إحياء اقتراح إعفاء القطاعات المنتجة من الفوائد: لوبي المصارف في المرصاد

إيلي الفرزلي

27/12/2021

انشر المقال

عقدت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة لدرس اقتراح القانون القاضي بتصفير الفائدة على الديون والقروض الصناعية والزراعية والسياحية اجتماعاً وحيداً في 8 كانون الأول الحالي. ولا تزال تنتظر الإجابات التي طلبتها من مصرف لبنان لعقد الاجتماع الثاني والبحث في تفاصيله وإمكانية تطبيقه. 

الاقتراح، الذي تقدم به النائبان علي فياض وابراهيم الموسوي ليس جديداً، بل هو ينام في اللجان منذ 20 أيار 2020، أسوة بالكثير من الاقتراحات التي قدمت في ذلك الوقت بهدف المساعدة في تخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية على المؤسسات والأفراد، وقد تأخّر البت به كثيراً. وصار يتطلب مقاربة مختلفة، بحسب أعضاء في اللجنة، لمرور نحو سنتين على تقديمه وتغيّر الكثير من المعطيات منذ ذلك الحين.  

يشير الاقتراح في أسبابه الموجبة إلى أنه في ضوء عجز الدولة عن تقديم أي دعم للقطاعات المنتجة، خاصة في ظل الوضع الحالي للخزينة، فإنّ الحلّ الوحيد الذي يُجنّب لبنان الانهيار الكبير والمأساة الاجتماعية، ويمكن أن يوقف النزيف والخسائر التي تتكبدها هذه القطاعات من دون اللجوء إلى خزينة الدولة، هو وضع تشريع خاص يساعد على إعادة دوران عجلة الاقتصاد، مما يؤمّن فرص عمل للمواطنين ويُوفّر موارد رزق لهم وضماناً لمعيشتهم ويوفّر على الخزينة مبالغ طائلة للدعم الاجتماعي الإضافي.

توضح الأسباب الموجبة أيضاً أن مصرف لبنان قام، بهدف مساعدة المصارف وتقليص متوجّباتها تجاه المودعين، بإصدار تعاميم تقضي بخفض الفوائد المرجعية (قاعدة احتساب الفوائد على القروض بعد إضافة كلفة المخاطر والربح. وعادة ما تُضاف 2% أو 2.5% على الفائدة المرجعية لتحديد الكلفة الفعلية للاقتراض بالنسبة للعموم). وقد حقّق ذلك للمصارف أرباحاً طائلة على مجمل الودائع، لم تنعكس تخفيضاً، بالقدر نفسه، للأعباء على المودعين، بل تبيّن أن الفائدة ما زالت مرتفعة جداً، بالإضافة إلى أنه ترك الأمر لتقدير المصارف نفسها.

لكن مع ذلك، فإن النقاشات تراوحت بين التأكيد على أهمية القانون مع الحاجة إلى إجراء تعديلات عليه، وبين سعي واضح من قبل المصارف ومن يُمثّلها لتطيير الاقتراح، بحجة أنه يؤدي إلى خسائر كبيرة للمصارف.

لكن قراءة للأرقام التي قدّمها مصرف لبنان في اللجنة الفرعية تظهر أن قروض القطاعات المُنتجة لا تُشكّل أكثر من 12% من إجمالي القروض المُقدّمة من القطاع المصرفي. وبالتالي فإن الإعفاء منها أو تخفيضها لن يكون له أي تأثير سلبي على المصارف المستمرة في تحقيق الأرباح على حساب المودعين. فمجموع قروض هذه القطاعات لا يتجاوز 8 مليار دولار من أصل إجمالي قروض يصل إلى 61.922 مليار دولار. وفي التفاصيل، يتبين أن إجمالي القروض الصناعية يصل إلى 6.206 مليار دولار، والقروض الزراعية لا تزيد عن 860 ملياراً، إضافة إلى 1.629 مليار دولار هي مجموعة قروض المطاعم والفنادق. 

وعليه، يؤكد النائب علي فياض، في حديثه لـ"المفكرة القانونية"، أن إصدار تشريع يقضي بتصفير الفوائد لا يُكلّف المصارف إلا جزءاً بسيطاً من أصل أرباحها والوفورات التي حقّقتها سنوياً نتيجة التعاميم المذكورة. بل يُعدّ الأقلّ كلفة على الجميع لأنّ عودة المؤسّسات المنتجة إلى العمل في حال إقفالها سيكون أكثر كلفة، مما يحرم المصارف العدد الأهمّ من زبائنها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الاقتراح سبق أن قُدّم بصفة المعجّل المكرر، وقد أحاله الرئيس نبيه بري، في الجلسة التشريعية التي عقدت 28 أيار 2020، إلى اللجان النيابية. وبالرغم من إقراره سريعاً في لجنة الزراعة والصناعة، إلا أنه لم يُعرض على لجنة المال قبل 23 تشرين الثاني الماضي، حيث طلب وزير الصناعة جورج بوشكيان مهلة أسبوعين لوضع آلية تنفيذية له وإبداء الملاحظات عليه. 

في الثاني من كانون الأول الحالي عقدت اللجنة اجتماعاً ثانياً، انتهى بتشكيل لجنة فرعية لمتابعة درس الاقتراح برئاسة النائب ألان عون وعضوية النواب: علي فياض، ياسين جابر، فيصل الصايغ، سليم سعاد وأيوب حميد. كما تخلل الاجتماع تقديم بوشكيان لملاحظات خطية على الاقتراح. وهو إذ بدأ بالإشارة إلى أن للاقتراح المذكور أثر كبير على الاقتصاد، فقد خلص، في كتابه الموجه إلى اللجنة، إلى أنه "لأجل اتخاذ قرار مبني على معطيات علمية واقتصادية دقيقة ينبغي إجراء دراسة تقييم أثر لهذا الاقتراح، تتضمن الأرقام الاجمالية المتوقعة بحسب القروض، وعدد المستفيدين من كل القطاعات كما والأثر المتوقع له على الاقتصاد الوطني والجهات التي ستتحمل الكلفة الناتجة عنه". 

وعليه، فقد ربط آلية تنفيذ الاقتراح بنتائج التقييم. أما الآلية التي اقترحها، فتقضي بتقديم كل مستفيد محتمل طلباً إلى وزارة الصناعة، يُدرس خلال خمسة أيام عمل، ويتضمن:

  • نسخة عن الترخيص في وزارة الصناعة (أو طلب الترخيص الكامل المسجل لدى الوزارة)
  • قيمة القرض الذي سيتم إلغاء الفوائد عليه واسم المصرف.
  • كتاب موقّع يفيد بأن المصنع الذي يستفيد من هذا القانون لن يسرّح أيا من موظفيه ولن يوقف عملياته بالكامل طيلة مدة الاستفادة من الإعفاء. 

بحسب فياض، فإن الفوائد المقدّر الإعفاء منها لا تتجاوز نصف مليار دولار، علماً أن قيمة إجمالي الفوائد المدفوعة في أول ثمانية أشهر في العام 2020، تصل إلى 3.4 مليار دولار. 

وأكثر من ذلك، فإن القطاعات المذكورة تعاني من نزيف مستمر، وهي تحتاج حكماً للدعم بأي شكل كان، خاصة أن الأرقام الرسمية تشير إلى إقفال ما يزيد عن 600 مصنع خلال العام 2020، في المقابل فإن 10% فقط من المصانع هي التي تمكّنت من التكيّف مع التغيرات التي طرأت. 

عدد من النواب لم يكن معنياً بمناقشة مضمون الاقتراح وتفاصيله، بل فضّل تبني وجهة نظر المصارف الرافضة بالمطلق لأي تقليص في وارداتها. لكن مع ذلك، فقد سلك الاقتراح الطريق نحو البحث في المضمون، حيث أكد نواب على أهمية تحفيز القطاعات المنتجة في المطلق، لكن بعد تعزيز الضوابط والشروط، بما يسمح بالوصول إلى الهدف المرجو. رئيس اللجنة الفرعية آلان عون يقول لـ"المفكرة القانونية" إن اللجنة الفرعية عكفت على البدء بمناقشة الاقتراح، وقد طلبت من المصرف المركزي بعض البيانات التي تساعد في تكوين تصور أوضح للشريحة التي يفترض أن يستهدفها القانون، إضافة إلى تأثيره على القطاعات المعنية، ومن هذه البيانات عدد القروض المتعثرة ونوعها وعدد القروض المدعومة وتوزيعها. 

عضو اللجنة ياسين جابر يقول لـ"المفكرة القانونية" إن المطلوب التفريق بين القروض المدعومة وغير المدعومة، كما لا بد من وضع ضوابط تحول دون استفادة غير المستحقين، أضف إلى ضرورة البحث في مدى إمكانية تطبيق القانون بمفعول رجعي يعود لأكثر من سنتين، على ما ينص الاقتراح. يختصر جابر الموقف بالإشارة إلى أن الاقتراح يحتاج إلى بعض التنقيح، كالبحث في مدة الإعفاء المحددة بثلاث سنوات، لكن لا معارضة جدية له، طالما أنه يمكن أن يساهم في تحفيز القطاعات الإنتاجية في ظل ابتعاد الدولة عن دورها في دعمها. 

معدّو الاقتراح يؤكدون انفتاحهم على أي نقاش أو تعديل يُساهم في تطوير الاقتراح، ليسلك طريقه نحو التنفيذ. لكن في المقابل، هم يخشون من أن تكون اقتراحات الوزير بمثابة تطيير للاقتراح. وبالرغم من ترحيبهم بربط الاستفادة من الإعفاء بعدم تسريح الموظفين، إلا أنهم يخشون أن يؤدي ربط الإعفاء بإعداد دراسة اقتصادية لأثره إلى فتح الباب أمام المزيد من المماطلة. لذلك، المطلوب تحديد مهلة واضحة لتنفيذ هكذا دراسة، لا تكون سبباً في مزيد من الاستنزاف الذي يطال القطاعات المنتجة.

الاقتراح، أسوة بغيره من الاقتراحات التي طُرحت لتعويض غياب السلطة التنفيذية عن طرح حلول شاملة للأزمة، لا تزال صالحة اليوم. فبعد سنتين من تقديمها لا تزال السلطة غائبة عن أي معالجة للوضع الاقتصادي الذي يزداد تأزماً. وهي لو كانت حاضرة لكانت هي المعنية في دعم القطاعات الانتاجية. لكن هذا الغياب، مقابل استمرار المصارف في العمل من دون أن تتحمل قسطها من المسؤولية، على ما يؤكد مؤيدو الاقتراح، يجعل هكذا اقتراحات ضرورياً لتعويض الفراغ وضخ جرعة من الصمود لقطاعات تتهاوى.

للاطلاع على اقتراح القانون اضغطوا هنا

وهنا للاطلاع على كتاب لجنة المال والموازنة