اقتراح دستوري لخفض سن المقترعين: كيف نحرر الحقوق من دوامة العبث؟
17/01/2023
تقدم النواب من تكتل الوفاء للمقاومة محمد رعد، حسن فضل الله، حسين الحاج حسن، إبراهيم الموسوي، على عمار، أمين شري، حسن عز الدين، علي فياض، علي المقداد وإيهاب حمادة بتاريخ 25 حزيران 2022 باقتراح قانون دستوري لخفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 سنة كون سن الاقتراع في لبنان هي قاعدة لا ينص عليها قانون الانتخابات كما في غالبية دول العالم بل الدستور نفسه الذي يعلن في المادة 21 منه التالي: "لكل وطني لبناني بلغ من العمر إحدى وعشرین سنة كاملة حق في أن یكون ناخباً على أن تتوفر فیه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب."
يأتي هذا الاقتراح بعد فترة وجيزة من إتمام الانتخابات النيابية في لبنان في أيّار 2022، ما يثير التساؤل حول جدواه بعد حصول العمليّة الانتخابية، واستطراداً، حول جدواه بالكامل حيث أن اقتراحات عديدة مماثلة ذات حساسية عالية تقبع في أدراج المجلس وهي تحتاج إلى اتفاق بين النواب حولها لتحريكها وإيصالها إلى مرحلة الإقرار.
من ناحية أخرى، من أبرز ما استند عليه هذا الاقتراح في أسبابه الموجبة هو ما يعتبره تناقضا بين سنّ الأهليّة المدنيّة في لبنان وهو ثماني عشرة سنة حيث يصبح المواطن أهلاً لاكتساب الحقوق وأداء الواجبات، ومسؤولاً مدنيّا وجزائيّا، ويملك الحقّ في الانخراط في الحياة السياسية والحزبية، بينما يبقى محروماً من ممارسة حقّ الانتخاب. فيعتبر الاقتراح أنّ الأهليّة المدنيّة لا تنفصل عن الأهليّة السياسية وهي كتلة واحدة من الحقوق الواجبات يجب أن تعطى كاملةً للمواطن في سنّ واحد وهو الثامنة عشرة.
يفتح الاقتراح أيضاً في أسبابه الموجبة مسألة نظريّة هي امكانيّة خفض سنّ الترشح إلى ثمانية عشرة سنة من خلال تعديل القانون بينما يبقى سنّ الاقتراع واحد وعشرون سنة في ظلّ المادة الدستورية الحالية، وهي حالة قانونية غير سليمة ولا تستقيم في المنطق القانوني.
في نهاية الأسباب الموجبة، يعبّر مقدّمو الاقتراح عن أهميّة انخراط الشباب في حياة الوطن السياسية وتمكينهم من ممارسة حقّهم في الانتخاب كي يشتركوا في تحديد مصير الوطن. لكن اللافت أن الذين تقدموا بالاقتراح يعتبرون أن غياب حق الانتخاب للفئات العمرية بين الثامنة عشرة والواحدة والعشرين قد "تدفع نسبة من أفرادها إلى التفكير في التعبير عن وجودها بوسائل أخرى، قد لا تكون في مصلحة الوطن والدولة".
في النهاية، يشار إلى أن الاقتراح يحمل تواقيع تكتل واحد ما يؤكّد عدم التواصل والتعاون بين الكتل في المجلس ويوحي بنيّة تفرّد في حصد الأرباح السياسية وهو يأتي بعد أقل من سنة على تقديم اقتراح بتعديل المادة 21 من الدستور في الشأن نفسه أي قبل الانتخابات النيابية التي جرت في أيار 2022، وذلك من النواب نذكر منهم قاسم هاشم، بلال عبد الله، سامي فتفت، أكرم شهيب، أسامة سعد و رولا الطبش، دون أن يتمّ إحالته إلى اللجان للدرس مذ ذاك الحين، وكان بالإمكان تفعيله والسير به لأنّه مطابق للاقتراح المقدم الآن.
انطلاقاً من هذه الاعتبارات، يستدعي هذا الاقتراح عدداً من الملاحظات سنفصّلها وهي الآتية :
اقتراح مكرر: هل يلقى مصيرا مختلفا؟
لا بد من التذكير بداية أنها ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها طرح تخفيض سنّ الاقتراع من خلال تعديل دستوري، إذ يتبيّن من محاضر مجلس النواب أن اقتراحاً مماثلا قدّم سنة 1997 غبر أنّه وضع جانباً من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري لأنه "يحدث شرخاً". من ثمّ تمّ تقديم اقتراح آخر مماثل سنة 2008 من قبل النواب حسن فضل الله، وائل أبو فاعور، مصطفى حسين، عبدالله فرحات، نادر سكر، عبدالله حنا، أسامة سعد، ابراهيم كنعان، غسان مخيبر واسماعيل سكرية. وتم بالفعل ليس فقط مناقشته بل إقراره أيضا بغالبية ثلثي مجموع أعضاء مجلس النواب المنصوص عليها في المادة 77 من الدستور والضرورية من أجل تعديل الدستور وذلك في جلسة الخميس 19 آذار 2009.
ولا بد من الإشارة إلى أن المبادرة لتعديل الدستور عندما تنطلق من السلطة التشريعية لا تعتبر اقتراحا دستوريا كما هي الحال مع اقتراحات القوانين العادية التي يتقدم بها النواب بل هي وفقا للمادة 77 من الدستور تأخذ شكل طلب يتقدم به مجلس النواب إلى الحكومة التي يتوجب عليها إعداد مشروع القانون الدستوري وإحالته إلى مجلس النواب كي يتم إقراره مجددا بغالبية الثلثين من مجموع النواب.
وبالفعل، عقب إقرار طلب التعديل في مجلس النواب (وهو المجلس المنتخب سنة 2005)، تم إرساله إلى الحكومة كي تتولى إعداد مشروع قانون دستوري وفقا للآلية السابق ذكرها والمحددة في المادة 77 من الدستور . وقد أتّمت الحكومة حينها تحضير مشروع القانون وأرسلته إلى المجلس حيث نوقش (من قبل المجلس المنتخب حديثاً سنة 2009) لكنه سقط بسبب عدم حصوله هذه المرة على غالبية الثلثين إذ يتبين لنا من مراجعة محضر الجلسة (تاريخ 22 شباط 2010) امتناع أكثرية النواب عن التصويت (34 نائب موافق، 66 ممتنع، واحد معارض) بعدما ربط البعض منهم موضوع تصويت الشباب بتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من التصويت.
أحقيّة تعديل سنّ الاقتراع فوق الاعتبارات السياسية
غالبا ما يتخذ هذا الاقتراح بعدا طائفيا بحيث يتم استغلاله من قبل الأحزاب التقليدية المهيمنة على المجلس من أجل إعادة إنتاج الاستقطاب الطائفي، ونقل النقاش من الحيز المتعلق بحقوق المواطنين وتعزيز المشاركة السياسية والطبيعة الديمقراطية للانتخابات إلى نقاش طائفي يتعلق بالهاجس الديمغرافي المضمر الذي بات يربط الحقوق السياسية بأعداد الطوائف. كما يتجلى هذا البعد الطائفي في مقدّمي آخر اقتراحين لأن أيًّا منهما لا يحمل تواقيع نواب من الطوائف التي قد تعتبر أن هذا الاقتراح يزيد من اللاتوزان الديمغراقي ويقلل تاليا من وزنها الانتخابي.
إلا إنّه رغم ذلك، فإن النيّة السياسيّة المبيّتة في تقديم اقتراح تعديل سن الاقتراع أيا تكن لا تُلغي أحقيّة هذا التعديل الذي يقر حقوق الشباب بالمشاركة السياسية. وهذا ما عبرت عنه الأسباب الموجبة للاقتراح إذ أعلنت ضرورة عدم حرمان من بلغ سن الثمانية عشرة من حقه في ممارسة الاقتراع بينما هو حائز على الأهلية القانونية في الأمور الأخرى مثل المشاركة في الأحزاب ودخول السلك العسكري وتولي وظائف في الإدارة، وموضوع تمثيل الشباب لشريحة واسعة من المجتمع، وأنّ الشباب مكوّن أساسي فيه ولا يجوز حجبهم عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل كامل. ولكن من المؤسف أن هذه الحقوق والاعتبارات الأساسية يتم تهميشها لصالح الحسابات الطائفية التي تحدد مواقف أحزاب السلطة في كلّ مرّة يقدّم اقتراح مماثل، وهي بذلك تخضع الحقوق للعبة بل لدوامة المساومات الطائفيّة وعمليا لدوامة العبث.