تتواصل الدورة الاستثنائية للبرلمان حتى نيل الثقة: مخاطر الإفلات من العقاب

وسام اللحام

11/09/2021

انشر المقال
  بعد أكثر من سنة على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب عقب جريمة انفجار المرفأ، تمكّن أركان النظام السياسي اللبناني من التوافق على تشكيل حكومة صدرتْ بموجب المرسوم رقم 8376 تاريخ 10 أيلول 2021. لكن الحكومة الجديدة لا تعتبر حكومة مكتملة الصلاحيات كونها تستمر بتصريف الأعمال ريثما تتقدم ببيانها الوزاري وتحصل على ثقة مجلس النواب. فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 64 التي أضيفت سنة 1990 عملا بإتفاق الطائف على التالي: " وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها· ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال". جراء ما تقدم، يتبين لنا أن الحكومة الجديدة باتت ملزمة بإعداد بيانها الوزاري وإرساله إلى مجلس النواب خلال مهلة شهر تلي صدور مرسوم تشكيل الحكومة، علما أن ذلك لم يكن ضروريا قبل 1990 كون الدستور حينها كان يكتفي في المادة 66 القديمة من النص على أن  "يعد بيان خطة الحكومة ويعرض على المجلس بواسطة رئيس الوزراء أو وزير يقوم مقامه" دون تحديد مهلة زمنية ملزمة للحكومة. لكن الممارسة في لبنان منذ اقرار الدستور سنة 1926 درجت على مثول الحكومة أمام مجلس النواب خلال مهلة زمنية بسيطة عملا بأعراف النظام البرلماني التي كانت متبعة في فرنسا خلال الجمهورية الثالثة (1875-1940).   الدورة الاستثنائية وليدة الأعراف والطائف ولما كان تشكيل الحكومات هو حدث سياسي يمكن أن يتم في أي وقت من السنة وهو لا يخضع لمنطق دورات الانعقاد التي تحكم عمل مجلس النواب وفقا لأحكام المادة [1]32 من الدستور، كانت مراسيم تشكيل الحكومة تصدر أحيانا عندما يكون البرلمان خارج دورات الانعقاد ما يعني أنه لا يمكن له الاجتماع من أجل مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة ومنحها الثقة. وبما أنه من الضروري اختصار مدة تصريف الأعمال قدر الإمكان، درجت العادة أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي من أجل تمكين الحكومة من عرض بيانها الوزاري وحصولها على ثقة النواب. وغالبا ما كان مرسوم فتح الدورة الاستثنائية يتضمّن بندا صريحا يعلن أن مناقشة البيان الوزاري هو أول بند على جدول أعمال مجلس النواب كالمرسوم رقم 98 الصادر عن الرئيس إميل إده في 30 كانون الثاني 1937 من أجل دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي تستمر من 1 شباط إلى 3 شباط 1937 على أن يكون جدول الأعمال "حضور الوزارة لدى المجلس لاجل تلاوة بيانها وطرح مسألة الثقة"، وأيضا المرسوم رقم 4945 الصادر عن الرئيس فؤاد شهاب بتاريخ 4 اب 1960 على أن "يحدد برنامج أعمال الدورة الاستثنائية بالبيان الوزاري وبمشاريع قوانين فتح الاعتمادات الإضافية". جاء اتفاق الطائف كي يكرس هذه الممارسة ويتدارك مسألة ضرورة صدور مرسوم بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي في حال تمّ تشكيل الحكومة خارج دورات الانعقاد العادية فنصت الفقرة الأخيرة من المادة 69 الجديدة على التالي: "عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة"· ما يعني أن هذا العقد الحكمي ليس مخصصا كي يمارس مجلس النواب فيه صلاحياته التشريعية بل فقط لمواكبة عملية تشكيل الحكومة كما تم تبرير ذلك. لكن مجلس النواب نهج في السنوات الأخيرة على اعتبار أنه يحق له التشريع خلال هذا العقد الحكمي علما أن ذلك يظل نظريا موضع جدل دستوري.   إشكاليات الدورات الاستثنائية: لكن التجربة الحديثة أثبتت بأن مسألة اعتبار مجلس النواب في دورة انعقاد استثنائية مسألة إشكالية. لا بل قد تصبح خطيرة جدا تصب في خدمة المصالح السلطوية لأركان النظام الحاكم للأسباب التالية:
  • لا بد أولا من التشكيك بجدوى اعتبار مجلس النواب في عقد استثنائي فور استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة بينما الأجدى هو اعتباره مثلا في دورة استثنائية فور صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة. فقد صوّت مجلس النواب في 22 أيار 2021 على موقف ردّ به على رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون عرض فيها مشكلة تشكيل الحكومة والعقبات التي تعترضه للتوصل إلى اتفاق مع رئيس الحكومة المكلف سعد الدين الحريري. وقد أعلن مجلس النواب في ردّه التالي: " استنادا إلى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور، ولما لم يرد أيّ نصّ دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتّخاذ موقف منه (...) وباعتبار أن أي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا الآن بصدده...". ما يعني أن مجلس النواب يعترف صراحة أنه لا يستطيع دستوريّا أن يفعل أيّ شيء خلال تشكيل الحكومة، أي أن العقد الاستثنائي الحكمي يفقد جدواه كونه لا يمكنه أن يقدّم أي حلّ دستوري لحالة عدم التوافق التي قد تنشب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. وهكذا نفهم أن هدف العقد الاستثنائي الحكمي هو تمكين مجلس النواب من الاجتماع للتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة دون دعوة من السلطة التنفيذية، وليس "مواكبة تشكيل الحكومة" كونه لا يمكنه لا سحب التكليف من رئيس الحكمة المكلف ولا إرغام رئيس الجمهورية على توقيع مرسوم تشكيل الحكومة.
  • يؤدي وجود مجلس النواب في عقد استثنائي حكمي مفتوح إلى إعطاء المادة 40 من الدستور المتعلقة بالحصانة النيابية بُعدا لم يكن أبدا في نية المشترع ولا هو يتوافق مع روحية الدستور. فقد نصّت المادة 40 على التالي: "لا يجوز أثناء دورة الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليـه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خـلا حالـة التلبس بالجريمة". أي أن المرجع القضائي المختصّ لا يمكن له اتخاذ اجراءات بحق النائب، كإصدار مذكرة بتوقيفه مثلا، عندما يكون مجلس النواب منعقدا في دورة عادية أو استثنائية. وبما أن تشكيل الحكومات في لبنان بات يحتاج إلى فترة زمنية طويلة جدا تمتدّ على أشهر فإن ذلك بات يعني تلقائيا استمرار الدورة الاستثنائية الحكمية وتمديد الفترة التي يتمتع بها النائب بحصانته التي لا يمكن رفعها إلا بعد موافقة البرلمان، ما يعني عمليا إفلات النائب من المحاسبة القضائية.
  خلاصة جراء ما تقدم يتبين لنا أن العقد الاستثنائي الحكمي منذ استقالة الحكومة هو لزوم ما لا يلزم كونه وجد فقط من أجل تمكين الحكومة من الحصول على الثقة دون الحاجة إلى صدور مرسوم بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي. فمجلس النواب، بما خص تشكيل الحكومة، اعترف صراحة أنه لا يمكن له أن يتخذ أي اجراء، ما يعني أن هذا العقد الحكمي كان يجب اختصاره قدر الإمكان وحصره فقط بفترة زمنية محدودة تنطلق مع صدور مرسوم تشكيل الحكومة وليس منذ استقالة الحكومة. وقد بات جليا كيف استخدمت السلطة الحاكمة العقد الحكمي لعرقلة عمل المحقق العدلي طارق البيطار بحيث حرفت النص الدستوري عن هدفه متذرعة بوجود المجلس في دورة انعقاد استثنائية وضرورة حصول القضاء على موافقة المجلس من أجل اتخاذ اجراءات جزائية بحق النواب الذين طلب المحقق العدلي برفع الحصانة عنهم. فلو لم يكن العقد الحكمي قد أدخل إلى الدستور عملا بتعديلات 1990 لكان بإمكان المحقق العدلي ملاحقة هؤلاء النواب مباشرة منذ انتهاء العقد العادي الأول نهاية أيار الفائت. والأخطر من ذلك أن مجلس النواب سيدخل في العقد العادي الثاني بتاريخ 19 تشرين الأول المقبل بينما لا نعلم متى سيتم فعليا منح الحكومة الثقة من أجل انتهاء العقد الحكمي وهو أمر قد يطول نظريا حتى منتصف شهر تشرين الأول. ويخشى أن يتمّ هدر الوقت من أجل وصل العقد الحكمي بالعقد العادي الذي يستمر حتى نهاية السنة ومواصلة عرقلة عمل قاضي التحقيق، وهو ما امتهنه أركان النظام الحاكم في لبنان الذين غالبا ما يستخدمون الحجة القانونية من أجل تحصين مواقعهم داخل السلطة.     [1]  "يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة العقد إلى آخر السنة"