيرة، كما أنها كثيرًا ما تتطلب منهم السفر والتنقل وعقد لقاءات خارج لبنان". ويعتبر النائب عبد الله أنّه من غير الجائز "التمييز بين أعضاء السلطات الدستوريّة، ومن باب أولى عدم تقديم ممثلي فئات معينة على ممثلي الأمة"، ما يبرر إعطاء النواب جوازات سفر دبلوماسيّة.
جراء ما تقدّم لا بدّ من إثارة الملاحظات التالية :
اقتراح يتدخل في اختصاص السلطة التنظيمية
من خلال مراجعة النصوص التي ترعى الأصول القانونية لمنح جوازات السفر الدبلوماسية أو الخاصة، يتبيّن أنّ هذه المسألة نظّمت دائمًا بمراسيم. فقد نصّ المرسوم رقم 2024 الصادر في 22 كانون الثاني سنة 1943 على منح جوازات سفر سياسية (أي دبلوماسية) إلى رؤساء الجمهورية السابقين ونسائهم وأولادهم غير المتزوجين ورؤساء الحكومات السابقين والوزراء العاملين والموظفين العاملين في وزارة شؤون الخارجية ونسائهم وأولادهم القصر ووزراء الخارجية السابقين والسفراء المتقاعدين إضافة إلى الموظفين والأشخاص التي تنتدبهم الحكومة في مهمات إلى الخارج.
وعلى الرغم من أن المادة 15 من المرسوم الاشتراعي الصادر بتاريخ 12 حزيران 1959 نصت على أن "جوازات السفر السياسية والخاصة تنظمها وزارة الخارجية" لكن القانون رقم 11 الصادر في 8 كانون الثاني 1968 قد ألغى المرسوم الاشتراعي المذكور واستعاض عنه بأحكام جديدة في المادة 17 منه التي نصت على أن "تنظيم أصول وحالات إعطاء جوازات السفر السياسية والخاصة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء".
لكن تحديد الفئات التي يحق لها الحصول على جواز سفر دبلوماسي أو خاص كان قد جرى بموجب المرسوم رقم 4780 بتاريخ 22 تموز 1960 وهو النصّ الذي لا يزال نافذًا حتى اليوم علمًا أنه خضع لأكثر من تعديل بمراسيم اتّخذت في مجلس الوزراء عملًا بالمادة 17 من قانون 1968. وقد نصّت المادة الأولى من هذا المرسوم على أن وزارة الخارجية تعطي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة بينما حددت المادة الثانية الفئات التي تحصل على جواز السفر الدبلوماسي (رئيس الجمهورية ورؤساء الجمهورية السابقين ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء والوزراء والرئيس الديني لكل طائفة من الطوائف المعترف بها رسميًا، قائد الجيش،…)، في حين أضافت المادة الثالثة الفئات التي يحق لها الحصول على جوازات سفر خاصّة إذ يتبين منها أن أولى تلك الفئات تشمل النواب إضافة إلى على سبيل المثال الوزراء السابقين والقضاة ورئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت ورئيس هيئة أركان الجيش.
وقد طرأ بعد ذلك تعديلات على هذا المرسوم، أوّلها عبر المرسوم رقم 17562 الصادر سنة 1964 الذي أضاف على لائحة الجهات المؤهّلة للحصول على جواز دبلوماسي حاكم مصرف لبنان، ومن ثمّ المرسوم رقم 10883 الصادر سنة 1976 القاضي بإعطاء مديري المكاتب السياحيّة في الخارج التابعين للمجلس الوطني لإنماء السياحة إذا كانوا يعملون بإشراف البعثات الدبلوماسيّة والقنصليّة اللبنانيّة جوازات دبلوماسيّة. كما أضيف على هذه اللائحة عبر المرسوم رقم 5269 الصادر سنة 1982 المستشارون السابقون في السلك الخارجي الذين تولّوا رئاسة بعثة دبلماسيّة بلقب سفير. وأخيرًا المرسوم 684 الصادر سنة 1990 الذي أضاف على اللائحة موظفي الدولة من الفئة الأولى الحاليين والسابقين الذين أنهيت خدماتهم لأسباب غير تأديبيّة.
وهكذا يتبين أن جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة تدخل في نطاق السلطة التنظيمية أي أنها من اختصاص السلطة التنفيذية التي يحق لها تعديل لائحة من يحصلون على تلك الجوازات بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء. لذلك كان على مقدّم الاقتراح التوجّه إلى مجلس الوزراء عبر وزارة الخارجية من أجل مطالبته بالموافقة على مرسوم يقضي بمنح النواب جوازات سفر دبلوماسية وليس عبر مبادرة تشريعية. وعلى الرغم من أن الاقتراح لا يشكل مخالفة للدستور لأن السلطة التشريعية يحق لها التدخل في النطاق التنظيمي وتحويل المسألة التنظيمية إلى موضوع تشريعي كون الدستور اللبناني لا يحدد نطاقا تشريعيا لا يحق لمجلس النواب تعديه، لكن الاقتراح يؤدّي عمليا إلى حلول مجلس النواب مكان السلطة التنفيذية. وهذه ظاهرة باتت متكررة إذ عمد النواب في السنوات المنصرمة إلى التقدم باقتراحات قوانين لإيجاد حلول لمشاكل لم تتمكن الحكومة من حلها بسبب التعطيل الذي أصاب المؤسسات الدستورية في ظل الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال، وهو واقع لم يعد قائما اليوم ما ينفي الحاجة إلى هكذا اقتراح.
اقتراح لتكريس امتيازات لا حاجة لها
من الملاحظ أن جوازات السفر الدبلوماسية تمنح في المبدأ لأعضاء السلطة التنفيذية وللموظفين في الإدارات العامة. ولا شكّ أنّ هذا الأمر منطقي كون الدستور في المادة 52 منه ينص على ان المفاوضات في عقد المعاهدات الدولية تدخل في اختصاص رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء أي مختلف أعضاء السلطة التنفيذية. وبما أن الإدارة هي جهاز يخضع لسلطة الوزراء عملا بالمادة 66 من الدستور، فمن الطبيعي أن يشمل منح الجوازات الدبلوماسية للموظفين الذي تقتضي طبيعة عملهم الانتقال إلى خارج البلاد.
جرّاء ما تقدم، يصبح من المستغرب أن يطالب الاقتراح بمنح النائب هكذا جوازات لأن "مجلس النواب يشكل السّلطة الأم" بحجة أنه يضمّ ممثلين عن الشعب اللبناني يضطرون أحيانا للسفر من أجل عقد لقاءات خارج لبنان. فالنائب بحكم وظيفته النيابية لا يشارك بأي شكل من الأشكال في الوظائف الدبلوماسية التي تتولاها الدولة وهو لا يمكن له أن يقوم بذلك إلا على سبيل الاستثناء وبناء على تفويض من السلطة التنفيذية كون هذا الموضوع يدخل في اختصاصها الدستوري. لذلك، لا يجوز أن يتحوّل هذا الاستثناء إلى قاعدة كما هو هدف الاقتراح ليس فقط لمخالفته العمل الطبيعي للمؤسسات الدستورية، لكن أيضا لانتفاء الحاجة له لأن الغالبية الساحقة من المهامّ الدبلوماسية التي تحتاجها الدولة تقوم بها السلطة التنفيذية أو من يمثلها من الإدارة. والأغرب من ذلك أن الأسباب الموجبة تستهجن "التمييز" بين أعضاء السلطات الدستورية في حين أن الدستور نفسه يقوم بكليته على التمييز الوظيفي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ما يعني أن منح النواب هكذا جوازات ليست حقا مكتسبا لهم ولا سند دستوري له.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان عقد عددًا من المعاهدات مع دول أخرى، مثل أرمينيا والبرازيل وباراغواي واليونان لإلغاء موجب الحصول على تأشيرة دخول لحاملي الجوازات الخاصة وجوازات الخدمة والجوازات الديبلوماسيّة من كلا البلدين. وبما أنّ النواب يحملون جواز سفر خاصّ فإنّهم يستفيدون من هذه المعاهدات ولا حاجة لهم لحمل جوازات سفر دبلوماسيّة، علمًا أن الأسباب الموجبة نفسها تعترف بأن هذه الجوازات اللبنانية "لا تميّز حاملها إلا في بعض التسهيلات الضرورية" عند وجود النائب في الخارج.
وحتى لو تمّ التّسليم بصوابية منح النائب جوازات سفر دبلوماسية، لكن ذلك لا يبرّر إطلاقًا منحها لأزواج هؤلاء أو للنّواب السابقين، إذ يصعب تخيّل ما هي المهامّ الرسميّة التي سيتولّاها النائب السابق أو أزواج النواب الحاليين من تلقاء أنفسهم، ما يعني أنّ الاقتراح هو في الحقيقة محاولة لمنح النواب امتيازات إضافية تتعلق بحياة النائب الخاصة ولا يمكن القبول بها كونها تؤدّي إلى خرق مبدأ المساواة بين المواطنين الذي لا يجوز الخروج عنه إلا لأسباب مشروعة واستثنائية.