أين مرسوم قبول استقالة الحكومة؟

وسام اللحام

21/12/2022

انشر المقال

في 30 تشرين الأول المنصرم أصدر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون المرسوم رقم 10942 الذي أعتبر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة. وقد أثار هذا المرسوم جدلا واسعا كونه صدر خلافا للممارسة المتبعة في لبنان والتي تقضي بضرورة تزامن صدوره مع مرسوم تسمية رئيس الحكومة الجديد ومرسوم تشكيل الحكومة اي أن جميع هذه المراسيم يجب أن تصدر بشكل متعاقب وفي اليوم نفسه.

وبغض النظر عن التداعيات الدستورية لخطوة رئيس الجمهورية السابق لا بد من معالجة إشكالية جديدة تخصّ هذا المرسوم وتتعلق بعدم نشره حتى اليوم في الجريدة الرسمية. فالمراسيم التي تتعلق بقبول استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة يتم نشرها دائما في أول عدد من الجريدة الرسمية الذي يلي تاريخ إصدارها. لكن المراقب لأعداد الجريدة الرسمية التي صدرت مذ 30 تشرين الأول سرعان ما سيلاحظ أن المرسوم 10942 لم يتم نشره حتى الآن ما يشي بوجود إرادة تتعمّد عدم نشره نظرا لطبيعته الخلافية وتداعياته الدستورية والسياسية.

على ضوء ما تقدم، كان لا بد من طرح السؤال التالي: هل يمكن قانونا التمنّع عن نشر هذا المرسوم؟ وما هي نتائج هذا التمنع على نفاذ المرسوم موضوع البحث؟

إن الأعمال الإدارية سواء كانت تنظيمية أو فردية تصبح مكتملة وحائزة على توصيفها القانوني بمجرد توقيعها من قبل المراجع المختصة حتى لو لم يتم إذاعتها وشهرها عبر الوسائل المناسبة وفقا للإجتهادين اللبناني والفرنسي.

وقد اعتبر مجلس شورى الدولة في لبنان "أن العلم والإجتهاد مستقران على اعتبار أن عدم نشر القرار الإداري في الجريدة الرسمية لا يشكّل عيبا من العيوب التي تؤدي إلى بطلانه، لأنّ نشر القرارات الإدارية يشكل تدبيرا لاحقا لصدورها. وعليه، فإن عدم نشر القرار الإداري لا يؤثّر في شرعيته، إنّما يؤدي إلى عدم سريان القرار في مواجهة الأشخاص المعنيين بأحكامه إذا كان القرار قرارا تنظيميا" (قرار رقم 830 تاريخ 14/7/2014).

فعدم إشهار العمل الإداري يمنعه في المبدأ من الدخول حيز التنفيذ ويمنع الطعن به كون سريان مهلة الطعن متعلقة بشهر العمل الإداري.

وتختلف طرق إشهار العمل الإداري إذ يتوجب نشر (publication) الأعمال التنظيمية في الجريدة الرسمية أو عبر تعليقها، بينما الأعمال الفردية لا تحتاج بغية نفاذها إلى النشر بل مجرّد تبليغ الشخص المعني (notification).

نصّت المادة الثانية من المرسوم رقم 10942 على التالي: "ينشر هذا المرسوم ويبلغ حيث تدعو الحاجة ويعمل به فور صدوره".  وبالتالي تكون هذه المادة قد أمرت بنشر المرسوم وتبليغه لصاحب العلاقة وقررت أيضا العمل به فور صدوره، أي فور توقيعه من قبل رئيس الجمهورية.

جرّاء ما تقدم، يتبيّن لنا أن مرسوم قبول استقالة الحكومة هو مرسوم تنظيمي لكنه لا يكتفي بالطلب بضرورة نشره بل أيضا تبليغه نظرا لنتائجه القانونية التي تترتّب على وزراء الحكومة الذين قبلت استقالاتهم وباتوا بحكم المنفصلين عن وظيفتهم الوزارية.

فإذا كان هذا المرسوم مكتملا منذ تاريخ توقيعه من قبل رئيس الجمهورية، هل يمكن لنا القول بعدم نفاذه بسبب عدم نشره حتى اليوم؟

بالحقيقة، أن المادة الثانية من هذا المرسوم تفصل بين ضرورة نشره ودخوله حيز التنفيذ. فخلافا للعديد من المراسيم التي تعلن فقط ضرورة نشر المرسوم وتبليغه عند الحاجة نلاحظ أن المرسوم رقم 10942، كسائر مراسيم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة التي صدرت في الماضي، يأمر بالعمل به فور صدوره أي أن نشره في الجريدة الرسمية ليس شرطا لنفاذه.  ولا شك أن هذا الأمر يعود للطبيعة السياسية لمرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة الذي يتم تعميمه بشكل مكثف على وسائل الإعلام وتتم عادة تلاوته رسميا من قبل أمين عام مجلس الوزراء في قصر بعبدا.

لكن التمنع عن نشر هذا المرسوم يعيد طرح مسألة القرار السياسي المتحكم بمصلحة الجريدة الرسمية. فالفجوة بين إصدار المراسيم ونشرها الفعلي هو أمر خطير يفتح الباب أمام اعتباطية السلطة السياسية التي قد تتدخل لتحول دون إعطاء المرسوم مفاعيله القانونية- إذا كان نشره واجبا- رغم أنه بات مكتملا ولم يعد يحق للسلطة المعنية التعرض له إلا ضمن الشروط الصعبة التي استنبطها القضاء الإداري بخصوص إلغاء أو سحب القرارات الإدارية. وقد ظلّت هذه الفجوة ثغرة في البناء القانوني اللبناني ولم يتمّ تداركها إلا مع صدور القانون رقم 646 تاريخ 2 حزيران 1997 المتعلق بمهل نشر القوانين والمراسيم إذ نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على التالي: "تطبيقا لاحكام الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور تنشر المراسيم في الجريدة الرسمية خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يوما من تاريخ إصدارها".

وعليه، نلاحظ أن صدور المرسوم الذي يحتوي على مادة تأمر بإشهاره عبر النشر يحتم نشره خلال خمسة عشر يوما كحد أقصى في الجريدة الرسمية، أي ان رئيس مجلس الوزراء أو أي جهة كانت لا يحق لها طلب من مصلحة الجريدة الرسمية منع نشر المرسوم. وبما أن المرسوم رقم 10492 صدر في 30 تشرين الأول 2022 كان من الواجب عملا بهذا القانون نشره خلال 15 يوما وهو الأمر الذي لم يتم، ما يعني أن مصلحة الجريدة الرسمية التابعة للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء تكون قد خالفت القانون وهي بالطبع لم تقم بذلك من تلقاء نفسها بل عملا بتوجيهات تخفي مصالح سياسية معينة.

إن التمنع عن نشر مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، وبغض النظر عن الجدل الذي رافق كيفية إصداره، هو عمل اعتباطي يؤدّي إلى تسييس إدارة عامة ويخضعها للمصالح الخاصة لرئيس الحكومة الذي يستخدم سلطته الإدارية من أجل تحقيق هدف شخصيّ لا يمكن فهمه إلا ضمن صراعه السياسي مع فريق رئيس الجمهورية السابق.