المجالس البلدية والاختيارية نحو تمديد ثانٍ الثلاثاء: المسرحية انتهت
14/04/2023
خرجت القوى السياسية سريعاً من مرحلة المراوغة في التعامل مع استحقاق الانتخابات البلدية إلى مرحلة السعي فعلياً لتأجيلها. السيناريو بدا ركيكاً، لكنه أفضى إلى النتيجة المتوقّعة نفسها. كانت جلسة اللجان المشتركة، التي عقدت أول من أمس، نقطة الانطلاق العملية لقرار التمديد، الذي يُتوقع تنفيذه في الجلسة التشريعية التي يعقدها مجلس النواب يوم الثلاثاء المقبل. يبقى فقط حسم مسألة مدة التمديد. اقتراح القانون المُعجّل المقدّم من النائب الياس بو صعب يُحددها بـ 4 أشهر واقتراح القانون المعجّل المقدّم من النائبين جهاد الصمد وسجيع عطية يجعلها سنة كاملة. الاقتراحان قُدّما بُعيْد جلسة اللجان المشتركة التي تخللها "مسرحية" الخروج بخلاصة عدم القدرة على إنجاز الانتخابات. إذ أعلن أبو صعب في نهايتها أن "غياب وزير الداخلية أعطانا الأجوبة التي كنا ننتظرها" (اللجان كانت طلبت من وزير الداخلية بسام المولوي في الجلسة الماضية الإجابة على أسئلة محدّدة عن التحضيرات اللوجستية لإجراء الانتخابات).
بحسب ما تردّد في الجلسة، فإنّ عدم حضور وزيريْ الداخلية والمالية، كان جزءاً من لعبة تطيير الانتخابات. إذ أنّ وزير الداخلية موقفه معروف من جهوزيّة الوزارة لإجراء الانتخابات وحضوره لن يساهم في تسهيل مهمة التأجيل، هو الذي يفضّل أن لا يكون جزءاً من هذا القرار، وإن كان يدرك أنه الخيار الفعلي للجميع. وهو عاد وكرر موقفه من بكركي أمس، مؤكداً على "ضرورة إجرائها"، قائلًا "نحن جاهزون لإجرائها إدارياً". لكن هذه الجهوزية ربطها الوزير نفسه بالإشارة إلى أن "عدم وجود الإرادة السياسية لإجراء الانتخابات البلدية هو المعرقل الأساسيّ لهذه الانتخابات". وأضاف: "نحن بانتظار تأمين التمويل بمجرد وجوده تحلّ المشاكل البشرية واللوجستية".
وعلى ما يقول رئيس لجنة الداخلية والبلديات والدفاع جهاد الصمد ل "المفكرة القانونية"، فإنّ المشكلة المالية هي الأسهل بين المشاكل التي تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، مُذكّراً أنّ اللجنة كانت طالبتْ الحكومة "بتأمين المبالغ المطلوبة بكلّ الوسائل المتاحة". علماً أن وزارة الداخليّة سبق أن حدّدت كلفة الانتخابات بـ 8.89 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد بالمقارنة مع ما يبدّده مصرف لبنان من أموال على منصّة صيرفة يومياً، وهو يعادل نصف المبلغ الذي دُفع ثمناً لجوازات السفر من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي، والتي هُدر أغلبها بشكل مخالف للقانون (لم يبقَ من أصل 1.1 مليار دولار سوى نحو 300 مليون دولار).
بالنتيجة، إذا كانت كلفة الانتخابات ليست حجة كافية لتأجيلها، فإن الصمد يعتبر أن الأمور اللوجستية تُشكّل مشكلة فعلية، فقبل أقلّ من أسبوعين على إقفال باب الترشيح في محافظتي الشمال وعكار (26 نيسان)، لم يقدم أحد ترشيحه. والفترة الفاصلة لن تكون كافية لتأمين المساواة في الفرص لكل الراغبين في الترشح، فأقلام النفوس في المناطق لا تملك طلبات قيد كافية لإصدار إخراجات القيد المطلوبة لتقديم الترشيح. حتى إفادة ورود اسم المرشح في لوائح الشطب الخاصة بمنطقته من المتعذّر الحصول عليها، علماً أن حضور الموظفين في مراكز المحافظات والقائمقاميات يقتصر على يوم أو يومين في الأسبوع. أضِف أنّ تسديد رسم الترشيح لدى المُحتسب المالي في وزارة المالية غير ممكن أيضاً بسبب تقنين حضور هؤلاء، ما يؤدي بالنتيجة إلى شبه استحالة تأمين المستندات الخاصة بالترشيح في الوقت المتبقي قبل إقفال باب الترشيح. إضافة إلى ذلك، ستظهر مشاكل أخرى في أيام الاقتراع، فهي تحتاج إلى كادر بشريّ كبير لن يكون سهلًا ضمان مشاركته في ظلّ الإضرابات المستمرّة والتي قد تمتدّ إلى الانتخابات أيضاً. فإضراب الأساتذة، على سبيل المثال، دخل شهره الرابع من دون وجود أيّ أفق ينقذ العام الدراسي ومصير آلاف التلاميذ، وبالتالي لن يكون سهلاً استثناء الانتخابات من الإضراب. كذلك ليس مضموناً مشاركة القضاة في لجان القيد، بالرغم من تأكيد القاضية ماريز العم أمام لجنة الداخلية والبلديات أنّ "مجلس القضاء الأعلى عيّن القضاة في لجان القيد والقاضي الذي لا يريد المشاركة يُعيَّن بديلٌ عنه، وهذه اللجان باشرت عملها".
بهذه الخلفية، شارك النواب في جلسة اللجان المشتركة، التي جاءت لتضع اللبنة الأولى لتأجيل الانتخابات، حيث كانت المواقف النيابية، في أغلبها، مؤيدة لهذا التوجه، وكذلك كانت ممثلة وزير الداخلية فاتن يونس مسهّلة له، بإشارتها إلى أن الوزارة لا تملك أي مبلغ حتى اليوم".
وبالرغم من هذا التوجه، ظل وزير الداخلية مصرّاً على تجاهل الوقائع وغسل يده من أي مسؤولية عن التأجيل، فأصدر تعميماً، أمس، يُذكّر فيه أنه "لا ينطبق شرط ورود اسم المرشح في القائمة الانتخابية الخاصة بالبلدية التي يرغب في أن يكون عضواً في مجلسها على السيدات الراغبات في الترشح لعضوية مجلس بلدية سقطت أسماؤهن من القائمة الانتخابية الخاصة بها بسبب نقل سجلات قيد أحوالهن الشخصية حكما بالزواج إلى نطاق بلدية أخرى".
بالنتيجة، فإن التأجيل قد سلك طريقه القانونيّ، وإن بشكل مخالف للأصول. فعجز الحكومة عن إجراء الانتخابات يفترض أن تعبّر عنه هي بنفسها، من خلال إقرار مشروع قانون للتأجيل، يُحوّل إلى المجلس النيابي حسب الأصول، لا أن يتحمّل نواب هذه المسؤولية بالنيابة عنها من خلال تقديم مبادرات تشريعية. وقد قدّم في هذا الإطار اقتراحان (الأول قدمه الياس بو صعب والثاني قدمه النائبان سجيع عطية وجهاد الصمد) أشارا في أسبابهما الموجبة، وهي للمناسبة متطابقة حتى تكاد تكون كتبت بيد واحدة، إلى صعوبة إنجاز الاستحقاق الانتخابي. وهو ما اعتبر النائب جميل السيد أنه يجعل من المجلس النيابي "ممسحة" للحكومة، مشيراً إلى أنه "لا يشرفه حضور هكذا جلسة إذا حصلت". وتنص هذه الأسباب الموجبة إلى أنه "حيث أن إنجاز هذا الاستحقاق من قبل الحكومة (أسقط اقتراح عطية والصمد كلمة الحكومة مفضّلين عدم تحميلها المسؤولية) تعترضه الكثير من العقبات المالية والإدارية واللوجستية والنقص في الإمكانات البشرية، خاصة مع استمرار إضراب موظفي القطاع العام، وعدم جهوزية الأساتذة والموظفين للمشاركة في مراقبة هذه العملية، وحيث أنه تم تحديد موعد الجولة الأولى في بداية الشهر المقبل من دون أن يكون هنالك تقدير للقدرة على قبول طلبات الترشيح وتأمين مستنداتها مما يدل على عدم جديّة من قبلها (فات مقدمو الاقتراح الثاني، أي اقتراح عطية-الصمد، تعديلها، فلم يتضح من هي هذه الجهة التي لا جدية من قبلها رغم حذفهما الإشارة إلى مسؤولية الحكومة عدم إنجاز الاستحقاق) في إنجاز سليم لهذا الاستحقاق وحيث أن تأجيل هذه الانتخابات لمدة أربعة أشهر (سنة بحسب الاقتراح الثاني) يحول دون إمكانية حدوث فراغ عملي في البلديات والمجالس الاختيارية، بما يحفظ مصالح المواطنين وانتظام عمل هذه الإدارات المحلية…"
بالنتيجة، بدا جلياً أن ما دفع باتجاه حسم مسألة التأجيل وعدم انتظار اللحظات الأخيرة، هي موافقة كتلة لبنان القوي على حضور الجلسة وتغطية مسألة التأجيل، ما ضمن تأمين نصاب الجلسة. هذا مع العلم أن الاعتراضات جاءت من بعض النواب المحسوبين على قوى التغيير الذين اعتبروا أن التأجيل هو قرار سياسي بامتياز. وإذ اعترضت كتلة القوات اللبنانية، فإن اعتراضها بقي خافتا حيث أشار رئيسها بأن "مجلس الوزراء لم يقمْ بأيّ شيء جدّي لإجراء الانتخابات البلدية، محمّلاً إياه، بما يمثله، مسؤولية تطييرها وكل ما ينتج من ذلك من عدم تداول السلطة وتفعيل دور البلديات".
وكانت منظمات عدة، من بينها "المفكرة القانونية"، أصدرت بياناً أدانتْ فيه التوجّه إلى تأجيل الانتخابات، معلنة رفضها تبادل الأدوار بين الحكومة والمجلس ومشدّدة على ضرورة التزام وزارة الداخلية بالمواعيد التي أعلنت لإجراء الانتخابات. كما دعتْ الحكومة ومجلس النواب إلى تحمّل مسؤولياتهما وتأمين الأموال اللازمة لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد.
إلى ذلك، استمرّ المجلس في تنفيذ سيناريو التأجيل، من خلال مسارعة رئيس المجلس، بعد اجتماع اللجان، إلى تحديد موعد لجلسة هيئة مكتب مجلس النواب، الذي اجتمع أمس الخميس، وأقرّ جدول أعمال مختصرا للجلسة العامة يتضمن اقتراحيْ القانون المتعلقيْن بتأجيل الانتخابات، إضافة إلى ثلاثة اقتراحات تتعلق بتعديل قانون الشراء العام. وعليه، فإن المجالس البلدية التي كان يفترض أن تنتهي ولايتها في أيار 2022، ثم مُدّد لها حتى أيار 2023، سيتم التمديد لها مجدداً، على الأرجح حتى أيار 2024، ما يعني تلقائياً تمديد الفراغ في الكثير من البلديات، إذ تشير أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنه من 1059 بلدية في لبنان، ثمة 108 بلدية منحلّة إضافة إلى 31 بلدية مستحدثة بعد العام 2016، يُديرها القائمقام أو المحافظ.