الطعن الأول على قانون تمديد المجالس البلدية: المجلس الدستوري أمام امتحان الشذوذ السياسي مجددا

نيقولا غصن

03/05/2024

انشر المقال

بعدما أصدر مجلس الوزراء وكالة عن رئيس الجمهورية بتاريخ 26 نيسان 2024 القانون رقم 325 القاضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025 ونشره في الجريدة الرسمية، تقدم تكتل "الجمهورية القوية" في 2 أيار 2024 بطعن أمام المجلس الدستوري من أجل وقف تنفيذ هذا القانون في مرحلة أولى ومن ثم إبطاله. وينتظر أن يعقب هذا الطعن طعون أخرى وفق ما كشف عنه عدد من النواب. وقد استند الطعن إلى مجموعة من الحجج الدستورية لعل أبرزها النقاط التالية:

 

1- مخالفة القانون حق الاقتراع والمبادئ المتفرعة عنه

اعتبرت الجهة الطاعنة "أن حق الاقتراع، وبالتالي، حق المواطن في أن يكون ناخباً ومنتخباً، هو من الحقوق الدستورية، الذي يجسد المبدأ الديمقراطي الذي يرتكز عليه النظام الدستوري في لبنان". ويتفرع عن حق الاقتراع "مبدأ دستوري آخر، هو مبدأ الدورية في ممارسة الناخبين لحقهم في الاقتراع، والذي ينطوي على وجوب دعوة الناخبين لممارسة حقهم في الانتخاب بصورة دورية وضمن مدة معقولة" ما يعني أن التمادي في تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لأكثر من مرة يشكل خرقا لمبدأ دورية الانتخابات الذي سبق للمجلس الدستوري وأن كرسه في اجتهاده.

 

2- مخالفة الفصل بين السلطات

أعابت الجهة الطاعنة على القانون أنه حدد المهلة القصوى لإجراء الانتخابات البلدية بتاريخ أقصاه 31/5/2024 ما يعني أنه ترك للحكومة حق تحديد التاريخ الذي تجري خلاله هذه الانتخابات في الوقت الذي تراه وبالتالي تحديد موعد نهاية ولاية هذه المجالس. وقد اعتبرت أن المشرع يكون بذلك قد ترك للسلطة الإدارية أمرًا هو من صلاحيته المقررة له في الدستور وتحديدا الموعد الذي تجري الانتخابات خلاله وتاليا مدة ولاية المجالس المنتخبة. وعليه، رأت أن القانون المطعون يكون تاليا مستوجب الإبطال لخرقه مبدأ الفصل بين السلطات نتيجة تنازل السلطة التشريعية عن صلاحياتها بتحديد تاريخ انتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية، وهذا ما كان قد ذهب إليه المجلس الدستوري في قراره رقم 1 الصادر بتاريخ 12 أيلول 1997 عندما أبطل قانون التمديد، وما كرره في القرار رقم 6 تاريخ 30 أيار 2023 علما أنه قضى هذه المرة بعدم إبطال القانون "عملا بمبدأ استمرارية المرافق العامة ذي القيمة الدستورية".

 

3- عدم وجود ظروف استثنائية

ترفض الجهة الطاعنة الحجج الواردة في الأسباب الموجبة للقانون لتبرير التمديد بسبب العدوان الإسرائيلي على مناطق محددة في لبنان إذ "كان بالإمكان استثناء مناطق الجنوب والمناطق التي تتعرّض لاعتداءات عسكرية، من الانتخابات. على أن تجري بباقي المدن والقُرى والبلدات. وهذا الاستثناء ممكن أن يأتي بقرار من وزير الداخلية أم بقانون. أما الذهاب نحو نسف كامل الانتخابات بحجّة تعرُّض بعض القُرى لاعتداءات عسكرية، فلا يستقيم. ولا يُشكّل هذا السبب مُبرّرًا مقبولاً لتطيير الانتخابات برُمّتها".

 

4- عدم التناسب في مدة التمديد

يعتبر الطعن أنه حتى لو تم التسليم جدلا بوجود مقتضيات تفرض تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية فإن القانون المطعون فيه قد مدد هذه الولاية لمدّة غير معقولة وطويلة جدًا بلغت سنة "إذ أن هذه المدَّة مشوبة بعدم التناسُب الفاضح مع تلك المقتضيات -على فرض وجودها- ومع حرمان المواطن من حقّة في ممارسة حقّه الدستوري في الاقتراع بصورة دوريّة".

 

وعليه، سيكون المجلس الدستوري أمام امتحان الشذوذ السياسي مجددا، وهو الذي يتمثل في تسبب السلطات الحاكمة بوضعية يصبح فيها المجلس أمام حل من حلين كلاهما سيء: فإما يبطل القانون مما قد يوجد فراغا في المجالس البلدية، وإما يمتنع عن إبطال القانون تجنبا للفراغ وهذا ما ذهب إليه في قراره السابق في أيار 2023. ربما آن الأوان ليفكر أعضاؤه بتطوير اجتهاده لتحسين تعامله مع هذا الواقع كأن يعلن إبطال القانون مع تعليق نفاذ الإبطال لمدة ثلاثة أشهر تكون كافية لإجراء الانتخابات. في هذه الحالة، يكون على المجلس أيضا أن يحدد المناطق التي ينطبق عليها الاستثناء الناجم عن الأعمال الحربية بصورة موضوعية.  فلنراقب.