السلطة الخفية تحت المجهر (2): جلسات شهرية لمساءلة الحكومة

وسام اللحام

30/12/2022

انشر المقال

تقدم النائب الياس جراده بتاريخ 18 تشرين الأول 2022 باقتراح يرمي إلى تعديل المادة 136 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وتنص المادة 136 المعمول بها حاليا على تخصيص جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب يتم فيها مساءلة الحكومة أو استجوابها أو تكون جلسة للمناقشة العامة وذلك بعد كلّ ثلاث جلسات عمل على الأكثر، في العقود العادية والاستثنائية .

ويرمي اقتراح النائب جراده إلى تحديد جلسة شهريّة واحدة على الأقل، في العقود العادية والاستثنائية للأسئلة والأجوبة المقدّمة من النواب، كما إلى تخصيص جلسة واحدة على الأقل كلّ شهرين، في العقود العادية والاستثنائية، للمناقشة العامة وتقييم السياسات العامة على أن تكون مسبوقة ببيان من الحكومة.

وقد شرح النائب جراده في الأسباب الموجبة الغاية التي يتوخاها من اقتراحه إذ اعتبر أن تكثيف جلسات مساءلة الحكومة هي وسيلة ضرورية من أجل تمكين البرلمان من القيام بدوره الرقابي الذي منحه إياه الدستور ما "يساهم في نقل البرلمان اللبناني إلى مستوى حضاري متقدم" لا سيما وأن لبنان يمر بمرحلة مصيرية تستدعي قيام الحكومة بوضع الخطط والبرامج الكفيلة والتعافي، الأمر الذي يفرض العمل على تعزيز آليات الرقابة المناطة بمجلس النواب". هذا وقد أضافت الأسباب الموجبة أن الحكومة تمتنع في كثير من الأحيان عن الإجابة على أسئلة واستجوابات النواب أو أن جوابها يأتي مقتضبا لا يفي بالمطلوب وغالبا ما يأتي متأخرا خارج المهل المحددة في النظام الداخلي.

ويلحظ هنا أن مقدم الاقتراح قد فسر خطأ المادة الحالية من النظام الداخلي، إذ يتبين لنا من الأسباب الموجبة للاقتراح أن عدم عقد ثلاث جلسات ضمن العقد الواحد لسنوات أدّى إلى غياب جلسات المساءلة عن المجلس، ما يفهم منه أن انعقاد ثلاث جلسات عمل هو الشرط الذي يضعه النظام الداخلي لفتح المجال لانعقاد جلسة مساءلة أو استجواب أو مناقشة عامة. لكن في الحقيقة، ولو دققنا في نص المادة 136 الحالي، نجد أنّ حجّة قيام ثلاث جلسات عمل تنتفي، إذ إنّ النصّ يقول ثلاث جلسات على الأكثر، أيّ أنّه يضع حدا أقصى للمجلس، يتوجّب عليه عند بلوغه أن يقوم بجلسة مساءلة أو استجواب أو مناقشة عامة. فالنص إذاً لا يشترط عدم عقد جلسة مساءلة إلا بعد ثلاث جلسات عمل الأمر الذي يعني أن النواب بمقدورهم طلب إجراء جلسة مساءلة مثلاً في أيّ وقت كان، حتى ولو لم تنعقد أي جلسة عمل تسبقها. هذا مع الإشارة أن الاقتراح الحالي يعزز من رقابة مجلس النواب كونه يجعل المحاسبة تخضع وجوبيا وبشكل واضح لمبدأ الدورية ولا يجعلها رهينة عدد الجلسات التشريعية التي عقدها البرلمان أي أن الاقتراح يرسي نمطية في العلاقة التي تحكم السلطتين التشريعية والتنفيذية بحيث يمكن إعمال رقابة البرلمان بطريقة أكثر شفافية تسمح للرأي العام بالاطلاع الدائم ليس فقط على عمل الحكومة لكن أيضا تقييم أداء النواب ومدى التزامهم بخدمة الصالح العام.

هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات الآتية:

خطأ شائع: تعديل النظام الداخلي ليس اقتراح قانون

لا بدّ أولا من من لفت الانتباه إلى أنّ الأسباب الموجبة للاقتراح تتحدث عن "اقتراح قانون" وهو أمر غير صحيح كون النظام الداخلي لمجلس النواب لا يعتبر من الناحية الدستورية قانونا ولا يمكن بالتالي اعتبار اقتراح تعديله بمثابة اقتراح قانون. وهذا خطأ شائع يتكرر دائما عند تقديم النواب اقتراحات من أجل تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب.

عدم عقد جلسات محاسبة مشكلة أداء غير مسؤول وليس بنود النظام الداخلي 

من الواضح أن هذا الاقتراح يهدف إلى إرساء مبدأ الدوريّة في عقد جلسات مساءلة للحكومة، ما يضمن الحد الأدنى من التواتر في الجلسات للتعويض عن الإهمال الكبير الذي ساد السنوات الماضية في هذا المجال ما من شأنه تفعيل الدور الرقابي للمجلس الذي يعتبر من اختصاصاته الأساسية وفقا للدستور. لكن لا بدّ من التساؤل عن جدوى تعديل نص النظام الداخلي بالنظر إلى عدم التزام مكتب المجلس في تطبيق النص الحالي إذ لا شيء يضمن أن مكتب المجلس سيعمد إلى تطبيق النص الجديد في حال إقراره. 

وكان المرصد البرلماني للمفكرة القانونية قد أوضح في تقريره الذي يشمل كامل ولاية المجلس السابق من سنة 2018 إلى سنة 2022 أنّ المجلس لم يعقد إلّا جلسة مساءلة واحدة للحكومة بتاريخ 10 نيسان 2019 أي قبل انتفاضة 17 تشرين من السنة نفسها. وبالرغم من الأزمات المتتالية التي عاشها لبنان منذ ذلك الحين، فإن المجلس لم يعقد أي جلسة مساءلة أخرى حتى نهاية ولايته، وذلك بالرغم من تعهد قام به الرئيس نبيه برّي سنة 2019 بعقد جلسات شهرية لمساءلة الحكومة وبالرغم من نص المادة 136 من النظام الداخلي.

تكمن إذاً الإضافة التي يأتي بها هذا الاقتراح على نظام المجلس وطريقة عمله، في إرساء نمطيّة تقوم على عقد جلسة للأسئلة والاستجوابات شهريّة على الأقل، وجلسة للمناقشة العامة والسياسات العامة كلّ شهرين على الأقل، وتفعيل الرقابة على الحكومة. لكن تبقى الإشكالية في مدى التزام مكتب المجلس في عقد تلك الجلسات خصوصاً على ضوء التجربة السابقة كما ذكرنا أعلاه إذ أن المشكلة هي اساسا سياسية وبالتالي لا يمكن التعويل على الحلول التقنية كي يستعيد مجلس النواب دوره الدستوري بمحاسبة الحكومة.

مساءلة الحكومة في زمن حكومات تصريف الأعمال

كما تجدر الاشارة أن الفترات الطويلة من تصريف الأعمال التي باتت ظاهرة طاغية على النظام السياسي اللبناني بعد سنة 2005، تكون فيها الحكومة غير مسؤولة ولا يمكن نزع الثقة عنها ما يحد من فاعلية هذا الاقتراح. لكن، وعلى الرغم من محدودية رقابة البرلمان خلال وجود حكومة مستقيلة تقتصر مهامها على تصريف الأعمال، لا شيء يمنع مجلس النواب من عقد جلسات مناقشة عامة يتم خلالها توجيه اسئلة إلى الحكومة كما هي الحال في بلجيكا. لذلك كان من المفيد توضيح ذلك في النظام الداخلي والإشارة صراحة أن وجود حكومة مستقيلة لا يحول دون عقد جلسات عامة يتوجب خلالها على السلطة التنفيذية الإجابة على أسئلة النواب وتقديم الشروحات اللازمة كي يتمكن الرأي العام من الاطلاع بشفافية على كافة شؤون الدولة.

اقتراح لا يأخذ بعين الاعتبار دورات انعقاد مجلس النواب

كذلك يتبين لنا أن الاقتراح يتبنى قاعدة الجلسة الشهرية لمساءلة الحكومة من دون التمييز بين العقود العادية والاستثنائية. لكن مجلس النواب قد تتم دعوته إلى دورة استثنائية لا تصل مدّتها إلى شهر، لا بل يمكن أن تقتصر على بضعة أيام تكون مخصصة للبت في مشاريع واقتراحات قوانين مستعجلة دون وجود الوقت الكافي لعقد جلسة لمساءلة الحكومة. ففي هذه الحالة هل يصبح من الصعب جدا تطبيق المادة 136 المعدلة لذلك كان من الأفضل أن ينص الاقتراح على لزوم تخصيص جلسة لمساءلة الحكومة في حال كانت الدورة الاستثنائية لا تقل مدتها عن شهر.