السماح بتسجيل اقتراح معجل مكرر مجددا: فوضى التشريع يصطدم بأزمة الطابع المالي

نيقولا غصن

06/03/2024

تقدم النواب بولا يعقوبيان ونجاة صليبا وعبد الرحمن البزري وياسين ياسين وحليمة قعقور وأسامة سعد وفراس حمدان بتاريخ 27 شباط 2024 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى تعديل بعض أحكام المادتين 66 و79 من قانون الموازنة لعام 2024 الصادر بتاريخ 12 شباط 2024.

وفي التفاصيل، يتطرّق الاقتراح إلى التعديل الذي أدخله قانون الموازنة على قانون رسم الطابع المالي[1]،  والذي رفع رسوم المعاملات التي تقدم إلى وزارة الخارجية والمغتربين والإفادات والمصادقات التي تصدر عنها من خمسين ألف إلى مليون ليرة لبنانية. وهو يرمي إلى تخفيض الرسوم إلى مئة وخمسين ألف ليرة.  وفي الإطار عينه، يلحظ الاقتراح المقدم تخفيضًا على رسوم إخراج القيد ووثائق الزواج والولادة والطلاق والوفاة لتصبح خمسين ألف ليرة لبنانية بعد أن كان رفعها قانون الموازنة من عشرين إلى أربعمائة ألف ليرة لبنانية.

بالإضافة إلى ذلك، ينص الاقتراح على رفع قيمة الدعاوى المعفاة من الرسوم القضائية إلى مائتين وخمسين ألف ليرة من خلال تعديل المادة 79 من قانون الموازنة الذي يعدل المادة 80 من قانون الرسوم القضائية[2].

يبرّر الاقتراح في أسبابه الموجبة تخفيض الرسوم المتوجبة على المعاملات في وزارة الخارجية وفي دوائر النفوس على أنها “مرتبطة بمعاملات الناس اليومية وتفوق قدرتهم المالية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة في لبنان” حيث أن هذه الرسوم الجديدة بحسب الأسباب الموجبة قد أشعلت “حملة من الاحتجاجات والمطالبات بتخفيض هذه الرسوم”. أما في ما يخص قيمة الدعاوى المعفاة من الرسوم والتأمينات القضائية، فتشير الأسباب الموجبة إلى أن قانون الموازنة قد رفع الرسوم القضائية “عشرة أضعاف”  لكنه أغفل تعديل القيمة القصوى للدعاوى التي تصبح معفاة من الرسوم القضائية إذ ظلّت عملا بالمادة 80 من قانون الرسوم القضائية 25000 ليرة ما يوجب رفع تلك القيمة بنفس النسبة كي تصبح 250000 ليرة.

انطلاقًا من هذه الاعتبارات كافة، لا بد من إبداء بعض الملاحظات على هذه الاقتراح :

هل انتهت مخالفة رفض تسجيل الاقتراحات المعجلة المكررة؟

كان المرصد البرلماني في المفكرة القانونية قد أشار إلى مخالفة خطيرة للنظام الداخلي لمجلس النواب تتعلق برفض إدارة المجلس منذ مطلع هذه السنة تسجيل الاقتراحات المقدّمة من قبل النواب بصيغة المعجّل المكرّر، وإرغام هؤلاء من أجل قبول اقتراحاتهم على تقديمها بشكل اقتراحات عادية.

إلا أنه وبعد نشر المرصد البرلماني لتعليقه على هذه المخالفة في تاريخ 26 شباط 2024، عادت إدارة المجلس إلى قبول الاقتراحات المعجلة المكررة، وهذا ما يتّضح لنا من الاقتراح موضوع هذه المقالة، إذ إنه مقدم بصيغة المعجل المكرر بتاريخ 27 شباط 2024. لكن ذلك لا يعني تلقائيا أن المخالفة قد زالت كون قبول تسجيل هذا الاقتراح بصيغة المعجل المكرر لم يحصل إلّا بعد تلقي قلم المجلس تعليمات من المسؤولين في المجلس تقضي بقبول تسجيل هذا الاقتراح تحديدا بصيغة الاستعجال المكرر (وفق ما أفادنا به أحد النواب)، ما يعني عمليًّا أن مخالفة النظام الداخلي لا تزال قائمة كون الأمانة العامة لمجلس النواب لا تملك صلاحية استنسابية تخولها في هذا المجال بل صلاحية مقيدة إذ لا يحق لها إبداء موافقتها على تسجيل اقتراحات القوانين المعجلة والمكررة وما على موظفي قلم المجلس سوى تسجيل تلك الاقتراحات من الدون الرجوع إلى أي مرجع آخر.

على نحو متّصل، لا بد من التنويه بأن الاقتراح المقدم قد أرفق بمذكرة تبرر مناقشة الاقتراح بصورة المعجل المكرر عملًا بالمادة 110 من النظام الداخلي، وهو أمر نادرًا ما يحصل، إذ يكتفي معظم النواب عند تقديمهم اقتراحات معجلة مكررة بتقديم الأسباب الموجبة من دون مذكرة الاستعجال التي ينص عليها النظام الداخلي في حال المعجل المكرر.

رفع رسوم المعاملات، القيمة مضاعفة والطوابع مفقودة

يشكّل رفع الرسوم على المعاملات الصادرة عن وزارة الخارجية أو عن دوائر النفوس أجراءً إشكاليًّا على صعيدين.

أولًّا، يضاعف هذا الرفع الكبير من الأعباء المالية التي يتكبّدها ذوو الدخل المحدود، بحيث تصبح المعاملات اليومية التي من المفترض أن تكون متاحة لكافة المواطنين صعبة المنال لبعضهم، لا سيما وأن هذا الرفع لا يأتي ضمن خطة إصلاحية متكاملة للوضع الاقتصادي، تؤمن ترافق رفع الرسوم مع تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، بل إنه إجراء عشوائي يهدف إلى زيادة إيرادات الدولة بطريقة غير مدروسة.

ثانيًّا، في ظل أزمة فقدان الطوابع المالية وعدم قدرة المواطنين على الاستحصال عليها بسبب احتكارها من قبل مجموعة من التجار بهدف بيعها في السوق السوداء لاحقا بأسعار مضاعفة يكون قانون الموازنة الذي رفع قيمة رسم الطابع المعالي إلى 400000 ليرة على وثائق سجلات القيد قد فرض شرطا تعجيزيا على المواطنين وساهم في خلق حالة من الاعتباطية والعشوائية التي تحكم علاقة هؤلاء بالإدارة العامة.

ما يفاقم من هذه المشكلة هو عدم وجود طوابع مالية من الفئات الكبيرة بحيث يصبح الحصول على تلك الوثائق مستحيلا من الناحية المادية، إذ لا يمكن إلصاق طوابع من الفئات الصغيرة (ألف ليرة وما دون) بالعدد الكافي على هذه الوثائق لانتفاء المساحة البيضاء الضرورية لذلك على وجه ورقة.

وهكذا يتبين أن قانون موازنة 2024 ساهم في مفاقمة أزمة فقدان الطوابع المالية إذ تم رفع تلك الرسوم من دون معرفة مدى جهوزية وزارة المالية لطباعة كميات كافية من الطوابع لتلبية حاجات المواطنين. فالاقتراح الحالي يحاول الحدّ من تلك الأزمة عبر خفض قيمة رسم الطابع المالي لكنه لا يشكل معالجة لأسبابها كونه يعالج عوارضها فقط، بينما المشكلة تكمن في عجز مؤسسات الدولة عن تأمين الطوابع المالية وفشلها في محاربة الاحتكار الذي يجعل المواطنين رهينة إما اعتباطية السوق السوداء، ما يزيد من الكلفة الإجمالية المتوجبة على المواطن، وإما شبكة العلاقات الزبائنية التي تخولهم الحصول على الطوابع بسعرها الرسمي عبر معارفهم الشخصية أو السياسية.

الربط المستغرب بين الدعاوى المعفاة والدعاوى التي لا تقبل التقدير

نص قانون الرسوم القضائية في المادة 12 منه على فرض رسم مقطوع مقداره 25000 ليرة على الدعاوى التي لا تقبل التقدير بينما نصت المادة 80 منه على إعفاء الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها ال 25000 ليرة من كافة الرسوم أو التأمينات.

لكن موازنة 2024 رفعت قيمة جميع الرسوم القضائية لا سيما الرسم المتوجب على الدعاوى الغير قابلة للتقدير التي أصبحت 250.000 ليرة لبنانية في حين أنها أغفلت عن رفع قيمة الدعوى المعفاة من الرسوم والتأمينات القضائية، إذ بقيت أيضًا 25.000 ليرة بينما من المفترض أن تكون وفقا لمقدمي الاقتراح موازية لقيمة الرسوم على الدعاوى الغير قابلة للتقدير. لذلك شرع الاقتراح على تعديل المادة 80 من قانون الرسوم القضائية كي تصبح قيمة الدعاوى المعفاة أيضا 250000 ليرة.

ولا شك أن الاقتراح تمكن من التنبه إلى هذه الثغرة في قانون الموازنة إذ لا يعقل رفع جميع الرسوم القضائية في ظل الإبقاء القيمة القصوى ذاتها (25000) للدعاوى المعفاة من الرسوم لكن الذي لا يفهم هو ربط الأسباب الموجبة بين الدعاوى التي لا تقبل التقدير وبين الدعاوى المعفاة كون الأولى تتعلق برسم مقطوع بينما الثانية تتعلق بقيمة الدعوى المعفاة. لذلك يمكن من الناحية القانونية رفع قيمة الرسم على الدعاوى التي لا تقبل التقدير من دون رفع قيمة الدعاوى المعفاة بغض النظر عن الضرورة الواقعية التي تبرر ذلك نتيجة انهيار الليرة اللبنانية والرسوم الجديدة التي فرضتها موازنة 2024.

في الخلاصة، يعكس الاقتراح الأسلوب المتسرع الذي تم به تبني موازنة 2024 إذ تقرر رفع الرسوم القضائية وسائر الرسوم الخاضعة لتأدية الطابع المالي من دون وجود إمكانية لتوفير تلك الطوابع بغية تمكين المواطنين من الحصول على الوثائق المطلوبة بشكل سريع وشفاف. فتقديم أكثر من اقتراح قانون لتعديل موازنة صدرت منذ أقل من شهر يعكس الطريقة الارتجالية التي تمت بها دراسة أرقام تلك الموازنة في ظل غياب السياسات العامة والخطط التي تعطي لتلك الأرقام معناها. فعجز مؤسسات الدولة عن تأمين الشروط الضرورية لتطبيق القوانين يؤدي إلى خلق حالة موضوعية تساعد في انتشار الممارسات الزبائنية وتعزز من الفساد، إذ بدل أن يكون المواطن هو المستفيد الأول من الحماية التي يوفرها القانون يصبح ضحيته الأولى بينما يتمكن الأقوياء والمتنفذين من استغلال هذا الواقع خدمة لمصالحهم وتعزيز سيطرتهم على المجتمع.

للاطلاع على اقتراح تعديل الموازنة


[1] المرسوم الاشتراعي رقم 67 تاريخ 5 آب 1967

[2] قانون الرسوم القضائية الصادر في 10 تشرين الأول 1950