استمراريّة التعليم أم شموليته؟ جدل حول سبل إنقاذ العام الدراسي

رازي أيوب

15/10/2024

انشر المقال

الأسبوع الفائت، انتقدت النائبة حليمة قعقور ممارسة "اتحاد المدارس الخاصة" الضغط على وزير التربية لبدء العام الدراسي، على اعتبار أن هذا تجاهل للطلاب الذين لن يتمكنوا من الدراسة، وعبّرت عن خطورة "أي قرار لا يحمي الجميع دون تمييز". وقد أدّى تعليق القعقور إلى جدل على وسائل التواصل انزاح عن طابعه التربوي نحو أبعاد سياسيّة وطائفيّة. وتراوحت المواقف بين انتقاد انفراد المدارس الخاصة في التعليم ومهاجمة موجّهي هذا الانتقاد. وإذ ذكّر موقف قعقور وآخرين بالأهداف الوطنيّة من وراء التعليم، عكست الانتقادات لها حساسيّة حيال تعليق التدريس في القطاع الخاص، وقد أخذت بعض ردود الأفعال بعداً طائفياً واضحا. وكان موقف ثالث وإنّ -أقلّ رواجاً-، طرح أسئلة حول مسبّبات المشكلة وأسئلة أكثر عمقاً حول عجز وزارة التربية والحكومة من ورائها على استباق الأزمة، وعجزها بعد ذلك عن إيجاد حلول "من خارج الصندوق".

نشير بدايّةً إلى نقاش المدارس مع الوزير قبل تأجيج الجدل، ونفنّد بعدها المواقف الثلاثة على التوالي.

للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية موقف منفرد

رغم تعليق وزير التربية الدروس -متأخراً- في 23 أيلول، استمرّت 95 مدرسة خاصة في تدريس الطلّاب. وفي ما عدا هؤلاء، لم يبدأ العام الدراسي بالنسبة إلى الآخرين، علماً أنّ 40% من هؤلاء نازحون وآخرون تحوّلت مدارسهم إلى مراكز إيواء. فقد تم تشغيل 505 من أصل 936 مدرسة رسمية ابتدائيّة بالإيواء، وأغلقت 330 أخرى بفعل الحرب، أي بقي نحو 121 مدرسة يمكنها أن تستقبل الطلّاب. علاوة على عديد من المدارس الخاصة التي أغلقت أبوابها سواء بسبب العدوان. وعملياً، لم يطل تعطيل الدروس طائفة أو شريحة طبقيّة دون أخرى، إذ أن كثيرا من المدارس الخاصة التي أقفلت بفعل تواجدها في الجنوب والبقاع منها ذات طابع علماني أو مذهبي، وبعضها مدارس كاثوليكيّة.

علاوة على هذا التوصيف لأزمة تربوية –جامعة لا تنحصر بطائفة-، أساسها التقني نقص المقاعد نسبة لعدد الطلاب، برزت عقبتان تقنيتان عبرتا عن الفشل في إعداد أو تطبيق الحكومة لخطّة الطوارئ: (1) إن وزارة التربية لم تحصِ الطلّاب أو تحدّد أماكنهم (2) التساؤل حول مدى حسن سير خدمة الإنترنت في حال اتخذ خيار التعليم عن بعد، ما يشير أيضاً إلى نقص في إعداد خطة الطوارئ. وإن صرّح الوزير جوني القرم لاحقاً في 6 تشرين الأوّل بأنه يعمل على تأمين الإنترنت لنحو 330 ألف تلميذ وأستاذ، فإن ذلك يؤكد على عدم جهوزيّة الخدمة بعد.

وبالتأكيد، يوجد اعتبارات أخرى تعقّد إمكانية التعليم ويمكن طرح أسئلة كثيرة بخصوص شكل التربية في ظلّ العدوان، لكن أدخل البعض الجدل في إطار طائفي، ولم تظهر "حساسيّة وقف التدريس" من أهالي بعض الطلّاب أو من الناشطين على وسائل التواصل بداية الأمر، إنما من قبل فئة محدودة من المدارس الخاصة. ففي 25 أيلول، طلبت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية من مديري المدارس بدء الإعداد الإداري والتربوي على أن تبدأ الدروس في 30 أيلول، مؤكدّةً أن فتح المدارس هو من علامات الصمود الوطني في وجه العدوان، من دون أن تنتظر التوجهات العامة لوزارة التربية في هذا الشأن. وفي اليوم التالي، عقد الحلبي اجتماعا مع اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة شارك فيه محفوظ والأب يوسف نصر، منسّق الاتحاد، وأعلن في إثره الوزير قرار تعليق الدروس إلى 7 أكتوبر تشرين الأول. وفيما نقلت بعض المواقع الإعلامية أنّ الأب نصر لم يوافق على قرار الوزير -بخلاف ممثلي بقيّة المدارس الخاصة- فقد طلب نصر استمهاله لعرض الموقف النهائي. عملياً، بدا أن لا سلطة للوزير على المدارس الخاصة للتريث في قرارها، حيث أكدت المدارس الكاثوليكيّة بدء الدروس لديها في 30 أيلول، وربما ما كانت الأمور لتأخذ منحى الانقسام العامودي لو تدخّل الوزير بشكل مختلف.

نتج عن ذلك موقفان متناقضان، وأبرز من عبّر عنهما: (1) موقف لنقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض، أكّد استمرار التدريس وصرّح أن النقابة تترقب خلال أسبوعين وضع خطة للحفاظ على العام الدراسي للطلاب، وأنه سيتم البحث مع الحكومة في إمكانية التعليم عن بعد أو التعليم المدمج للحفاظ، لافتاً إلى أن الوزارة بدأت بإحصاء عدد الطلاب والمعلمين النازحين وأماكن وجودهم لتأمين الأدوات اللوجستية عن بعد لهم. وقابله (2) موقف أمين عام النقابة أسامة ارناؤوط الذي صرح إن "الظروف لا تسمح بالعودة إلى التعليم الآن، ويجب أن يكون هناك موقف وطني في كل لبنان".

هواجس حول شمولية التعليم

في هذا السياق، ظهرت "هواجس" بخصوص إمكانيّة الحفاظ على أحد أبرز الأهداف التربويّة في التعليم أي وطنيّته. انعكست في عناوين المواقع الإخبارية بخاصّة جريدة "الأخبار" وموقع "المدن"، والتي عنونت مقالات حول "فدرلة التعليم" أو "فيدراليّة التعليم"، وأشارت في مقالات أخرى إلى سطوة المدارس الكاثوليكيّة، أو "فائض قوتها". ومما أشار إليه الصحافي وليد حسين على سبيل المثال أنّه "ربما آن الأوان كي يصدر نداء عاجل عن سلسلة مدارس المقاصد والأمل والمبرات والمصطفى والمهدي والحريري وغيرها لتعليق العام الدراسي"، وذلك لإحراج "القسم القليل من المدارس الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية الرافضة تأجيل العام الدراسي". وركّز انتقاده للوزير والمسؤولين في الوزارة عن المدارس الخاصة على اعتبار أنهم "غير قادرين على وقف التمادي الحاصل بحق نحو تسعين بالمئة من طلاب لبنان".

 وقد عكس الكثير من المعنيين بالتعليم الهواجس عينها. فقد صرّحت رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين، أن بعض المدارس الخاصة تتصرف كأنها غير معنية بما يعانيه آلاف الطلاب وتعيش "في كوكب آخر". ورأت أن الخطوة المتخذة "تعكس انعدام المساواة في التعامل مع الأزمة، وتثبت أن لبنان يعيش نوعاً من الفيدرالية غير المعترف بها". واعتبرت أنّ "استمرار التعليم في بعض المدارس الخاصة يزيد من حدّة الانقسام الاجتماعي في البلاد". الموقف ذاته عبّرت عنه رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل، التي لخّصت موقف الاتّحاد بالقول أنه "لا قطاع تربوي ولا عام دراسي منتج إن لم يكن شاملاً يغطي كل تلامذة وطلاب لبنان"، وأنه "ليس عدلاً أن يترك نصف مليون تلميذ بالحد الأدنى خارج التعليم، ولا جدوى من التعليمٍ عن بعد إن لم تكن المستلزمات اللازمة لنجاحه متوفرة".

موقف مماثل اتّخذه رئيس لجنة التربية في مجلس النواب حسن مراد، حيث غرّد على "إكس" في 26 أيلول، وفي 2 تشرين الأوّل و5 تشرين الأوّل، ما مفاده أنه "كلّ يوم يخرج علينا ما يسمّى باتّحاد المدارس الخاصة منادياً بفتح أبواب المدارس وكأن المشرفين عليه يعيشون في كوكب آخر". وإذ أكّد ضرورة بدء العام الدراسي، اعتبر أن "الضغط لفتح أبواب المدارس حالياً هو مؤامرة على الوطن وبوضوح يحمل في طياته محاولة غير معلنة للتقسيم التربوي لن نسمح بها". وتساءل إذا ما كان اتّحاد المدارس الخاصة يمثّل كل المدارس الخاصة في لبنان. وتوجّه لهم بالقول "اخرجوا تقسيماتكم البغيضة من التربية واتركوا للوزارة إيجاد المخارج لأنها تبقى المرجع الوحيد".

النائب العضو في لجنة التربية أسامة سعد، لم يعبّر مباشرة عن موقفه. لكن نستشف موقفه من البيان الذي صدر عن المكتب التربوي في "التنظيم الشعبي الناصري"، والذي "استغرب دعوة بعض المؤسسات وهيئات التعليم الخاص في بعض المناطق العودة إلى فتح المدارس والعودة إلى التعليم، تحت حجج وذرائع تتناقض مع مفهوم العدالة وحق التعليم لجميع اللبنانيين دون تفرقة"، وردد المكتب التربوي نفس الهواجس حول أن "هذه الدعوة تحمل مضامين تقسيمية لا تمتّ إلى المسؤولية الوطنية أو التربوية الجامعة". ثم طالب المعنيين في وزارة التربية بالتعجيل في "وضع خطة واضحة وآمنة وعادلة لجميع طلاب لبنان، مع تعليق العام الدراسي لمدة شهر حتى تنجلي الأمور".

ويشار إلى أنّ المكتب التربوي لتيار المستقبل أخذ موقفاً ممثلاً، مستغرباً "الدعوة من قبل بعض الجهات التربوية وهيئات التعليم الخاص إلى بدء التدريس في المناطق التي اعتبرتها (آمنة) و كأن الوطن بخير"، مشيراً إلى أن "الأهالي لن تستطيع دفع الأقساط في ظل هذا الظرف الاقتصادي والأمني الصعب"، وحذّر بدوره من "انعدام العدالة وضرب مفهوم حق التعليم للجميع". واعتبر المكتب أن استكمال العام الدراسي لجميع التلامذة على مساحة الوطن ليس مستحيلاً، على اعتبار أننا لا زلنا في بداية العام الدراسي، وأنه "لن يتأثر عمليا إذا ما تم التأجيل لأسبوع أو أسبوعين ريثما تستقرّ أمور الناس".

لكن الغريب أنّ كلّ من المواقف السابقة لم يأخذ حيزاً من الجدل والأخذ والرد، بقدر تصريح النائبة العضوة في لجنة التربية، حليمة قعقور، التي صرحت بدورها في 5 تشرين الأوّل على "إكس"، أنّ " قرار فتح المدارس بضغط من اتحاد المدارس الخاصة يعتبر خطيرا جدا". وذكرت سببين: الأوّل أنّ "القرار ضربة أخرى للمواطنة والانتماء للدولة للكثير من الطلاب"، والثاني أنّ هذا القرار يحمل في طياته فكرا تقسيميّا مقيتا بعنوان "نحن وهم". وكما فعل كثيرون، دعت القعقور الوزير إلى "تأجيل العامّ الدراسي لوقت محدد يتم فيه وضع خطة طوارئ بطريقة تشاركية لا تترك أحدا ولا تميّز ضدّ أحد ونحن حاضرين للتعاون".

"التعليم الخاص خطّ أحمر"

كانت كثافة التعليقات على تصريح النائبة قعقور ملفتة، ففي حين تجد تعليقات قليلة على "تغريدة" النائب مراد أو تغريدات أخرى صبّت في ذات المعنى، انهالت التعليقات على ما قالته قعقور، وتم تأويل كلامها على أنها تدعو إلى تعطيل العام الدراسي (ربما لأنّ بعض المقالات وبعض المعنيين دعوا إلى مثل هذا القرار). ما بدا مؤشراً على احتقان ما لدى المعلّقين، جراء الظرف القائم.

انطلقت أغلب التعليقات من افتراض أنّ النائبة تريد وقف العام الدراسي بالمطلق. أحدهم علّق أنّه "بعزّ الحرب الأهلية لم تقفل المدارس والجامعات أبوابها"، فردّت القعقور أنّه "لا يجب أن تقفل أبوابها وذلك يتطلّب خطة تسمح بفتح أبواب التعليم للجميع وليس قرارا اعتباطيا لا يشمل جميع الطلاب". وصبّت كثير من التعليقات حول مسألة الأهل الموظفين وكيف سيتركون أولادهم في المنازل. 

لكن أغلب التعليقات ذهبت في اتجاه مختلف تماماً، رابطة المسألة بالجدل السائد المتعلّق بحصريّة السلاح وقرار الحرب. فمثلا، علّقت إحداهن على تغريدة قعقور أنّه "لو منوصل لوقف إطلاق النار كل الطلاب بيرجعو على المدارس". في الاتجاه نفسه، صرّحت الصحافية نيكول الحجل أنّ "القرار من جانب واحد في جرّ لبنان الى الحرب هو القرار التقسيمي، لا قرار فتح المدارس"، معتبرة أن واجب النائبة هو المطالبة بانتخاب رئيس لتحصين مؤسسات الدولة.

وبعدما تأسفت الاقتصاديّة عليا مبيّض على رفض "نائبة" تعليم أطفال وشباب لبنان في حال أمكن ذلك، اعتبرت أنّ "بعث الأولاد إلى المدارس سيسمح للأهل بالتفرّغ إلى العمل والإنتاجية والتطوّع لمساعدة النازحين"، وأن التعليم تعبير عن الصمود، وأنّ "الحرب الدائرة قد تطول كثيرا، وعلينا التحضير للأسوأ وفقاً لحساب الربح والخسارة"، وانتهت إلى ترداد الحجة الأساسية السياسية التي دار حولها هذا الرأي عملياً، وهي أنّ "واجب النائب ليس وقف التعليم، ولكن المطالبة بوقف الحرب وفتح مجلس النواب لانتخاب رئيس". 

إلى جانب هذه التصريحات، أتت تعليقات نواب آخرون حول الجدل المثار. فقد صرّح عضو آخر في لجنة التربية هو النائب أنطوان حبشي، على "إكس" في 3 تشرين الأوّل، أنه حتى تاريخه  لم تصدر حكومة تصريف الأعمال المرسوم المتعلّق بحالة الطوارئ، "ولكنهم يعيبون على المدارس الخاصة فتح أبوابها في حين أن كل القطاعات الأخرى عاملة". ثمّ طالب أولاً أن "تحمل الدولة مسؤوليتها لجهة تأمين التعليم للطلاب النازحين"، وثانياً "مراعاة حاجة الطلاب في المناطق الآمنة نسبيًّا لاستكمال عامهم مع ترك القرار لإدارة المدرسة مراعاة لخصوصية كل منها"، وثالثاً ب"عدم التذرع بالفوضى والعجز". وعاد في 6 تشرين الأوّل ليقدّم حلولاً تطبيقيّة في بيان، قال فيه أنّ "الانتماء للدولة ليس شعارا يرفع عند الحاجة لتبرير موقف لم يقم المعنيون بواجب اتخاذه" ، وأردف أن "شهادات الوطنية لا توزع ومدارس الوطن مقفلة". 

في السياق نفسه، يُشار إلى تعليق النائب نديم الجميل، في 5 تشرين الأوّل على "اكس"، قال فيه أنّ "رسالة المدارس الأولى والوحيدة هي التعليم والتربية" نافياً أيّ اعتبار آخر، مؤكداً على ضرورة استئناف العام الدراسي و"ترك حرية القرار للمدارس الخاصة أن تعاود التعليم"، وأردف أنّ "عودة التلامذة إلى المدارس والأمهات إلى وظائفهن ضرورية جداً".

..

وفي موازاة موقفيْ استمراريّة التعليم/ شموليّة التعليم، رصدنا موقف النائب إدغار طرابلسي المقرر للجنة التربية، حيث جاء موقفه ملتبسا. فبعدما هلّل طرابلسي في تغريدة لقرار الوزير الحلبي بتحديد بدء العام الدراسي للتعليم الرسمي في 4 تشرين الثاني والإجازة للمدارس الخاصة بالبدء بالتعليم، معتبرا إياه قرارا مسؤولا وحكيما وحريصا للغاية، عاد لينتقد المدارس الخاصة، متسائلا بالنسبة للمدارس الخاصّة التي استعجلت فتح أبوابها للتعليم الحضوري، "هل تملك خطّة إخلاء في حالة الطوارىء؟ وهل قامت بتدريبات داخل مبانيها ومع البلدية في الشوارع المحيطة في حال حصول اعتداء؟"

وعدا عن النواب ال5 الأعضاء في لجنة التربية، يوجد 7 نواب، لم نرصد لهم أي موقف إيجابيّ أو سلبيّ من استمراريّة التعليم وتعليقه أو توقيفه، وبدا أغلب النوّاب عموماً كأنما يجدون صعوبة في اتخاذ موقف في هذا الصدد.

الشموليّة والاستمراريّة لا تتعارضان

يظهر التراشق بين أصحاب الموقفيْن وكأنّه متناقض بالضرورة. إلا أن هذا التناقض يحصل بالواقع فقط في ظلّ  السيناريو الأسوأ، وهو السيناريو الذي تعجز فيه وزارة التربية عن وضع خطة تضمن التعليم للجميع، إما بفعل قلة المدارس غير المشغولة أو صعوبة التعليم عن بعد، وبخاصة إذا امتنعت الوزارة عن اتخاذ أي خطوات لإلزام المدارس الخاصة في الجهد المبذول لإنقاذ العام الدراسي لطلاب المدارس الرسمية. 

وعلى هامش تناقض هذه المواقف، برزت تعليقات قليلة ذهبت إلى التوفيق ما بين هم الشمولية وهم الاستمرارية. نسجل من ضمنها تعليق الأستاذ الجامعي جميل معوّض، الذي سعى أولاً إلى البحث عن أساس المشكلة عوضاً عن تبنيها كمعطى. وقد اعتبر معوّض أن "النقاش الحاصل حوّل التعليم (بين فتح او إغلاق، وفي ظل غياب تام لهيبة وزارة التربية) يفضح خواء الدولة وغباء الطوائف (زعماءً ومؤسسات)".  ورأى أنّ وزارة التربية هي سياديّة بامتياز وهي حجر أساس في مواجهة اسرائيل. وعاد إلى جذور المشكلة القائمة التي تكمن في أمرين: (1) تخلي أحزاب وافراد، وطوائف عن المجتمع، (2) تخاذل الحكومة والوزارات في أخذ المبادرة. وهي التي أدت إلى تحول المدارس إلى مراكز لجوء بدل من ان تتحوّل مراكز الجمعيات والأديرة والجوامع إلى مراكز لجوء. وخلص إلى الحقيقة التي نشهدها دائماً نتيجة الأزمات، وهي أن المجال العام (المدارس الرسمية) يدفع الثمن، والمجال الخاص يجني الربح. وتساءل معوّض "لماذا لا تفتح المدارس الخاصّة جميعها وبدون استثناء وبقرار من وزير التربية دواماً إضافياً للنازحين، لو هي فعلاً متمسكة بحق التعليم؟"

في الاتجاه نفسه ذهبتْ الأستاذة النقابيّة سهام أنطون حول “خطة” وزارة التربية المتأخرة (راجع مقال أنطون). فحددت المشكلة الأولى في "الارتجال وعدم استباق الأحداث" من قبل وزارة التربية والحكومة، وأكّدت أنّ "عدم استباق الأحداث ثمّ حشر اللبنانيين في اتجاه واحد لا يؤدّي سوى نحو الهاوية والادّعاء أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان". بهذا المعنى نفهم أن النقاش القائم حول معضلة الاستمرارية/ الشمولية، هو جزء من مشكلة أنتجتها الحكومة بسبب عدم ارتقابها الأحداث. ومثل معوّض، تساءلت أنطون إذا ما "استُنفدت كلّ المساحات العامّة والصالات والمؤسسات أم حُيّد العديد منها" لاستقبال النازحين. كما طرحت أسئلة أخرى مهمة حول إدارة مراكز الإيواء تربوياً، "إذ أنّ ترك الأولاد يهيمون من دون هدف ويقضون أوقاتهم أمام الشاشات سواء في مراكز الإيواء أو في البيوت ويتعرّضون لمشاهد الحرب القاسيّة بل الوحشيّة في معظم الأحيان". وأشارت إلى ضرورة الرعاية النفسية والتربوية قبل كل شيء لهؤلاء الأطفال. وتحدّثت عن حلول أخرى كأن "تستوعب المدارس الخاصّة القريبة من مراكز الإيواء المتعلّمين المتواجدين في هذه المراكز أو النازحين إلى بيوت حولها". ومما أشارت إليه أنطون أيضاً، هو أنّ بعض المدارس الخاصّة الواقعة في المناطق التي تتعرّض للعدوان أبدت استعدادها لتنظيم تعليم من بعد.

***

تبعا لذلك، وبانتظار وضع خطة متكاملة من هذه الروحية، طرأت تحسينات طفيفة على خطّة الوزارة التي وضعتها على نحو متأخّر في 6 تشرين الأوّل. ولعلّ الإيجابي فيها تنوّع خيارات التعليم حضورياً أو من خلال شبكة الإنترنت (مباشر أو مسجّل) أو مدمج بين حضوري وعبر الشبكة. وتحدّث الوزير عن توفير مساحات خاصة للتعلّم في مراكز الإيواء (Hubs)، تخدم فئة محدّدة من النازحين. ولم يجب بوضوح، في إطلالته على برنامج 24/30 على تلفزيون "ال بي سي"، حول إمكان شمول "الخطة" كل الطلّاب. أمّا حول الفجوة التي قد تنشأ لاحقاً بين مجموعات الطلّاب تبعاً لظروف تعلّمهم (حضورياً، أو مدمج، أو "أونلاين")، فأقرّ الوزير أنها ستكون قائمة.