الإشكاليات الدستورية في توصيات مجلس النواب

وسام اللحام

16/05/2024

انشر المقال

أقرّ مجلس النواب في أول جلسة مناقشة عامة يعقدها في ولايته الحالية بتاريخ 15 أيار 2024 مجموعة من التوصيّات حول أزمة اللجوء السوري إلى لبنان، وهي أشبه بطلبات موجّهة إلى الحكومة والمجتمع الدولي وأجهزة الأمم المتحدة تنتهي بالفقرة التالية: "التزام الحكومة بهذه التوصية وتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر للمجلس النيابي حول مراحل تنفيذ ما تضمنته". فهل يحق لمجلس النواب بوصفه السلطة التشريعية توجيه هكذا "توصيات" وبخاصة أن الحكومة حكومة تصريف أعمال؟ وهل الحكومة ملزمة دستوريا بتطبيقها؟

غياب أصول تقديم التوصيات

إن أول ملاحظة تفرض نفسها قبل معالجة الموضوع تتعلق بعدم وجود أيّ آلية في النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب تتعلق بتقديم التوصيات وكيفية دراستها. فقط المادة 87 تنصّ على أن التصويت على القرارات والتوصيات يتمّ برفع الأيدي، بينما التصويت على القوانين يجب أن يتمّ بالمناداة بالأسماء. فالمادة 23 من النظام الداخلي الفرنسي لسنة 1915 كانت تنص على أن القرارات التي يعبر فيها المجلس عن موقف ما يجب أن يتمّ تقديمُها كتابةً إلى رئيس المجلس، وأن تكون مشفوعةً بأسباب موجبة، على أن يقوم هذا الأخير بإعلام الهيئة العامّة بها ومن ثم يحيلها إلى اللجنة المختصّة كي تتمّ دراستها ومن ثم يتمّ طبعها وتوزيعها على النواب للبتّ بها. إنّ عدم انتهاج هذه الآلية يجعل التوصيات والقرارات التي يتخذها مجلس النواب متّسمة بالارتجالية طالما أنها لم تخضع للنقاش الضروري قبل عرضها على تصويت الهيئة العامة للمجلس. والغريب أن المادة 146 من النظام الداخلي لعام 1930 في لبنان كانت تنص على التالي: "كل اقتراح برغبة أو بمشروع قانون وضعه أحد أعضاء المجلس يقدّم كتابة للرئيس فيخبر به المجلس في أول جلسة ليحال إلى لجنة الاقتراحات فإذا قرر المجلس عدم النظر فيه يحفظ الاقتراح". هذا الأمر يعني أن "الرغبات" كانت تناقش في اللجان قبل وصولها إلى الهيئة العامة. لكن النظام الداخلي لعام 1953 ألغى هذا النص المُستوحى من التجربة الفرنسية  مكتفيا بالمادة 79 منه التي جاء فيها: "إن التصويت على الرغبات والمقرّرات والتمنيّات والاقتراحات في غير موضوع مشروعات القوانين والثقة بالحكومة، يكون بطريقة رفع الأيدي".

وعلى الرغم من أن النظام الداخليّ ميّز بين الرغبات والتمنيّات والقرارات، لكن النظام الداخلي الذي جرى تبنّيه في سنة 1982 حذف هذه المفاهيم واقتصر على النص في المادة 96 منه على أن التصويت على "التوصيات والقرارات" وسائر المواضيع التي لا تتعلق بالقوانين وطرح الثقة بالحكومة يتم عبر رفع الأيدي، وهو النص ذاته الذي أصبح المادة 87 في النظام الداخلي المعمول به حاليا. ولكن حتى هذا النص اليتيم أثار جدلا كون رئيس مجلس النواب طرح التصويت على هذه "التوصيات" برفع الأيدي، لكنه أعلن إقرارها في ظلّ جو من الفوضى واعتراض بعض النواب ومن دون التأكّد من حصولها على الغالبية المطلوبة. 

توصيات أم قرارات ملزمة؟

في حال وضعنا هذه المسألة جانبًا، يتبيّن أنّ "التوصيات" التي أقرّها مجلس النواب في جلسة 15 أيار لم تكن مجرّد رغبات وتمنيّات بل مجموعة من القرارات والأوامر التي وجّهها مجلس النواب إلى الحكومة من بينها:

  • تفعيل عمل اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة "للتواصل والمتابعة المباشرة و الحثيثة مع الجهات الدولية و الإقليمية و الهيئات المختلفة لا سيما مع الحكومة السورية ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين باستثناء الحالات الخاصة المحميّة بالقوانين اللبنانية والتي تحددها اللجنة".
  • تأكيد التزام لبنان مضمون مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة اللبنانية ممثلة بالمديرية العامة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتاريخ 2003/9/9 "واتخاذ الاجراءات اللازمة للتنفيذ وتقديم الإحصاءات و الملفّات الخاصة بالنازحين الموجودة لديها والطلب منها التنسيق مع مكتبها في سوريا لتسهيل عملية إعادتهم إلى بلدهم".
  • التزام بتطبيق القوانين ذات الصلة والقيام بالإجراءات القانونيّة "اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السلطات السورية وفق القوانين والأصول المرعية".
  • "التزام الحكومة بالموقف الذي أعلنه رئيسها في الجلسة ونُقل للدول والهيئات العاملة بملف النزوح بأن لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء النازحين".

وفي الختام تضمنت "التوصية" إلزاما للحكومة باحترام مندرجاتها وتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر حول مراحل تنفيذها الى مجلس النواب.

وهكذا يتبين أن هذه التوصية هي في الحقيقة توجيهات ملزمة أقرّها مجلس النواب وفرض على الحكومة تنفيذها ما يعني أن تسميتها بتوصيات لا يقع في محله القانوني الصحيح كون التوصية لا يمكن أن تكون ملزمة بل هي عبارة عن رغبات وتمنيات وهو التعبير الصحيح الذي كان واردا في النظام الداخلي قبل 1982.

إذ في جلسة 27 شباط 1905 أعلن رئيس مجلس الوزراء الفرنسي أنه لا يستطيع أن يقبل بمشروع قرار تقدّم به نائب لأنه قد يفسر كأمر ملزم للحكومة بينما الدستور لم يمنح تلك الصلاحية للبرلمان إلا عبر القوانين التي تخضع لأصول خاصة ويتوجب إصدارها من قبل رئيس الجمهورية هذا علما أن القانون هو ملزم للجميع وليس فقط للحكومة. وانسجاما مع مبادئ النظام البرلماني التي ظهرت خلال الجمهورية الثالثة (1875-1940) في فرنسا وتطوّرت مع الجمهورية الخامسة (1958) نحو تعزيز دور الحكومة والحدّ من تدخل البرلمان في السلطة التنفيذية اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي في قرار[1] له أن النظام الداخلي لا يمكن أن يعطي لقرارات الجمعية الوطنية إلا مفعولا ينحصر بالتدابير الداخلية باستثناء تلك القرارات التي ينص عليها الدستور أو القوانين العضوية المتممة للدستور.

عدم جواز طرح مسؤولية الحكومة السياسية عبر التوصيات

وينقل العلامة "أوجين بيار"[2] أن القرار الذي يتخذه مجلس النواب والذي يتضمن دعوة الحكومة إلى ممارسة صلاحياتها لا يمكن أن يتم إلا خلال جلسة مخصصة لاستجوابها، ما يعني ضرورة وجود حكومة غير مستقيلة يمكن لها ممارسة صلاحياتها لأن توجيه هكذا طلب من الحكومة يتضمّن انتقادا مبطّنا لها بتقاعسها عن ممارسة كامل صلاحياتها كما يجب ما يعني أن مسؤوليتها السياسية باتت مطروحة أمام مجلس النواب.

فبإمكان مجلس النواب أن يتّخذ القرارات وهو بالفعل يتخذ العديد منها لكنها تكون عبارة عن تدابير داخلية يتمتع بها مجلس النواب بحريته الكاملة. إذ أنّ إقرار النظام الداخلي مثلا أو تعديله أو رد اقتراح أو مشروع قانون إلى اللجان النيابية جميعها قرارات تدخل ضمن خانة التدابير الداخلية لكن سحب الثقة من الحكومة هو قرار يتعلق بجهة خارجيّة يمكن لمجلس النواب اتّخاذه لأن الدستور يُجيزه. فالقرارات كي تكون ملزمة لجهة غير البرلمان لا بد أن تكون متخذة عملا بنص دستوري صريح يسمح بذلك. فالقوانين التي يقرها مجلس النواب هي ملزمة للجميع كون الدستور أناط السلطة التشريعية بالبرلمان بينما التوصيات والقرارات لا يوافق عليها مجلس النواب بوصفه سلطة تشريعية بل هيئة جماعية عبرت إرادتها الخاصة سواء بتبني تدابير داخلية (قرارات داخلية) أو موقف سياسي من الحكومة (قرارات خارجية يجيزها الدستور) أو توصيات هي عبارة عن رغبات وتمنيات خارجية (قرارات غير ملزمة). من جهة أخرى، يضيف "أوجين بيار" أن تطبيق القوانين هو صلاحية تعود فقط إلى الحكومة التي تتمتع بحرية كاملة في تفسير تلك القوانين وتحديد طريقة تطبيقها. فمجلس النواب يحق له فقط عبر جلسة مخصصة لاستجواب الحكومة أن يحكم على كيفية تطبيق هذه الأخيرة للقوانين إذ لا يحق له الطلب منها بقرار خارج جلسة الاستجواب أن تطبق القوانين أو أن تعتمد تفسيرا معينا للقانون لأن ذلك يقود إلى طرح مسؤولية الحكومة السياسية[3].  فالتصويت على قرار يتضمن هكذا مطالب يؤدي إلى التحايل على الوسيلة التي يلحظها الدستور من أجل مساءلة الحكومة سياسيا عبر استبدال الاستجواب بموقف يتضمن موقفا من أداء الحكومة.

فالقرارات التي لا تتعلق بالتدابير الداخلية لعمل البرلمان هي أشبه بالرغبات التي لا تلزم الحكومة إلا إذا وافقت هذه الأخير صراحة على تطبيقها وإلا لا يمكن بأي حال من الأحوال محاسبتها على عدم الالتزام بها[4]. حتى عندما تتعهد الحكومة بالالتزام بتلك القرارات فإن البرلمان لا يمكن محاسبة الحكومة إلا عبر طرح الثقة بها ولا يمكن اتخاذ إجراءات قانونية أخرى لتنفيذ تلك القرارات من المحاكم على سبيل المثال كون هذه الأخير تطبق فقط القوانين وهي غير ملزمة إطلاقا بتطبيق رغبات مجلس النواب حتى لو وافقت عليها الحكومة[5].

ولا بد هنا من التذكير أيضا بالورقة البحثية التي أصدرتها المفكرة القانونية حول تصريف الأعمال إذ أشارت خلالها إلى التجربة البلجيكية المعبرة جدا في هذا المجال نظرا للتشابه بين هذه الأخيرة والواقع اللبناني. فنظرا لطول فترات تصريف الأعمال في بلجيكا بات البرلمان البلجيكي يعلن انه سيوافق مسبقا على قرار معين في حال قررت الحكومة اتخاذه. فمجلس النواب يبدي رغبته أو توصيته عبر اقتراح إجراء ما ومن ثم تقوم الحكومة بتنفيذه ما يجنب الخوض في إشكالية مسؤولية الحكومة السياسية. لكن هذا الحل الفريد الذي تم تبنيه في بلجيكا لا يعتبر أن الحكومة ملزمة بتلك التوصيات وهو حل وافق عليه القضاء الإداري البلجيكي ما يجعله محصنا من الناحية القانونية بينما يختلف الوضع في لبنان ليس فقط لأن توصيات مجلس النواب كانت أشبه بأوامر موجهة إلى الحكومة المستقيلة، لكن أيضا لأن مجلس شورى الدولة لم يعالج بعد مثل هذه المسألة. لذلك كان من الأفضل أن يتخذ قرار المجلس شكل توصيات أو اقتراحات فعلية تعبر عن رغبات البرلمان بدل توجيه الأوامر إلى الحكومة .

توصية بإخضاع السلطة التنفيذية إلى رئيس الحكومة

ومن المفارقات العجيبة التي التي تضمنتها توصيات مجلس النواب مخالفة خطيرة لمبدأ فصل السلطات عبر توجيه أوامر إلى الحكومة والطلب منها الالتزام بموقف رئيس الحكومة، بينما مجلس الوزراء يتخذ قراراته بالأكثرية ويحق له أن ينتهج سياسة مغايرة لموقف رئيس الحكومة لا بل أنّ هذا الأخير يحقّ له أيضا تعديل موقفه واتّباع سياسة مغايرة ويظل مجلس النواب حرّا بمحاسبة الحكومة عبر النزع الثقة عنها في حال ثبت أنه لا يوافق على هكذا تعديل.

إن إقرار توصية ملزمة مفادها إخضاع أعضاء مجلس الوزراء لسلطة رئيس الحكومة يشكل مخالفة للطبيعة الجماعية لكيفية عمل السلطة التنفيذية في لبنان لا سيما وأن المادة 65 من الدستور توجب على مجلس الوزراء اتخاذ قراراتها بالتوافق أولا وفي حال تعذر ذلك بأكثرية الأصوات، ما يعني أن صلاحيات رئيس الحكومة في هذه النقطة هي مشابهة تماما لصلاحيات سائر الوزراء ولا يمكن الفرض مسبقا عليهم الالتزام بمواقف فردية يعلنها رئيس الحكومة، لا سيما وأن المادة 64 من الدستور تنص على أن هذا الأخير يتكلم باسم الحكومة أي يعبر عن مواقفها بينما توصية مجلس النواب تؤدي إلى منطق معكوس إذ تصبح الحكومة ملزمة بالتعبير عن مواقف رئيس الحكومة، ما يؤدي إلى ضرب التضامن الوزاري وتحويل مجلس الوزراء إلى مؤسسة تابعة لرئيسه.   

تدخل في صلاحيات الحكومة الخارجية

لا تقتصر هذه "التوصيات الملزمة" على توجيه الأوامر إلى الحكومة لاتباع موقف معين واعتماد طريقة محددة في تطبيق القوانين لكنها أيضا تتدخل في صلاحيات هذه الأخيرة المتعلقة بسياسة لبنان الخارجية وعلاقته مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية ما يشكل خرقا للدستور كون كل الأمور المتعلقة بسياسة الدولة الخارجية تدخل في الصلاحيات الحصرية للسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء عملا بأحكام المادة 52 من الدستور. لذلك لا يجوز أن يتم التصويت على قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية من دون التوافق المسبق مع الحكومة[6].

عدم جواز فرض مهلة على الحكومة

إن الطبيعة القانونية الحقيقية لتوصيات مجلس النواب تظهر في توصيته الأخيرة التي تعلن "التزام الحكومة بهذه التوصية" مع فرض مهلة لتقديم تقرير حول تنفيذ مراحل ما تضمنته كل ثلاثة أشهر للمجلس النيابي.

فهذه التوصية الختامية تنطلق من مسلمات أقل ما يقال فيها إنها إشكالية لعل أبرزها مصادرتها قرار الحكومة التي لم تعلن موافقتها على هذه التوصيات مع التساؤل حول كيفية إبداء الحكومة لموافقتها وهي أولا لم تجتمع في مجلس الوزراء كي تتخذ قرارها في هذا الشأن وفقا للشروط الدستورية وثانيا كونها حكومة مستقيلة ما يشكك جدا في إمكانية التزامها بتعهدات داخلية ودولية قد لا توافق عليها الحكومة الجديدة عند تشكيلها.  

ففي جلسة 16 آذار 1993 طرح رئيس المجلس التصويت على التوصية التالية: "توصية بإصلاح التنظيم النقابي على أساس نقابة واحدة لكل مهنة أو قطاع في كل لبنان ضمن مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر" الأمر الذي أثار اعتراض النواب كون التوصية غير ملزمة ولا يمكن بالتالي فرض مهلة على الحكومة ولا على النقابات لا سيما وأن مجلس النواب يحق له فقط مخاطبة الحكومة لا التوجه إلى النقابات. وبالفعل تراجع رئيس المجلس عن نص التوصية قائلا: "جاءت هذه التوصية وكأنها تمن من المجلس على أن تتحد النقابات وبمعنى أن يكون هناك نوع من الإلزام المعنوي، وليس لهذه التوصية قيمة قانونية على الإطلاق" مضيفا التالي: "نحن نقدم التوصية للحكومة ولا نقيدها بمهلة بالنسبة لهذا الموضوع". وهكذا باتت التوصية موجهة للحكومة ومن دون مهلة على الشكل التالي: "نوصي الحكومة ليصار الى القيام بإصلاح التنظيم النقابي على أساس نقابة واحدة لكل مهنة وقطاع في لبنان" وهي الصيغة التي أقرها مجلس النواب.

جراء ما تقدم، يصبح جليا أن فرض مهلة على الحكومة لتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر في التوصية التي أقرها المجلس في جلسة 15 أيار يخالف سابقة 1993 ويشكل خرقا لمبدأ فصل السلطات كون إلزام الحكومة لا يمكن أن يتم من الناحية الدستورية إلا عبر القانون.

لا بل أن طلب مجلس النواب من الحكومة بتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر يشكل تطبيعا مع واقع وجود حكومة مستقيلة في ظل شغور رئاسة الجمهورية وكأن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان لم تعد قائمة ويمكن للحياة الدستورية أن تستمر في ظل ممارسات غريبة كليا عن منطق النظام البرلماني.

خلاصة: توصيات ملزمة لحكومة لا يمكن محاسبتها

وهكذا يتبين في الحقيقة أن جلسة 15 أيار كانت في الحقيقة جلسة لمحاسبة الحكومة وطرح مسؤوليتها السياسية مع المفارقة أن الحكومة مستقيلة ولا يمكن بالتالي سحب الثقة منها. فمجلس النواب يحق له تبني توصيات ويحق له حتى محاسبة الحكومة في حال خالفت توصياته لكن تلك التوصيات تظل غير ملزمة دستوريا للحكومة[7] ولا هي ملزمة للدولة بل يتعلق الأمر فقط في التوازن السياسي داخل البرلمان الذي قد يقرر أن الثقة بالحكومة متعلقة باحترام رغبة المجلس على أن تظل هذه الأخيرة حرة باتخاذ الموقف الذي تراه مناسبا ومواجهة احتمال فقدان ثقة البرلمان في حال قررت عدم تنفيذ التوصية.

لكن هذا التحليل يصبح في غير محلّه عندما تكون صلاحيات الحكومة مقتصرة على تصريف الأعمال ما يعني أن الإلزام السياسي الذي تتضمنه هذه التوصيات يصبح من دون جدوى. فإذا كانت توصيّات المجلس غير ملزمة من الناحية القانونية، ولا هي ملزمة من الناحية السياسية لانتفاء مسؤولية الحكومة، لا بد من التساؤل جديا حول الغاية من جلسة 15 أيار التي فقدت مغزاها الدستوري وباتت مجرد مناسبة لتسجيل النقاط بين مختلف أركان السلطة عبر الخطب الشعبوية التي تهدف إلى التحريض والتهويل إكساب السلطة السياسية شرعية جديدة. فجلسة 15 أيار لا تدخل ضمن منطق النظام البرلماني لا بل هي من الناحية الدستورية أقرب إلى النظام المجلسي حيث الحكومة هي مجرد أداة ينحصر دورها بتنفيذ إرادة البرلمان. ففي حال وضعنا التناقضات التي عكستها هذه الجلسة في ظل حكومة مستقيلة يمكن القول أن ما جرى هو مؤشر على الانزلاق المتسارع للنظام الدستوري اللبناني إلى شكل من أشكال النظام المجلسي حيث الحكم بيد البرلمان، هذا في حال افترضنا أن السلطة السياسية في لبنان هي فعليا في المؤسسات الدستورية، وهذه فرضية أقرب إلى الرغبات والتمنيات التي لا تلزم إلا من يفترضها. 

 

 


[1] « Les assemblées ne peuvent par leur règlement attribuer aux propositions de résolution un objet différent de celui qui leur est propre et qui peut leur être assigné sans porter atteinte à la Constitution. Cet objet consiste en la formulation de mesures et décisions d'ordre intérieur ayant trait au fonctionnement et à la discipline de ladite assemblée. À ces propositions de résolution, ne peuvent s'ajouter que celles que les assemblées seraient susceptibles de voter dans les cas expressément prévus par les textes constitutionnels et organiques » (Décision numéro 59-2 DC du 24 Juin 1959).

[2] « Une motion qui tend à inviter le gouvernement à faire acte de ses fonctions ou à critiquer la conduite d’un ministre, ne devrait se produire que par voie d’interpellation » (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Librairies-Imprimeries réunies, Paris, 1924, p. 495).

[3] « Par l'usage du droit d'interpellation, les Chambres jugent la manière dont le Gouvernement, dans sa pleine indépendance et sous sa responsabilité propre, croit devoir exécuter les lois de l'État; elles ne peuvent pas le lier d'avance ni lui déclare préventivement que telle manière d'appliquer une loi ne sera pas la bonne » (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Supplément, Librairies-Imprimeries réunies, Paris, 1919, p. 576).

[4] « Les résolutions (…) sont assimilables aux vœux émis par les Conseils généraux; elles ne lient le Gouvernement  que s'il a pris l'engagement formel de les exécuter ; s’il  s'est borné à promettre d'étudier les moyens de les réaliser, il est tenu de faire loyalement tout ce qui dépend de lui pour que le désir manifesté par l’Assemblée reçoive satisfaction; mais, s'il n'y parvient pas, .s'il rencontre quelqu’une  de ces difficultés matérielles que l'on ne .saurait prévoir au cours d’un débat sommaire et souvent imprévu, il ne saurait être accusé d’avoir manqué à ses devoirs » (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Supplément, p. 1235).

[5] في جلسة 26 تشرين الأول 1993 مثلا يعلن رئيس الحكومة أنه في حال أراد مجلس النواب إصدار توصية تتعلق بموضوع مشاركة لبنان في المؤتمرات الخارجية فإن الحكومة مستعدة للأخذ بها.

[6] « Il ne serait pas correct d’introduire, par voie de projet de résolution, une question de politique étrangère sans une entente préalable avec le Gouvernement » (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Supplément, p. 564).

[7] على سبيل المثال أقر مجلس النواب في جلسة 13 تشرين الأول 2015 توصية حول منح المرأة اللبنانية جنسيتها إلى أولادها لكن هذه التوصية ظلت حتى اليوم من دون تنفيذ.