الكابيتال كونترول من دون خطّة: تمرّد على التزامات المجلس النيابي السابقة
29/08/2022
في الذكرى السنوية الثالثة لبدء بوادر الأزمة مع تحرّك سعر صرف الليرة في آب 2019، يعود الحديث عن وضع قانون الكابيتال كونترول عبر اقتراحات قدّمها نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب والتي ستُدرس في جلسة اللجان النيابية المشتركة في 30/8/2022. ورغم أن بو صعب أشار إلى إجرائه لقاءات مع خبراء عدّة، إلا أنه وضع ملاحظاته التقنية على المواد الواردة في مشروع قانون الحكومة من دون أن يتناول من قريب أو بعيد وجوب ربط هذا المشروع بخطّة إصلاحية اقتصادية ومالية شاملة. ففي حين تلجأ دول عدة إلى وضع قانون كابيتال كونترول لمواجهة حالة طارئة (وهذا ما كان يجدر بلبنان أن يفعله منذ تشرين الأول 2019 لمنع الهلع على سحب المدخرات أو تهريب الرساميل إلى الخارج)، فإنّ الهدف من وضع هكذا قانون بعد 3 سنوات من حالات هروب الرساميل يصبح حصرا وضع المصارف بمأمن من مطالب المودعين تمكينًا لها من إعادة هيكلة رساميلها، وليس تمكين الدولة من إعادة هيكلة الاقتصاد وعلاقاتها الاقتصادية مع الخارج، وبخاصة ميزان مدفوعاتِها. فالأولوية يجب أن تكون لخطّة نهوض اقتصادية ومالية متكاملة، وعليه، وبقدر ما تتحسن الأوضاع المصرفية والاقتصادية، بقدر ما تخفّ القيود والضوابط الموضوعة على الودائع، وصولًا إلى استعادة المودعين حقوقهم عليها أو على ما تبقى منها على قدم المساواة فيما بينهم.
أما وأن بو صعب تجاهل الخطة ليتعامل مع مشروع القانون على أنه مشروع منفصل، فإنه يكون في صدد طرح مشروع عبثي يضع المصارف بمأمن من التزاماتها تجاه المودعين من دون أن يرتب عليها أي مسؤوليات لتحسين الأمور مستقبلا. وما يزيد من عبثية هذا المنحى هو أنه يأتي مخالفًا تمامًا لتوصيات النقد الدولي والتزامات مجلس النواب السابقة على حدّ سواء.
تجاهل لتوصيات صندوق النقد الدولي
كان صندوق النقد الدولي أوّل الدافعين باتّجاه إقرار قانون الكابيتال كونترول ضمن خطّة اقتصادية ومالية شاملة. وهذا ما صرح به جيري رايس مدير إدارة التواصل في صندوق النقد الدولي بتاريخ 10/6/2021 في مؤتمر صحافي إبّان بروز نسخة كابيتال كونترول في المجلس النيابي، "نحن نرى أن مقترحات تنفيذ قانون الكابيتال كونترول وإضفاء الطابع الرسمي على القيود على سحب الودائع يجب أن يكون جزءًا من مجموعة أوسع من تدابير السياسات والإصلاحات حتى تكون قابلة للتطبيق ومستدامة. لا نرى ضرورة لقانون الكابيتال كونترول الآن، خاصة بدون أن يُدعّم بالسياسات المالية والنقدية وسياسات أسعار الصرف المناسبة."[1] يتبيّن إذ ذاك أنّ صندوق النقد يُفضّل حتّى ألّا يُقرّ القانون من دون خطة شاملة وواضحة.
وتعليقًا على مُقترح قدّمه فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمباركة من رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، اعتبر صندوق النقد في مقدّمة تعليقه أنّه "من الصعب تقييم صحّة المشروع والأثر العامّ له من دون سياق خطة إصلاح شاملة للاقتصاد الكلي من شأنها أن تسمح لنا بمعرفة كيف تتناسب هذه الأحكام مع الاستراتيجية الشاملة لمعالجة الاختلالات الحالية في الاقتصاد الكلّي، والقدرة على تحمّل الديون، والاستقرار المالي."[2] وقد أعاد الصندوق هذه الملاحظة أكثر من مرّة في كتابه حيث كانت المحور الرئيسي لتعليقاته. (مرفق تعليق صندوق النقد على المقترح حينها).
محاولة انقلاب على مواقف سابقة للمجلس النيابي نفسه وكتله
سبق للجان المشتركة في المجلس النيابي في جلسة 6/12/2021 أن قرّرت أنّه لن يكون هناك قانون لضبط التحويلات والسحوبات، إلّا كجزء من خطة مالية شاملة تنفّذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وقد دعا نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي عقب الجلسة التي ترأسها آنذاك الحكومة إلى إرسال الخطّة المالية ونتيجة التفاوض مع صندوق النقد، في إشارة إلى قرار اللجان وجوب ربط المقترح بالخطّة. وأضاف: “أفهمت الحكومة هذا الكلام بشكل قاطع لا يرقى إليه أيّ شك. فكان المنطق الذي يقول نعم للكابيتال كونترول، نعم لضرورة إنشائه، ولكن بعد خطة اقتصادية تظهر فيها أرقام مقنعة تأتي إلى المجلس ونتأكّد من صحتها وسلامتها للحفاظ على حقوق المودعين”. وفي سياق الجلسة تلك، طالب النواب الحكومة بتقديم الخطة المالية إلى المجلس بدلاً من كابيتال كونترول مفصّل على قياس المصارف. كما توسعوا في النقاش في مصير الخطة المالية التي يفترض أن تكون أولوية الحكومة.
تكرر الأمر في جلسة للجان المشتركة 20/4/2022. آنذاك، رفض النواب مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول نفسه (موضوع تعديلات بو صعب) للسبب نفسه بعدما ربطوا إقرار الكابيتال كونترول بوجود خطة اقتصادية تظهر فيها أرقام مقنّعة تأتي إلى المجلس ليتأكّد من صحتها وسلامتها للحفاظ على حقوق المودعين. الحجة المباشرة كانت انتشار مسودة الخطة الحكومية، التي أشارتْ إلى تحميل خسائر المصرف المركزي والمصارف للمودعين. حينها، طالب النواب، وفي مقدمتهم إبراهيم كنعان وجورج عدوان وألان عون بالإطلاع رسمياً على الخطة، قبل الشروع بمناقشة قانون يضع قيودًا على السحوبات والتحويلات. إذ لا يُعقل أن يُشرّع المجلس قيوداً على المودعين، من دون التثبت من مبرراتها ومعرفة حقيقة تحميلهم مسؤولية الخسائر. وفي حين يُفترض أن وصلت الخطّة إلى المجلس النيابي بعد إقرارها في الجلسة الحكومية الأخيرة في 20/5/2022، يأتي إعادة النقاش في مشروع الكابيتال كونترول وعقد جلسة للّجان المشتركة حوله غدا من خارج سياق هذه الخطّة تماما ومن دون أي مناقشة لها.
خلاصة
إذ ذاك، إنّ المشروع كما ورد من الحكومة وكما يقترح نائب رئيس الحكومة الياس بو صعب تعديله ليس مشروع كابيتال كونترول حيث لا يطال أي هدف من أهداف ضبط الرساميل الفعلي كما يأتي من دون خطّة شاملة، بل هو محاولة تشريع لأمر واقع في مخالفة المصارف للقانون عبر الامتناع عن تسديد الودائع. لا بل أكثر من ذلك، يأتي هذا التشريع ليُبرئ ذمّة المصارف من إمكانية إعلان توقفها عن الدفع (إفلاسها) بعد وقوعها في حالة التوقف فعليا، كما يأتي بهدف آخر وهو تحصين المصارف تجاه الدعاوى القضائية المقامة ضدّها وبالأخص خارج لبنان، كلّ ذلك في محاولة انقلاب على ما كانت قرّرته اللجان النيابية سابقا لجهة عدم جواز إقرار القانون بمعزل عن خطّة شاملة.
[1] We are of the view that proposals to implement the capital control law and formalize the deposit withdrawals would need to be part of a broader set of policy measures and reforms in order for it to be viable and sustainable. We don't see the need to implement the capital control law now, especially without the support of appropriate fiscal, monetary and exchange-rate policies.
[2] It is difficult to assess the merit and overall impact of the draft law without the context of a comprehensive macro - economic reform plan that would allow us to see how these provisions fit in the overall strategy to adress the current macroeconomic imbalances, debt sustainability and financial stability.