اقتراح قانون يحظر تلقّي "النازحين" المساعدات: تشجيع على العودة أم على اقتصاد الكاش؟
23/04/2025
يوم غد الخميس، تنعقد الهيئة العامة لمجلس النواب للنظر في عدد من مقترحات القانون، منها اقتراح قانون معجّل مكرر "يرمي إلى حظر استقبال أو تحويل أو دفع أموال للنازحين السّوريين في لبنان". وقد قدّم الاقتراح نوّاب اللقاء التشاوري المستقل (إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا والياس بو صعب وآلان عون) في تاريخ 5/2/2025.
يتضمّن الاقتراح مادة وحيدة تنصّ على أنّه يحظر على المؤسسات المالية (المصارف اللبنانية وفروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان وشركات تحويل الأموال ووسائل التحويل الإلكتروني) "استقبال الحوالات المالية المخصّصة للنازحين السوريين في لبنان أو تحويلها أو دفعها لهم نقدًا، مهما كانت عملة التّحويل أو الدّفع أو مصدرها، بما فيها المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين والجمعيّات والهيئات غير الحكومية، ومهما كان وضع النازح". كما يكلّف الاقتراح في بنده الثاني لجنة الرقابة على المصارف والأجهزة المعنية في مصرف لبنان بمراقبة مدى التزام هذه المؤسسات بهذا الحظر، من جواز الاعتداد بوجهها بقانون السرية المصرفية.
وقد برّر مُقدّمو الاقتراح هذا الحظر بضرورة مواجهة أزمة "النّزوح" السّوري إلى لبنان والذي عزوا معظمه لأسباب اقتصادية "بدافع العمل" واعتبروا أنه يكّلف لبنان أكثر من ملياري دولار سنويًا وتفشي الجرائم واكتظاظ السجون. وكالعادة، لم تحدّد الأسباب الموجبة مصدر هذه المعلومات التي غالبًا ما يتم تردادها من دون الاستناد إلى أي معطيات علمية. كما اعتبرت الأسباب الموجبة أنّ الهيئات الدولية والدول الأجنبية قد تعاملت مع هذا "النزوح" خلافًا لما تقتضيه مصلحة لبنان، فعمدت إلى دفع مساعداتٍ ماليّة وعينيّة "للنّازحين" ممّا حال دون عودتهم إلى بلدهم، واستمرّت في هذه السياسة حتى بعد سقوط النظام السوري السابق، الأمر الذي قد يخفي نوايا أخرى كالتوطين. وشددت الأسباب الموجبة على أنّ "الهدف من الاقتراح ليس حرمان النازح السوري من المساعدة التي يبقى بإمكان الجهات المانحة تقديمها إليه في بلده الأم، وإنما الحيلولة دون جعل هذه المساعدة وسيلة لإبقاء النازح في لبنان طمعًا بالإفادة المالية وربما أكثر."
يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات التالية:
-
خطوة شعبوية
يشكّل الاقتراح خطوة منعزلة يقترحها نوّاب، غالبًا لأسباب شعبوية، في غياب أيّ تفكير أو تخطيط وطنيّ شامل للاستجابة لأزمة اللجوء من السورية. ويتجلّى الطابع الشعبويّ بشكل خاص من خلال تركيز الاقتراح في أسبابه الموجبة على التركيز على فزاعة التوطين، بالرغم من سقوط مخاوف العديد من اللبنانيين من خطر التغيير الديمغرافي في لبنان وتوطين اللاجئين السوريين فيه بعد سقوط نظام الأسد الاستبدادي.
ومن النافل التذكير بأن معالجة هذه الأزمة لا يمكن أن يتمّ بإقتراح قانون من مادة وحيدة. إذ هي تتطلب خطّة حكوميّة متكاملة، بالتنسيق مع السلطات السورية الانتقالية ومفوّضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين، تنظّم العودة الطوعية والآمنة للسوريين إلى بلادهم، وتأخذ بعين الاعتبار أهمية تسهيل إجراءات التنقّل بين البلدين لتشجيع الزيارات التفقدية إلى سورية تمهيدًا للعودة، كما حالات اللجوء الجديدة التي نتجت عن انعدام الاستقرار الأمني في العديد من المناطق السورية، لا سيما بعد أحداث الساحل الدموية في آذار الماضي.
-
تعريض حياة السوريين للخطر
يتذرّع مقدمو الاقتراح بنيتهم إزالة أحد الحوافز التي يرون أنّها تشجّع على بقاء السوريين في لبنان، ألا وهي المساعدات المالية التي تصل إلى بعضهم من قبل المنظمات الأممية أو غيرها من المنظمات الإنسانية والخيرية. وبغضّ النظر عن مدى جدوى ذلك، يتناقض الحظر المقترح مع حقّ الأشخاص بالوصول إلى المساعدات الإنسانية التي تهدف لإغاثتهم، لا سيما في إطار النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية الشديدة كما هي الحال في سورية اليوم التي لا تزال تخضع للعقوبات الاقتصادية. كما يتعارض مع واجب الدولة اللبنانية بتسهيل عمل منظمات الأمم المتحدة والعاملين في مجال الإغاثة لتقديم المساعدات الإنسانية في لبنان، بخاصّة في ظلّ عدم قدرة الدولة على تلبيتها.
وتعتبر المساعدات المالية، مقارنة مع المساعدات العينية، وسيلة فعّالة لتمكين الأشخاص الأكثر هشاشة من تلبية احتياجاتهم الأساسية بكرامة كما لتنشيط الاقتصاد المحلي للمجتمع المضيف. لذا، قد يّعرضّ الحظر المقترح حياة السوريين في لبنان وصحّتهم للخطر، بخاصّة بالنسبة للاجئين الأكثر فقرًا وغير القادرين على العودة إلى سوريا اليوم. وتقدّر منظمات الأمم المتحدّة أنّ 63% من اللاجئين السوريين في لبنان كانوا يعيشون تحت خطّ الفقر المدقع (وفقًا لمنهجية سلّة الحد الأدنى من الإنفاق للبقاء) في العام 2023، فيما وصلت النسبة إلى 75% من دون احتساب المساعدات.
-
إلغاء الحوافز أو التضييق على الأموال الخاصّة؟
خلافًا لأسبابه الموجبة، لا يكتفي الاقتراح بحظر المساعدات الإنسانية عن السوريين في لبنان، بل يذهب عمليًا أبعد من ذلك في اتجاه تضييق الخناق على جميع المواطنين السوريين بهدف جعل بقائهم في لبنان مستيحلًا وإرغامهم على العودة إلى سورية. وما يعزز هذا التوّجه هو أنّ الاقتراح لا يحصر الحظر بأموال المساعدات الإنسانيّة التي قد تقدّمها الهيئات الأممية أو الجمعيات للسوريين، بل يشمل ما وصفه ب "الحوالات المالية المخصصة للنازحين السوريين" مهما كان مصدرها ومن دون تعريفها. فما هو تعريف الأموال "المخصصة" للنازحين، ومن هم "النازحون" السوريون الذين يطالهم الاقتراح؟
فعلى غرار أدبيات الدولة اللبنانية واقتراحات قوانين سابقة تم تقديمها إلى مجلس النوّاب، يستخدم الاقتراح عبارة "نازح" (بدلًا من "لاجئ") من دون تفسيرها، علماً أنّها قانونياً تنطبق على الأشخاص الذي نزحوا داخل سورية من دون العبور إلى لبنان (أو إلى خارج حدود سورية). والأهمّ أنّ هذه العبارة قد تشمل فئات مختلفة من المواطنين السوريين في لبنان، مما قد يؤدّي إلى توسيع نطاق الاقتراح. فهل المقصود بها جميع السوريين المتواجدين في لبنان، مهما كان وضعهم القانوني، سواء كانوا يحملون إقامة رسمية أم لا؟ أم المقصود فيها السوريين المسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذين يصل عددهم الرسمي اليوم إلى حوالي 755 ألف شخص (أي حوالي 181 ألف عائلة) أو السوريين الذين منحهم الأمن العام إقامات مجاملة بصفة "نازح" بالاتفاق مع المفوّضية والذين يقدّر عددهم بأقلّ بكثير من عدد المسجلين؟
ونظرًا لضبابية العبارات التي يستخدمها الاقتراح ولصعوبة تحقق المؤسسات المالية من طبيعة الأموال ومدى كونها "مخصصة للنازحين"، قد يؤدّي الحظر المقترح إلى إخضاع جميع التحويلات المالية التي يتم إرسالها إلى جميع السوريين في لبنان إلى الرقابة للتثبت من مدى الالتزام بالحظر، وتاليًا إلى إعاقة التحويلات المالية الواردة من قبل أفراد العائلة أو الأصدقاء أو أصحاب العمل أو الزبائن أو الشركاء (مثلًا في حال العمل عن بُعد أو تقديم خدمات استشارية) أو أي مصدر آخر. ومؤدّى ذلك التضييق على حقّ المقيمين السوريين في الوصول إلى أموالهم الخاصّة، ما قد يشكّل خطوة غير مسبوقة تتناقض مع حاجات الاقتصاد اللبناني ومبدأ الاقتصاد الحرّ الذي ينصّ عليه الدستور.
أخيرًا، نشير إلى أنّه، وبالإضافة إلى الخسائر التي قد تلحق بالمؤسسات المالية نتيجة حظر التحويلات المالية للسوريين، يُخشى أن يؤدّي هذا الحظر المقترح إلى تشجيع الاقتصاد النقدي (cash economy) خلافًا للتوّجهات المالية الإصلاحية الحالية، بحيث تنتشر الممارسات التي تقضي بتحويل الأموال لصالح أشخاص من جنسيّة غير سوريّة يتوّلون دفعها نقدًا لصاحبها السوريّ، مما يعيق الرقابة على هذه الأموال. كما نشير على الهامش استسهال رفع السرية المصرفية في مسألة النازحين، من قبل نواب عرف بعضهم وفي مقدمتهم آلان عون وإبراهيم كنعان بأدوارهم لإجهاض أي مسعى لإسقاطها أو الحدّ منها، في سياق البحث عن خطط إعادة هيكلة المصارف والتعافي الاقتصادي.