اقتراح بتعديل قانون منع بيع الذهب: لزوم ما لا يلزم وعقوبات لا تتناسب مع خطورة الجرم

وسام اللحام

23/07/2022

انشر المقال

من أبرز البنود الواردة على جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في 2 تموز 2022، الاقتراح المعجل المكرّر الذي قدّمه عدد من نواب تكتل "قوى التغيير" حول "تعديل قانون رقم 86/42 لتحصين حماية موجودات الذهب لدى مصرف لبنان". وقد جاء في الأسباب الموجبة أنّ القانون رقم 42 الصادر في 24 أيلول 1986 "قد منع بيع الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان والتصرّف بها، ولكنه لم يتطرّق الى العمليات المادية أو المالية الأخرى التي يمكن أن تطاول هذه الموجودات غير البيع والتصرّف، مثل المبادلة (Swap)  والرهن ومنح حق الخيار (Option) وغيرها، كما أنه لم يمنع نقل الذهب من مكان (أو بلد) إلى آخر". لذلك يتضمن هذا الاقتراح تعديل قانون منع الذهب بحيث يتمّ ذكر العمليات المادية والمالية التي وردت سابقا. كما منع نقل الذهب من بلد إلى آخر.

كما تضمن القانون بندا آخر قوامه فرض عقوبات على كلّ من يخالف هذا القانون بحيث تصل العقوبات إلى الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات "مع إسقاط جميع الحصانات القانونية المعمول بها مهما كان نوعها ومصدرها".

تبعا لذلك، جاز إبداء الملاحظات الآتية:

منع التصرف، لزوم ما لا يلزم

إن مقارنة منع التصرف الوارد في هذا الاقتراح مع نص القانون الأساسي يظهر لنا عدم جدواه طالما أن قانون منع بيع الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان جاء وفقا للصياغة التالية: "بصورة استثنائية وخلافا لأيّ نصّ، يمنع منعا مطلقا التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلّا بنصّ تشريعيّ يصدر عن مجلس النواب". فهذا النص مطلق وشامل وهو أكثر إحكاما من الصيغة المقترحة لأنه لا يقبل أي استثناء بينما النص الجديد بإيراده تعبير "على سبيل المثال لا الحصر" يحدّ من الطبيعة المطلقة للمنع ويفتح الباب للتفسيرات الاعتباطية. وحتى لو تمّ اعتبار أنّ التعداد لا يتّسم بالحصرية، فإنّ هذا الاقتراح لا يضيف جديدا في هذه النقطة مقارنة مع النص الأصلي.

منع نقل الذهب من بلد إلى بلد

يمنع الاقتراح نقل الذهب من بلد إلى بلد. وقد جاءت صياغة الاقتراح على هذا النحو ملتبسة ومناقضة لما هو معقول. ففي حين أنه قد يكون من المفيد منع نقل الذهب من لبنان إلى الخارج حفظا للسيادة الوطنية عليه ومنعا لانطباق قوانين أجنبية عليه، فإن من شأن الاقتراح كما صيغ أن يؤدي إلى نتيجة معاكسة قوامها منع إعادة الذهب إلى لبنان مع ما يستتبع ذلك من مخاطر وبخاصة لجهة حجزه من قبل الدائنين.

عقوبات لا تتناسب مع ماهية الجرم ومخاطره الاجتماعية

بدورها، يقبل فرض العقوبة على مخالفة القانون الانتقاد من زوايا عدة، أبرزها الآتية:

·  إن التصرف بالذهب لا يمكن أن يتمّ من قبل أفراد يعملون وفقا لأهوائهم الخاصّة إلا في حال افترضنا وجود نية من أجل سرقة الذهب وهو أمر لا علاقة لهذا القانون به. وكان من المفيد ربما معاقبة أي شخص تورط في سرقة الذهب بعقوبات رادعة جدا بالنظر إلى مخاطر هذا الفعل الاجتماعية.

·  إن العقوبة المقترحة على مخالفة القانون (والتي يصل حدّها الأقصى إلى 5 سنوات حبس) تبقى غير متناسبة مع خطورة الجرم الذي يؤدي في حال حصوله إلى تبديد إرث من الأجيال السابقة وآخر ما تبقى من زخيرة لمواجهة الأزمة وتداعياتها وبشكل أعمّ تحديات المستقبل. ولا نبالغ إذا قلنا أن الاقتراح يعكس من خلال اعتماد عقوبة غير رادعة بصورة ما تسفيهًا لتداعيات أيّ تصرّف من هذا القبيل.  

· إن نصّ الاقتراح بشأن رفع كل الحصانات يبقى ملتبسًا. فعدا عن أنّه لا يجوز تعديل الحصانات الدستورية التي يستفيد منها الرؤساء والوزراء والنواب بدرجة أو بأخرى بقانون، فإنّ إتاحة مجال ملاحقة هذه الجريمة من دون الحاجة إلى إذن مسبق بالنسبة إلى الموظفين العامين أو المحامين أو سواهم تكون أكثر وضوحًا وأقل التباسًا عندما يتمّ استبعاد تطبيق هذه النصوص صراحة في كل ما يتصل بملاحقة هذه الجريمة.   

· إن إعمال الحماية القصوى حيال عمليات التصرف بالذهب من دون موافقة المجلس النيابي يفترض أن يتضمّن الاقتراح صراحةً حكمًا مفاده أنّ أيّ عملية من هذا القبيل تكون باطلة بطلانًا مطلقًا وأن العقوبة المنصوص عليها تنطبق بالصورة نفسها على مجمل الأطراف المشاركة في هذه العمليات، بما فيها الأطراف المستفيدة منها أو ممثليها أو الأطراف التي توسطت لإنجازها أو ممثليها.

· أخيرًا، وعلى غرار ما نصّ عليه القانون التعديلي لقانون الإثراء غير المشروع، يفترض أن تكون الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون جرائم لا تقبل مرور الزمن بالنظر إلى خطورتها الاجتماعية. 

للمزيد، أمكن قراءة:

قانون حماية الذهب 1986: منعاً للفدرلة والتقسيم وحفاظاً على المال العام

The Banker in the Bunker أو حين نتذكّر حاكم مصرف لبنان السابق إدمون نعيم

استنباط صورة الحاكم والمصرف "العام": مصرف لبنان خلال الحرب الأهلية

لتحميل وقراءة إقتراح القانون: إضغط هنا