اعتماد لدعم القروض السكنية في لبنان، 2018: قروض سكنية على هامش حقوق السكن

ميريم مهنّا

28/05/2019

انشر المقال

في عددها رقم 59 الصادر في نيسان 2019 المخصص لعرض مجمل الأعمال والمستجدات القانونية والحقوقية خلال سنة 2018، نشرنا تعليقات على أبرز القوانين الصادرة خلال هذه السنة. ومن بين القوانين التي تناولناها في هذا السياق، قانون فتح اعتماد إضافي لدعم القروض السكنية (المحرر).

في جلسته المنعقدة بتاريخ 25/9/2018 أقّر مجلس النواب، تحت الرقم 95، قانون فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2018 قدره مئة مليار ل.ل. في باب وزارة الشؤون الإجتماعية- المؤسسة العامة للإسكان.

المسار التشريعي للقانون

على إثر اندلاع أزمة القروض السكنية في لبنان أواخر 2017-أوائل 2018، قدّم عدد من النواب أربعة اقتراحات قوانين1 لتأمين استمرارية القروض السكنية عبر المصارف اللبنانية.

إلا أنه وبعد إبداء ملاحظاته حول قانونية الإقتراحات خلال الجلسة المخصصة لمناقشتها2، عمد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل إلى اقتراح فتح اعتماد إضافي في موازنة العام 2018 لصالح المؤسسة العامة للإسكان.

ومن اللافت أن هذا القانون أقرّ بعد انسحاب نواب كتلتي القوات اللبنانية والمستقبل من الجلسة المخصّصة لمناقشته.

الإطار العام للقانون

مع الخروج من الحرب الأهلية اللبنانية وزيادة الطلب على الأبنية، ووجود سيولة فائضة لدى المصارف اللبنانية، قامت سياسة قوامها التسليف من أجل اقتناء مسكن. وكان راعي هذه السياسة المصرف المركزي، خدمةً لسياسته النقدية القائمة على تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند .1507.5 ليرة. فسمح المصرف المركزي للمصارف باستخدام إحتياطياتها الإلزامية لإقراض الراغبين باقتناء مسكن بالليرة اللبنانية مقابل أن تعيد المصارف هذه الأموال إلى المصرف المركزي بالدولار.

وهذه السياسة النقدية أولاً، والإقتصادية ثانياً، تختصر السياسة الإسكنية للدولة ما بعد الحرب. بمعنى آخر قامت السياسة الإسكانية على نظرة أحادية قوامها التسليف من أجل الإسكان. ولم تكن هذه السياسة سوى نتيجة عرضية لما كانت تقتضيه المصالح الإقتصادية القائمة ما بعد الحرب (المصارف – المقاولون العقاريون – السياسة النقدية لحاكم مصرف لبنان)، في نظام محكوم لأسباب تاريخية واجتماعية، بسمو الملكية العقارية.

ضمن هذه المنظومة، تخلّت المؤسسة العامة الإسكان – والتي أنشئت عام 1996 – عن أدوارها في بناء المساكن وتشجيع الإدخار والتسليف للسكن، وتحوّلت إلى مجرّد كفيل للمقترض تجاه المصارف الخاصة. ووصل عدد القروض المدعومة من مؤسسة الإسكان إلى 5000 ملفاً سنويا في الخمس سنوات الأخيرة.

وسياسة التسليف هذه لم تميّز بين ذوي الدخل المحدود والمتموّلين الكبار. فإن كانت معايير التسليف من قبل مؤسسة الإسكان واضحة (لجهة سقف مدخول الفرد، وسعر الشقة ومساحتها إلخ...)، فلم يتم ضبط أي معيار للتسليف من قبل المصارف. فوصل السقف إلى حد مليار ومئتي مليون ليرة لبنانية. وغياب السقف هذا أدى إلى الإسراع بتجفيف مصادر القروض السكنية. ويظهر هذا الواقع جلياً أن سياسة التسليف من أجل الإسكان لم تتجه يوماً نحو تأمين "الحق بالسكن" بل ارتبطت بأولويات نقدية واقتصادية أخرى.

كما ارتدّ تضخّم الطلب على القروض السكنية تضخّماً بالطلب على الدولار لدى المصرف المركزي. ومع ظهور بوادر أزمة مالية إثر تضخّم عجز ميزان المدفوعات، باتت عملية دعم القروض السكنية ترتد على مصرف لبنان زيادة في الطلب على الدولار. ففي سبيل الحفاظ على ثبات سعر صرف الليرة، عمد المصرف المركزي ابتداءً من العام 2017، إلى إيقاف الدعم وضبط استخدام المصارف لإحتياطها الإلزامي بموجب التعميم 5003، مما أدى إلى إيقاف القروض السكنية.

ومع انسحاب المصرف المركزي وتنصّله من أي دور له في السياسة الإسكانية، وضعت الدولة الغائبة الصامتة في مواجهة مع الناس. وفي سياق محاولة امتصاص آثار البلبلة التي أحدثها إيقاف هذه القروض في صفوف المتعهدين والمواطنين على حد سواء، تمّ تقديم أكثر من اقتراح قانون بهدف دعم فوائد القروض الممنوحة من المؤسسة العامة للاسكان، والتي سبق وذكرناها.

الملاحظات الأساسية حول النص: ما مدى ملاءمته دستوريا أو إجتماعيا؟

إن إشكاليات أساسية تعتري النص، أبرزها:

أولا: تغييب "الحق بالسكن"

على الرغم من توقيت إقراره لامتصاص تداعيات إيقاف دعم مصرف لبنان للقروض السكنية، وتقديمه إعلامياً أقلّه وكأنه إحدى إجابات الدولة على أزمة السكن، فإن "الحق بالسكن" هو الغائب الأكبر من القانون، الذي لا يعتبر سوى جرعة هزيلة لإنعاش السياسة القائمة منذ ما بعد الحرب الأهلية في هذا المجال. فكما أسلفنا، لم تقم الدولة ما بعد الحرب بوضع أي أسس لسياسة إسكانية تخدم "الحق بالسكن" للجميع. بل قامت سياسة أحادية التوجه، قائمة على التسليف من أجل السكن، خدمة لسياسة نقدية-إقتصادية. وهذا ما نقرأه في الأسباب الموجبة للقانون التي ربطت القروض السكنية دون أي مواربة وبشكل صريح وشبه حصري ب "إنعاش القطاع العقاري" دون أي إلتفاتة إلى "الحق بالسكن". كما نقرأ "أن القروض السكنية التي تعطى من خلال المؤسسة العامة للإسكان تحرك قطاع البناء وعجلة الإقتصاد في البلاد ما يساهم في تحريك وتنشيط أكثر من 38 قطاع عمل في الأسواق المحلية من يد عاملة لأكثر من عشرة اختصاصات (باطون-حدادة-كهرباء...) وتبادل تجاري للمواد المستعملة من قبل هذه اليد العاملة، إضافة إلى تشغيل تجار البناء (...) كما تؤدي إلى استقطاب أموال الشباب وتثبيتهم في أرضهم ووطنهم، ما يساهم أيضاً في دعم العملة الوطنية والحد من الهجرة". كما أشارت الأسباب الموجبة إلى "الأزمة الحالية التي تمرّ بها المؤسسة العامة للإسكان والتي تنعكس بصورة مباشرة على القطاع العقاري في لبنان، إذ تؤدي إلى تعرض منشئي الأبنية لانهيارات مالية وإفلاسات متعددة وخلافات بين مالكي الشقق وطالبي القرض (...) فضلاً عن إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالمواطنين المرتبطين بعقود مع تجار البناء على أمل الحصول على قروض سكنية من المؤسسة (...)".

وعليه، لم يعمد القانون سوى إلى إمداد مؤسسة الإسكان بمائة مليار ل.ل، من خلال فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2018 في سبيل دعمها لرزمة جديدة من القروض السكنية. وتغيب تماماً عن القانون أي خطة أو معالجة ولو جزئية لأزمة السكن. فجميعها تصب في اتجاه واحد ألا وهو تأمين استدامة نظام تمويل القروض السكنية الذي برهن محدوديته في تأمين "الحق بالسكن" للجميع.

ثانياً: لا استدامة في دعم القروض السكنية ولا آليات تطبيق القانون

يتأتى عن القانون في الصيغة التي أقر فيها أن دعم القروض السكنية جاء على صيغة فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2018 لمؤسسة الإسكان (باب وزارة الشؤون الإجتماعية). يكون القانون بذلك قد اكتفى بإقرار الدعم لسنة واحدة فقط من دون تقديم الحلول لكيفية ضمان استمرار الدولة في دعم القروض طوال مدتها التي قد تصل إلى خمس عشرة سنة.

ويجعل هذا الواقع إقرار القانون مجرّد عملية ذر الرماد في عيون المواطنين، لإيهامهم بأن الكتل النيابية قد اتخذت مسؤوليتها أمام الأزمة السكنية المستجدة.

كما وأنه من جهة ثانية، تجاهلت الأكثرية النيابية التي أقرّت القانون تحذيرات النائب ميشال معوض الذي كان حذّر خلال جلسات المناقشات النيابية بأن المصارف باتت عاجزة عن تقديم قروض سكنية بالليرة اللبنانية بعدما تجاوزت نسبة القروض المسموح بها من مجموع الأموال المودعة لديها بهذه العملة وهي 25% مما يهدد بإجهاض هذا القانون برمته. كما وأن نسب الفوائد المرتفعة التي تفرضها المصارف على القروض باتت تقصي ذوي الدخل المحدود من الإستفادة من قروض مؤسسة الإسكان...

فيبدو إذاً القانون لجهة عدم توفير استدامة الدعم وعدم استفادة ذوي الدخل المحدود منه، غير مدروس، لا يتضمن أي تقدير للكلفة ولا أي آليات لتطبيقه.

ثالثاً: حجم الدعم لا تكفي حاجات السوق

لم يقرّ القانون سوى بدعم يصل إلى 100 مليار ليرة لبنانية، وهو مبلغ زهيد لا يغطي حاجات السوق. فتصل حجم السوق الإسكانية إلى حوالي 3000 مليار ل.ل. بحسب الأرقام التي أعطاها وزير المالية علي حسن خليل في جلسة مناقشة مشروع القانون، ورئيس مؤسسة الإسكان روني لحود في حديث لل"مفكرة".

  • نشر هذا المقال في العدد | 59 |  نيسان 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

 لمن القانون في لبنان؟

  • 1 اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه أربعة نواب من كتلة "المستقبل" هم رلى طبش وديما جمالي وسامي فتفت وطارق المرعبي في 9/7/2018
  • اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه كل من النائبين قاسم هاشم وبوليت يعقوبيان في 16/7/2018
  • اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه تكتّل "لبنان القوي" في 9/8/2018 ل”تأمين استمرارية منح القروض السكنية عبر المصارف اللبنانية”،
  • واقتراح قانون قدّمه تكتّل “الجمهورية القوية” في 27/8/2018 وأحيل إلى لجنتي المال والموازنة والصحة العامة وإلى رئاسة الحكومة.

2. حمزة، "جدل نيابي بشأن القروض السكنية في لبنان : اليوم نبيّض وجهنا مع الناس، وغدا نفكر في الياسة الإسكانية، موقع المفكرة القانونية، ١٥/١٠/٢٠١٨.