اقتراح قانون طابع ماليّ جديد للجيش: مخالفات دستورية وحلول مجتزأة

وسام اللحام

07/03/2024

انشر المقال

تقدم النائب الياس جراده باقتراح قانون بتاريخ 4 آذار 2024 يرمي إلى إصدار طابع مالي لمصلحة الجيش. وقد نصت المادة الأولى منه على منح وزارة المالية صلاحية إصدار طابع مالي قيمته 250 ألف ليرة تحت مسمى "طابع الجيش اللبناني"[1] في حين حددت المادة الثانية من الاقتراح أن استيفاء هذا الطابع الجديد يتمّ على جميع الوكالات والعقود والتعهدات والالتزامات والتصرفات القانونية "التي ينظمها الكاتب العدل أو من يقوم مقامه لدى السفارات والقنصليات اللبنانية ولدى أمانة السجل العقاري إذا كانت قيمتها تتجاوز المئة مليون ليرة"، علما أن ريع هذا الطابع سيعود حصرا لمصلحة الجيش اللبناني "ويصرف في باب النفقات الطبية والمنح المدرسية للعسكريين في الخدمة أو المتقاعدين".

وقد شرحت الأسباب الموجبة الغاية من هذا الاقتراح بضرورة "دعم الجيش نظير تضحياته الجسام دفاعا عن لبنان والمجتمع من خلال إيجاد مصدر مالي ثابت يساعد قطاعي الطبابة والتعليم في هذه المؤسسة" لا سيما وأن الجيش اللبناني "هو الركيزة الأمنية الأساسية للدفاع عن لبنان وحفظ الأمن في البلاد" ما يوجب تعزيز إمكانياته المالية خاصة في ظل "الأزمة المالية والمصرفية التي عصفت بالاقتصاد" وأدّت إلى "انهيار القدرة المالية لمؤسسة الجيش" بحيث لم تعدْ التقديمات الماليّة تتيح للعسكريّ أو للمتقاعد "العيش بكرامة".

يستوجب هذا الاقتراح الملاحظات التالية:

صياغة تفتقر إلى الدقة

تنص القوانين التي تستحدث ضريبة أو رسما جديدا عادة على منح مجلس الوزراء أو وزارة المالية تحديد تفاصيل الضريبة أو الرسم عبر مراسيم أو قرارات. وهذا ما كان يحصل دائما مع الطوابع المالية التي تنشأ بقانون ينصّ على كيفية تأديتها لصقا أو بوسائل أخرى على أن تتولى وزارة المالية تحديد الفئات ومواصفات الطابع وتاريخ وضعها في التداول. وهكذا تكون صياغة المادة الأولى من الاقتراح مفتقرة إلى الدقة القانونية إذ تكتفي بالنص على التالي: "تصدر وزارة المالية طابعا ماليا قيمته مئتان وخمسون ألف ليرة لبنانية" ما يعني أن الاقتراح يهدف ضمنيا إلى استحداث طابع مالي جديد ويترك تفاصيله إلى قرارات لاحقة ستصدرها وزارة المالية.

 

مخالفة مبدأ الشيوع

يعتبر مبدأ الشيوع من المبادئ الأساسية التي تحكم القانون المالي عامة وأصول إعداد الموازنة خاصة وهو يقضي بعدم تخصيص إيرادات معينة لتغطية نفقة محددة إذ من المفترض أن تدمج جميع الواردات التي تجبيها الدولة في الخزينة العامة من أجل تغطية جميع النفقات. ويهدف مبدأ الشيوع إلى تعزيز التضامن الاجتماعي إذ يمنع مطالبة المكلفين بإنفاق حصيلة الضرائب والرسوم على مشاريع وخدمات تعود بالفائدة عليهم فقط إذ أن المساواة بين المواطنين تحتّم أن يستفيد الجميع من الخدمات الاجتماعية. ولمبدأ الشيوع مدلول سياسيّ أيضا إذ هو يمنع السلطة الحاكمة من استغلال موارد محددة من أجل إنفاقها على خدمات أو مشاريع تؤدّي إلى تحقيق مصالحها السياسية.

جرّاء ما تقدّم، يتبيّن أنّ الاقتراح الحالي بتخصيصه واردات هذا الطابع للجيش اللبناني حصرا يكون ليس فقط قد خرق مبدأ الشيوع بل ميّز أيضا بين الأسلاك العسكرية إذ أقصى الأمن الداخليّ والأمن العامّ وأمن الدولة والجمارك من الاستفادة منه في حين أنّ عناصر جميع هذه الأسلاك يواجهون ظروفا متشابهة سواء في الخدمة العسكريّة أو في حياتهم اليومية.

وقد طرح هذا الموضوع سنة 1999 عندما تمّ التصويت على قانون من أجل تخصيص اعتمادات لإنشاء ملاعب رياضية تحضيرا لبطولة كأس آسيا لكرة القدم التي استضافها لبنان سنة 2000. فقد نصت المادة الثالثة من مشروع القانون على التالي: "يفرض رسم طابع مقداره خمسة آلاف ليرة لبنانية على كل مغادر للأراضي اللبنانية جوا وبحرا ويستوفى لصقا على تذكرة سفر المغادر. تحدد دقائق تطبيق هذا الرسم بقرارات تصدر عن وزير المالية".

وقد رفض عدد من النواب في جلسة 17 آذار 1999 هذه الصياغة كونه قد يفهم منها أن حصيلة هذا الطابع ستخصص فقط لتمويل بناء الملاعب الرياضية ما يشكل مخالفة لمبدأ الشيوع. لذلك اقترح رئيس الحكومة سليم الحص تعديل مواد المشروع كي تنص على فرض الرسوم الجديدة "لصالح الخزينة". وهذا ما تمّ بالفعل، إذ أشار القانون الذي صدر في 31 آذار 1999 على أنّ هذه الرسوم الجديدة سيتمّ فرضها لصالح الخزينة اللبنانية أي عدم تخصيصها للإنفاق على مشاريع محددة.

إذا كان مبدأ الشيوع قد عرف بعض الاستثناءات بسبب تطور دور الدولة في الإنفاق على المشاريع الاقتصادية والاستثمارية المفيدة للمجتمع، فإن ذلك كان يتم من ضمن رؤية متكاملة تسمح للمواطنين بمعاينة الإنجازات الإنمائية التي تساهم أموالهم في تحقيقها والاستفادة منها، بينما على العكس من ذلك يقوم الاقتراح الحالي بخرق هذا المبدأ تحديدا بسبب غياب أي مشروع إصلاحي حقيقي للأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان.

وقد اعترف المجلس الدستوري اللبناني بالاستثناءات التي طرأت على مبدأ الشيوع لكنه وضع ضوابط لها إذ اعتبر أن "الخروج عن مبدأي الشمول والشيوع هو من الممارسات الدارجة (...) إلا أن ما لا يجوز هو تخصيص بعض الواردات أو قسم منها لنفقات معينة دائمة" (قرار رقم 3 تاريخ 15/7/2002). وهذا ما نص عليه أيضا القانون المذكور أعلاه حول استحداث رسم على المغادرين إذ أشار صراحة في المادة الثالثة أن العمل بهذا الرسم ينتهي في 31/12/2008" بينما الاقتراح الحالي يخصص واردات طابع الجيش بشكل دائم لمؤسّسة الجيش، الأمر الذي يشكّل مخالفة واضحة للضوابط التي وضعها المجلس الدستوريّ.

 

حلول مجتزأة لأزمات شاملة

ليس أدلّ على الطبيعة الارتجالية للاقتراح من افتقاره إلى أيّ دراسة تسمح بتقدير الإيرادات المتوقّعة من هكذا طابع جديد، هذا فضلا عن إمكانية طباعته في ظلّ أزمة الطوابع المالية واحتكارها من قبل قلّة من أجل بيعها في السوق السوداء. ففي الدول التي تعمل مؤسساتها بشكل سليم تتولى السلطة التنفيذية عادة تحضير مشاريع القوانين التي تستحدث ضرائب ورسوم جديدة كونها الجهة التي تملك جميع المعطيات المطلوبة ويمكنها تقديرها وتحديد تأثيرها بشكل دقيق من ضمن سياسة عامة ذات أهداف واضحة.

فأن يتقدّم نائب بهكذا اقتراح هو مؤشر قوي ليس فقط على الطبيعة المجتزأة للحلول المقترحة لكن أيضا على اقتصار تلك الحلول على معالجة تداعيات الأزمة من دون مسبباتها. فبعد التجزئة السياسية لمؤسسات الدولة يسهم هذا الاقتراح من دون دراية إلى تعميق تجزئتها ماليا إذ لا شيء يمنع في المستقبل أن تطالب كل إدارة من الإدارات العامة بفرض رسوم تخصص محاصيلها لتمويل تلك الإدارة فقط. 

 


[1] لا بد من التذكير أن لبنان عرف في الماضي طابعا مشابها بموجب القانون الصادر في 30 أيار 1945 والذي استحدث طابعا للجيش بقيمة خمسة قروش يتم لصقه على جميع المراسلات البريدية وألغي بموجب موازنة 1947.