اقتراح لغزو الشاطئ: أو هذا الاستثناء الذي يدوم قرابة جيل
21/04/2023
تقدّم 10 نواب من تكتل لبنان القويّ في تاريخ 20/3/2022، باقتراح قانون يرمي إلى تمديد العمل لخمس سنوات وذلك للمرة الثالثة للقانون المتعلّق باستثناء الفنادق من بعض أحكام قانون البناء والمرسوم التطبيقي له وهو القانون رقم 402/1995. وكان القانون 402 قد استثنى إنشاء الفنادق من بعض أحكام قانون البناء، على نحو يسمح بمضاعفة عامل الاستثمار في مشاريع الفنادق في العقارات التي تتجاوز مساحتُها عشرين ألف متر مربّع، والواقعة بين الأملاك العمومية البحريّة والطرق الساحليّة الرئيسيّة، وذلك لمدة 5 سنوات. وإذ تم تبرير إصدار هذا القانون في عام 1995 بإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد اللبناني، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهليّة، فإنّ المشرّع اللبناني عاد ومدّد لهذا الاستثناء مرتين في 2001 (339/2001) وفي 2014 (264/2014). وقد شكّل هذا القانون تالياً الغطاء الشرعيّ لبناء المنتجعات المزمع إنشاؤها في مختلف المناطق اللبنانية وخصوصًا على مقربة من الشاطئ حيث يقلّ عموما عامل الاستثمار.
وقد جاء في أسبابه الموجبة أن التمديد ضروري لتشجيع الاستثمار السياحي "لا سيما على صعيد إعادة تأهيل وتشغيل الفنادق المتعثرة"، وأن من شأنه "تحريك العجلة الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب" وأن عدد الفنادق "5 نجوم يقلّ عددها في العاصمة عن أي بلد عربي أو أجنبي". واللافت أن هذه الأسباب مطابقة لتلك المذكورة في قانون التمديد المقرّ عام 2014.
هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات الآتية:
تأبيد حالة الاستثناء
أول ما نلحظه هنا هو ميل المشرّع إلى تمديد العمل بحالة الاستثناء في مسائل مختلفة، منها الاستثناء على قوانين البناء، في اتجاه يؤبّد الاستثناء ويحوّله عمليّا إلى قاعدة عامة. ويتأكّد ذلك من سريان هذا الاستثناء طوال 24 سنة بفعل تمديديْن حصلا من قبل واحتمال تمديده لخمس سنوات إضافية في حال قبول الاقتراح الحالي، لتناهز مدة العمل به 29 سنة أي ما يزيد عن عمر جيل كامل.
والسؤال الذي يطرحه تأبيد حالة الاستثناء على هذا الوجه يتّصل بالأسباب التي تدفع النواب إلى اعتماد الباطنية في التشريع. فإما أن القاعدة الواردة في قانون البناء لجهة تخفيض عامل الاستثمار في العقارات المحاذية للشاطئ جيدة ولا نفهم سبب استثنائها المستمر من دون الموازنة بين الغاية من وضعها والغاية من إدخال الاستثناء، وإما أنها غير جيّدة ولا نفهم إذ ذاك سبب تجاوزها من خلال قوانين استثنائية بدل تعديلها صراحة.
استسهال الاستثناء والتطبيع معه
الأمر الثاني الذي يجدر لفت النظر إليه هو استسهال إقرار الاستثناءات في مجلس النواب بحجة أو بغير حجة. وليس أدلّ على ذلك أنّ الأسباب الموجبة للاقتراح استعادت حرفيا الأسباب الموجبة لقانون التمديد في 2014 كما سبق بيانه، من دون أي تغيير في المعطيات أو الأرقام الواردة، ومن دون أي ذكر للأزمة الاقتصاديّة. فكأنما يتم تبرير الاستثناء بأي حجة من دون ربطه بأي دراسات اقتصادية للواقع الراهن.
كما ثمّة دليل آخر لا يقلّ أهمية على استسهال الاستثناء وهو الدليل الذي كانت المفكرة القانونية قد وثّقته في تاريخ إقرار التمديد الثاني للقانون في الجلسة التشريعية في تاريخ 2/4/2014، حيث لم تستغرق مناقشة الاقتراح آنذاك إلا دقيقتين، تخلّلتهما مداخلة يتيمة من النائب السابق فؤاد السنيورة طلب فيها آنذاك تمديد مدة العمل بالاستثناء من 5 السنوات المقترحة إلى 19 سنة، أيضا من دون أي مبرر. وقد اقتصرت هذه المداخلة حرفيا على 3 كلمات: "خلّيها 19 سنة"، وهي مداخلة سرعان ما تلقفها رئيس المجلس نبيه بري وطرحها على التصويت برفع الأيادي، ليقرّ القانون من دون أي مناقشة لبنوده أو أبعاده. بمعنى أنه تم تمديد العمل بالاستثناء آنذاك لمدة 19 سنة بفعل 3 كلمات اقتصرت على إعلان نائب عن تمنياته من دون أي تبرير.
تشريع على قياس مشاريع؟
أخيرا، جاز التساؤل تبعًا لخلو الاقتراح من أيّ أسباب مبرّرة جدّية وبالأخصّ لجهة الموازنة بين الغاية من قاعدة تخفيض عامل الاستثمار والغاية من الاستثناء، عما إذا كان هذا الاقتراح يندرج ضمن مساعي تحقيق المصلحة العامة أم مصلحة خاصة أو فئوية معينة.
وعليه، وفي حين نبهت المفكرة القانونية مثلا في 2014 أن تمديد العمل بالاستثناء الحاصل آنذاك ترافق مع الحديث عن مشروع "الدالية"، ننبه الآن من إمكانية ارتباط هذا الاقتراح بمشاريع عقارية، يخشى أن تكون موضع تخطيط في مناطق ساحلية أخرى.