أي إرادة في مواجهة الكارثة؟ أي دور للحكومة والبرلمان؟

وسام اللحام

27/09/2024

انشر المقال

إذا كانت وظيفة الدولة الأساسية تكمن في الدفاع عن المجتمع، فإن هذا الهدف يصبح أكثر إلحاحا في الحالات الاستثنائية حين يتعرض هذا المجتمع لكارثة سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن أعمال حربية تؤدّي إلى تهديد أمن المواطنين وتعرض حياتهم إلى الخطر. لذلك تعمد الدولة إلى إرساء نظام قانوني خاص يسمح لها بمواجهة هذا النوع من الكوارث ويعطيها الأدوات الضرورية التي تخولها القيام بوظيفتها بشكل فعال.

وقد أظهرت الحوادث التي شهدها لبنان منذ اندلاع جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت سنة 2020 وصولا إلى العدوان الإسرائيلي المتصاعد اليوم ضرورة وجود إطار قانون واضح يسمح للدولة بمواجهة تلك الأخطار ويحدّد بشكل دقيق المسؤوليّات والجهات المناط بها تحقيق هذا الهدف. لذلك كان من الضروري استعراض أهمّ تلك الأدوات القانونية الموجودة بحوزة الدولة اللبنانية وتحليل مدى كفايتها من أجل تمكين السلطات العامة للقيام بدورها البديهي المتمثل في الحفاظ على المجتمع ودعم صموده.

 

التعبئة العامة وحالة الطوارئ:

اكتشف اللبنانيون بعد تفشي فيروس كورونا حالة التعبئة العامة التي جرى إعلانها بموجب المرسوم رقم 6198 الصادر بتاريخ 15 آذار 2020. ويجد هذا المفهوم سنده القانوني في المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16 أيلول 1983 (الدفاع الوطني) التي تنص إمكانية إعلان التعبئة العامة أو الجزئية "إذا تعرض الوطن أو جزء من أراضيه، أو مجاله الجوي أو أي جزء من مناطقه البحرية أو من حقوقه السيادية على هذه المناطق، أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة السكان للخطر". وتحدد الفقرة الثالثة من المادة نفسها التدابير التي يمكن اتخاذها بمراسيم في مجلس الوزراء عند إعلان التعبئة كتنظيم المواصلات وفرض الرقابة على المواد الأولية والتموينية وتنظيم توزيع مصادر الطاقة. وفي حال شملت التعبئة العامة تدابير أشد كمصادرة الأشخاص والأموال، نصّت الفقرة "د" من المادة الثانية  نفسها على ضرورة مراعاة "الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ" في هذه الحالة، الأمر الذي يؤكد أنّ التعبئة العامة ليست إعلانا للطوارئ، وحتى التدابير الاستثنائية المذكورة لا يمكن أن تصل إلى مستوى حالة الطوارئ لجهة الحدّ من الحريات العامة.

ولا شكّ أنّ الحكومة لجأتْ إلى التعبئة العامّة كونها الوسيلة الوحيدة المتاحة بين يديها في النظام القانوني اللبناني من أجل مواجهة تلك الكارثة الصحية. فحالة الطوارئ المنصوص عليها في المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967 لم تكن خيارا مقبولا كونها تؤدي إلى إرساء نظام عسكري تنتقل بموجبه صلاحيات السلطات المدنية إلى قيادة الجيش التي تتولى حفظ الأمن واتخاذ إجراءات من شأنها الحدّ من حريات المواطنين.

لكن التمعن في التدابير التي اتخذت تنفيذا للتعبئة العامة يظهر إنها لم تكن تستقيم من الناحية القانونية. إذ أن أبرز إجراء اتخذ كان يقضي بفرض الإقفال العام أو الجزئي وحظر التجول خلال ساعات محددة علما أن هذه التدابير لا ينص عليها القانون ولا تدخل ضمن مفهوم التعبئة العامة بل ضمن حالة الطوارئ. وما يفاقم من غموض التدابير التي جرى اعتمادها باسم التعبئة العامة هو إمكانية اتخاذها من قبل الجهات المختصة عملا بصلاحياتها القانونية من دون وجود التعبئة العامة. فإقفال الإدارات والمؤسسات العامة والمدارس والجامعات، وتنظيم السير، وإعفاء المستلزمات والمعدات الطبية من الرسوم الجمركية كلها إجراءات قانونية منفصلة تدخل في صلاحيات الحكومة أو الوزراء وفقا لاختصاصهم.  وهذا ما خلص إليه أيضا مجلس شورى الدولة في قراره رقم 197 تاريخ 30 آذار 2021 إذ اعتبر أن الطعن المقدم ضد قرار وزير الداخلية بتوقيت سير المركبات وفقا لأرقام لوحاتها لا يمكن إبطاله حتى لو لم يرد في مرسوم إعلان التعبئة العامة كونه تدبيرا إضافيا يتخذه "وزير الداخلية والبلديات ضمن إطار صلاحياته الممنوحة بموجب القوانين والأنظمة ولا سيما المادة 411 من قانون السير الجديد" التي تخوله اتخاذ هكذا إجراء ما يعني أن الإلزام القانوني لا ينبع من مرسوم التعبئة العامة بل من القانون الذي يعطي وزير الداخلية تلك الصلاحية.

والأكثر غرابة هو أن التدبير الوحيد المفيد والممكن عملا بنظام التعبئة العامّة هي مصادرة الأشخاص والأموال من أجل تعزيز قدرات الدولة لم يتم تطبيقه إلا في نطاق محدود جدا مع المرسوم رقم 6338 تاريخ 15 أيار 2020 الذي نصّ في مادته الأولى على التالي: "في إطار التدابير الاستثنائية والمؤقتة التي تستلزمها حالة التعبئة العامة لمواجهة فيروس كورونا، وكل ما يرتبط بها على الاصعدة الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، تصادر لمصلحة الجيش وقوى الأمن الداخلي، جميع المواد التي يتمّ إدخالها أو إخراجها من لبنان بصورة غير شرعية بأية وسيلة أو طريقة كانت. كما تصادر أيضا السيارات والآليات المستعملة لهذه الغاية". هذا مع الإشارة إلى أن إقرار نظام المصادرة كان من المفترض أن يستتبع تطبيق الشروط القانونيّة لحالة الطوارئ كما ذكرنا أعلاه، أي ضرورة عرض هذه التدابير نظرا لخطورتها على مجلس النواب كي يوافق عليها خلال ثمانية أيام وهذا ما لم يحصل.

ومن النتائج المتناقضة لخيار اعتماد التعبئة العامة لمواجهة كورونا هو منع تطبيق قانون المصادرة الصادر في 20 تشرين الأول 2003 والذي يسمح "في حالة الحرب المعلنة" أو عند إعلان حالة الطوارئ لوزير الدفاع بمصادرة أو تملك الأموال المنقولة أو العقارات كذلك لمجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص من مصادرة المحروقات ووسائل النقل واليد العاملة الضرورية لذلك والأفران ومحطات إنتاج وتوزيع الكهرباء والمستشفيات ومصالح المياه والاتصالات وجميع المواد الغذائية. فكل هذه التدابير التي كانت بمنتهى الضرورة من أجل منع الاحتكار وتعزيز مناعة المجتمع لم يتم اتخاذها كون الشرط القانوني لذلك، أي إعلان حالة الطوارئ أو الحرب، لم يكن متوفرا، هذا من دون الدخول في تحليل نية السلطة السياسية وما إذا كانت ترغب أصلا بتطبيق مثل هكذا إجراءات.

ولا شكّ أن لغز مفهوم التعبئة العامة يكمن في المادة الثانية من قانون الدفاع الوطني التي تعلن أنّ إعلان التعبئة يتمّ من أجل "تنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة" من دون تحديد ما هو المقصود بهذه الخطط ولا كيفية تحديدها. والحقيقة أن فهم هذا النصّ الغامض حول هذه الخطط يتطلّب الرجوع إلى الأصل الفرنسي للتعبئة العامة الذي نهل منه النظام القانوني اللبناني. وبالفعل نجد أن القانون الفرنسي حول التنظيم العام للأمة خلال زمن الحرب الصادر في 11 تموز 1938 والذي يعلن أن التعبئة تتم خلال فترة السلم من أجل التحضير للحرب. ومن ثم يحدد القانون في مواد متشعبة وتفصيلية كيفية وضع الخطط لتأمين جهوزية الجيش في كافة قطاعاته مع تحديد واجبات كل وزارة من الوزارات وتهيئة كافة موارد البلاد استعدادا للحرب علاوة على الدورات التدريبية الضرورية وفئات الموظفين الذين يتوجب عليهم المشاركة فيها. ولعلّ أهم ما ينصّ عليه القانون هو الأحكام التفصيليّة لكيفية مصادرة الأشخاص والأموال والمؤسسات الصناعية والتجارية وكيفية دفع التعويضات المترتبة عليها. وقد استعاد المرسوم الاشتراعي الفرنسي رقم 147 تاريخ 7 كانون الثاني 1959 حول تنظيم الدفاع الوطني الربط بين التعبئة والمصادرة فنص في مادته الخامسة أن إعلان التعبئة يتيح حكما للحكومة مصادرة الأشخاص والأموال والخدمات وتنظيم توزيع الطاقة والمواد الأولية.

جراء ما تقدم يتبين أن التعبئة العامة تتطلب حكما وجود خطط يتم وضعها خلال الزمن العادي من أجل التحضير لزمن الحرب، بينما يتم تفعيل أحكام المصادرة عند ضرورة الدفاع عن الوطن بوجه خطر داهم. وهكذا يظهر التناقض في التعبئة العامة التي أعلنت في لبنان سنة 2020 إذ تمت من دون وجود خطط مسبقة لا سيما في المجال الصحي كون النظام القانوني للتعبئة ليس معدا أصلا لمواجهة مثل تلك الحالة. ومن جهة أخرى لم يتم فعليا تطبيق نظام المصادرة الذي يعتبر من أهم تجليات التعبئة، ما يعني أن أهم وسيلة قانونية تمتلكها الدولة للدفاع عن المجتمع تقاعست السلطة عن استخدامها.

أما حالة الطوارئ فقد شرحتها المفكرة القانونية في مقال مسهب عقب إعلانها بالمرسوم رقم 6792 الصادر بتاريخ 7 آب 2020 نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وبينت مدى خطورتها على حريات المواطنين. ولا شك أن حالة الحرب التي يمرّ بها لبنان تجعل إعلان حالة الطوارئ مبررًا من الناحية القانونية. لكن الواقع السياسي سيحدّ جدا من فعاليتها كون الجيش ليس هو من يتولى اليوم الدفاع عن الدولة والمجتمع في لبنان. وهكذا نصل إلى نتيجة متناقضة جديدة قوامها وجود حالة حرب واقعية بينما الدولة اللبنانية لا تعكس هذا الواقع في نظامها القانوني عبر إعلان حالة الطوارئ أو التعبئة العامة بل يقتصر دورها على معالجة تداعيات هذه الحرب الاقتصادية والاجتماعية.  

 

الهيئة العليا للإغاثة

بعد تولي الرئيس الياس سركيس مهامه كرئيس للجمهورية في أيلول 1976 وتشكيل حكومة الرئيس سليم الحص الأولى اتخذ هذا الأخير القرار رقم 35 بتاريخ 17 كانون الأول 1976 أنشأ بموجبه الهيئة العليا للإغاثة برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية وعضوية عدد من المدراء العامين على أن تتولى "قبول الهبات على اختلاف أنواعها المقدمة إلى الدولة اللبنانية من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية والجهات المحلية والأشخاص المعنويين والطبيعيين لإغاثة المتضررين" إضافة إلى استلام الهبات ونقلها وتوزيعها.

وقد شرح الرئيس الحصّ في بيان لحكومته أمام مجلس النواب بتاريخ 21 تموز 1977 الهدف من هذه الهيئة قائلا: "كان من بواكير أعمالنا إنشاء الهيئة العليا للإغاثة خلفا للجنة كانت تزاول مهام الإغاثة قبل مجيء حكومتنا. وانبرت الهيئة إلى ممارسة مهامها على نطاق واسع وتمكنت من تقديم المساعدات إلى الكثير من المهجرين والمعوزين في مختلف المناطق". وبالفعل، حلّت هذه الهيئة مكان ما كان يعرف الهيئة الوطنية لقبول التبرّعات التي تألفت من شخصيات سياسية بهدف "مساعدة المتضرّرين في الحوادث التي حصلت في لبنان اعتبارا من 26 شباط 1975 ودفع المساعدات لهم"[1] على أن يقترن ذلك بموافقة رئيس مجلس الوزراء. كذلك حلّت الهيئة العليا للإغاثة مكان لجنة جرى تأليفها مهمتها وضع الأسس لتوزيع الهبات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي.

وقد أبصرت الهيئة العليا للإغاثة النور خلال الحرب الأهلية في لبنان وقبيل قيام رئيس الحكومة الجديد بجولة على البلاد العربية من أجل جمع التبرّعات لاطلاق عملية إعادة الإعمار. لكن المستغرب أن قرار إنشاء الهيئة منحها صلاحيات مخالفة للقانون. فقد نصّت المادة السادسة منه على عدم خضوع "الهبات موضع هذا القرار إلى أيّة ضرائب أو رسوم جمركية، مالية، بلدية أو مرفئية وغيرها"، ونصّت المادة السابعة منه على تمكين الهيئة من تحمّل نفقات نقل المواد بغية توزيعها على المتضررين، هذا علاوة على أن القرار سمح للهيئة بالاستعانة بمن تشاء من موظّفي الإدارة والمؤسسات العامة.

وبما أن رئيس مجلس الوزراء لا يملك الصلاحية التي تخوله منح تلك الاختصاصات القانونية إلى هيئة شكّلها بنفسه، فقد استفادت الحكومة من قانون أقره مجلس النواب حينها مانحا إياها صلاحيات إصدار مراسيم اشتراعية، فعمدت إلى إصدار المرسوم الاشتراعي رقم 22 بتاريخ 18 آذار 1977 القاضي "بتصديق القرار رقم 35". كما نصّت المادة الثانية منه على أنه "يمكن تعديل تأليف اللجنة المذكورة في المادة الاولى من هذا المرسوم الاشتراعي، أو إنهاء خدماتها أو تعديل مهامّها وصلاحياتها بقرار من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة مجلس الوزراء". وبالفعل سيعمد رئيس الحكومة على مرّ السنوات إلى تعديل تشكيل الهيئة، لكن التعديل الأبرز كان الذي أدخله الرئيس رفيق الحريري بموجب القرار رقم 30 الصادر في 2 آب 1993 والذي جعل من رئيس الحكومة رئيسا للهيئة وجعل عضويتها تقتصر على نائب رئيس الحكومة ومجموعة من الوزراء. 

 ولا شك أن هذا المرسوم الاشتراعي هو غير مسبوق وشديد الاستغراب كونه صدق قرارا لرئيس الحكومة مانحا هذا الأخير بعد موافقة مجلس الوزراء صلاحيات تعديل قرار إنشاء الهيئة الذي جرى تصديقه. فالقانون عادة هو الذي يقوم بتصديق المراسيم الاشتراعية من أجل تحصينها ومنحها قوة القانون لكن أن تقوم الحكومة نفسها عبر مرسوم اشتراعي بتصديق قرار وزاري ومن ثم أن تفوّض رئيس الحكومة صلاحية تعديل القرار نفسه فهو يشكل سابقة في النظام الدستوري اللبناني ويجعل من الهيئة العليا للإغاثة كيانا قانونيا هجينا. وقد وسّع الرئيس رفيق الحريري من صلاحيات الهيئة  في قراره رقم 4 بتاريخ 8 كانون الثاني 1997 عبر تخويلها "إدارة شؤون الكوارث على مختلف أنواعها" وتولّي "جميع الأمور التي لها طابع الإغاثة والمحالة عليها من قبل مجلس الوزراء" إضافة إلى قدرة الهيئة بتكليف الوزارة المختصة بالقيام بالأعمال التنفيذية.

وهكذا يتبيّن مجددا أن رئيس الحكومة يقوم بمنح الهيئة صلاحيات لا يمكن أن ينص عليها إلا القانون هذا فضلا عن الطبيعة المبهمة[2] لهذه الصلاحيات التي يمكن تعديلها بأيّ وقت بقرار إداري بسيط من قبل رئيس مجلس الوزراء. فالهيئة العليا للإغاثة كانت وليدة ظروف استثنائيّة واقتصر دورها على استلام الهبات وتوزيعها وباتت اليوم تخضع كليّا لرئاسة الحكومة، وهي لا تملك سلطة تنظيمية تخولها وضع الخطط لاستباق الكوارث، هذا فضلا عن تضارب صلاحياتها مع وزارات أخرى وعدم خضوع المشاريع التي تقوم بتنفيذها لرقابة ديوان المحاسبة. لذلك يمكن القول أن هذه الهيئة لا تشكل إطارا قانونيا صالحا لتفعيل دور الدولة في مواجهة الاستعداد للكوارث أو الأزمات أو حتى مواجهتها إذ يقتصر دورها على إحصاء الأضرار وتقديم التعويضات ضمن شروط تفتقر إلى الشفافية.  

وقد انسحب هذا النهج على لجان أخرى استحدثها رئيس الحكومة بقرار منه كلجنة مواجهة الأزمات والكوارث على أنواعها عند حدوثها (قرار رقم 41 تاريخ 18/2/2013) واللجنة الوطنية لوضع خطة طوارئ لمواجهة الكوارث (قرار رقم 103 تاريخ 29/11/2010)، وهي لجان ذات طبيعة استشارية بشكل أساسيّ تقوم مهمتها على وضع الخطط الاستباقية تحسّبا لوقوع الكوارث، ما يعني أن هذه اللجان تدخل في الحقيقة ضمن مفهوم التعبئة العامة الذي شرحناه أعلاه وكان من الأفضل أن يتم استحداثها بقانون[3] يحدد مهامها من ضمن إجراءات التعبئة و يمنحها صلاحيات فعلية بدل أن تكون مقتصرة على التنسيق بين الوزارات ووضع الخطط التي لا يمكن تنفيذها اليوم إلا عبر هذه الوزارات ومختلف مؤسسات الدولة هذا فضلا عن هشاشة سندها القانوني كون رئيس الحكومة يتحكم بشكل كامل بهذه اللجان لجهة عضويتها وصلاحياتها مع إمكانية تعديلها في أي وقت أو حتى إلغائها بقرار منفرد منه.

دور مجلس النواب

لا شك أن مواجهة الكوارث والمخاطر الأمنية على اختلافها يدخل في صلب اختصاص السلطة التنفيذية وهذا ما يظهر في قيادة الحرب وإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة التي تعود جميعها إلى الحكومة. لكن ذلك لا يمنع من اضطلاع مجلس النواب بدور محوري في هذا المجال أيضا يتعلق بضرورة الحصول على موافقته عند اعلان حالة الطوارئ نظرا لخطورة هذا النظام القانوني الاستثنائي على حريات المواطنين. فمجلس النواب بوصفه ممثلا للشعب يتوجب عليه التأكد من أن جميع التدابير تهدف إلى حماية المجتمع وليس السلطة السياسية.

ولا يقتصر دور مجلس النواب على مراقبة العمل الحكومي لكنه يكمن أساسا في إقرار القوانين التي تسمح بتأمين الاعتمادات اللازمة في الموازنة من أجل تمكين مختلف أجهزة الدولة من القيام بدورها في التصدي للكوارث وتعزيز مناعة المجتمع. وفي حال لم تكن هذه النفقات مرصدة في الموازنة يتوجب وبشكل مستعجل إقرار قوانين بفتح اعتمادات جديدة أو إضافية لحماية المواطنين وتأمين حاجاتهم خلال الأعمال الحربية التي يشهدها لبنان اليوم، وهذا ما يتطلب في أول الأمر أن يجتمع مجلس النواب لمناقشة الأوضاع الخطيرة التي تمرّ بها البلاد بدل أن يظل غائبا كليّا وكأنه غير معني بما يحدث.

فتمنّع رئيس مجلس النواب عن دعوة هذا الأخير للاجتماع أو حبس الأموال العامة في الخزينة ورفض صرفها بحجة فشل السلطة التشريعية في تزويد الدولة بالوسائل التي تمكنها من القيام بوظيفتها يشكلان إدانة مكتملة للسلطة السياسية التي لا تجد في الدولة إلا وسيلة من أجل تعزيز سطوتها على المجتمع خدمة لمصالحها السلطوية بدل من أن تكون الأداة التي تسمح للمجتمع بأن يقاوم العدوان ويدافع عن نفسه في شتى المجالات.    

 

 


[1] جريدة السفير، عدد الاثنين 21/3/1977.

[2] ومن أبرز الأمثلة على الطبيعة الارتجالية والظرفية لعمل للهيئة هو القانون الصادر في 9 آب 2000 الذي فوض الهيئة دفع رسم تسجيل طلاب في المدارس الرسمية للعام 200-2001.

[3] يشار هنا أنه جرى تقديم سنة 2020 اقتراح قانون بهدف إنشاء الهيئة العليا لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وإلغاء الهيئة العليا للإغاثة لكن هذا الاقتراح لا يزال معلقا في اللجان نظرا لتضارب مصالح الأحزاب السياسية حول تبعية الهيئة لرئاسة الجمهورية أو رئاسة  الحكومة.