اقتراحان لتعليق قانون الإيجارات غير السكنية: هشاشة الوقت الضائع

لين أيوب

23/04/2025

انشر المقال

يوم غد الخميس، تنعقد الهيئة العامة لمجلس النواب للنظر في عدد من مقترحات القوانين، منها اقتراحيْ قانون معجليْن مكّرريْن يرميان إلى "تعليق العمل بقانون الايجارات غير السكنية لمدة ستة أشهر ولحين صدور قانون جديد يزيل كافة الإشكاليات القائمة ومعالجة الزيادة من خلال إعادة الربط بين الزيادة وبدلات الإيجار والزيادة الطارئة على غلاء المعيشة ومدة الإخلاء القصيرة كما والأخذ بأحكام المؤسس التجارية رقم 1967/11 بالنسبة للمستأجرين الذين دفعوا بدلات الخلو". 

وعملًا بدوره في تزويد الرأي العامّ بالنصوص الواردة على جدول أعمال الجلسة التشريعية والتعليق على مضمونها، ينشر "المرصد البرلمانيّ" اقتراحيْ القانون المذكورين، مع تعليقه عليهما. وقد تقدّم بالاقتراح الأول 6 نواب همّ: أشرف ريفي ووليد البعريني وأحمد رستم و حيدر ناصر وعبد الكريم كبارة وجورج بوشيكيْان؛ فيما  تقدّم بالاقتراح الثاني 4 نواب همّ: ميشال ضاهر ومحمد خواجة و فراس حمدان وجهاد الصمد. ويسجّل أنّ ثمّة تطابقًا تامًّا بين الاقتراحين على مستوى الشكل والمضمون، بما في ذلك الأسباب الموجبة وتاريخ تقديمهمْا في 2025/4/9، الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب والتساؤل عن الأسباب التي دفعت النواب المذكورين إلى تقديم اقتراحين فيما كان بإمكانهم أن يوقعوا كلهم على اقتراح واحد.

وبمراجعة الأسباب الموجبة للاقتراحيْن، وبالإضافة إلى ما تضمنته من ملاحظات ذات طابع خطابي، أدلى النواب باعتبارات عدّة، بعضها مأخوذة من أسباب ردّ القانون التي وردت في مرسوم الإعادة والذي كان ارتكز جزئيا على تعليق المفكرة القانونيّة على صيغة اقتراح القانون قبل إقراره من قبل مجلس النواب. ومن أبرز ما جاء في هذا الخصوص، الأمور الآتية:

  • إن من شأن القانون وفي ظل وجود أزمة اقتصادية حادّة وبعد الحرب الكارثية مع العدو الإسرائيلي وتهديم ما يقارب 90% من المؤسسات التجارية في المنطقة المسماة جنوب نهر الليطاني، أن يؤدي إلى إعلان إفلاس المؤسسات التجارية وإخلاء المكاتب والعيادات والمدارس والأبنية المختلفة التي تشغلها الدولة والأفراد، هذا مع التأكيد أن هذا قانون تهجيريّ ليس بعادل،
  • إن الزيادات على البدلات الملحوظة في القانون النافذ والتي تبلغ 8% من القيمة البيعية للمأجور هي زيادات خيالية ومبالغ فيها ولا تراعي مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور؛
  • إن القانون المذكور لم يستند الى أيّة معطيات رقمية بشأن عدد العقود المشمولة به أو ماهيتها أو وضعية المالكين وتحديداً إذا كانوا من المالكين القدامى أو المالكين الجدد الذين اشتروا المآجير المعنية ببدلات متدنية؛
  • إنّ القانون المذكور لم يأخذ قط بعين الاعتبار حقّ المستأجر القديم في الحفاظ على المأجور لحاجات نشاطه الاقتصادي، وبخاصة في الحالات التي يشكل فيها موقع المأجور عنصراً من عناصر مؤسسته التجارية.

وللتذكير، إن أبرز ما نصّ عليه قانون تحرير الايجارات غير السكنيّة، هو تحرير العقود القديمة (ما قبل 23/7/1992) بعد 4 سنوات، على أن يتمّ رفع البدلات تدريجيّا خلال هذه الفترة حتى تصل إلى 8% من قيمة المأجور. وقد منح القانون المالك إمكانية تقصير فترة التّمديد إلى سنتين في حال تنازله عن حقّه بالزّيادات التّدريجية. ويلحظ أنّ هذه العقود تشمل مجمل عقود الإيجار لممارسة التجارة أو الصناعة أو أيّ مهنة حرّة منظّمة بقانون أو مهنة حرفيّة أو أيّ نشاط آخر غير سكني. كما يلحظ القانون إمكانية استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معينة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.

وعليه، وبمعزل عن الإشكاليات القانونية التي يستتبعها نفاذ قانون الإيجارات غير السكنية ومضمونه، يستدعي الاقتراحان الملاحظات الآتية:

أولا: اقتراح لا يحلّ أي مشكل

إن ما ذهب إليه الاقتراحان لا يقدم بالواقع أي حلّ دائم للإشكاليّات التي تطرحها الإيجارات غير السكنية القديمة. فلا هو يلغي القانون الذي اعتبره "ظالمًا" إنّما يكتفي بتعليقه لستة أشهر ولحين وضع قانون جديد، من دون أن يوضح ما سيحصل في حال فشل المجلس النيابي في وضع قانون جديد خلال المدة المحددة، علما أن الأرجح هنا أن يعود القانون إلى النفاذ ما لم يتدخل المشرع ثانية. كما أنه لا يمنح المالك القديم أي زيادة على بدلات الإيجار التي ما تزال محتسبة على أساس الليرة اللبنانية، على نحو يجعلها جدّ زهيدة ويتنافى مع الحدّ الأدنى من العدالة. فكأنما الهدف الأوحد منه هو تأجيل النقاش بشأن الإشكاليات المطروحة. 

ثانيا، اقتراح يولد حالة من اللا استقرار القانوني

تبعا لما تقدم، سيجد المستأجر والمالك أنفسهما في حالة من اللا استقرار القانوني. فلا المستأجر القديم ضامن للبقاء في مأجوره ولا المالك القديم ضامن لاستعادته. وعدا عمّا قد يتسبّب به ذلك من تشنّج في العلاقة بينهما، فإن من شأنه أيضا أن يولّد هشاشةً في أوضاعِهما القانونيّة، هشاشةً ستمهّد الطريق للمضاربات كما ستعزز قدرة المتعهدين في استغلال أوضاع الهشاشة لتملك مزيد من العقارات المؤجرة إجارة قديمة. 

توصية: مع التسليم بأهمية تدخل المشرع لتصحيح قانون تحرير الإيجارات غير السكنية بالنظر إلى ما تضمّنه من أحكام غير عادلة لا تتناسب مع حالة الاقتصاد اللبناني، 

ومع التسليم بحاجة المشرّع إلى مزيد من الوقت والدرس لإيجاد التوازن الصحيح، وذلك على ضوء القرار الذي سيصدره المجلس الدستوري في الطعنين المقدمين إليه بدستورية القانون،

فإنه من الأسلم أن يتريث المشرّع إلى حين صدور قرار المجلس الدستوري في هذا الخصوص، على أن يترافق أي تعليق أو إلغاء للقانون مع رفع فوري لبدلات الإيجارات غير السكنية القديمة، أقله في اتجاه التعويض عن انهيار الليرة اللبنانية الحاصل بعد 2019.