إعادة تقييم الأصول تقضم ضرائب الشركات: أو كيف تحوّل تدبير استثنائي إلى دائم؟

فادي إبراهيم

25/06/2024

انشر المقال

أقرّت لجنة المال والموازنة في اجتماعها في تاريخ 13/6/2024 مشروع قانون يتعلّق بالسماح للشركات والمؤسسات بإجراء إعادة تقييم استثنائية للمخزون والأصول الثابتة وفروقات سعر الصرف، بالإضافة إلى تعديل المادة 45 من قانون ضريبة الدخل. وكان قد ورد إلى مجلس النواب 3 مقترحات في هذا الصدد، أولها كان المشروع الذي أرسلته الحكومة في نيسان 2024 وأقرّته اللجنة، قبل أن يتقدّم النواب نعمة افرام وألان عون وسجيع عطية باقتراح قانون للغاية نفسها في تاريخ 22/5/2024، ويتبعهم باقتراح مشابه نواب كتلة الجمهورية القوية غسان حاصباني ورازي الحاج وجورج عدوان وغادة أيوب في 11/6/2024. وفي حين أنّ الاقتراحين أتيا مطابقين لمشروع الحكومة، فإنّه يُفهم أنّ النواب قدّموهما على اعتبار ألّا صلاحية لحكومة تصريف أعمال إرسال مشاريع قوانين. وللتذكير، فإنّ مضمون هذه المواد سبق وأن وردت في مشروع موازنة 2024، قبل أن تسقط سهوا في جلسة إقرار الموازنة بعد الفوضى التي شهدتها. وعليه، تأتي هذه المقترحات لإعادة العمل بما كان يُفترض أن يمرّ خلال جلسة إقرار الموازنة. واللافت في هذا الصدد أنّ الاقتراحيْن كرّرا الأسباب الموجبة نفسها للمشروع بالإضافة إلى تكرار مضمونه.

وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا على هذه المقترحات، تجدر الإشارة إلى أن المبرر الأساسي لهذه المقترحات هو أنها تهدف إلى معالجة آثار تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، بمعنى أن لا تحتسب زيادة الأسعار بالليرة على أنها ربح خاضع للضريبة. إذ أن موجودات وأصول الشركات كانت تُحتسب وفق سعر الصرف الرسمي 1507 ليرة مقابل كل دولار. وبالتالي، لدى تقديم هذه الشركات لموجوداتها بالدولار، ستقوم وزارة المالية باحتسابها وفق الدولار الذي تعتمده أي 89500 ليرة، وهذا ما سيُظهر للإدارة الضريبية وكأنّما الشركات حقّقت أرباحاً هائلة، بينما مصدر التضخّم في قيمة الموجودات بالليرة هو تدهور سعر الصرف. 

 

إعادة التقييم كإجراء دوريّ 

بخلاف ما تعلنه الأسباب الموجبة لهذه المقترحات، يلحظ أن السلطات السياسية ضمنت منذ ما قبل الأزمة المالية عددا من قوانين الموازنات ومشاريع قوانين الموازنات السابقة مواد تسمح للمؤسسات والشركات بإجراء إعادة تقييم أصولها الثابتة لمرّة وحيدة مقابل تسديد ضريبة مخفّضة عن الفارق الإيجابيّ في سعر هذه العقارات. وقد لاقتْ هذه المواد اعتراضات متكررة آنذاك على أساس أنها تسمح للشركات وبشكل خاص المصارف إخفاء الجزء الأكبر من أرباحها تحت غطاء إعادة التقييم وتاليا التنصل من العبء الضريبي المترتب عليها. 

ومن هذه الزاوية، بدا أن انهيار قيمة العملة الوطنية شكل سندا إضافيا لتبرير هذا الإجراء أكثر مما هو العامل الحاسم لفرضه، طالما أن السلطات السياسية كانت لجأت إلى نفس التدبير من قبل، بهدف تخفيض الضرائب المباشرة المتوجّبة على المكلّفين الأكثر قدرة، في إطار سياستها الضريبية غير المتوازنة. وما زاد من علامات الاستفهام في هذا الخصوص، هو أن مؤدّى الاقتراحات الثلاثة توسيع مدى هذا التّدبير ليشمل ليس فقط الأصول الثابتة ولكن أيضا العقارات والمخزون STOCK، فضلا عن توسيع مداه الزمني ليشمل 3 سنوات متتالية (حتى آخر 2026) بعدما كان يفرض من قبل كتدبير استثنائي. وعليه، سيسمح للشركات ليست فقط إعادة تقييم عقاراتها ومخزونها في سنوات شهدت انهيارا كبيرا في قيمة العملة الوطنية، بل أيضا في سنوات لم تشهد أو قد لا تشهد أي انهيار مماثل. 

وما يزيد من قابلية المقترحات الثلاثة للانتقاد هو أنها أرست هذا التدبير كتدبير دائم أقله بالنسبة لإعادة تقييم العقارات، بحيث سمحت بإجراء إعادة تقييمها مرّة كلّ 5 سنوات من بعد سنة 2026.

 

إعادة تقييم المخزون من دون أي ضوابط

كما سبق بيانه، أفسح مشروع الموازنة العامة كما عدلته لجنة المال والموازنة في مادته 57 للمؤسسات إعادة تقييم كامل "مخزون" الشركات من دون أن يُفرض عليها أيّ ضريبة، بعدما كان مشروع الحكومة لموازنة 2024 يفرض عليهم ضريبة نسبة 7% عن الفروقات الإيجابية الناجمة عن إعادة التقييم. وعليه، أتت المقترحات الثلاثة لتتبنّى الإعفاء الذي قامت به لجنة المال، وهو أمر مُستغرب بخاصة من قبل الحكومة التي يبدو وكأنّها تراجعت عن الضريبة التي كانت تنوي فرضها.  

وعليه، سيكون بإمكان أي مكلّف لديه بضائع في مستودعاته سبق وأن اشتراها بأسعار مخفّضة قبل رفع أسعار الجمارك أو بسبب استفادته من الدعم الحاصل سابقا أو استفاد من التضخّم، إجراء إعادة تقييم لما خزّنه منها وذلك تعديلا لأوضاع رأسماله، من دون أن يكلّف بأيّة ضريبة عن الربح المحقق وبمعزل عمّا إذا كان تسعيرها حاصلا بالليرة أو بعملة أجنبية وعن نسبة انهيار العملة الوطنية بالنسبة إلى المخزون المقدر بالليرة اللبنانية قبل 2019. ولا تتوقّف مخاطر هذه المادة عند تفويت الأموال على الخزينة، لا بل يُرجّح أن تكون في العديد من الحالات تشريعا لأرباحٍ غير مشروعة نتجتْ عن احتكار وتخزين مواد مدعومة على حساب من كان يجدر أن يستفيد منها (المحروقات مثلا) أو التنصل من أي ضريبة عن الاستفادة من استيراد بضائع وسلع في وقت كانت خاضعة لتعريفات جمركيّة زهيدة.

ولا تتوقّف محاباة هؤلاء عند هذا الحدّ. فقد سمحت المادة باعتبار طلب إعادة التقييم مقبولا في حال عدم ورود أيّ جواب من الإدارة الضريبية خلال مهلة سنة من تاريخ تقديمه. وفي حين أنّ مهلة السنة أتت كتعديل لما ورد في مشروع الموازنة حيث كانت المهلة ستّة أشهر، يُمكن التساؤل إذ ذاك عن قدرة الإدارة الضريبية على البتّ بهذه الطلبات تبعا لوضع الإدارة العامّة الحالي، علما أنّه من المتعارف عليه في علم القانون الإداري أنّ عدم جواب الإدارة يعني رفضا ضمنيا لا قبولا ضمنيا في جميع المجالات.

 

إعادة تقييم الأصول الثابتة

الأمر نفسه ينطبق على إعادة تقييم الأصول الثابتة في هذه المقترحات، بحيث تُعفى الشركة من الضريبة في حال تخمين عناصر الأصول الثابتة بأعلى من سعرها الأصلي، علما أنّه في مشروع الموازنة كانت هذه الفروقات تُعتبر ربح تحسين وتُفرض عليها ضريبة بنسبة 15% (أي أقل بنقطتين من ضريبة الربح على الشركات)، إلّا إذا أبقيت في حساب خاص أو استُعملت لإطفاء خسائر. وهنا أيضا، اعتبر مشروع القانون أن محضر التخمين يكون نافذا في حال لم يصدر قرار حياله من الإدارة الضريبية خلال مهلة سنة من تقديمه لها.

فضلا عن ذلك، فتح مشروع القانون مجالا واسعا للتهرب والتحايل الضريبيين، من خلال منح إعفاء من دفع أي ضريبة على إعادة التقييم، في حال استعمال الأرباح في بناء مساكن للأجراء لديه (وهي ممارسة غير مألوفة ويرشح أنها ذكرت هنا فقط لغاية تسهيل التهرب الضريبي).

ولا تتوقف خطورة هذه المادة عند حدود حرمان الخزينة من إيرادات كبيرة، بل هي محاولة لتعويم هذه المؤسسات وعلى رأسها المصارف عبر تضخيم أصولها وموجوداتها بالليرة اللبنانية نتيجة الفوارق في سعر الصرف أو التخفيف من خسائرها حسابياً، لا بل أنّ هذا التخفيف يُقابله تسهيلات ضريبية بالإعفاء من هذه الضريبة. كما يُخشى في هذا الصدد، أن تسعى الشركات إلى إظهار أرباحها وكأنّها ناتجة بكلّيتها عن فروقات سعر الصرف، ما يُخشى من خلاله أن يفتح هذا التعديل باب للتهرّب والتحايل الضريبي.