البرلمان يُبايع ميقاتي: اقضِ على اللاجئين السوريين
16/05/2024
تنبّه المجلس النيابي بعد مرور 13 عاماً على بدء أزمة اللجوء السوري إلى وجود مشكلة ينبغي حلّها. وفي الطريق اكتشف أيضاً أن لا اتفاق على توصيف الحالة نفسها: هل هي نزوح أم لجوء أم وجود؟ مضمون الجلسة العامة التي عقدت أمس، أوحى أنها تعقد في العام 2012 لا في العام 2024. أما التوصية الصادرة عنها فبدتْ لزوم ما لا يلزم، بالرغم من الإيحاء أنها ستحلّ الأزمة فعلاً أو أنها تُشكّل قراراً لبنانياً موحّداً في التعامل مع حالة اللجوء. في الحالتيْن، تعامل المجتمعون مع الجلسة الأولى لمساءلة الحكومة في المجلس الحالي، بوصفها فرصة للتواصل مع الناخبين وتسجيل النقاط، فيما بقي الهدف الأول من عقدها هو تخفيف الضغط عن كاهل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي استنجد برئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد الجلسة. وبالفعل تجاوب بري سريعاً، خلافاً لما فعل عند تقديم عريضة نيابية (قُدمت في 13/07/2023) تطالبه بالدعوة إلى عقد جلسة نيابية في أسرع وقت ممكن لمناقشة القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي في 13/07/2023 بشأن لبنان على خلفية دعوته، وفق ما جاء فيها "إلى إبقاء النازحين السوريين في لبنان وعدم إعادتهم إلى سوريا". علماً أن ملف اللجوء السوري لا يزال حاضراً في لجنة الإدارة والعدل من خلال مناقشة اقتراحيْ قانون لتنظيمه، وكانت المفكرة القانونية قد علّقت تباعا عليهما.
ميقاتي: لم أوقّع على شيء
بداية الجلسة كانت مع كلمة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أوضح فيها مسار الهبة ومسار محادثاته مع الجانب الأوروبي، فانتقد تغليب الشعبوية والمزايدات على المصلحة الوطنية، وتحويل الفرصة إلى مشكلة والنعمة إلى نقمة. وأوضح أن المساعدة الاوروبية التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية في حضور الرئيس القبرصي ليست سوى تأكيد للمساعدات الدورية التي تقدمها المفوضية الأوروبية للبنان منذ سنوات. وتأكيد رئيس الحكومة عدم توقيع أي اتفاقية مع المفوضية، هدأ من روع نائب رئيس المجلس النيابي الياس ابو صعب، الذي كان أكد أن توقيع أي اتفاقية دولية هو صلاحية خاصة برئيس الجمهورية. لكنه فتح الباب على السؤال عن كيفية الحصول على هذه المساعدات، وكيفية توزيعها إن لم تقر بقانون، لكن مصادر حكومية أكدت لـ"المفكرة القانونية" أن كل ما حصل في ما يتعلق بالمبلغ هو تصريح من المفوضية، لم يقترن بأيّ خطوة عملية. وعلى الأرجح سيصرف هذا المبلغ، إن وصل إلى لبنان، كما تصرف المساعدات الأخرى، أي من خلال "خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية" التي تتم بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن من دون أن تمرّ هذه الأموال عبرها. وهو ما بدا مستغرباً بالنظر إلى عدم إمكانية تقديم أي منحة أو قرض من دون اتفاق مع الدول المعنية.
وأكد ميقاتي أنه أصرّ أمام زواره على أن تهدف المساعدة المقدمة للنازحين السوريين إلى تشجيعهم على العودة الى بلادهم وليس للبقاء في لبنان، مذكراً أن القسم الأكبر من سوريا قد بات آمنا للعودة. كما حذّر من أن استمرار هذه الازمة في لبنان سيكون ككرة النار التي لن تنحصر تداعياتها على لبنان بل ستمتد إلى أوروبا لتتحوّل إلى أزمة إقليمية ودولية .في الجلسة، وبالرغم من تحضير التوصية مسبقاً، استغل المتكلمون النقل المباشر لتوجيه رسائل سياسية في الاتجاهات كافة، مع تقاذف المسؤوليات عما آل إليه ملف اللجوء. فئة ذكّرت بأن فتح الحدود في السابق أمام قوافل اللاجئين كان لغايات سياسية، تهدف لجعلهم ورقة تستعمل في وجه النظام السوري، وفئة أخرى ترى أن إعاقة التقدّم بالملف حالياً يستعمل كورقة ضغط في وجه المجتمع الدولي لفك الحصار عن سوريا.
وبالرغم من أنّ الجلسة تضمّنت الكثير من الغمز وتمرير الرسائل السياسية، بين السلطة والمعارضة، إلا أنها ظلّت مضبوطة بإيقاع الحرص على "طرد السوريين". ولم يعطل صفو هذا التناغم، سوى انزعاج النائبة بولا يعقوبيان من إشارة النائب جميل السيد إلى أن المساعدات تذهب كلها إلى الجمعيات الأهلية، فاعترضت على كلامه، نافية أن تكون جمعيتها قد تلقت أي دولار من أي جهة، مؤكدة أن كل ما تحصل عليه هي مساعدات عينية. وقبل ذلك كان رفض النائب حيدر ناصر استعمال يعقوبيان عبارة النظام السوري، مشيراً إلى وجود دولة سورية. كما لم يمرر النائب جهاد الصمد مناداة النائب ميشال معوض رئيس الحكومة باسمه الأول، فسجّل اعتراضه على عدم استعمال اللقب في التخاطب معه في جلسة رسمية.
خلال الكلمات، أكثر نواب المعارضة المتعاقبون من الردّ على ما قاله الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير عن فتح البحر أمام اللاجئين. وهو ما وصفته يعقوبيان بالابتزاز والبلطجة، سائلة: "هل تحتمل الساحة اللبنانية الضغط على العالم؟" وقد ردّ النائب حسين الحاج حسن على هذه الكلمات بتوضيحه أن المقصود كان عدم العمل كحرس حدود لأوروبا، وبالتالي عدم الاستنفار لمحاربة محاولات الهجرة. وهنا تشير مصادر حكومية إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان لمّح إلى هذا الخيار في لقائه مع الرئيس القبرصي ورئيسة مفوضية اللاجئين. وبعد وصلة من الاقتراحات لطرد السوريين، سأل النائب جهاد الصمد هل سياسة التحريض والعنصرية هي الحل؟ النائب سامي الجميل انتظر سنوات ليرد على من انتقده عندما اقترح ضبط الحدود اللبنانية السورية عبر توزيع جنود يحملون مناظير وأجهزة اتصال على مساحة الحدود، فقال: ها هم البريطانيون بنوا أبراج المراقبة، وأبراج المراقبة هذه ماذا تضم: أليس مناظير وأجهزة لاسلكية؟
وألقت النائبة القعقور كلمة هامة، أشارت فيها إلى أن أيّ سيّاسة جديّة في مجال اللجوء السوري تتطلب وضع خطة للفصل بين من تتوفر لديهم صفة اللجوء والآخرين وفق معايير علمية وقانونية واضحة. فالتزام لبنان الدولي ينحصر في عدم جواز ترحيل فئة اللاجئين وحدهم. كما دعت وزارة العمل إلى تحديد حاجة لبنان إلى العمالة السورية.
من جهة أخرى، بدتْ الجلسة أقرب إلى جلسة جديدة للثقة بحكومة ميقاتي وكيفية معالجتها لمسألة النزوح السوري (بعدما حصل عليها عند إقرار الموازنة العامة وعند إقرار التمديد للمجالس البلدية…)، على قاعدة "اللبنانيون مجمعون على أن لبنان لم يعد يحتمل الموضوع"، كما قال النائب جميل السيد، الذي شكّك بجدّية الأفرقاء في معالجة الملف. وأشار ل"المفكرة القانونية" إلى أن هذا الحرص على طرح الملف في هذا التوقيت مرتبط بالأحداث الأمنية التي شهدها البلد مؤخراً، لكنه لا يصل إلى حدّ مواجهة التوجّهات الأوروبية، خوفاً من العقوبات أو حتى خوفاً من عدم حصولهم على التأشيرات لاحقاً. واعتبر أن الإجراءات التي تنفذ حالياً ضد السوريين إن كان عبر إقفال محالهم أو توقيف من لا يملكون إقامات هو إجراء شكلي أيضاً، فالجميع يدرك أن حلّ الملف ليس في يد الحكومة اللبنانية.
الكلمة الأخيرة كانت للنائب علي حسن خليل الذي شرح ظروف كتابة التوصية المقترحة للتصويت. وهي كانت أعدّت قبل يوم واحد من الجلسة خلال اجتماع غير رسمي جمع عدداً من ممثلي الكتل، وتولّى خليل الدعوة إليه باسم رئيس المجلس (عبر الهاتف والرسائل القصيرة). وبالرغم من إعلان خليل حصول اتفاق على هذه التوصية مع كتل عدة منها كتلة "القوات"، إلا أنه تبين في الجلسة أن "القوّات" قدّمت توصية مغايرة تنصّ باختصار على "ترحيل السوريين فوراً إلى بلدهم". هذه التوصية لم يكن صعباً الإشارة إلى أنّها أعدّت للمزايدة وهو ما أضاء عليه النائب جبران باسيل بوضوح، إذ اعتبر أنه إذا كانت القوات تريد المزايدة في الموضوع، فنحن نؤيد توصيّتها أيضآً ونؤيد أيّ توصية تصدر عن المجلس النيابي.
ملاحظة باسيل حسمتْ الأمر بعدم فتح الباب أمام بازار التوصيات. وبعدما كان برّي يتحضّر للتصويت على توصية "القوات"، عدّل رأيه فجأة. واكتفى بالتصويت الشكلي على التوصية الأصلية وتصديقها في ثوانٍ، وسط فوضى عارمة صارت مرافقة لكل جلسة عامة يعقدها المجلس، فلا عُرف من يؤيّد التوصية أو يرفضها ولا عُرف نصها النهائي ولا عرف عدد الأيدي التي ارتفعتْ. وعلى ما قال النائب فراس حمدان: "ما حدا بيعرف على شو صُدّق وعلى أي توصية ولا كم توصية في". قبل ذلك كان عدد من نواب المعارضة دعوا إلى إعطاء الفرصة للمجلس للاطّلاع على التوصية قبل التصويت عليها، إلا أن برّي لم يكترث لهذه المطالبات. أضف إلى أن النائب فراس حمدان، كان أشار إلى أن التوصية لا قيمة لها، لأنها غير ملزمة ولأن حكومة تصريف الأعمال غير مسؤولة أمام المجلس النيابي. في السياق نفسه، وأثناء خروج النواب من القاعة، رُصدت النائبة سينتيا زرازير، معترضة على طريقة إقرار التوصية والتصويت عليها بالقول "كذابين". وهو ما استفز النائب قاسم هاشم، رافضاً اتهامهم بالكاذبين ومصرّاً على أن التصويت كان قانونياً. لكن مع ذلك، تردد بعد الجلسة أن التوصية التي صدرت ليست نهائية، إذ سيعاد تعديلها بعد أخذ توصية القوات بعين الاعتبار. وهو ما بدا مستغرباً أيضاً، بالنظر إلى أن المجلس يفترض أن يكون، حتى لو نظرياً، قد صوّت على نصّ محدّد، وبالتالي لا يمكن تعديله بعد التصويت عليه.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجلسة تخللها مطلبان بعقد جلسة عامة، الأولى جاءت من النائب جورج عدوان، ودعا فيها إلى تخصيص جلسة لمناقشة مسألة الحرب في الجنوب، والثانية جاءت من النائب باسيل الذي طالب بعقد جلسة تشريعية لمناقشة اقتراحات القوانين المتعلقة بالنزوح.
التوصية اللاتوصية
من أهم ما تصمنه نصّ التوصيات، البنود الآتية:
- التأكيد على تفعيل اللجنة الوزارية المعنية بمسألة النازحين (تجتمع أصلاً، واجتمعت مؤخراً للإطلاع على ورقة أعدّها وزير الشؤون الاجتماعية)، ودعته للتواصل مع الجهات الدولية والإقليمية، ولاسيما مع الحكومة السورية ووضع برنامج زمني تفصيلي لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية، وهي عبارة غامضة، بدا أنها استعملت كبديل عن الإشارة بوضوح إلى مبدأ عدم الترحيل القسري لمن يملكون مخاوف من العودة إلى سوريا.
- تأكيد التزام لبنان مضمون مذكرة التفاهم الموقّعة بين الحكومة اللبنانية ممثلة بالمديرية العام للأمن العام وبين المكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتاريخ 9/9/2003 والتي تؤكد على إعادة النازحين إلى موطنهم الأصلي أو إعادة توطينهم في بلد ثالث. وقد أشارت المحامية في المفكرة القانونية غيدة فرنجية إلى أن هذه الاتفاقية لم تطبّق على اللاجئين من سوريا منذ العام 2011، وذلك بشكل أساسي لكونها لم تتضمن آليات عمل مناسبة لمعالجة حالات اللجوء الجماعية أو واسعة النطاق، كما هي حال اللجوء من سوريا، والتي لا تشكّل برامج إعادة التوطين حلًّا كافيًا لمعالجتها. وأوضحت أن هذه الاتفاقية وُضعت من أجل معالجة حالات اللجوء الفردية إذ لم يكن عدد اللاجئين المسجّلين لدى المفوّضية في لبنان في وقت التوقيع عليها يتجاوز 3000 شخص. وعليه، واجهت الدولة اللبنانية (الأمن العام) والمفوّضية صعوبة في تطبيقها في ما يتعلّق بأزمة اللجوء من العراق بعد العام 2003 ومن سوريا بعد العام 2011.
- القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السلطات السورية، وفق القوانين والأصول المرعية. وقد لفتت فرنجية إلى خطورة ترحيل أشخاص عملا بأحكام غير مبرمة، بما يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة.
- دعوة المجتمع الدولي لمساعدة الحكومة في تخصيص الإمكانات اللازمة للأجهزة الأمنية والعسكرية من أجل ضبط الحدود.
- الطلب من أجهزة الأمم المتحدة كافّة اعتماد الحوافز والمساعدات المالية والإنسانية للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم، وعدم السماح باستغلال هذا الأمر للإيحاء بالموافقة على بقائهم في لبنان، وتشجيع هذه الجهات على تأمين مثل هذه التقديمات في داخل سوريا.
- نقل رسالة واضحة للدول والهيئات العاملة بملف النزوح بأن لبنان لم يعد يحتمل جعله سدّاً أمام انتقال النازحين إلى بلدان أخرى وأنه بكل الأحوال لن تكون مهمته حماية حدود هذه الدول.