اقتراح لردع سلفات الخزينة المخالفة للأصول
21/05/2024
تقدّم النواب بولا يعقوبيان وياسين ياسين وابراهيم منيمنة وفراس حمدان باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى تحميل كل من يخالف أصول منح سلفات الخزينة مسؤولية تسديدها من أمواله الخاصة. وفي تفاصيل الاقتراح، فهو يرمي إلى إضافة فقرة إلى المادة 213 من قانون المحاسبة العمومية، تُعيد التذكير بوجوب التقيّد بأصول منح سلفات الخزينة المنصوص عنها في المواد 203 إلى 212، قبل أن تفرض العقوبة المذكورة أعلاه على من يخالفها.
وللتذكير، فإنّ المادة نفسها قد أقرّها المجلس النيابي في قانون موازنة 2024، قبل أن يُبطلها المجلس الدستوري في قراره على أساس أنّها من فرسان الموازنة، وذلك لأنّها تحمل طابعاً عقابياً أكثر ممّا هو مالي. وعليه، عاد النواب وتقدّموا بالاقتراح بالمضمون نفسه تبعا لكون إبطال المجلس الدستوري كان وفق معيار شكلي حصرا لجهة عدم جواز إيراد هكذا مادّة في الموازنة، وليس لعدم دستورية المادة بحدّ ذاتها، وهو ما أكّده مقدّمو الاقتراح في أسبابه الموجبة.
تفعيل لنص موجود أصلا؟
من الاطّلاع على المادة 211 من قانون المحاسبة العمومية، يتبيّن أنّها وضعت عقوبات أصلا على المخالفين لأصول منح سلفات الخزينة. فقد نصّت المادة على أنّه "للمحتسب أن يحسم مباشرة من راتب القيم على السلفة وتعويضاته المبالغ التي لا يثبت استعمالها، أو التي لا يسددها في المواعيد المحددة، كما له أن ينفذ تلقائيا بحقه أي تدبير قانوني آخر يؤمن استرداد هذه المبالغ..".
وعليه، يتبيّن أنّ المادة 211 قد أعطت المحتسب صلاحيات واسعة لاتّخاذ "أي تدبير قانوني يؤمن استرداد هذه المبالغ"، وهو ما يُفهم منه أنّه يُمكن للمحتسب فرض التسديد من الأموال الخاصة في حال المخالفة أو تجاوز مهل الدفع. إذ ذاك، يأتي هذا الاقتراح لينص صراحة على هذه الإمكانية، بما يُمكن أن يوصف بأنّه محاولة صريحة للتأكيد على إمكانية فرض عقوبة تسديد السلفة من الأموال الخاصة للمخالِف. وبالفعل، لم يتّصل إلى علمنا أنّه تم تطبيق العقوبات المذكورة في المادة 211 على الرغم من المخالفات العديدة للأصول الواردة فيها، وهو الأمر الذي أكّد عليه تقرير ديوان المحاسبة حول سلفات الخزينة الصادر في العام 2021، سواء أكان في المخالفات المتعلّقة بغايات السلفات التي حصرها القانون بأمور معيّنة، أو أكان لجهة عدم ردّ هذه السلفات إلى الخزينة إذ تبيّن في تقرير الديوان أنّ معظم مراسيم السلفات نصّت على أن يكون التسديد بموجب قوانين خاصة أو من خلال اعتمادات ترصد في الموازنات العامة، وهي لم تصدر في كلتا الحالتيْن. تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب بيان أعدّته وزارة المالية، بلغت قيمة سلفات الخزينة ما بين 2020 و2023 مبلغ 47 ألف مليار ليرة (أي أكثر من نصف مليار دولار في حال احتساب سعر الصرف على 89,000 ليرة، علما أنّ سعر الصرف لم يُحتسب على هذا الأساس في معظم هذه الفترة).
غموض في تحديد المحكمة المختصة
نصّ الاقتراح على أن يتحمّل كلّ من يخالف أحكام سلفات الخزينة المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية تسديد السلفات من أمواله الخاصة ويُلاحق أمام القضاء المختص. إلّا أنّ هذه الإضافة بقيت غامضة لجهة تحديد الجهة المسؤولة عن الشروع بالملاحقة والجهة المختصة للمحاكمة وفرض العقوبات، على عكس المادة 211 الموجودة حاليا التي كلّفت المحتسب اتّخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تسديد السلفة. فكان الأجدر بهذه المادة أن تفرض على من ينظر بصحة أو قانونية معاملات سلفات الخزينة (يُفترض أن يكون المحتسب) تبليغ الجهات المعنية بالمحاكمة بالمخالفات عند اكتشافها، وإلّا يستحيل أن تتم الملاحقة بحيث لا يُمكن اكتشاف هذه المخالفات إلّا ممّن يُخوّل الاطّلاع على هذه المعاملات.
أكثر من ذلك، كان يُفترض تحديد صراحة من هو "القضاء المختص" الذي ورد في الاقتراح أنّه يتم إحالة المخالفين عليه. وبالرجوع إلى واقع الاجتهاد اللبناني، يكون ديوان المحاسبة في المبدأ هو المختص للنظر في تجاوز قواعد المحاسبة العمومية. أما بما يتصل بالمسؤولية الجزائية، فإن المادة تبقي الباب مفتوحا أمام الجدل حول إجراءات ملاحقة الوزراء على خلفية إخلالهم الوظيفي، وفيما إذا كان يقتضي ملاحقتهم أمام القضاء العدلي أو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (وهي محكمة لم تنعقد يوما) مع ما يستتبع ذلك من خطورة إفلات من العقاب.
إضافة في المكان الخاطئ؟
بالنظر إلى هيكلية المواد من 202 إلى 213، يتبيّن أنّ المادة 213 المطلوب إضافة المادة عليها تتعلّق بضم بيان بسلفات الخزينة إلى قطع الحساب ولا علاقة لها بفرض عقوبات. وعليه، يُستحسن أن تُضاف هذه الفقرة إلى المادة 211 لكونها أصلا تتحدّث عن عقوبات يُمكن فرضها على مخالفي أصول سلفات الخزينة.