اقتراح تمكين البلديات: تمكين البلديات أم إحياء العظام وهي رميم؟

نيقولا غصن

11/06/2024

انشر المقال

تقدم بتاريخ 23 أيار 2024 نواب يمثلون كتلا عدة هم: جبران باسيل وسيزار أبي خليل وجورج عطالله وسليم عون وشربل مارون وسجيع عطية وطوني فرنجية وجميل عبود وعلي حسن خليل وملحم طوق باقتراح قانون يحمل عنوان "تمكين البلديات". ويرمي هذا الاقتراح في مادته الأولى والثانية إلى تمكين المجالس البلديات من إعادة تكوين نفسها من خلال منح "أعضاء البلديات المستقيلين من المجالس البلدية القائمة والمنحلة مهلة خمسة عشر يومًا من تاريخ صدور القانون للعودة عن استقالتهم" و"إذا كان عدد العائدين عن استقالاتهم في المجالس البلدية المنحلة كافيا لإعادة إحياء هذه المجالس، يتم حينها إعادة انتخاب رئيس ونائب رئيس للمجلس البلدي". كما يسمح الاقتراح للمجالس البلدية القائمة والممدد لها بإعادة انتخاب رئيس ونائب رئيس لها. بالإضافة إلى ذلك، ينص الاقتراح في مادته الثالثة إلى إمكانية البلديات "تعديل الرسوم غاية تحقيق التوازن المالي للبلدية (...) على أن لا تتجاوز الخمسة وعشرين ضعفا عن الرسوم المستوفاة عام 2022". علاوة على ذلك، ينشئ الاقتراح مداخيل جديدة للبلديات وهو "رسم نفايات" مقطوع شهري يستوفى من الوحدات السكنية والمؤسسات بنسب مختلفة ورسم على الأجانب المقيمين ما دون الثامنة عشرة قدره 500.000 ليرة لبنانية ومليون ليرة لبنانية لمن تجاوز سن الثامنة عشرة "حيث يشمل هذا الرسم تنظيف الطرقات العامة، الإنارة العامة، تعبيد الطرقات وإصلاحها، البنى التحتية وكافة الخدمات البلدية لا الحصر". وينتهي الاقتراح بمادة سادسة ترفع "قيمة عقد النفقة المسموحة لرئيس البلدية لتصبح مئة مليون ليرة لبنانية ومليار ليرة للمجلس البلدي كحد أقصى". 

ويذكر الاقتراح في أسبابه الموجبة أنه منذ "انتخابات 2016 حتى اليوم حصل استقالات لأكثر من 50 بلدية" و"أن البلديات تحتاج إلى من يسيّر أعمالها وبظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد أضحت إدارة البلديات المستقيلة من قبل القائمقامين في المناطق عبءا لتسييرها". وتضيف الأسباب الموجبة إلى "أنه من البديهي الاستعانة بالأعضاء السابقين الذين تتمّ الاستعانة بهم أخيرًا". لا سيما بعد تأجيل الاستحقاق الانتخابي أكثر من مرّة. 

بالإضافة إلى ذلك، تشير الأسباب الموجبة إلى أن كافة البلديات تعاني من مشاكل مالية "نتيجة تراجع قيمة إيراداتها بالليرة وعجز عدد كبير من المكلفين عن سداد الرسوم والمستحقات البلدية" وأن "الزيادة التي حصلت مؤخرا (...) والتي قضت بمضاعفة القيم التأجيرية (...) لم تغطّ المصاريف التشغيلية للبلديات ولم تحلّ الأزمة"، "بالإضافة إلى أنّ "عائدات الصندوق البلديّ المستقلّ قد تراكمت لأكثر من عام" من دون أن يتمّ توزيعها. إلا أنه ورغم ذلك، لم يتضمن أي بند من شأنه زيادة موارد هذا الصندوق أو فرض توزيعها ضمن آجال محددة.  

علاوة على ذلك، تصوّب الأسباب الموجبة على مشكلة النزوح الأجنبيّ معتبرة أنه "بلغ مستويات خطرة في لبنان" ما بات يشكّل "خطرا وجوديا" ولا سيما أن "عدد النازحين السوريين يقدّر اليوم على الأقل بنحو 2،200،000 نسمة أي ما يعادل نصف عدد الشعب اللبناني المقيم" ما يشكل ضغطًا على البيئة والبنية التحتية والموارد وفرص العمل والخدمات، ويدفع إلى "استحداث رسوم بلدية استثنائية مباشرة تستهدف النازحين الأجانب تبعًا للخدمات البلدية التي يستفيدون منها". وتنتهي الأسباب الموجبة بالإعلان "أن المرفق العام في خطر" ما يوجب تدخل مجلس النواب لحل هذه الأزمة.

إن هذا الاقتراح يستوجب الملاحظات التالية:

اقتراح يحيي عظام البلديات وهي رميم

إن تأجيل الانتخابات البلدية منذ 2022 أدّى بلا شك إلى تفاقم حالة الشلل في البلديات التي أصبحت منحلّة بسبب استقالة نصف عدد أعضائها على الأقلّ عملا بالمادة 23 من قانون البلديات (مرسوم اشتراعي رقم 118 الصادر في 30 حزيران 1977)، علما أن المادة 24 تضيف أنه في هذه الحالة يتولّى القائم مقام "أعمال المجلس البلدي وذلك للمدة الباقية من ولاية المجلس البلدي المنحل حتى انتخاب المجلس الجديد وذلك بقرار من وزير الداخلية". إلّا أن المادة عينها تنص على أنه "في حالة حل المجلس أو اعتباره منحلا يصار إلى انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ أو قرار إعلانه"، أي أن القانون قد نظّم وضع البلديات المنحلة بكافة جوانبه إن لجهة تسيير أعمالها حينما تكون منحلة وإن لجهة تحديد مهلة صريحة يعاد فيها تشكيل بلدية جديدة بطريقة الانتخاب وبالتالي إعادة انتظام العمل فيها. وبالتالي، فإن ما ينصّ عليه الاقتراح لجهة إعادة تكوين البلديات المنحلة من خلال رجوع الأعضاء عن استقالاتهم يكون لزوم ما لا يلزم، فضلًا عن أنه لا يضمن إعادة تكوين كافة البلديات إذ إن الرجوع عن الاستقالة يبقى خاضعًا للتقدير الشخصي لكل عضو بلدية، وأن اعادة التشكيل يحتاج إلى عدد كاف من الأعضاء لاكتمال نصاب المجلس البلدي وهو أمر لا يضمنه الاقتراح. 

من جهة أخرى، إن رجوع الأعضاء عن استقالاتهم يطرح تساؤلات لجهة شرعية هذا التدبير إذ إنه يشكّل إعادة إحياء وكالة تمثيلية قد سقطت بفعل الاستقالة لا سيما وأن الانتخابات البلدية الأخيرة حصلت سنة 2016 أي في ظل أوضاع اجتماعية مغايرة كليا لما شهده لبنان منذ الانهيار المالي وحتى اليوم. وهكذا يتبين أن هدف هذا الاقتراح هو إعادة سيطرة الأحزاب السياسية على البلديات المنحلة عبر تجنب إجراء انتخابات جديدة قد تؤدي إلى نتائج تهدد مصالحها. 

وما يزيد من فداحة الاقتراح هو أنه ينطلق من حقيقة مضمرة مفادها أن الانتخابات البلدية قد لا تحصل سنة 2025 إذ من المرجح جدا أن تعمد السلطة إلى تأجيلها للمرة الرابعة ما يعني أن البلديات المعاد تكوينها ستستمر لفترة تفوق السنة التي تم تأجيل الانتخابات خلالها.

وهكذا يتبين أن هذا الاقتراح جاء كي يستكمل تعطيل حق المواطنين في انتخاب سلطاتهم المحلية إذ بدل معالجة أزمة البلديات المنحلة بإعادة تفعيل الحياة الديمقراطية إن كان في إجراء انتخابات عامة في كل لبنان أو حتى عبر فقط إجراء انتخابات في البلدية المنحلة، يقوم الاقتراح بالتطبيع مع نسف الانتخابات عبر إحياء مجالس بلدية سقطت وكالتها الشعبية ليس فقط سنة 2022 مع انتهاء ولايتها الأصلية التي انتخبت على أساسها لكن أيضا مع الخلافات التي نشبت بين أعضائها وأدّت إلى استقالة نصفهم ما جعلها بحكم المنحلة.

ومن جهة أخرى، تمنح المادة الثانية من الاقتراح البلديات القائمة والمدد لها حق انتخاب الرئيس ونائب الرئيس للمدة المتبقية من الولاية الممددة بطلب من الرئيس أو أكثرية الأعضاء علما أن الفقرة الخامسة من المادة 21 من القانون رقم 665 الصادر سنة 1997 نصّت على إمكانية نزع الثقة من رئيس البلدية أو نائبه لكن بعد ثلاثة أعوام من انتخابهما وفقط في أول جلسة يعقدها المجلس البلدي بالأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه وذلك بناء على عريضة يوقعها ربع هؤلاء. 

وهكذا يصبح جليا أن الاقتراح الحالي هو أكثر تشددا كونه يربط طلب إعادة انتخاب الرئيس أو نائبه بأكثرية الأعضاء بينما قانون 1997 يكفي بتقديم هذا الطلب من ربع الأعضاء فقط، هذا فضلا عن أن الاقتراح لا يحدد مهلة من أجل تقديم هكذا طلب ما يعني أن هذه الامكانية باتت مفتوحة زمنيا، لا بل يفشل الاقتراح أيضا في تحديد إذا كان طلب إعادة الانتخاب تتم ممارسته لمرة واحد فقط أو أن هذه الامكانية متاحة دائما.

رسوم بلدية وصلاحيات استثنائية

يقوم الاقتراح الحالي بإنشاء رسم بلدي جديد هو "رسم النفايات" يرمي من خلاله إلى التعويض عن التأخر الحاصل في تعديل قانون الإدارة المتكاملة للنفايات وما يرتبه هذا التأخير من خسائر فادحة على البلديات على حد قول الاقتراح. 

وبصرف النظر عمّا قد يشكله تعديل قانون الإدارة المتكاملة للنفايات من تحسين في مالية البلديات، فإن إنشاء رسم النفايات الجديد من خارج قانون الرسوم البلدية الذي يشكل المرجع الأساسي لهذه المسألة يؤدّي إلى تشرذم في هذه الرسوم بين عدة قوانين ما يضرب مبدأ وضوح التشريع، لا سيما وأنه يمكن الاستنتاج من الأسباب الموجبة أن هذه الرسوم الجديدة هي مؤقتة إذ سيتم تعديلها أو التخلي عنها مع إقرار التعديلات المطلوبة على قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النواب بتاريخ 2 تشرين الثاني 2023 والذي لا يزال قيد الدرس في اللجان. 

ويمنح الاقتراح في مادته الثالثة صلاحية خارقة للبلديات إذ يسمح لها "تعديل الرسوم" من أجل تحقيق التوازن المالي مع اشتراط عدم تجاوزها 25 ضعفا للرسوم المستوفاة عن سنة 2022. وهكذا تنطوي هذه المادة على تفويض تشريعي إذ تسمح لكل بلدية بتعديل الرسوم ليس فقط من دون تحديد ما هي هذه الرسوم لكن أيضا من دون وضع أي شروط خاصة تتعلق بمقدار الزيادة وفقا لطبيعة كل رسم. فالرسوم البلدية محددة في نص تشريعي هو القانون رقم 172 حول الرسوم والعلاوات البلدية الصادر في 12 آب 1988 ما يعني أن تعديل كيفية احتساب تلك الرسوم يحتاج إلى قانون يقره مجلس النواب بينما الاقتراح الحالي يعطي البلديات صلاحيات استثنائية ومبهمة كونه لا يشير إلى الرسوم التي يمكن رفعها ولا إلى السبب الذي جعله يعتمد سنة 2022 كمعيار لتحديد سقف تلك الزيادة، علما أن الاقتراح يربط هذا السقف بالرسوم التي جرى تحصيلها فعليا وهو ما قد يختلف عن الرسوم المقدرة التي كان من المفترض استيفائها قانونا عن سنة 2022 إذ ما يتم جبايته يكون أحيانا كثيرة أقل من المتوقع. 

ولا يفهم من الاقتراح إن كانت هذه الصلاحيات الاستثنائية هي دائمة أم تقتصر على الولاية الممددة الحالية، كذلك يؤدي تبني هذه المادة إلى اختلاف في كيفية احتساب الزيادات بين البلديات إذ قد تعمد كل بلدية إلى رفع كل رسم بطريقة مختلفة ما يعني أن الرسم الواحد سيطبق وفقا لمعايير متعددة ما يخل بمبدأ وحدة الضريبة وضرورة توزيعها بشكل عادل على كل المكلفين.  

رسم على السوريين تحت مسمّى "الأجانب": خرق لمبدأ المساواة

يهدف الاقتراح إلى إحداث رسم جديد على الأجانب القاطنين في النطاق البلدي قيمته 500.000 ليرة لبنانية لمن هم دون الثامنة عشرة، ومليون ليرة لبنانية لمن هم فوق الثامنة عشرة. ومن اللافت هنا أن الاقتراح في صياغته الأصلية أشار إلى السوريين حرفيا إلى جانب ذكره للأجانب، إلّا أن مقدمي الاقتراح عادوا وشطبوا تعبير السوريين باليد، ما يظهر أن النية الحقيقية لمقدّمي الاقتراح هو استهداف السوريين في المقام الأول.

غير أن الأسباب الموجبة للاقتراح تعود فتثير موضوع النزوح السوري بشكل مباشر محمّلة إيّاه مسؤولية الأعباء الكبيرة التي تثقل كاهل البلديات والتي ذكرناها أعلاه، ما يبيّن بوضوح أن الاقتراح يرمي إلى الحدّ من نتائج النزوح السوري على البلديات ويندرج في إطار الحملة القائمة من مختلف الجهات السياسية لمعالجة النزوح السوري في لبنان. 

علاوة على ذلك، فإن هذا الرسم يطرح إشكاليات عديدة إذ إنه لا يميّز بين الأجانب القاطنين بشكل شرعي وبشكل غير شرعي، ما يطرح السؤال عمّا إذا كان هذا الرسم يستوفى من جميع الأجانب على اختلاف أوضاعهم القانونية. وبالتالي، إذا كان هذا الرسم يطال السوريين القاطنين بشكل شرعي، أي المستوفين للبدلات والرسوم الاعتيادية مثل القيمة التأجيرية ورسوم المجارير والأرصفة المحددة في قانون الرسوم والعلاوات البلدية المذكور أعلاه بالإضافة إلى رسم النفايات في حال إقراره، أي أنهم يساهمون في تزويد البلديات بالإمكانات المالية لصيانة البنى التحتية كسائر المكلفين ضمن النطاق البلدي، سيكون  بالتالي الرسم الجديد المفروض عليهم في هذا الاقتراح رسمًا يهدف إلى تحميلهم أعباء مادية إضافية وذلك للوصول إلى هدف غير معلن بتشجيعهم على مغادرة الأراضي اللبنانية. فالخدمات التي توفرها البلديات تشمل جميع المقيمين ما يعني أن الرسوم التي تستوفيها البلدية يجب أن تجبى من الجميع بغض النظر عن جنسياتهم في حال كانوا مقيمين ضمن النطاق البلدي عملا بمبدأ المساواة. 

ويظهر ذلك جليا حين يعدد الاقتراح بعض هذه الخدمات التي تهدف هذه الرسوم لتمويلها كتنظيم الطرقات والإنارة العامة وتعبيد الطرقات وإصلاحها والبنى التحتية وكافة الخدمات البلدية. فهذه الخدمات، التي يعددها الاقتراح كما يبدو على سبيل المثال، تدخل في صلب العمل البلدي الذي يجب أن يستفيد منه الجميع. إذ أنّ رفع الرسوم البلدية وتعزيز قدرات هذه الأخيرة لا يجب أن يتم على حساب الأجانب فقط بل أن يطال جميع سكان البلدية وإلا يتحول الرسم إلى وسيلة تمييزية تهدف إلى معاقبة الأجنبي لتحقيق غايات سياسية لا علاقة لها بتمكين البلديات.