إبقاء حصانة الموظفين مجمّلة

المفكرة القانونية

10/11/2019

انشر المقال

في محاولة لاستيعاب الانتفاضة الشعبية في 17/10/2019، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن انعقاد جلسة تشريعية طارئة فور اختتام جلسة انتخاب أعضاء اللجان النيابية ومكتب مجلس النواب في 12/11/2019 الساعة الواحدة. وقد ورد على جدول الأعمال في البند 5، اقتراح النائب حسن فضل الله لتعديل المادة 61 من قانون الموظفين، التي تمنع ملاحقة الموظف في الجرائم الناشئة عن الوظيفة قبل الإستحصال على إذن الإدارة التي ينتمي إليها، والتي تشكّل أحد أبرز العوائق أمام محاسبة القضاة للموظفين العامين. وكان الإقتراح ذهب في نسخته الأساسية في اتجاه إلغاء شرط الإذن المسبق وما يتيحه من حصانة للموظف، بحيث يكون بإمكان النيابة العامة تحريك الدعوى العامة إما عفوًا أو بناء على إدعاء شخصي مباشر مع إلزامها فقط بإعلام الإدارة المعنية بالإجراءات القانونية المتخذة بحقه.

وأوضحت الأسباب الموجبة للإقتراح أن "تجارب الملاحقات القضائية الماضية أدّت إلى توقف القضاء عن القيام بمهامه لإمتناع الإدارة عن إعطاء الإذن بالملاحقة"، وأن "الإدارة لا ترد الجواب السلبي أو الإيجابي على طلبات القضاء بالحصول على إذن الملاحقة، ممّا يؤدي إلى تجميد الملف المثار بشأن الجرم المرتكب خاصة إذا كان يطال المال العام".

وللتذكير كان قد قدّم النائب فضل الله الإقتراح بصيغة المعجّل مكرّر في جلسة 17/4/2019 إلا أن النقاش في الهيئة العامة أفضى إلى إسقاط صفة العجلة عنه وإحالته إلى لجنة الإدارة والعدل التي أقرّته معدّلاً في 1/10/2019 في جلسة برئاسة النائب جورج عدوان حضرها إلى جانب أعضاء اللجنة القضاة ماريز العم وكارلا شواح وزياد مكنا وهانية الحلوة ورنا عاكوم وممثل مجلس الخدمة المدنية الأستاذ أنطوان جبران.

وأفضى التعديل إلى إفقاد الإقتراح أية فعالية وإعادة الحال إلى ما كانت عليه مع تعديل وحيد يكمن في تقييد الإدارة بمهل لإعطاء الإذن أو الإمتناع عن ذلك. ففي التفاصيل، أقرّت لجنة الإدارة والعدل إعادة تكريس ضرورة طلب موافقة الإدارة على الملاحقة للموظف، مع إلزام المرجع المختص بالإجابة على طلب النيابة العامة خلال مهلة 15 يوم عمل بقرار معلّل. كما حدّدت مهلة مماثلة لمراجعة النيابة العامة التمييزية في حال عدم منح الإذن ومهلة مماثلة للأخيرة للبت بالمراجعة. وكرّس التعديل اعتبار صمت الإدارة المعنية أو النائب العام التمييزي رغم انقضاء المهلة بمثابة موافقة ضمنية على منح الإذن بالملاحقة.

وفيما أضاف تعديل اللجنة عدم جواز الطعن بقرار منح الإذن، إلا أنه لم يعالج إشكالية جعل النيابة العامة التمييزية المرجع الاستئنافي للقرارات المتعلقة بحجب إذن الملاحقة، خلافا للمنطق القانوني الذي يفرض تقديم طعن مماثل أمام مرجع قضائي تتوفر فيه ضمانات الاستقلالية والمحاكمة العادلة. ويذكر هنا أن واضعي قانون أصول المحاكمات الجزائية كانوا اقترحوا إناطة هذه الصلاحية بمحكمة استئناف بيروت، إلا أن هذا الاقتراح سقط بضغط من النائب العام التمييزي آنذاك عدنان عضوم.

كما تضمن الإقتراح إبقاء "رئيس وعضوي كل من هيئة مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب خاضعين للأحكام القانونية الخاصة بهم".

وبالنتيجة، يكون هذا الاقتراح دون طموحات الانتفاضة التي طالبت برفع الحصانات، فإذا بالمشرع ينتهي إلى تعديل طفيف هو بمثابة تجميل لنظام الحصانة الخاص بالموظفين العامين أكثر مما هو أداة لتجاوزها. ويشار إلى أن الحصانات الدستورية للنواب والوزراء تبقى هي هي من دون تعديل.