السلطة الخفية تحت المجهر (3): ليس بزيادة اللجان وحدها يحيا العمل التشريعي للبرلمان

وسام اللحام

03/01/2023

انشر المقال

تنشر المفكرة القانونية تعليقات مرصدها البرلماني حول بعض الاقتراحات التشريعية. بينت في مقال سابق بروز ظاهرة تقديم اقتراحات تعديلية للنظام الداخلي، حيث قدمت 5 اقتراحات في هذا الخصوص, ننشر هنا تعليقنا  على اقتراح تقدن به النائب أديب عبد المسيح بهدف زيادة عدد اللجان النيابية لجعلها أكثر تخصصا (المحرر). 

تقدم النائب أديب عبد المسيح بتاريخ 29 آب 2022 باقتراح يرمي إلى تعديل المادة 20 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وذلك بهدف استحداث أربع لجان نيابية إضافية هي: لجنة الطاقة والمياه بعد فصلها عن لجنة الأشغال العامة والنقل، لجنة العمل والشؤون الاجتماعية بعد فصلها عن لجنة الصحة العامة، لجنة السياحة بعد فصلها عن لجنة الزراعة، ولجنة التخطيط بعد فصلها عن لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة. 

يهدف هذه الاقتراح بحسب أسبابه الموجبة إلى تكوين لجان دائمة تعنى خصيصاً بمواضيع الطاقة والمياه والعمل والشؤون الاجتماعية والسياحة والتخطيط نظراً لأهميتها بحسب صاحب الاقتراح. ويعتبر النائب عبد المسيح أن اللجان الحالية لا تفي بغرضها كون تعدد اختصاصاتها يؤدي إلى تشتيت الجهود المبذولة وتخفيض الإنتاجية في عمل اللجان. 

هذا الاقتراح يستدعي ملاحظات عدة أبرزها الآتية: 

معالجة النقص في إنتاجية اللجان لا يكون في زيادة عددها 

بيّن المرصد البرلماني في المفكرة القانونية في تقريره عن عمل المجلس النيابي خلال ولاية 2018-2022، أنّ لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه اجتمعت 81 مرّة في الأربع سنوات أي ما يعادل 1،7 اجتماعاً شهريًّا، أمّا لجنة لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية فاجتمعت 222 مرّة في الأربع سنوات أي ما يعادل 2،3 اجتماعاً في الشهر (وهي تعتبر من الأكثر إنتاجية مقارنةً بباقي اللجان)، أمّا لجنة الزراعة والسياحة فلم تجتمع إلّا 11 مرّة فقط لا غير في الأربع سنوات أي 0،2 اجتماعاً شهريًّا، وأخيراً لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط سجّلت 55  اجتماعاً على مدى أربعة سنوات أي ما يعادل 1،1 اجتماعاً شهريًّا. 

أمام هذه الأرقام الواضحة لمجلس عايش كبرى الأزمات في لبنان فلم يتخطّ مجموع اجتماعات لجانه شهريًّا الثلاث اجتماعات، لا يمكن اعتبار زيادة عدد اللجان هو الحلّ بظلّ عدم وجود النيّة بتغيير منهجيّة عمل النواب وأخذهم مسؤولياتهم التشريعية بجديّة أكبر. وإن حجّة عدم التئام اللجان إلّا بوجود مقترحات قوانين تدخل في اختصاصها، فإن صح ذلك على بعضها، فإنه لا يمنعها من الاجتماع للتباحث والتخطيط وحثّ النواب على تفعيل مبادراتهم التشريعية والقيام بجولات ميدانية أو حتّى إحياء الاقتراحات والمشاريع المكدّسة في الأدراج لتقييمها والاستفادة منها. 

بالإضافة إلى ذلك فإن تخصص اللجان في موضوع واحد ليس ضمانة لفاعليتها ولا يشكّل هدفاً بحد ذاته. وبالمقارنة مع التجربة الفرنسية، فإن الدستور الفرنسي يحصر عدد اللجان بثمانية (بينما عدد اللجان متروك في لبنان للنظام الداخلي للمجلس). ويأتي هذا التحديد الفرنسي بعد أن شهدت الجمهورية الرابعة في فرنسا ثماني عشرة لجنة دائمة برلمانية في مجلس النواب من دون أن يؤدّي ذلك إلى فعالية أكبر. ويتبيّن أيضاً من التجربة الفرنسية عدم التطابق الحكمي بين اختصاص اللجان والوزارات، وأهم الأمثلة في هذا الشأن هي "لجنة القوانين" التي تجمع في اختصاصاتها القوانين الدستورية، القوانين العضوية، النظام الداخلي، القانون الانتخابي، الحريات العامة، الأمن الداخلي، القانون الإداري، الوظيفة العامة، التنظيم القضائي، القانون الخاص أي الموجبات والعقود والأحوال الشخصية، القانون التجاري، قانون العقوبات، العرائض، الإدارة المركزية واللامركزية للدولة والتجمعات المناطقية. ويؤكّد هذا المثل على إمكانية تعدد المواضيع التي هي من اختصاص لجنة واحدة لأن العبرة تكمن في عدد الاجتماعات التي تتولى دراسة القوانين بعمق وجدية وانجازها ضمن المهل بينما إنشاء لجان جديدة تختص حصرا بموضوع واحد لا يشكل ضمانة فعلية لإنتاجية هذه اللجنة.

علاوة على ذلك، لم يوضح الاقتراح ماهية المعيار المتبع لاعتبار أن المواضيع الواجب فصلها من اللجان الحالية وتخصيصا بلجان جديدة. فمقدم الاقتراح اعتبر أن المواضيع المتعلقة بالطاقة والمياه والعمل والشؤون الاجتماعية والسياحة والتخطيط هي على درجة كبيرة من الأهمية ما يستوجب استحداث لجان خاصة بكلّ منها، في حين أنه أبقى على شؤون الاقتصاد والتجارة والصناعة من ضمن لجنة واحدة، علماً أن هذه المواضيع وفقاً للمنطق الذي يتبناه الاقتراح يجب أن تتم دراستها من ضمن لجان مختصة. 

من جهة أخرى، لا يشرح الاقتراح ما هي الاختصاصات الفعلية للجنة التخطيط المنوي استحداثها إذ أنها قد تتضارب مع لجان الأشغال العامة والطاقة والمياه والاقتصاد والتجارة ما يعني أن الاقتراح يخالف في هذا الشأن الهدف الذي أراد تحقيقه ألا وهو اعتماد مبدأ وحدة الموضوع الذي يتوجب أن يدخل في صلاحيات كل لجنة. فهل المقصود أن تتولى لجنة التخطيط الاهتمام بالمواضيع التي كانت تدخل سابقا في صلاحيات وزارة التصميم العام والتي ألغيت سنة 1977؟ وفي الإيجاب كان من الأجدى شرح ذلك وتفصيل اختصاصات لجنة التخطيط صراحة في النظام الداخلي بحيث لا تتداخل مع المواضيع التي تتولى لجان أخرى دراستها.

لجنة النظام الداخلي المنسية 

يبقى في النهاية أن أيّ تعديل للجان النيابية يجب أن يتضمن في الأولوية إعادة إحياء لجنة النظام الداخلي أو أقلّه إضافة هذا الموضوع إلى اختصاص أحدى اللجان الموجودة بما له من أهميّة، علماً أنّ لجنة النظام الداخلي ألغيت مع تبني النظام الداخلي الحالي سنة 1994 ، ما أدّى عمليًّا إلى عدم إرسال أي طلب تعديل على النظام إلى اللجان بل إلى مكتب المجلس مباشرة حيث يتفرّد رئيس المجلس بتقرير مصيره.