اقتراح قانون لتعويض ضحايا الانتفاضة الشعبية وذويهم: إعلان التضامن بانتظار آليات لتحقيقه
24/07/2022
من أبرز ما ورد على جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في 26 تموز 2022، اقتراح قانون معجّل مكرر قدّمه النائب فراس حمدان يتعلق بتعويض ذوي الضحايا والمتضررين جسدياً بسبب العنف المفرط الأمني الحاصل خلال الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية المندلعة منذ 17 تشرين الأوّل 2019. بالرغم من أهميته، يستعيد الاقتراح آليات التعويض التي أقرّتها الدولة لضحايا تفجير 4 آب والمتضرّرين منه، وهي آليات أثبتت فشلها لا سيّما بالنسبة للجرحى والذين أصيبوا بإعاقة كاملة أو جزئية.
خلفية الاقتراح
كان حمدان الذي دخل إلى المجلس النيابي في أيّار 2022 وفي قلبه حبّة خردق، قد أصيب خلال تظاهرة 8 آب 2020 التي تبعت تفجير مرفأ بيروت خلال توثيقه مخالفات شرطة مجلس النوّاب في إطار تطوّعه مع لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين. لذا، يأتي الاقتراح من قبل نائب وقع ضحية للعنف خلال التظاهرات في محاولة لإنصاف سواه من ضحايا التظاهر ووضعه الدولة أمام مسؤولياتها تجاههم.
وقد استند الاقتراح في أسبابه الموجبة على عدم جواز قمع الحق الدستوري في التعبير والتظاهر بالعنف المفرط، مشيراً إلى تعرّض المدنيين الذين تظاهروا ابتداءً من 17 تشرين الأوّل 2019 إلى عنف مفرط من قبل القوى الأمنية وصلت إلى حدّ استعمال أسلحة محرّمة دولياً. وكانت المفكّرة القانونية قد وثّقت بالتعاون مع لجنة المحامين، استخدام الأجهزة العسكرية والأمنية للعنف غير المتناسب بحق المتظاهرين، ما أدّى إلى أكثر من 2500 إصابة ضمن للمتظاهرين، من ضمنها 728 إصابة خلال تظاهرة 8 آب وحدها.
ونظراً لغياب الآليات التشريعية للتعويض عن الجرائم المرتكبة من قبل الأجهزة الأمنية بحق المتظاهرين، تكمن أهمية هذا الاقتراح في تنفيذ مبدأ التضامن الاجتماعي لمن تضرّر نتيجة ممارسته لحرية دستورية من جهة، والتصدّي لسياسة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة القضائية في هذه الجرائم، ما يستوجب وضع آليات تشريعية للتعويض عن التقاعس القضائي. فلا تزال النيابات العامة ترفض ملاحقة هذه الجرائم ما يعيق إمكانية الضحايا للمطالبة بالتعويضات أمام القضاء. في المقابل، لا تزال النيابات العامّة تلاحق المتظاهرين إذ ادّعت لغاية الآن على أكثر من 400 متظاهر معظهم أمام القضاء العسكري حيث لا تتوّفر ضمانات المحاكمة العادلة للمدنيين.
مضمون الاقتراح
يتضمّن الاقتراح مادة وحيدة تستعيد آليات التعويض التي أقرّها مجلس النوّاب فيما يتعلّق بأهالي ضحايا تفجير 4 آب والمتضرّرين منه بموجب القانون رقم 196/2020 والتي تُميّز بين التعويضات الممنوحة لعوائل الضحايا الذين فقدوا حياتهم والضحايا الذين أصيبوا بإعاقات. وكانت "المفكّرة" قد انتقدت سابقاً هذه الآليات التعويضية، لا سيما نظراً لطابعها التمييزي وغير القابل للتطبيق.
وقبل المضي في التعليق على الآليات التعويضية هذه، تجدر الإشارة إلى أنّ الاقتراح يشمل ضحايا التظاهرات "منذ 17 تشرين الأوّل 2019"، وهو ما يسمح بتطبيقه على الجرائم المرتكبة من قبل الأجهزة الأمنية في المستقبل في حال إقراره. إلا أنّ الصياغة المعتمدة في الاقتراح قد تطرح إشكاليات حول مدى إمكانية بعض الضحايا الاستفادة من هذه التعويضات. ويتجلّى ذلك بشكل أساسي من خلال حصر الاقتراح بالذين استشْهدوا من جراء "العنف الأمني" والذين أصيبوا بإعاقة من جراء "العنف الأمني المفرط"، وهو ما قد يفتح المجال للإدارات المعنية بتطبيقه بتقدير أسباب الوفاة أو الإصابة، ومدى إعتبار العنف الممارس من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية "مفرطاً". وما يعزّز هذه المخاوف هو رفض القيادات العسكرية والأمنية الاعتراف بالمسؤولية عن هذه الجرائم، وتصريحاتها المتكررة باستخدامها العنف ضدّ المتظاهرين بشكل متناسب وحرصها على سلامتهم وأمنهم، في موازاة امتناع السلطات القضائية والإدارية والتشريعية عن إجراء أيّ تحقيقات جديّة حول العنف المُستخدم لفضّ التظاهرات.
وبالعودة إلى آليات التعويض، تضمّن اقتراح القانون ثلاثة بنود أساسية لتعويض المتظاهرين الذين فقدوا حياتهم أو أُصيبوا بإعاقة أو بجروح:
1. إخضاع ذوي المتظاهرين الذين فقدوا حياتهم إلى نظام التعويض العسكري
وفق البند الأوّل من الاقتراح يتساوى "الأشخاص المدنيون المنتفضون والمتظاهرون الذين استشهدُوا من جرّاء العنف الأمني الحاصل خلال الانتفاضة الشعبية التي بدأت منذ 17 تشرين الأوّل 2019" مع شهداء الجيش اللبناني. يسمح هذا البند، في حال إقراره، لبعض ذوي ضحايا التظاهرات بعد 17 تشرين بالاستفادة من التعويضات والمعاش التقاعدي التي تستفيد منها عائلات الجندي الذي استشهد أثناء تأدية الواجب وعائلات ضحايا 4 آب.
بالمبدأ، من شأن إخضاعهم إلى النظام التعويضي المكرَّس في قانون الدفاع الوطني أن يؤمّن لهم الإطار التنظيمي والتمويلي الذي يضمن لهم الحصول على التعويض بمعزل عن تقديم الشكاوى وصدور الأحكام وتوزيع المسؤوليّات الجزائية والمدنية التي قد يتم حفظها أو تمتد لوقت طويل. إلّا أن هكذا نظام تعويضي يطرح عدداً من الملاحظات:
أولًا: إنه لا يحدّد الجهة الإدارية التي ستتولى مسؤولية تحديد هوية الضحايا المشمولين في هذا القانون، مما يفتح الباب أمام الفوضى وضياع حقوق العديد منهم.
ثانيًا، إنه لا يراعي مبدأ التعويض الكامل المعادل للضرر، كونه لا يقدّر بصورة ذاتية بالاستناد إلى الأضرار اللاحقة بكل عائلة على حدة، كما يقتصر على تعويض الأضرار المادية دون الأضرار المعنوية.
ثالثًا: في حين كانت المساواة مع شهداء الجيش مطلباً صريحاً لذوي ضحايا 4 آب الذين نجحوا بانتزاع القانون رقم 196/2020، يطرح إخضاع ذوي ضحايا التظاهرات إلى نظام تعويضي يتحكّم به الجيش إشكاليات مختلفة، لا سيما بالنسبة لذوي الضحايا الذي سقطوا بفعل أعمال الجيش خلال التظاهرات. فقد أظهر رصد "المفكّرة" أن أربعة من أصل سبعة ضحايا فقدوا حياتهم خلال التظاهرات التي اندلعت بعد 17 تشرين كانوا قد أصيبوا برصاص من الجيش، وهم: علاء أبو فخر الذي قُتل في 12 تشرين الثاني 2019، في إطلاق نار مباشر عليه من قبل ضابط في الجيش خلال تجمّع سلمي على طريق خلدة، وأحمد توفيق وفؤاد السمّان وعمر طيبة الذين أصيبوا برصاصات عناصر من الجيش خلال تظاهرات في طرابلس في 26 تشرين الثاني 2019 و28 نيسان 2020 و28 كانون الثاني 2021. وباستثناء قضية مقتل أبو فخر التي حدّدت المحكمة العسكرية تاريخ 17 تشرين الأوّل 2022 موعداً للجلسة الأخيرة للمحاكمة فيها، لم يصدر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة فادي عقيقي أيّ قرار بالادّعاء بناءً للشكاوى المقدّمة من ذوي السمّان وطيبة، فيما حفظ الشكوى المقدّمة من ذوي توفيق وفقاً لوكيلهم المحامي أحمد ياسين. وعليه، يؤدّي الاقتراح في حال إقراره إلى إخضاع حقّ ذوي الضحايا بالتعويض إلى سلطة الجهة التي تسبب عناصرها بمقتل أبنائهم، ما قد يفتح المجال أمام المقايضة بين حقهم بالتعويض من جهة وحقهم بالمحاسبة من جهة أخرى.
رابعاً: تشير تجربة ذوي ضحايا 4 آب الذين اضطّروا لإجراء مفاوضات عدّة مع وزارة الدفاع والمصارف من أجل فرض تطبيق القانون رقم 196/2020 إلى احتمال مواجهة ذوي ضحايا التظاهرات العديد من العراقيل لحرمانهم من الاستفادة من هذا النظام التعويضي في حال إقرار الاقتراح، وهو ما يحثّ على البحث عن نظام تعويضي أكثر فعالية.
وتجدر الإشارة إلى أنّه في حال إقرار الاقتراح بهذه الصيغة، لن يتمكّن ذوو بعض ضحايا تظاهرات 17 تشرين من الاستفادة من هكذا تعويض، نظراً لعدم إصابة بعض الضحايا من قبل الأجهزة الأمنية، وهم: حسين العطّار الذي قُتل بإطلاق النار عليه من قبل مدني خلال مشاركته في تجمّع سلمي على طريق المطار في 19 تشرين الأوّل 2019، والسوريان إبراهيم يونس وإبراهيم حسين اللذان توفيا اختناقاً جرّاء حرق الإطارات قرب مبنى كانا يتواجدان فيه في ساحة الشهداء.
2. تعويضات وهمية للمتظاهرين الذين أصيبوا بإعاقة
على غرار القانون رقم 196/2020، يستفيد وفق الاقتراح "الأشخاص المدنيون المنتفضون والمتظاهرون الذين أصيبوا بإعاقة كاملة أو جزئيّة من جرّاء العنف الأمني المفرط منذ 17 تشرين الأوّل 2019" من التقديمات الصحّية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمدى الحياة ومن القانون المتعلّق بحقوق ذوي الاحتياجات الإضافية رقم 220 تاريخ 29/5/2000. وكانت "المفكّرة القانونيّة" قد انتقدتْ القانون رقم 196/2020 على خلفية أنه يكتفي بمنحهم أوهاماً ليس إلا.
فهو أولاً، لا يمنحهم أي تعويض مادي أو معنوي من جرّاء ما تعرّضوا له،
وهو ثانياً، يضع نظاماً معقّداً لضمان التغطية الصحية يربطهم بصندوق الضمان الاجتماعي، في حين أن القانون 220/2000 يضمن لجميع الأشخاص المعوقين تغطية صحية شاملة وهو قانون يستفيد من أحكامه جميع هؤلاء من دون حاجة إلى أي قانون إضافي، وإن بقي حتى الآن عدد كبير من أحكامه غير منفّذ على أرض الواقع.
وهذا ما تؤكده تجربة معوّقي 4 آب، حيث أنّ صندوق الضمان الاجتماعي لن يضع حتى اليوم نظاماً لإفادة الأشخاص المعنيين من تقديماته الصحية تحت ذريعة غياب المراسيم التطبيقية.
وعليه، لا يقدّم هذا الاقتراح شيئاً لمعوّقي التظاهرات خلافاً لما جاء فيه.
3. إغفال تفعيل المحاسبة القضائية للجرحى من المتظاهرين
تضمّن الاقتراح بنداً ثالثاً يؤكدّ على حق المتظاهرين الذين أصيبوا بأضرار جسدية بالمطالبة بالتعويضات عن هذه الأضرار "أمام القضاء المختص، الذي يتوجب عليه متابعة هذه الملفات لحين الحكم لهم بالتعويض". عملياً يشكّل هذا البند لزوم ما لا يلزم كون الحقّ بالتقدّم بدعاوى التعويض والحصول على حكم قضائيّ لا يحتاج إلى نصّ قانونيّ. إلا أن الاقتراح أغفل معالجة العوائق الأساسية التي يواجهها مصابو التظاهرات، ومنهم مقدّم الاقتراح الذي امتنعت النيابة العامّة العسكرية عن التحقيق في الشكوى التي تقدّم بها من جرّاء إصابته في تظاهرة 8 آب. ومن أهمّ هذه العوائق التي أغفلها الاقتراح: خضوع هذه الجرائم لصلاحية القضاء العسكري الذي لا يسمح للضحية بالمشاركة في إجراءات التحقيق والمحاكمة، واشتراط موافقة القيادة العسكرية لملاحقة العسكريين في معظهم الحالات.
كما نصّ الاقتراح أن تكون الدولة مسؤولة بالمال في هذه الدعاوى المقدمّة من المصابين خلال التظاهرات، وهو أمر قد يتحقق أمام القضاء الجزائي أو المدني. إلا أنّ خضوع هذه الجرائم للقضاء العسكري حيث لا تتمثل الضحية أو الدولة والذي لا يزال يمتنع عن ملاحقة هذه الجرائم يؤدّي إلى إفراغ هذا البند من أي مضمون.
خلاصة:
يسجّل لهذا الاقتراح أنه يعلن مبدأ التضامن الاجتماعي مع ضحايا الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية المندلعة منذ 17 تشرين الأوّل 2019 وذويهم من جرّاء العنف الأمني الذي سلّط عليهم. إلّا أنّه يحتاج من أجل تحقيق غاياته إلى تعديلات هامّة، لإرساء آلية تحديد الأشخاص المستفيدين منه فضلا عن ضمان نظام تعويضيّ منصف لهؤلاء. فبالإضافة إلى ضرورة تمكين ذوي ضحايا التظاهر والمتضررين منه من تحصيل تعويضاتهم من جهة مدنية وليس عسكرية، تبقى التعويضات الممنوحة لذوي الضّحايا منقوصة. كما تبقى المواد المتصلة بالجرحى أو المصابين بإعاقة كاملة أو جزئية من جرّاء التظاهر مفرّغة من أي مضمون حقيقيّ.
لتحميل وقراءة اقتراح القانون: إضغط هنا